«بالأمسِ... كنتُ هنا»... رواية الكاتبة زينب حفني زمكانية الحبّ والانتقام

«بالأمسِ... كنتُ هنا»... رواية الكاتبة زينب حفني  زمكانية الحبّ والانتقام

«بالأمسِ... كنتُ هنا»، الصادرة عام 2020 عن دار نوفل للنشر في بيروت، نوعٌ من السرد المانح الجاذب، والساردة/ الكاتبة زينب حفني، وفي مجملِ سردها الباذخِ في بساطتهِ العميقة، فإنَّ الكلمة، والفكرة، والعاطفة، والجسد، كُلها في تناغمٍ راقٍ، وخليط بديع يُضيء في وقتٍ واحدٍ، ليبدو الساردُ والساردة معًا لازمنيين!
 وإذا كانَ فلوبير، حين كتب «مدام بوفاري»، كما يقولُ عنه روبرت ستيفنسن «في الغالب في واقعية كئيبة بعض الشيء»، فإنَّ زينب حفني، في الغالب، واقعيّة جارحة مُستَفِزة صادمة، تُحرّك مياه الواقع الراكدة، بل تجددها، وتُفجّرُ في جملٍ بركانية نتاج قوة نصّية عددًا لا يُحصى من التساؤلات، وهذا يُحسبُ لها كمبدعة من طراز رفيع، إذ إنّ جمال الإبداع أنْ يظل سؤالًا حائرًا متشعبًا، والإجابة ظامئة مُتلهفة مُتعددة أبدًا!

يرى‭ ‬إمبرتو‭ ‬إيكو‭ ‬أنَّ‭ ‬الحزنَ‭ ‬يبدأ‭ ‬عندما‭ ‬تنتهي‭ ‬الرواية‭!‬

أرادت‭ ‬الكاتبة‭ ‬والروائية‭ ‬زينب‭ ‬حفني‭ ‬أن‭ ‬تُغيّر‭ ‬في‭ ‬فرضية‭ ‬إيكو‭ ‬لتبدأ‭ ‬الرواية‭ ‬بالحزن،‭ ‬بالموت‭ ‬في‭ ‬إيقاع‭ ‬مثير‭ ‬ممتدٍ‭ ‬قد‭ ‬يحجبُ‭ ‬حتى‭ ‬غيوم‭ ‬الفرح‭ ‬القادم‭ ‬لتمطرَ‭ ‬بعيدًا‭... ‬وبفقهِ‭ ‬السرد‭ ‬وحكمة‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬بداية،‭ ‬لا‭ ‬بالنسبةِ‭ ‬للأشياء،‭ ‬ولا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للناس،‭ ‬ولا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للزمان‭ ‬والمكان‭. ‬حزنُ‭ ‬الابنة‭ ‬ياسمين،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬جاسمين‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬وموت‭ ‬الأم‭ ‬حياة،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مريام،‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬حسرة‭ ‬وألمًا‭ ‬وندمًا‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬الابنة،‭ ‬بل‭ ‬حزنَ‭ ‬على‭ ‬فراقها‭ ‬كلّ‭ ‬مَن‭ ‬عاشرت‭ ‬وصادقت‭ ‬وجاورت؛‭ ‬سوزان‭ ‬وإميليا‭ ‬وغيرهما‭ ‬كثير‭:‬

‮«‬تحسّرتْ‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬أمّها‭ ‬المبكر،‭ ‬لمْ‭ ‬تزل‭ ‬أمّها‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬عمرها‮»‬‭ (‬ص‭ ‬12‭).‬

‭ ‬والموت‭ ‬الوحش‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرحمُ‭ ‬بحكمةِ‭ ‬الرواية،‭ ‬هو‭ ‬المنتصرُ‭ ‬الوحيد‭ ‬بفقهِ‭ ‬فلاسفة‭ ‬العصر‭ ‬أيضًا،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬مستحيلة‭ ‬بلا‭ ‬موت،‭ ‬وأنَّ‭ ‬في‭ ‬الموت‭ ‬حياة،‭ ‬والحياة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلّا‭ ‬موت،‭ ‬فإن‭ ‬إيمانويل‭ ‬كوتشيا‭ ‬يرى‭ ‬أيضًا‭ ‬أنَّ‭ ‬‮«‬الموتَ‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الأوجه‭ ‬العديدة‭ ‬للقوة‭ ‬التي‭ ‬تدفعنا‭ ‬للحياة‮»‬‭.‬

 ‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬بالأمسِ‭... ‬كنتُ‭ ‬هنا‮»‬‭ ‬جدلُ‭ ‬الحُبّ‭ ‬واللاحب،‭ ‬جدلُ‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬والحزن‭ ‬والفرح،‭ ‬واليأس‭ ‬والأمل،‭ ‬والحضور‭ ‬والغياب‭... ‬والكلّ‭ ‬نقيض‭ ‬الآخر‭!‬

  ‬الحُبّ‭ ‬لا‭ ‬تعريف‭ ‬لهُ‭ ‬بفقهِ‭ ‬السردِ‭ ‬غير‭ ‬الحياة،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬جوع‭ ‬الحياة‮»‬‭ - ‬حسب‭ ‬ماريو‭ ‬فرغاس‭ ‬يوسا‭ - ‬والموت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬إلّا‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬مثقلٌ‭ ‬بنواياه‭ ‬وكمائنه‭ ‬المقيتة،‭ ‬وتعجزُ‭ ‬الحياة‭ ‬بكلّ‭ ‬كيمياء‭ ‬بهجِتها‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬حياته،‭ ‬يخشى‭ ‬الموتُ‭ ‬فقط‭ ‬سهامَ‭ ‬الحبّ،‭ ‬ويعجز‭ ‬الموتُ‭ ‬عن‭ ‬موتهِ‭:‬

‮«‬لماذا‭ ‬للموتِ‭ ‬كلّ‭ ‬هذهِ‭ ‬الرهبة؟‭ ‬لِمَ‭ ‬عندما‭ ‬يموت‭ ‬مَن‭ ‬نُحبّهم‭ ‬تصيبنا‭ ‬صدمة‭ ‬عدم‭ ‬تصديق‭ ‬ما‭ ‬حدث؟‭ ‬هل‭ ‬لاعتقادنا‭ ‬بأنّ‭ ‬الموت‭ ‬عاجزٌ‭ ‬عن‭ ‬الاقتراب‭ ‬ممّن‭ ‬نحبّ؟‮»‬‭ (‬ص‭ ‬13‭).‬

  ‬الأم‭ ‬مريام‭ ‬ببلاغة‭ ‬مفردات‭ ‬وجمل‭ ‬السّرد‭ ‬الخرافي،‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬أحلام‭ ‬جاسمين‭ ‬المؤجلة،‭ ‬بل‭ ‬السجينة،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬حرية‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنعمُ‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬وحدها،‭ ‬وبعناد‭ ‬حتى‭ ‬الملل،‭ ‬ظانّة‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تنتقمُ‭ ‬من‭ ‬ماضيها،‭ ‬وبفقهِ‭ ‬السرد‭ ‬كانت‭ ‬تنتقمُ‭ ‬من‭ ‬نفسها،‭ ‬وتساوم‭ ‬بذهبِ‭ ‬عمرها،‭ ‬منعت‭ ‬جاسمين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقيمَ‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬مع‭ ‬أصدقاء‭ ‬وصديقات،‭ ‬وكانت‭ ‬العائق‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬ابنتها‭ ‬حلمها‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والمستقبل‭ ‬والحياة،‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬غيرة،‭ ‬بل‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬ابنتها‭ ‬امتدادًا‭ ‬محزنًا‭ ‬لحياتِها‭: ‬‮«‬لنْ‭ ‬تَجدي‭ ‬قلبًا‭ ‬يُحبّكِ‭ ‬كأمّك‮»‬‭ (‬ص‭ ‬16‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬تُذكر‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬سيث‮»‬‭ ‬بطلة‭ ‬رواية‭ ‬محبوبة‭ ‬لتوني‭ ‬موريسون،‭ ‬التي‭ ‬ذبحتْ‭ ‬طفلتها‭ ‬لتجنبها‭ ‬مصيرَ‭ ‬العبودية‭... ‬ومريام‭ ‬وضعت‭ ‬قيودًا‭ ‬في‭ ‬يديّ‭ ‬جاسمين‭ ‬ذبحٌ‭ ‬من‭ ‬نوعٍ‭ ‬آخر،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬حُبٍّ‭ ‬يجني‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬جنى‭ ‬على‭ ‬أمّها‭.‬

و«لا‭ ‬توجد‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬تخيّل‭ ‬العواطف‮»‬‭ (‬ج‭.‬م‭. ‬كوتسي‭).‬

جاسمين‭ ‬وستيف‭ ‬لحظات‭ ‬رومانسية‭ ‬منتزعة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬فكيّ‭ ‬زمنها‭ ‬القاسي،‭ ‬هبة‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬لها‭ ‬إلهًا،‭ ‬ومعابدهُ‭ ‬المضيئة‭ ‬داخل‭ ‬روحها،‭ ‬وقتٌ‭ ‬خرجَ‭ ‬بجرأةٍ‭ ‬من‭ ‬وقتهِ،‭ ‬إثر‭ ‬نبضِ‭ ‬روح‭ ‬كهرباء‭ ‬فرحٍ‭ ‬بالحياة،‭ ‬فقط‭ ‬لكسر‭ ‬اللحظاتِ‭ ‬القاتمة،‭ ‬وزوال‭ ‬آلام‭ ‬حزن‭ ‬فقد‭ ‬الأمّ‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬ثقيلًا‭.‬

‭ ‬تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬كاميلي‭ ‬بايليا‭: ‬‮«‬الكونُ‭ ‬مصنوعٌ‭ ‬من‭ ‬ذكورة‭ ‬وأنوثة،‭ ‬من‭ ‬سماء‭ ‬وأرض‭... ‬ووفقًا‭ ‬لنظرية‭ ‬نيتشه‭ ‬بوجود‭ ‬عالم‭ ‬أبولوني،‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬النظام‭ ‬الذكوري‭ ‬والسلطة‭ ‬المهيكلة‭ ‬المستقيمة،‭ ‬وعالم‭ ‬ديونيزي،‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬الأنوثة‭ ‬الفوضوي‭ ‬والقوى‭ ‬الشيطانية‭ ‬والخطوط‭ ‬المنحنية‮»‬‭.‬

  ‬وبطلة‭ ‬‮«‬بالأمسِ‭... ‬كنتُ‭ ‬هنا‮»‬‭ ‬الأمّ‭ ‬مريام‭ ‬في‭ ‬بورتريه‭ ‬جاذبٍ،‭ ‬بألوان‭ ‬الحلم،‭ ‬وقد‭ ‬أربكتهُ‭ ‬قضايا‭ ‬وإشكالات‭ ‬الذكورة‭ ‬والأنوثة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬والسعودي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬حين‭ ‬تطفح‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬المجتمع‭ ‬بشكلٍ‭ ‬استفزازي‭ ‬مهين‭ ‬فوارق‭ ‬‮«‬الذكورة‭ - ‬الرجل‮»‬‭ ‬و‮«‬الأنوثة‭ - ‬المرأة‮»‬،‭ ‬جسدتها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬جليٍّ‭ ‬فاضحٍ‭ ‬ولادة‭ ‬الابن‭ ‬ياسين‭ (‬أخو‭ ‬الراوية‭ ‬حياة‭) ‬وعلى‭ ‬إيقاع‭ ‬دموع‭ ‬الأنوثة‭ ‬المظلومة‭ ‬أضحى‭ ‬حلمُ‭ ‬الولادة‭ ‬كابوسًا‭ ‬نهاريًا‭ ‬ليليًا،‭ ‬حين‭ ‬أصيب‭ ‬الطفل‭ ‬بمرض‭ ‬التوحد‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬المعاناة‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬شفائهِ،‭ ‬فأنَّ‭ ‬الأمل‭ ‬الذي‭ ‬يرعى‭ ‬الأب‭ ‬شجرتَهُ‭ ‬التي‭ ‬فاجأها‭ ‬خريفٌ‭ ‬مبكرٌ،‭ ‬أضحى‭ ‬سحابة‭ ‬مراوغة‭ ‬ذهبت‭ ‬لتمطر‭ ‬في‭ ‬ناحيةٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬وبات‭ ‬عالم‭ ‬الذكورة‭ ‬البطريكي‭ ‬مجرد‭ ‬رهان‭ ‬على‭ ‬الخلود‭ ‬والديمومة،‭ ‬والأنوثة‭ ‬‮«‬الشكل‭ ‬الأسمى‭ ‬للوجود‮»‬‭ ‬بفلسفة‭ ‬ابن‭ ‬عربي‭ ‬فاقدة‭ ‬لفيتامين‭ ‬الحياة‭ ‬والاستمرار‭ ‬والأمل،‭ ‬كما‭ ‬يُقرأ‭ ‬في‭ ‬نزيف‭ ‬ذاكرة‭ ‬الأب‭:‬

‮«‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬وقتها‭ ‬توهّمتُ‭ ‬أنَّ‭ ‬الله‭ ‬أرادَ‭ ‬أن‭ ‬يقتصَّ‭ ‬من‭ ‬أبي،‭ ‬لأنهُ‭ ‬لم‭ ‬يرضَ‭ ‬بعطيته،‭ ‬كان‭ ‬يُردد‭ ‬لمَن‭ ‬حوله‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬تنقطع‭ ‬ذرّيتي‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬بموتي،‭ ‬البنات‭ ‬لا‭ ‬يستطعن‭ ‬تخليد‭ ‬أسماء‭ ‬آبائهن‮»‬‭ (‬ص‭ ‬39‭).‬

‭ ‬الروائية‭ ‬زينب‭ ‬حفني‭ ‬شديدة‭ ‬البراعة‭ ‬لحظة‭ ‬تقمّص‭ ‬عواطف‭ ‬أبطالها‭ ‬وشخصياتها‭ ‬والذين‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬جنسِها،‭ ‬وفي‭ ‬أسلوب‭ ‬السرد‭ ‬الباذخ‭ ‬في‭ ‬إضاءاته،‭ ‬يشعر‭ ‬القارئ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬دخل‭ ‬لها‭ ‬بحركة‭ ‬شخصياتها،‭ ‬لأنّها‭ ‬تمنحها‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الودّ‭ ‬والحرية‭ ‬والشفافية‭ ‬الكافية،‭ ‬بل‭ ‬تفسح‭ ‬المجال‭ ‬لها‭ ‬للتعبير‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بكل‭ ‬جرأةٍ‭ ‬وحريةٍ،‭ ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬بفعل‭ ‬سحر‭ ‬كاميرا‭ ‬الذات‭/ ‬الكاتبة،‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬ديان‭ ‬كوري‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬ضرورة‭ ‬الإحساس‭ ‬بعواطف‭ ‬الشخصيات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إظهار‭ ‬مكان‭ ‬سير‭ ‬الأحداث‭ ‬بواسطة‭ ‬كاميرا‭ ‬الذات‮»‬‭.‬

بفقهِ‭ ‬نشيد‭ ‬الإنشاد‭: ‬‮«‬إنَّ‭ ‬الحبَّ‭ ‬عنيفٌ‭ ‬كالموت‮»‬‭!‬

هذا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الحُبُّ‭ ‬جوعَ‭ ‬الحياة،‭ ‬وكيمياءَ‭ ‬الوجود،‭ ‬وأجمل‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬عزفهُ‭ ‬شريان‭ ‬الكون،‭ ‬ولم‭ ‬يكنْ‭ ‬خيالًا‭ ‬أو‭ ‬وهمًا،‭ ‬والمحبوب‭ ‬والمعشوق‭ ‬شبحًا،‭ ‬ظلًا‭: ‬‮«‬ترعرعَ‭ ‬حُبّ‭ ‬طارق‭ ‬بقلبي‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الأيام‮»‬‭ (‬ص‭ ‬55‭).‬

‭ ‬الحُبّ‭ ‬الذي‭ ‬صنوُ‭ ‬الحياة،‭ ‬بل‭ ‬تستحيلُ‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دونه،‭ ‬ويسرا‭ ‬الأخت‭ ‬التي‭ ‬سرقت‭ ‬الحبّ‭/ ‬الأمل‭ ‬وفازت‭ ‬بعطر‭ ‬الحبيب‭ ‬والفارس‭ ‬المنتظر،‭ ‬بقصدٍ‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قصد،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬قدرٍ‭ ‬من‭ ‬الذكاء،‭ ‬وكانت‭ ‬سيدة‭ ‬المغامرة‭ ‬العذبة‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬العواطف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحكم‭ ‬بقوةٍ‭ ‬فاقت‭ ‬قوة‭ ‬نيرون،‭ ‬وقد‭ ‬فاض‭ ‬لحمُ‭ ‬روحها‭ ‬المتيمة‭ ‬العاشقة‭ ‬بعطر‭ ‬سعادة‭ ‬صعبة‭ ‬الاحتمال‭.‬

  ‬وللعاطفة‭ ‬لغةٌ‭ ‬فاتنة‭ ‬لا‭ ‬تكذبُ‭ ‬وصعبة‭ ‬التأويل،‭ ‬وتربتها‭ ‬نضارة‭ ‬الروح‭ ‬والجسدِ‭ ‬معًا،‭ ‬والبطلة‭ ‬حياة‭ ‬نهب‭ ‬عواصف‭ ‬حبّ‭/ ‬خيال،‭ ‬حفرَ‭ ‬في‭ ‬لحم‭ ‬جسدها‭ ‬قدرًا‭ ‬مميتًا‭ ‬من‭ ‬الكراهية،‭ ‬والحقد،‭ ‬والانتقام،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تسطرهُ‭ ‬أصابعُها‭ ‬المرتعشة‭ ‬على‭ ‬صفحاتِ‭ ‬كتابٍ‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬إلّا‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬نشرٍ‭ ‬الغياب،‭ ‬وقد‭ ‬صاغت‭ ‬حروفه‭ ‬حياة‭ ‬بحبر‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬هُزمت،‭ ‬وصُدمت‭ ‬عاطفيًا،‭ ‬وأضحت‭ ‬وليمة‭ ‬المشاعر‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬الفراغ‭... ‬وللحقدِ‭ ‬قوى‭ ‬خفية‭ ‬طاغية،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬وجهة‭ ‬نظر‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الروائي‭ ‬ج‭. ‬م‭. ‬كوتسي،‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬كلّ‭ ‬المخلوقات،‭ ‬وكل‭ ‬مكونات‭ ‬ومظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬لها‭ ‬وجهة‭ ‬نظر،‭ ‬للبقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‮»‬‭!‬

  ‬وقد‭ ‬خرج‭ ‬الحقدُ‭ ‬بوجهة‭ ‬نظرهِ،‭ ‬واستعجل‭ ‬دعوة‭ ‬المرضِ،‭ ‬بل‭ ‬الموت‭ ‬للأخت‭ ‬يسرا‭ ‬ولم‭ ‬يعُد‭ ‬دمعُ‭ ‬حياة‭ ‬الحجريّ‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭ ‬المغفرة‭ ‬أبدًا‭... ‬ويُكافأ‭ ‬الحبّ‭/ ‬الوهم‭ ‬بمراسم‭ ‬الموتِ‭ ‬العاجل،‭ ‬ولحياة‭ ‬الواهمة‭ ‬الحالمة‭ ‬كلّ‭ ‬الوقت،‭ ‬ووقت‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تذرف‭ ‬دمعها،‭ ‬وتتجرّع‭ ‬كؤوس‭ ‬الألم‭ ‬والحيرة‭ ‬والذنب‭ ‬والندم‭: ‬‮«‬لمْ‭ ‬أتقبّل‭ ‬وقتها‭ ‬فكرة‭ ‬موتك‮»‬‭ (‬ص‭ ‬124‭).‬

الحُبُّ‭/ ‬الوهم‭ ‬يصبحُ‭ ‬تاريخًا،‭ ‬والمشاعر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬في‭ ‬إجازةٍ‭ ‬مفتوحة،‭ ‬عبر‭ ‬لغةٍ‭ ‬سرديةٍ‭ ‬ماتعة‭ ‬جاذبة‭ ‬وموحية،‭ ‬توصلُ‭ ‬بين‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬بل‭ ‬زمكانية‭ ‬حبٍّ‭ ‬وهمٍ،‭ ‬ذكرى،‭ ‬وانتقام،‭ ‬بقلعةٍ‭ ‬وجنودٍ‭ ‬تتريين‭... ‬نزيف‭ ‬قريحةٍ‭ ‬ساردة‭/ ‬ناصّة‭ ‬آثرت‭ ‬هذا‭ ‬الإيقاع‭ ‬التراجيدي‭ ‬لعلاقتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعاطفية‭ ‬بالرواية‭:‬

‮«‬رضخَ‭ ‬طارق‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬تسلّمت‭ ‬ورقة‭ ‬طلاقي‭ ‬في‭ ‬القنصلية‭ ‬السعودية‮»‬‭ (‬ص‭ ‬133‭).‬

ولأنَّ‭ ‬الزمن،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬فاليري‭: ‬‮«‬شيطان‭ ‬التوفيقات‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‮»‬،‭ ‬فإنَّ‭ ‬لقاءات‭ ‬ولحظات‭ ‬الحبّ‭ ‬الجديد‭ ‬ومريام‭ ‬ومايكل‭ ‬فارساهُ‭ ‬الأشقران،‭ ‬وقد‭ ‬بدت‭ ‬اللقاءات‭ ‬متتابعة‭ ‬ومتلاحقة،‭ ‬يُحدّد‭ ‬لها‭ ‬نبض‭ ‬قلبيهما‭ ‬الأمكنة‭ ‬المخملية،‭ ‬وتختفي‭ ‬في‭ ‬ظلالها‭ ‬الأزمنة‭ ‬الماضية،‭ ‬تنغّمها‭ ‬موسيقا‭ ‬فرانك‭ ‬سنترا‭... ‬أصبحت‭ ‬البطلة‭ ‬حياة‭ ‬الأمس‭ ‬مريام‭ ‬باركر‭ ‬اليوم‭ ‬والمستقبل،‭ ‬متخذة‭ ‬من‭ ‬لقب‭ ‬عائلة‭ ‬الزوج‭ ‬الأمريكي‭ ‬اسمًا‭ ‬جديدًا‭... ‬وحياة‭ ‬الترف‭ ‬والحرية‭ ‬والحبّ‭ ‬الحقيقي‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬مريام‭ ‬أو‭ ‬أنّها‭ ‬تسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬منها،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬صلةِ‭ ‬الرحمِ،‭ ‬والتنصّل‭ ‬من‭ ‬الأهل،‭ ‬والتضحية‭ ‬بالهوية‭/ ‬الأصل،‭ ‬وهي‭ ‬تدري‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬تزدادُ‭ ‬انتقامًا‭ ‬من‭ ‬نفسها،‭ ‬وليسَ‭ ‬من‭ ‬ماضيها،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬ذكرياتها‭ ‬القديمة،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬ترتد‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬كتب‭ ‬الفقه‭ ‬والسنّة‭ ‬وعلماء‭ ‬الدين،‭ ‬حين‭ ‬تختار‭ ‬دينًا‭ ‬غير‭ ‬الإسلام،‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لعاطفتها‭ ‬ودمها‭ ‬ورحمها‭ ‬بهِ‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬ولا‭ ‬بعيد،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬بقراءة‭ ‬واقعها‭ ‬وعواطفها‭ ‬المضطربة‭ ‬انتماء‭ ‬زخرفيًا‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقط‭ ‬لمجاملة‭ ‬زوجها‭ ‬المسيحي‭ ‬البروتستانتي،‭ ‬وقد‭ ‬صاغت‭ ‬سؤالها‭ ‬المرّ‭ ‬وإجابتهُ‭ ‬أكثر‭ ‬مرارة،‭ ‬وهي‭ ‬رغبتها‭ ‬للتنصّل‭ ‬من‭ ‬ماضيها‭ ‬القاسي‭ ‬كما‭ ‬تظنّ،‭ ‬وما‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬قساوة‭ ‬ومرارة‭... ‬وكان‭ ‬سؤال‭ ‬الزوج‭ ‬أكثر‭ ‬عقلًا‭ ‬وأوقع‭ ‬بلاغة‭: ‬‮«‬هل‭ ‬أنتِ‭ ‬جادة؟‭ ‬فكّري‭ ‬جيدًا،‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬تهمني‭ ‬ديانتك،‭ ‬فهذه‭ ‬حريتك‭ ‬الشخصية‮»‬‭ (‬ص‭ ‬152‭).‬

  ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬فإنَّ‭ ‬القلب‭ ‬لم‭ ‬يستنر‭ ‬بشعلة‭ ‬العقل،‭ ‬وظنت‭ ‬مريام‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬قراراتها‭ ‬الخاطئة‭ ‬وغير‭ ‬المدروسة،‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تنتقم‭ ‬من‭ ‬ماضيها،‭ ‬من‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬ذاكرتها،‭ ‬فانتقمت‭ ‬من‭ ‬نفسِها‭ ‬وبنتِها،‭ ‬وما‭ ‬صنعتهُ‭ ‬يداها‭ ‬الملطختان‭ ‬بوحل‭ ‬الذنب،‭ ‬جلب‭ ‬عليها‭ ‬غيومًا‭ ‬سوداء،‭ ‬مثقلة‭ ‬بأمطار‭ ‬الرعب‭ ‬والخوف‭ ‬والقلق‭ ‬بلا‭ ‬انتهاء‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬‮«‬الحب‭/ ‬الوهم‮»‬‭ ‬طارق‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الحبّ‭ ‬الحقيقي‮»‬‭ ‬مايكل،‭ ‬وحياة‭/ ‬مريام‭ ‬لم‭ ‬تتغير،‭ ‬ولم‭ ‬ولنْ‭ ‬تتحرر‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الانتقام‭ ‬والغضب‭ ‬والحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬والذكريات،‭ ‬والماضي‭ ‬سيف‭ ‬صدئ‭ ‬مُصلَت،‭ ‬يحرثُ‭ ‬في‭ ‬لحم‭ ‬روحها‭ ‬بعمق‭ ‬أنانيتها،‭ ‬وقد‭ ‬نالت‭ ‬عقوبتها،‭ ‬ليس‭ ‬فيما‭ ‬يعانيه‭ ‬الزوج‭/ ‬حبّها‭ ‬الجديد‭ ‬مايكل‭ ‬من‭ ‬عقمٍ‭ ‬لا‭ ‬شفاء‭ ‬منه‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬العقوبة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬هي‭ ‬رحيل‭ ‬الأمل،‭ ‬وما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬رهانٍ‭ ‬خاسر‭ ‬على‭ ‬الانتقام،‭ ‬موت‭ ‬مايكل،‭ ‬وتتوالى‭ ‬ضربات‭ ‬الخالق‭ ‬العظيم،‭ ‬وليس‭ ‬القدر،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬موجعة‭ ‬قوية‭.‬

تُرى‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬مريام‭/ ‬حياة‭ ‬تُحبُّ‭ ‬فعلًا؟

سؤال‭ ‬إشكالي،‭ ‬لشخصية‭ ‬روائية‭ ‬أكثر‭ ‬إشكالية‭... ‬نعم‭ ‬أحبّت،‭ ‬وبدت‭ ‬أسيرة‭ ‬نزوة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الذات،‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تُحبّ‭ ‬وكفى،‭ ‬شابًا‭ ‬جميلًا‭ ‬بمواصفات‭ ‬عصرها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تختبر‭ ‬وتنظر‭ ‬في‭ ‬عقارب‭ ‬ترمومتر‭ ‬عاطفتِها،‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تجرّب‭ ‬وأن‭ ‬تكتوي‭ ‬بجمر‭ ‬الأحاسيس،‭ ‬وعندما‭ ‬وجدت‭ ‬أنها‭ ‬أخطأت‭ ‬الهدف،‭ ‬وأنَّ‭ ‬سهام‭ ‬حُلمها‭ ‬تاهت‭ ‬في‭ ‬الفراغ،‭ ‬آثرت‭ ‬الانتقام،‭ ‬ودوختها‭ ‬سموم‭ ‬أفعى‭ ‬الغيرة،‭ ‬والحقد،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تُدرك‭ ‬حرفًا‭ ‬من‭ ‬فلسفة‭ ‬الحبّ‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وبفقهِ‭ ‬السرد‭ ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تُحب‭ ‬أصلًا‭...! ‬ومريام‭ ‬وحياتها‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬برؤى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬زيجمونت‭ ‬باومان‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬سائلة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تحول‭ ‬وتجعل‭ ‬الفرد‭ ‬مجرّد‭ ‬سلعة‭... ‬كلّ‭ ‬هذا‭ ‬ضخّمَ‭ ‬من‭ ‬دفق‭ ‬مشاعر‭ ‬الانتقام،‭ ‬وإصرارها‭ ‬عليه‭ ‬بدا‭ ‬فاضحًا‭ ‬كريهًا،‭ ‬فلماذا‭ ‬تستغرب‭ ‬مريام‭ ‬هذا‭ ‬الهدر‭ ‬لأيام‭ ‬وليالي‭ ‬العمر،‭ ‬وهذا‭ ‬اليأس‭ ‬الذي‭ ‬كره‭ ‬يأسَهُ‭!‬؟

 

‮«‬بالأمس‭... ‬كنتُ‭ ‬هُنا‮»‬‭... ‬حكاية‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬خيالًا‭ ‬مركزًا‭...! ‬والروائية‭ ‬التي‭ ‬بدتْ‭ ‬هيَ‭ ‬نصّها،‭ ‬تعيشُ‭ ‬الحكاية‭ ‬بتلصّصٍ‭ ‬ذكيّ‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬شخصياتها،‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬تسبرُ‭ ‬غور‭ ‬دهاليزه‭ ‬الطويلة،‭ ‬فقط‭ ‬لتضيئها‭ ‬بنصٍّ‭ ‬مدهشٍ‭... ‬كتابة‭ ‬مغايرة،‭ ‬تبقى‭ ‬وتعيش‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬عاشتهُ‭ ‬وتعيشهُ‭ ‬شخصياتها،‭ ‬وفيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تصدّعات‭ ‬ذاتها‭... ‬وهي‭ ‬تكتبُ‭ ‬سردها‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬الحُلم‭ ‬والتأمّل‭ ‬والإيحاء،‭ ‬والإثارة،‭ ‬لتصبح‭ ‬الكلماتُ‭ ‬جسدَها‭ ‬وروحها‭ ‬معًا‭.‬

‮«‬بالأمسِ‭... ‬كنتُ‭ ‬هنا‮»‬‭ ‬رواية‭ ‬الواقعية‭ ‬الصادمة‭ ‬والجارحة‭ ‬والمُستَفِزِة‭ ‬بامتياز‭!‬

والروائية‭ ‬المتميزة‭ ‬زينب‭ ‬حفني،‭ ‬بكلّ‭ ‬جنود‭ ‬جرأتها‭ ‬وشجاعتها،‭ ‬المدجّجين‭ ‬بأسلحة‭ ‬الحُلم‭ ‬المتلوّ‭ ‬بيقظة،‭ ‬والمتوجين‭ ‬بورود‭ ‬الخيال‭/ ‬الواقع،‭ ‬متفردة‭ ‬بكلّ‭ ‬بساطة‭ ‬الماء،‭ ‬لا‭ ‬تستلفُ‭ ‬من‭ ‬أحدٍ،‭ ‬ولا‭ ‬تُشبهُ‭ ‬أحدًا،‭ ‬وهي‭ ‬تتماهى‭ ‬ونصّها‭/ ‬خلاصة‭ ‬إيحائها‭ ‬التعبيري‭ ‬السردي‭ ‬الجمالي،‭ ‬بمفردةٍ‭ ‬طازجةٍ‭ ‬منتقاة،‭ ‬وهي‭ ‬تمضي‭ ‬مُبحرة‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬أفكارها‭ ‬ورؤاها‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬حدودِ‭ ‬الكلماتِ،‭ ‬وتفيض‭ ‬بسحر‭ ‬جُملها‭ ‬النبوئية،‭ ‬لم‭ ‬يسبقها‭ ‬إلى‭ ‬حدائق‭ ‬هذا‭ ‬النصّ‭ ‬الجميل‭ ‬أحدٌ‭... ‬وتكتب‭ ‬وكأنَّ‭ ‬الكتابة‭ ‬بوصلتها‭ ‬الوحيدة،‭ ‬حيث‭ ‬تبدو‭ ‬لقارئِها‭ ‬مصنعَ‭ ‬كلماتٍ،‭ ‬عبر‭ ‬نسيجِ‭ ‬سردٍ‭ ‬مختلفٍ‭ ‬مُغاير‭ ‬في‭ ‬رؤاه‭ ‬أمطار‭ ‬إثارة‭ ‬وتأملات،‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬متعة‭ ‬ولذة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬الجمال‭ ‬والجذب‭ ‬في‭ ‬نصوصها،‭ ‬بلْ‭ ‬في‭ ‬مُجملِ‭ ‬سردها‭ ‬الخرافي‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬عديد‭ ‬النقاد‭ ‬والدارسين‭ ‬والباحثين،‭ ‬وشريحة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬القرّاء‭! ‬■