عن العربي
اتصل بنا
قصص على الهواء
المرأة العربية في 2021 مؤشرات ودلالات
تشهد المرحلة الراهنة مدًا سياسيًا عربيًا ملحوظًا نحو دعم حقوق المرأة على المستويين السياسي والتشريعي.
وتعمل الحكومات العربية على مواكبة التطورات في ملف المرأة على الصعيد الدولي. وقد أضحت قضايا مناهضة العنف ضد المرأة، وإشراكها في عمليات صنع القرار أوقات السِّلم والحرب، والتمكين الاقتصادي لها، ودعم المرأة المعيلة، وإدماج منظور النوع الاجتماعي في خطط وسياسات وبرامج التنمية... إلخ، ملفات استراتيجية مهمة في الأولويات الوطنية.
أصبحت المرجعيات الدولية، مثل اتفاقية حظر جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو - 1979)، ومنهاج عمل بكين (1995)، وإعلان الجمعية العامة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة (1993)، وقرار مجلس الأمن رقم 1325 لعام 2000 بشأن المرأة والأمن والسلام والقرارات اللاحقة له، وأجندة التنمية المستدامة (2015) مرجعيات أساسية تؤخذ في الاعتبار على الصعيد الوطني، إذ ترفع الحكومات تقارير متابعة دورية حول تنفيذ التزاماتها الدولية وفق هذه المرجعيات.
واليوم هناك عدة دول عربية لديها بالفعل قوانين وطنية بشأن مناهضة العنف ضد المرأة ودول أخرى في طور إعداد هذه القوانين، فكلّ من الأردن والإمارات والبحرين وتونس ولبنان والمغرب وموريتانيا بات لديها قوانين لمناهضة العنف ضد المرأة و/أو العنف الأسري.
وأعدّ كل من العراق والكويت مشاريع قوانين في مسارها نحو الإقرار، وجارٍ العمل على صياغة تلك القوانين في كل من فلسطين ومصر واليمن.
من جانب آخر، أقرت 7 دول عربية خططًا تنفيذية للقرار 1325، وهي بالترتيب العراق وفلسطين والأردن وتونس ولبنان واليمن والسودان. وعندما ضربت العالم جائحة كورونا، التزمت معظم الحكومات العربية بتضمين خطط الاستجابة الوطنية بعد النوع الاجتماعي، عبر آليات دعم خاصة للنساء الفقيرات والموظفات اللائي لديهن أطفال.
وأضحى من المعتاد أن تضم الحكومات العربية عددًا معقولًا من النساء، بعضهن يشغلن حقائب وزارية لم تكن في السابق من نصيب المرأة، كذلك تبرز المرأة كمًا وكيفًا بمجال القضاء في عدد من الدول العربية.
وفي بعض الدول، مثل الجزائر ولبنان، يتقاسم النساء والرجال العدد الإجمالي للقضاة في البلاد.
المرأة والتمثيل النيابي
في السنوات الأخيرة فتحت بعض الدول الباب لتعزيز عدد القاضيات من النساء فيها، كما هي الحال في مصر، في حين فتحت دول أخرى باب القضاء والوظائف العدلية لأول مرة أمام النساء، كما هي الحال في السعودية بعد عام 2017، الذي سمّي عام المرأة في السعودية، وفي الكويت، حيث دخلت المرأة الكويتية سلك القضاء للمرة الأولى منتصف العام الماضي (2020).
وفي التمثيل النيابي، حازت النساء نسبة مرتفعة في المشاركة بالمجالس التشريعية بلغت النصف في الإمارات، وفي مصر بلغت 27 بالمئة عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كذلك تسجل دول مثل تونس والجزائر والعراق والمغرب وموريتانيا نسبة تزيد على 20 بالمئة لتمثيل المرأة في المجالس التشريعية.
أضف إلى هذا مجموعة كبيرة من التشريعات الجديدة والتعديلات التشريعية التي تعزّز المشاركة السياسية للمرأة، وتقر أشكالًا مختلفة من الحماية للنساء في مواجهة ظواهر، مثل التحرّش والعنف والتنمّر، وما يُعرف بجرائم الشرف وغيرها.
كل تلك المؤشرات تعكس، كما سبقت الإشارة، اهتمامًا سياسيًا مبدئيًا بملف المرأة في الدول العربية، كما تعكس استجابة لضغوط الإعلام الجديد، لاسيّما وسائل التواصل الاجتماعي التي تطرح قضايا المرأة بشكل أكثر اتساعًا وإلحاحًا وأكثر إنسانية أيضًا، وتعكس هذه المؤشرات بالمثل الحراك النسوي العربي الذي تعزّز نشاطه وخطابه عقب انتفاضات الإصلاح والتغيير في عدد من الدول العربية.
وبعد، تظلّ تلك المكاسب بعيدة نسبيًا عن أن تشكّل واقعًا ثقافيًا جديدًا ومناصرًا للمرأة العربية كفاعل مستقل وكامل ورشيد، إذ تظل هذه المسألة رهينة ما هو أعمق من توجهات سياسية إيجابية أو إصلاحات إجرائية وتشريعية على أهميتها.
التمكين الاقتصادي والسياسي
إن التمكين الاقتصادي على سبيل المثال، رغم أنه يظهر كقضية تتعلّق فحسب بمسائل مثل توفير التمويل للمرأة وإكسابها مهارات الإدارة والتسويق... إلخ، فإنّه من منظور ثقافي يرتبط برؤية المجتمع لإمكانات المرأة وثقته بقدرتها على الريادة في مجال الاقتصاد، ومدى الاعتراف الفعلي بحقها في الملكية وإدارة الموارد، ومدى احترام تعدّد أدوارها الاجتماعية (من قبل الزوج وربّ العمل وزملائها)، ومدى توافر ثقافة تحترم الأنوثة ولا تعتبر أن أي امرأة في المجال العام فريسة لمظاهر مثل التحرّش أو التنمّر.
والأمر نفسه ينطبق على التمكين السياسي، فلربّما توافرت القوانين التي تضمن للمرأة نصيبًا منصفًا من المناصب السياسية، لكنّ يظل المجتمع، وربما المرأة نفسها، فاقد الثقة بقدرات النساء على القيادة نتيجة لإرث ثقافي مشوّه.
واقع الأمر، أن الفجوة بين التشريع والتنفيذ تقاس بمعايير ثقافية، فلربما تتوافر قوانين حماية المرأة من العنف، لكن لا يتم تفعيلها بالشكل المطلوب نتيجة لقيود ثقافية مفروضة على الضحية تهددها بالعقاب والنبذ إن هي أفصحت عمّا تتعرّض له.
إن إصلاح وضع المرأة رهين في المقام الأول بإصلاح ثقافي عميق وطويل الأمد يطال المرجعيات الثقافية، ويتقاطع مع ملف الاجتهاد والتجديد، ومع دور قطاعات مؤثرة في الرأي العام؛ مثل الأدب والدراما والفن والإعلام. ويتكامل أيضًا مع الدور الذي تؤديه البنية التشريعية المنصفة والقضاء المستنير. ولا شك في أن القانون في ذاته - إن توافرت له أدوات النفاذ - قادر مع الوقت على خلق ثقافة احترام المرأة.
من هنا تتأتّى ضرورة العمل على إعداد استراتيجية ثقافية عربية حول إصلاح واقع المرأة العربية، تعكس مقاربة فطنة لجميع جوانب الحضور الاجتماعي للمرأة من منظور ثقافي، وتحدد معالم طريق واضحة لإصلاح ثقافي ذي جهتين؛ من أسفل (من عمليات التنشئة المختلفة ومن الأسرة ومن علاقات العمل...) ومن أعلى، حيث تبرز الدولة بتوجهاتها الداعمة وقوانينها الرشيدة ■