الإيقاع والحركة في الفن الإسلامي

الإيقاع والحركة في الفن الإسلامي

الإيقاع لُغةً واصطلاحًا هو اتفاق الأصوات في الغناء؛ وأوقع المُغنَّى أي بنى ألحان الغناء على موقعها وميزانها. وإيقاع المُوسيقى أي تناغم الأصوات أو توافقها في الغناء والعزف؛ وإيقاع المغنّي: بناؤه ألحان غنائه على مواقعها وميزانها. وبندول الإيقاع (الموسيقى) آلة تُستخدم للتعبير عن الوقت من خلال تكّات أو ضربات تحدِّد موقع النّقلة الموسيقيّة، وعلم الإيقاع (العروض) دراسة الأوزان الشِّعريّة والإيقاع.  إنَّ التعمق في خصوصية الإيقاعات الفنية الإسلامية يزيدها جمالًا وبهاءً؛ فالفراغات بين الحروف في فن الخط العربي، وكذا الفراغات بين الأعمدة والعقود في فنون العمارة (فراغات العقود أو المسافات المحصورة بين العقد والعقد الذي يليه نُسميها في المصطلح الوثائقي كوشات العقود).

إنَّ‭ ‬هذا‭ ‬السكوت‭ ‬وهذه‭ ‬الفواصل‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬راحة‭ ‬موسيقية،‭ ‬وهذا‭ ‬الفراغ‭ ‬ليس‭ ‬شيئًا‭ ‬مُجردًا،‭ ‬ولا‭ ‬شيئًا‭ ‬مرسومًا‭ ‬أو‭ ‬مُبينًا‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الخط‭ ‬والعمارة؛‭ ‬إنّما‭ ‬هي‭ ‬عناصر‭ ‬مهمة‭ ‬ومقصودة‭ ‬وتَنُمّ‭ ‬عن‭ ‬عبقرية‭ ‬المعمار‭ ‬والفنان‭ ‬المُسلِم‭.‬

وتكتمل‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬يتكون‭ ‬منها‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بمشاركة‭ ‬الإمكانات‭ ‬التي‭ ‬يتضمّنها‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬الواحد‭. ‬ويرى‭ ‬Window‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحركات‭ ‬والفواصل‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬إيقاعًا‭.‬

ولا‭ ‬يتحقق‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلّا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التكرار،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يُشير‭ ‬Wong‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بقوله‭ ‬‮«‬يتحقق‭ ‬الإيقاع‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التكرار،‭ ‬والتكرار‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفنية‭ ‬هو‭ ‬القاعدة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬حركة‭ ‬العين‭ ‬من‭ ‬جزء‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬حركي‭ ‬سلس‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الدوران‭ ‬حول‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬جمالية‭ ‬مختلفة،‭ ‬محكومًا‭ ‬بتنظيم‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬المترابطة‭ ‬معًا،‭ ‬والبساطة‭ ‬والتنويع‭ ‬ليسا‭ ‬مُتضادين،‭ ‬وإنّما‭ ‬يُمكن‭ ‬استخدامهما‭ ‬إذا‭ ‬أحسَّ‭ ‬الفنان‭ ‬بالحاجة‭ ‬إليهما،‭ ‬على‭ ‬ألّا‭ ‬يفقد‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬وحدته،‭ ‬وذلك‭ ‬بمجرد‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬بعض‭ ‬وحدات‭ ‬الشكل،‭ ‬أو‭ ‬أبعادها‭ ‬أو‭ ‬لونها‭ ‬أو‭ ‬قيمتها‭ ‬السطحية،‭ ‬ويُلاحظ‭ ‬أنَّ‭ ‬التغييرات‭ ‬المنتظمة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المنتظمة‭ ‬تُكسب‭ ‬التكرار‭ ‬الأساسي‭ ‬تنوعًا‭ ‬محبوبًا‮»‬‭. ‬

ويُمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬الإيقاع‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

 

الإيقاع‭ ‬الرتيب

هو‭ ‬الذي‭ ‬تتشابه‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الوحدات‭ ‬والفترات‭ ‬تشابهًا‭ ‬تامًا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الصفات‭ (‬لوحة‭ ‬1‭)‬،‭ ‬وتُمثل‭ ‬زُبدية‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬المرسوم‭ ‬تحت‭ ‬الطلاء‭ ‬من‭ ‬العصر‭ ‬العباسي،‭ ‬قوام‭ ‬زخارفها‭ ‬بدائر‭ ‬الزبدية‭ ‬زخارف‭ ‬إشعاعية‭ ‬مُكررة‭ ‬تحصر‭ ‬بينها‭ ‬نقاط‭ ‬مطموسة‭ ‬مربعة،‭ ‬وفي‭ ‬المُنتصف‭ ‬وريدة‭ ‬متعددة‭ ‬البتلات‭ ‬داخل‭ ‬نجمة‭ ‬سداسية‭.‬

وثمّة‭ ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإيقاع‭ (‬لوحة‭ ‬2‭) ‬لحشوات‭ ‬جصية‭ ‬تُمثل‭ ‬طراز‭ ‬سامراء‭ ‬الثالث‭ ‬على‭ ‬الجصّ،‭ ‬وقوام‭ ‬الزخرفة‭ ‬فيها‭ ‬بدائر‭ ‬الحشوات‭ ‬دوائر‭ ‬مُتماسة‭ ‬تُوضح‭ ‬التأثير‭ ‬الساساني‭ ‬المُتمثل‭ ‬في‭ ‬حبات‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الساسانية،‭ ‬وتحصر‭ ‬في‭ ‬المنتصف‭ ‬زخارف‭ ‬نباتية‭ ‬تُشبه‭ ‬الكلوة‭.‬

ويظهر‭ ‬هذا‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬زخارف‭ ‬النجوم‭ ‬الثمانية‭ ‬المُتكررة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬قممها‭ ‬بالورقة‭ ‬النباتية‭ ‬الثلاثية‭ ‬لقفطان‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬العثماني‭ (‬ق‭ ‬10‭-‬11‭ ‬هـ‭/ ‬16‭-‬17‭ ‬م‭) (‬لوحة‭ ‬3‭). ‬

ومن‭ ‬النماذج‭ ‬أيضًا‭ ‬التي‭ ‬يظهر‭ ‬فيها‭ ‬الإيقاع‭ ‬الرتيب‭ ‬جرّة‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬تُنسب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الرقّة‭ (‬سورية‭)‬،‭ ‬القرن‭ ‬6‭-‬7‭ ‬هـ‭/‬12‭-‬13‭ ‬م‭ (‬لوحة‭ ‬4‭)‬،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارف‭ ‬البدن‭ ‬أشكال‭ ‬مُعينات‭ ‬صغيرة‭ ‬باللون‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬تركوازية‭.‬

 

الإيقاع‭ ‬غير‭ ‬الرتيب

في‭ ‬الإيقاع‭ ‬غير‭ ‬الرتيب‭ ‬تتشابه‭ ‬الوحدات‭ ‬مع‭ ‬بعضها،‭ ‬كما‭ ‬تتشابه‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬الفترات،‭ ‬لكن‭ ‬تختلف‭ ‬فيها‭ ‬الوحدات‭ ‬عن‭ ‬الفترات‭ ‬شكلًا‭ ‬أو‭ ‬حجمًا‭ ‬أو‭ ‬لونًا‭.‬

ومن‭ ‬نماذج‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإيقاع‭ (‬لوحة‭ ‬5‭) ‬تُمثل‭ ‬حشوة‭ ‬خشبية‭ ‬ترجع‭ ‬للعصر‭ ‬الفاطمي‭ (‬ق‭ ‬6‭ ‬هـ‭/ ‬12‭ ‬م‭)‬،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارفها‭ ‬فروع‭ ‬نباتية‭ ‬مُلتفة‭ ‬ومجدولة‭ ‬تنتهي‭ ‬بورقة‭ ‬نباتية‭ ‬خماسية‭ ‬في‭ ‬المنتصف‭. ‬كما‭ ‬يتجلى‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬الإيقاعي‭ ‬في‭ ‬التكسيات‭ ‬الخزفية‭ ‬للمدرسة‭ ‬البوعنانية‭ (‬لوحة‭ ‬6‭)‬،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارفها‭ ‬أشكال‭ ‬مُعينات‭ ‬تحصر‭ ‬بينها‭ ‬زخارف‭ ‬نجوم‭ ‬ثُمانية،‭ ‬مُكررة،‭ ‬وقد‭ ‬تنوعت‭ ‬ألوانها‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬خمسة‭ ‬ألوان‭.‬

مظاهر‭ ‬الإيقاع‭ ‬للزخارف‭ ‬الهندسية‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي

استثمر‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬تتّسم‭ ‬به‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬إيقاعات‭ ‬جمالية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬حضاراته‭ ‬المُتعاقبة،‭ ‬والفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬تتّسم‭ ‬عناصره‭ ‬بالإيقاع‭ ‬والتكرار،‭ ‬والتتابع‭ ‬في‭ ‬مكوناته،‭ ‬والتتابع‭ ‬في‭ ‬مكوناته،‭ ‬وهذا‭ ‬التكرار‭ ‬يحكمه‭ ‬أساس‭ ‬رياضي،‭ ‬ومنطق‭ ‬علمي،‭ ‬لإيجاد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬وحدة‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التكرار‭ ‬المُستمر‭ ‬الذي‭ ‬يُميز‭ ‬الزخرفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تمييزًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الرتابة‭ ‬والملل‭. ‬

وهذا‭ ‬الإيقاع‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬عفوًا؛‭ ‬وإنما‭ ‬بتأملات‭ ‬عقلية‭ ‬كبيرة،‭ ‬تدلّ‭ ‬دلالة‭ ‬قاطعة‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬الفنان‭ ‬المسلم‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬منطقًا‭ ‬رياضيًا‭ ‬هندسيًا‭ ‬يحلّ‭ ‬فيه‭ ‬معادلات‭ ‬فيُولّد‭ ‬أنغامًا‭ ‬زخرفية‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وعُمقًا‭ ‬نتيجة‭ ‬أحكام‭ ‬هذا‭ ‬التكرار‭ ‬وضبط‭ ‬شكله‭ ‬وقِيمه‭ ‬الجمالية‭. 

وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الفنان‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يُقدم‭ ‬لنا‭ ‬نُظمًا‭ ‬مختلفة‭ ‬للإيقاع،‭ ‬وطبّقها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفنون‭ ‬الإسلامية‭ ‬باختلاف‭ ‬خاماتها‭ ‬من‭ ‬معادن،‭ ‬وأخشاب،‭ ‬وخزف،‭ ‬وفخار،‭ ‬ومنسوجات،‭ ‬وأحجار،‭ ‬ورخام،‭ ‬وعاج،‭ ‬وحتى‭ ‬العمائر‭ ‬والمخطوطات‭ ‬في‭ ‬نظمٍ‭ ‬بديعٍ‭ ‬أخرج‭ ‬فيه‭ ‬الفنان‭ ‬قريحته‭.‬

أمَّا‭ ‬الزَّخارف‭ ‬الهندسيَّة‭ ‬التي‭ ‬نما‭ ‬في‭ ‬ظلّها‭ ‬فنُّ‭ ‬الرَّقش‭ ‬العربي،‭ ‬واستحال‭ ‬إلى‭ ‬فسيفساء‭ ‬خاصَّة‭ ‬بالفنّ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فنجدها‭ ‬قد‭ ‬استأثرت‭ ‬‮«‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬بأهمّيَّة‭ ‬خاصَّة‭ ‬وشخصيَّة‭ ‬فريدة،‭ ‬لا‭ ‬نظير‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أيَّة‭ ‬حضارة‭ ‬من‭ ‬الحضارات‭ ‬الأخرى،‭ ‬فأصبحت‭ ‬العُنصر‭ ‬الرَّئيس‭ ‬الذي‭ ‬يُغطّي‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة،‭ ‬يلعب‭ ‬الخطّ‭ ‬فيها‭ ‬دورًا،‭ ‬كالدَّور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬الخطّ‭ ‬المنحني‭ ‬في‭ ‬الأرابيسك‭.‬

فالفنَّان‭ ‬المسلم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬تشكيل‭ ‬جديد‭ ‬مبتكر‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬الهندسيَّة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬الرَّصين‭ ‬الذي‭ ‬يسبغه‭ ‬على‭ ‬التُّحف‭ ‬التي‭ ‬ينتجها،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬الأشكال‭ ‬الهندسيَّة‭ ‬التي‭ ‬استعملها‭: ‬الدوائر‭ ‬المُتماسة،‭ ‬والمتجاورة‭ ‬والجدائل‭ ‬والخطوط‭ ‬المنكسرة‭ ‬والمتشابكة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أشكال‭ ‬المثلّث‭ ‬والمربَّع‭ ‬والمعيَّن‭ ‬والخُماسي،‭ ‬والسُداسي‮»‬‭. ‬

ويرتبط‭ ‬استعمال‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬غالبًا‭ ‬بمحاولة‭ ‬توليد‭ ‬الشكل‭ ‬الفنّي‭ ‬لرسم‭ ‬أو‭ ‬لامتداد‭ ‬تشكيل‭ ‬الزخارف‭ ‬وانسياب‭ ‬ذاك‭ ‬التشكيل‭ ‬المطلّ‭ ‬على‭ ‬اللامتناهي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭.‬

 

  تناسق‭ ‬وتوافق

معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬الزخرفة‭ ‬الهندسيَّة‭ ‬تنحت‭ ‬جمالياتها‭ ‬وفقًا‭ ‬لقانون‭ ‬التناسب،‭ ‬وبالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬تركيب‭ ‬وحدات‭ ‬الشكل‭ ‬الهندسي‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭ ‬الرياضيَّة‭ ‬باتّجاه‭ ‬توليد‭ ‬لوحات‭ ‬وإنشاء‭ ‬تشكيلات‭ ‬فنيَّة،‭ ‬ذات‭ ‬مقاصد‭ ‬جماليَّة‭ ‬تشدُّ‭ ‬العين‭ ‬لما‭ ‬امتازت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬التناسق‭ ‬والتوافق‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التوزيع‭ ‬الرياضي‭ ‬الهندسي،‭ ‬كما‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬مشتملة‭ ‬على‭ ‬طاقة‭ ‬رمز‭ ‬مكثّفة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬الفنَّان‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬والوجود،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬معبّرة‭ ‬عمَّا‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬المتلقّي‭ ‬أو‭ ‬ينشغل‭ ‬به‭ ‬وعيه‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬دلالة‭ ‬ما‭ ‬للشكل‭ ‬أو‭ ‬للشيء‭.‬

ومن‭ ‬النماذج‭ ‬لهذا‭ ‬الإيقاع‭: ‬دخلة‭ ‬معقودة‭ ‬بعقد‭ ‬مُفصص‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬عمودين‭ ‬مُدمجين،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارف‭ ‬باطن‭ ‬الدخلة‭ ‬تشكيلات‭ ‬من‭ ‬الطبق‭ ‬النجمي‭ (‬لوحة‭ ‬7‭).‬

ومن‭ ‬النماذج‭ ‬أيضًا‭ ‬للإيقاع‭ ‬الهندسي‭ ‬للزخارف‭ ‬الفنية‭ ‬الإسلامية‭ ‬حشوة‭ ‬خشبية‭ ‬محفوظة‭ ‬بمتحف‭ ‬المتروبوليتان‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬ترجع‭ ‬لمنتصف‭ ‬القرن‭ ‬2هـ‭/ ‬8م،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارفها‭ ‬شكل‭ ‬بائكة‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬نصف‭ ‬دائرية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬أعمدة‭ ‬في‭ ‬الجهتين‭ ‬اليُمنى‭ ‬واليسرى،‭ ‬وفي‭ ‬المنتصف‭ ‬حشوة‭ ‬مُربعة‭ ‬من‭ ‬مستطيلات‭ ‬ومربوعات،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارفها‭ ‬تشكيلات‭ ‬هندسية‭ ‬تجلت‭ ‬بإيقاع‭ ‬غير‭ ‬رتيب،‭ ‬أبدع‭ ‬الفنان‭ ‬في‭ ‬زخرفتها،‭ ‬وكسر‭ ‬حالة‭ ‬الملل‭ ‬والجمود‭ ‬للزخرفة‭ (‬لوحة‭ ‬8‭).‬

كما‭ ‬يتجلى‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬الإيقاع‭ ‬الهندسي‭ ‬لتشكيل‭ ‬الطبق‭ ‬النجمي‭ ‬بمكوناته‭ (‬ترس،‭ ‬لوزة،‭ ‬كندة،‭ ‬رِجل‭ ‬الغراب‭)‬،‭ ‬فيه‭ ‬حشوة‭ ‬خشبية‭ ‬مُطعمة‭ ‬بالصدف‭ ‬تُمثّل‭ ‬باب‭ ‬أحد‭ ‬المنابر‭ ‬ترجع‭ ‬للعصر‭ ‬المملوكي‭ ‬البحري،‭ ‬ومؤرخة‭ ‬بحوالي‭ ‬سنة‭ ‬725هـ‭/ ‬1325م‭ ‬فترة‭ ‬حُكم‭ ‬السلطان‭ ‬الناصر‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬قلاوون،‭ ‬ويتجلّى‭ ‬فيها‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني‭ ‬للزخارف‭ ‬الهندسية‭ ‬الإسلامية‭ (‬لوحة‭ ‬9‭). ‬

 

عمل‭ ‬فلسفي‭ ‬بمضمون‭ ‬فني

يتجلى‭ ‬الإبداع‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬الزخارف‭ ‬الهندسية‭ ‬في‭ ‬قطعة‭ ‬نسيج‭ ‬من‭ ‬الحرير‭ ‬تُنسب‭ ‬للأندلس‭ (‬ق‭ ‬8‭ ‬هـ‭/ ‬14‭ ‬م‭)‬،‭ ‬ومحفوظة‭ ‬بمتحف‭ ‬المتروبوليتان‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارفها‭ ‬بإيقاع‭ ‬غير‭ ‬رتيب،‭ ‬وتجميع‭ ‬بديع‭ ‬تشكيلات‭ ‬هندسية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القطعة‭ ‬قوامها‭ ‬أشكال‭ ‬نجوم‭ ‬مُتعددة‭ ‬الرؤوس،‭ ‬ووريدات‭ ‬مُتعددة‭ ‬البتلات،‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬فنيٍ‭ ‬بديعٍ‭ (‬لوحة‭ ‬10‭). ‬

وتُعد‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬النجمية‭ ‬في‭ ‬الزخرفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬قمّة‭ ‬ما‭ ‬ابتدعه‭ ‬الفنان‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الزخرفة‭ ‬الهندسية‭ ‬بوجهٍ‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الرقش‭ ‬الهندسي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬خاص؛‭ ‬ونشعر‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬أمام‭ ‬عمل‭ ‬فلسفي‭ ‬يحمل‭ ‬مضمونًا‭ ‬فنيًا،‭ ‬والمفروض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عملًا‭ ‬فنيًا‭ ‬يحمل‭ ‬مضمونًا‭ ‬فلسفيًا؛‭ ‬فلا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون‭ ‬لهذه‭ ‬الزخرفة‭.‬

وهناك‭ ‬تعبير‭ ‬بديع‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزخرفة‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬ما‭ ‬من‭ ‬شيءٍ‭ ‬يُمكنه‭ ‬أن‭ ‬يُجرد‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬ثوبها‭ ‬الظاهر‭ ‬وينقلنا‭ ‬إلى‭ ‬مضمونها‭ ‬الدفين،‭ ‬مثل‭ ‬التشكيلات‭ ‬الهندسية‭ ‬للزخارف‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فليست‭ ‬هذه‭ ‬التشكيلات‭ ‬سوى‭ ‬ثمرة‭ ‬تفكير‭ ‬رياضي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الحساب‭ ‬الدقيق،‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭ ‬البيانية‭ ‬لأفكار‭ ‬فلسفية‭ ‬ومعانٍ‭ ‬روحانية،‭ ‬وينبغي‭ ‬ألّا‭ ‬يفوتنا‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬التجريدي‭ ‬تنطلق‭ ‬حياة‭ ‬متدفقة‭ ‬عبر‭ ‬الخطوط،‭ ‬فتؤلّف‭ ‬بينها‭ ‬تكوينات‭ ‬تتكاثر،‭ ‬وتتباعد،‭ ‬وتتجمّع‭ ‬وكأنها‭ ‬روح‭ ‬هائمة،‭ ‬وكل‭ ‬تكوين‭ ‬منها‭ ‬يصلح‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬تأويل‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُصوب‭ ‬عليه‭ ‬المرء‭ ‬نظره‭ ‬ويتأمل‭ ‬فيه‭.‬

وقد‭ ‬أثار‭ ‬هذا‭ ‬الشغف‭ ‬بالزخارف‭ ‬الهندسية‭ ‬لدى‭ ‬الفنانين‭ ‬المسلمين‭ ‬تساؤلات‭ ‬لدى‭ ‬مؤرّخي‭ ‬الفنون،‭ ‬الذين‭ ‬اقترحوا‭ ‬عدة‭ ‬فرضيات‭. ‬فبالنسبة‭ ‬للبعض،‭ ‬كانت‭ ‬وطأة‭ ‬المحرّمات‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬تصوير‭ ‬الأشخاص،‭ ‬وراء‭ ‬توجيه‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬بأكمله‭ ‬نحو‭ ‬التعبير‭ ‬الهندسي،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للآخرين‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬أولاها‭ ‬المسلمون‭ ‬لدراسة‭ ‬الرياضيات‭ ‬وعلوم‭ ‬الأرقام،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬دافعًا‭ ‬للفنانين‭ ‬لاستخدام‭ ‬الزخارف‭ ‬الهندسية‭ ‬في‭ ‬أعمالهم‭ ‬الفنية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مدروسة‭ ‬علمية،‭ ‬ودليلنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬دراسة‭ ‬الخوارزمي‭ ‬في‭ ‬الجبر،‭ ‬وهي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬فيها‭ ‬الزخارف‭ ‬الهندسية‭ ‬الإسلامية‭.‬

 

مظاهر‭ ‬الإيقاع‭ ‬للزخارف‭ ‬النباتية‭ ‬

في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي

يُعد‭ ‬العنصر‭ ‬النباتي‭ ‬في‭ ‬الزخرفة‭ ‬الفنية‭ ‬الإسلامية‭ ‬أحد‭ ‬مُكوناتها‭ ‬الرئيسية،‭ ‬والتي‭ ‬لطالما‭ ‬وردت‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العمائر،‭ ‬والتحف‭ ‬التطبيقية‭ ‬بشتى‭ ‬صنوفها،‭ ‬وأشكالها‭.‬

إن‭ ‬الرّقش‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬هذه‭ ‬التوليفة‭ ‬أيضًا،‭ ‬فهو‭ ‬يماثل‭ ‬البلاغة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬والشعر‭ ‬العربي؛‭ ‬إنه‭ ‬تدفّق‭ ‬إيقاعي‭ ‬للفكر‭ ‬روعيت‭ ‬فيه‭ ‬الدقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬الأشياء‭ ‬والأضداد‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬بإحكام‭. ‬

أمَّا‭ ‬الشكل‭ ‬الآخر،‭ ‬وهو‭ ‬فنّ‭ ‬الأرابيسك‭ ‬الشائع‭ ‬بهذه‭ ‬التسمية،‭ ‬فيتألف‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬نباتية‭ ‬محوّرة‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬تفقد‭ ‬فيه‭ ‬التشابه‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وتخضع‭ ‬فقط‭ ‬لقوانين‭ ‬علم‭ ‬الإيقاع‭ ‬وجماليات‭ ‬أنساقه،‭ ‬التي‭ ‬يُترجمها‭ ‬الفنان‭ ‬وفق‭ ‬رسم‭ ‬بياني‭ ‬تموج‭ ‬كل‭ ‬خط‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬تكون‭ ‬مُتمّمة‭ ‬لبعضها،‭ ‬ولكل‭ ‬سطح‭ ‬رمزه‭ ‬المقابل‭ ‬المعكوس‭.‬

إنّ‭ ‬فن‭ ‬الأرابيسك‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬منطقي‭ ‬وإيقاعي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬فن‭ ‬رياضي‭ ‬وموسيقي،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للروح‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬موازنتها‭ ‬بين‭ ‬المحبة‭ ‬والرصانة‭ ‬العقلية،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬فإن‭ ‬فنون‭ ‬الزخرفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تتصف‭ ‬بإيقاع‭ ‬وتنغيم‭ ‬انسيابي‭ ‬متواصل‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬اللانهائية؛‭ ‬وتلك‭ ‬أبرز‭ ‬خصائص‭ ‬فنون‭ ‬الزخرفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومميزاتها‭. ‬

ونماذج‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬ومنها‭ ‬حشوة‭ ‬خشبية‭ ‬محفوظة‭ ‬بمتحف‭ ‬المتروبوليتان‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ (‬5‭ ‬هـ‭/ ‬11‭ ‬م‭)‬،‭ ‬وقوام‭ ‬زخارفها‭ ‬فروع‭ ‬نباتية‭ ‬مُلتفة‭ ‬ومجدولة‭ ‬بتناغم‭ ‬وإيقاع‭ ‬شديدين‭ (‬لوحة‭ ‬11‭).‬

وكانت‭ ‬الرمزية‭ ‬الدينية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬الزخارف‭ ‬النباتية‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تكوينه؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لمسناه‭ ‬في‭ ‬زخارف‭ ‬قبة‭ ‬الصخرة،‭ ‬والجامع‭ ‬الأموي‭ ‬بدمشق،‭ ‬ثم‭ ‬وُجِدت‭ ‬هذه‭ ‬الزخارف‭ ‬بكثرة‭ ‬واستمرارية‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬

 

زخرفة‭ ‬الأرابيسك

اختص‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬بزخرفة‭ ‬الأرابيسك؛‭ ‬واختلفت‭ ‬آراء‭ ‬الباحثين‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الزخرفة،‭ ‬فبينما‭ ‬يرى‭ ‬بعضهم‭ ‬أنها‭ ‬مُجرد‭ ‬زخرفة‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬دلالات‭ ‬رمزية،‭ ‬وأن‭ ‬مبعثها‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬المساحات‭ ‬والسطوح،‭ ‬والفزع‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬والنفور‭ ‬منه،‭ ‬يرى‭ ‬آخرون‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الزخرفة‭ ‬ترتبط‭ ‬بالعقيدة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وفسروها‭ ‬تفسيرًا‭ ‬‮«‬ميتافيزيقيًا‮»‬،‭ ‬مؤكدين‭ ‬أن‭ ‬فكرتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬هي‭ ‬السعي‭ ‬اللانهائي‭ ‬نحو‭ ‬الارتفاع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الأشكال‭.‬

ويُخصص‭ ‬المستشرق‭ ‬أوليغ‭ ‬غرابار‭ ‬قسمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬تكوُّن‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬يُخالف‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬الخاطئة‭ ‬الشائعة‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬مراتب‭ ‬الإبداع‭ ‬وتربطه‭ ‬بالفن‭ ‬التطبيقي‭ ‬وبالزخرفة‭. ‬

ويُحاول‭ ‬غرابار‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬بموضوعية‭ ‬العالم‭ ‬الجمالي،‭ ‬فيقول‭ ‬عن‭ ‬الرقش‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬الرقش‭ ‬العربي‭ ‬مجرد‭ ‬زخرفة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬وظيفة‭ ‬رمزية،‭ ‬ففي‭ ‬جميع‭ ‬أشكال‭ ‬الرقش‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬قصري‭ ‬الحير‭ ‬الشرقي،‭ ‬والغربي،‭ ‬وفي‭ ‬قصر‭ ‬المشتى‭ ‬أو‭ ‬خربة‭ ‬المفجر،‭ ‬يتبين‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هندسيًا‭ ‬أو‭ ‬نباتيًا‭ ‬قد‭ ‬أخضع‭ ‬كليًا‭ ‬لمبادئ‭ ‬تجريدية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬قمّة‭ ‬جميع‭ ‬مراتب‭ ‬التعبير‭ ‬الجمالي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬بنية‭ ‬مُتحركة‭ ‬وليست‭ ‬ساكنة،‭ ‬وأمام‭ ‬قالب‭ ‬يُولد‭ ‬جُملة‭ ‬تكوينات‭ ‬متآلفة،‭ ‬فالعناصر‭ ‬الزخرفية‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬وصفها‭ ‬كوحدات‭ ‬منفصلة،‭ ‬أو‭ ‬كيانات‭ ‬طبيعية‭ ‬خافية‭ ‬على‭ ‬أبصارنا‮»‬‭. ‬

ثم‭ ‬يضيف‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الالتجاء‭ ‬إلى‭ ‬الرقش‭ ‬هو‭ ‬انتقال‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬القيمة‭ ‬الثقافية‭ ‬للعمل‭ ‬الفني،‭ ‬إذ‭ ‬يلغي‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشكل‭ ‬المرئي‭ ‬وبين‭ ‬دلالته‭ ‬المادية‭ ‬ومعناه‭ ‬المتداول،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإنّ‭ ‬الصورة‭ ‬تتغير‭ ‬كليًا‭ ‬عن‭ ‬أصلها،‭ ‬ووراء‭ ‬الوظيفة‭ ‬الظاهرية‭ ‬للرقش‭ ‬يبدو‭ ‬نسق‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الإشارات‭ ‬والطابع‭ ‬الرمزي‭ ‬الكامل‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬علينا،‭ ‬لكنّه‭ ‬يترك‭ ‬لنا‭ ‬حريّة‭ ‬التفسير،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬فإنّ‭ ‬معاني‭ ‬كثيرة‭ ‬تبقى‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬الرقش‭ ‬العربي‭ ‬بانتظار‭ ‬تفسيرها،‭ ‬مما‭ ‬يُعطي‭ ‬الرقش‭ ‬قيمة‭ ‬تذوقيّة‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬لها‭.‬

 

مظاهر‭ ‬الإيقاع‭ ‬للزخارف‭ ‬الكتابية‭ ‬

في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي

تتجلى‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشكل‭ ‬والمضمون‭ ‬بجلاء‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬النقوش‭ ‬الكتابية‭ ‬المُسجلة‭ ‬على‭ ‬سائر‭ ‬أنواع‭ ‬الآثار‭ ‬الإسلامية‭. ‬ومن‭ ‬نافلة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جمال‭ ‬المضمون‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬أثرًا‭ ‬وبُعدًا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المسلم‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬الشكل،‭ ‬خاصةً‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المضمون‭ ‬متعلّقًا‭ ‬بالأمور‭ ‬الدينية‭.‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬استثنينا‭ ‬الكتابة‭ ‬الصينية‭ (‬وهي‭ ‬نوع‭ ‬قائم‭ ‬بذاته‭)‬،‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬خطًا‭ ‬أوفق‭ ‬للزخرفة‭ ‬من‭ ‬الخط‭ ‬العربي؛‭ ‬فحروفه‭ ‬أصلح‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬استقامة‭ ‬وانبساط‭ ‬وتقويس‭. ‬والخطوط‭ ‬العمودية‭ ‬والأفقية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحروف‭ ‬يسهل‭ ‬وصلها‭ ‬بالرسوم‭ ‬الزخرفية‭ ‬الأخرى‭ ‬وصلًا‭ ‬يتجلى‭ ‬فيه‭ ‬الجمال‭ ‬والاتزان‭ ‬والإيقاع‭ ‬والإبداع‭.‬

  ‬وبالنظر‭ ‬للمكانة‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الإيقاع‭ ‬ولأهميته‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬عامة،‭ ‬وفي‭ ‬فنون‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬خاص،‭ ‬ولما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬وظيفي‭ ‬وبنائي‭ ‬موحد‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬العناصر‭ ‬البصرية‭ ‬داخل‭ ‬التكوين‭ ‬الخطي،‭ ‬فضلًا‭ ‬عمّا‭ ‬يحققه‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬نفسي‭ ‬لدى‭ ‬المتلقي‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬جمالية،‭ ‬فلقد‭ ‬برزت‭ ‬قوة‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬ومتانته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ارتباطه‭ ‬بفنون‭ ‬الرقش‭ ‬العربي‭ ‬حين‭ ‬يخطّ‭ ‬مسارًا‭ ‬بصريًا‭ ‬جميلًا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتنقل‭ ‬بعين‭ ‬المتلقي‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬بكل‭ ‬سلاسة‭ ‬وإتقان‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬جُلّ‭ ‬الكتابات‭ ‬العربية‭ ‬المُنفذة‭ ‬على‭ ‬الآثار‭ ‬الإسلامية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الجمال‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬صوّر‭ ‬هذه‭ ‬الكتابات‭ ‬بأنها‭ ‬عند‭ ‬الفنان‭ ‬العربي‭ ‬بمنزلة‭ ‬ممارسة‭ ‬للعبادة،‭ ‬وأنّها‭ ‬عبادة‭ ‬ضمن‭ ‬أسلوب‭ ‬صوفي‭ ‬خاص‭ ‬يتميز‭ ‬بالانفراد‭ ‬والتوحّد‭ ‬والوجد‭ ‬والذوق‭.‬

  ‬والكتابة‭ ‬الزخرفية‭ ‬على‭ ‬العمائر‭ ‬والتحف‭ ‬لها‭ ‬شأن‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفنون‭ ‬الإسلامية؛‭ ‬إذ‭ ‬إننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتخذها‭ ‬أساسًا‭ ‬وسبيلًا‭ ‬لتأريخ‭ ‬العمائر‭ ‬والتحف‭ ‬ذات‭ ‬الكتابات،‭ ‬لأنّ‭ ‬لكل‭ ‬عصر‭ ‬ولكل‭ ‬إقليم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬أسلوبه‭ ‬في‭ ‬الزخرفة‭ ‬والخط،‭ ‬ويستطيع‭ ‬ذوو‭ ‬الخبرة‭ ‬أن‭ ‬يدرسوا‭ ‬الزخارف‭ ‬الكتابية،‭ ‬وينسبوا‭ ‬البناء‭ ‬أو‭ ‬التحفة‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬أو‭ ‬الإقليم‭ ‬الذي‭ ‬صُنعت‭ ‬فيه‭.‬

ويحتوي‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬بين‭ ‬ثناياه‭ ‬على‭ ‬إمكانات‭ ‬زخرفية‭ ‬ذات‭ ‬غنى‭ ‬لا‭ ‬ينضب،‭ ‬وتتباين‭ ‬أشكاله‭ ‬بين‭ ‬الخط‭ ‬الكوفي‭ ‬المصحفي‭ ‬بخطوطه‭ ‬المستقيمة‭ ‬الممتدة‭ ‬أفقيًا‭ ‬وعموديًا،‭ ‬والنسخي‭ ‬بسلاسة‭ ‬خطّه‭ ‬والتفافه،‭ ‬وما‭ ‬يعني‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬أنه‭ ‬طوّر‭ ‬تمامًا‭ ‬بُعديه‭ ‬الاثنين‭ ‬لإعطاء‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الإيقاع‭ ‬المحسوس،‭ ‬فيضفي‭ ‬في‭ ‬أسلوبه‭ ‬العمودي‭ ‬على‭ ‬الحروف‭ ‬وتموّجاتها‭ ‬الرمزية‭ ‬هيبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يرتبط‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأفقي‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬الحروف‭ ‬معًا‭ ‬بانسياب‭ ‬متواصل‭ ‬يسرّ‭ ‬الناظر‭ ‬ويبعث‭ ‬على‭ ‬الراحة‭ ‬البصرية‭. ‬

 

ارتباط‭ ‬نوعي

كان‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬نهضة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ووصوله‭ ‬إلى‭ ‬مراحله‭ ‬التجويدية،‭ ‬وتحوّله‭ ‬من‭ ‬بنيته‭ ‬التجويدية‭ ‬إلى‭ ‬البنية‭ ‬الجمالية‭ ‬والدلالية،‭ ‬ويعدّ‭ ‬التركيب‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬بحدّ‭ ‬ذاته‭ ‬استجابة‭ ‬لإشغال‭ ‬الحيّز‭ ‬المكاني،‭ ‬أي‭ ‬المساحة‭ ‬المراد‭ ‬إيجاد‭ ‬التكوين‭ ‬عليها،‭ ‬فهو‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬نوعيًا‭ ‬بالخط‭ ‬العربي‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الفنون‭ ‬الأخرى،‭ ‬إذ‭ ‬إنّ‭ ‬هناك‭ ‬خطوطًا‭ ‬تستجيب‭ ‬للتركيب‭ ‬مثل‭ ‬الكوفي‭ (‬لوحة‭ ‬12‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬زبدية‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬تحت‭ ‬الطلاء‭ ‬الزجاجي‭ ‬الشفاف،‭ ‬عليها‭ ‬بالخط‭ ‬الكوفي‭ ‬حكمة‭ ‬‮«‬التدبير‭ ‬قبل‭ ‬العمل‭ ‬يؤمنك‭ ‬الندم‭ ‬اليمن‭ ‬والسلامة‮»‬،‭ ‬تُنسب‭ ‬إلى‭ ‬نيسابور،‭ ‬القرن‭ ‬4‭ ‬هـ‭/ ‬10‭ ‬م،‭ ‬محفوظة‭ ‬بمتحف‭ ‬المتروبوليتان‭ ‬في‭ ‬نيويورك؛‭ ‬ويتجلّى‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬الزخارف‭ ‬الكتابية‭ ‬للزبدية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قوائم‭ ‬الحروف‭ ‬المُتناغمة‭ ‬والمتجهة‭ ‬للداخل‭ ‬جهة‭ ‬مركز‭ ‬الزبدية‭ ‬في‭ ‬إيقاع‭ ‬دائري‭ ‬متناسق‭ ‬وجميل‭. ‬

  ‬ومن‭ ‬نماذج‭ ‬الخط‭ ‬الكوفي‭ ‬المورق؛‭ ‬ويتجلّى‭ ‬فيها‭ ‬الإيقاع‭ ‬الجمالي‭ ‬زُبدية‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬الأبيض‭ ‬محفوظة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المتروبوليتان‮»‬،‭ ‬قوام‭ ‬زخرفتها‭ ‬أربع‭ ‬كلمات‭ ‬بالخط‭ ‬الكوفي‭ ‬المورق‭ ‬‮«‬بركة‭ ‬ونعمة‭ ‬لصاحبه‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬دعاء‭ ‬لمن‭ ‬يمتلك‭ ‬هذا‭ ‬الطبق‭ ‬بالبركة‭ ‬والنعمة‭ (‬لوحة‭ ‬13‭).‬

  ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬المختلفة،‭ ‬وكان‭ ‬الخط‭ ‬الكوفي‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬المهمة؛‭ ‬لأنّه‭ ‬كان‭ ‬النمط‭ ‬الأول‭ ‬للخط‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬نسخ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬الهجري‭ / ‬السابع‭ ‬الميلادي؛‭ ‬واستمر‭ ‬قرونًا‭ ‬عديدة‭. ‬أسلوبه‭ ‬مستقيم‭ ‬مع‭ ‬خطوط‭ ‬أفقية‭ ‬وعمودية‭ ‬متوازنة‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬لإعطاء‭ ‬إيقاع‭ ‬جميل‭ (‬لوحة‭ ‬14‭).‬

‭ ‬ومن‭ ‬نماذج‭ ‬الخط‭ ‬المغربي‭ ‬أيضًا‭ ‬ورقة‭ ‬من‭ ‬مصحف‭ ‬مكتوب‭ ‬بالخط‭ ‬المغربي،‭ ‬مؤرخة‭ ‬بالقرن‭ ‬السابع‭ ‬الهجري‭/ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬محفوظة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المتروبوليتان‮»‬‭ (‬لوحة‭ ‬15‭).‬

  ‬ويتجلى‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬الثلث‭ ‬بقوائم‭ ‬حروفه‭ ‬اللينة‭ ‬والمنسابة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الآنية‭ ‬التي‭ ‬تُزخرفها‭ ‬خاصة،‭ ‬والمُكفتة‭ ‬بالفضة‭ ‬على‭ ‬النحاس؛‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬إناء‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬المُكفت‭ ‬بالفضة،‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الهجري‭/ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬يُنسب‭ ‬إلى‭ ‬الناصر‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬قلاوون،‭ ‬عُرض‭ ‬بمزاد‭ ‬سوزبي،‭ ‬Lot‭ ‬126،‭ ‬بتاريخ‭ ‬25‭ ‬أبريل‭ ‬2018‭ ‬م‭ (‬لوحة‭ ‬16‭). ‬فعلى‭ ‬جانبي‭ ‬الجامة‭ ‬المستديرة‭ ‬في‭ ‬المنتصف‭ ‬نقرأ‭ ‬ألقابًا‭ ‬منها‭ ‬‮«‬العالي‮»‬؛‭ ‬‮«‬العادل‮»‬‭. ‬

 

إيقاع‭ ‬الخطوط

  ‬كما‭ ‬يتجلى‭ ‬الإيقاع‭ ‬للخط‭ ‬الثلث‭ ‬المملوكي‭ ‬في‭ ‬ثريا‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬المُخرم‭ (‬لوحة‭ ‬17‭)‬؛‭ ‬عُرِضت‭ ‬بمزاد‭ ‬ثوزبي،‭ ‬ويتجلّى‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬العالم‮»‬‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬السفلي‭ ‬والعلوي‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬الثريا،‭ ‬وكوّنت‭ ‬قوائم‭ ‬الحروف‭ ‬وحصرت‭ ‬بينها‭ ‬شكل‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬المربعات‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬وإيقاع‭ ‬جمالي‭ ‬فريد‭. ‬

كما‭ ‬يتجلّى‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬الديواني‭ ‬بجمال‭ ‬استداراته‭ ‬وحروفه‭ ‬المُلتفة‭ ‬في‭ ‬انسيابية‭ ‬وتناغم،‭ ‬ومن‭ ‬نماذجه‭ ‬ورقة‭ ‬من‭ ‬ألبوم‭ ‬بلليني،‭ ‬مؤرخة‭ ‬بعام‭ ‬1600م،‭ ‬وقوام‭ ‬زخرفتها‭ ‬كتابة‭ ‬بالخط‭ ‬الديواني‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬دائري‭ ‬بديع‭ ‬على‭ ‬ذيل‭ ‬الطاووس‭ ‬وريشه،‭ ‬ومحفوظة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المتروبوليتان‮»‬‭ (‬لوحة‭ ‬18‭).‬

ويتجلى‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬النستعليق‭ ‬بانسيابيّته‭ ‬المعهودة،‭ ‬ولين‭ ‬خطوطه،‭ ‬في‭ ‬ورقة‭ ‬من‭ ‬ألبوم‭ ‬بلليني،‭ ‬مؤرخة‭ ‬بعام‭ ‬1600م،‭ ‬ومحفوظة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المتروبوليتان‮»‬‭ (‬لوحة‭ ‬19‭). 

ويتحقق‭ ‬تمَثُل‭ ‬الإيقاع‭ ‬في‭ ‬التكوينات‭ ‬الخطية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تضافر‭ ‬عناصر‭ ‬عدة‭ ‬مكوّنة‭ ‬للبنية‭ ‬الخطية،‭ ‬وهو‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬جمالية‭ ‬وبنائية‭ ‬فنية،‭ ‬وقبل‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المظاهر‭ ‬المكونة‭ ‬للإيقاع،‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬وجوده‭ ‬أو‭ ‬تحققه‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬الخطي‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬بنية‭ ‬متكاملة‭ ‬تعكس‭ ‬الوحدة‭ ‬العضوية‭ ‬للتكوين‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬يقام‭ ‬عليها،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬العلاقات‭ ‬اللونية،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الفضائية‭ ‬البنائية‭ ‬الداخلية‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوحدات‭ ‬المكونة‭ ‬لذلك‭ ‬التكوين‭ (‬الحروف،‭ ‬الكلمات،‭ ‬الجمل‭) ‬التي‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬النص،‭ (‬أي‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مفردات‭ ‬الحروف‭ ‬ومكونات‭ ‬النص‭ ‬وبين‭ ‬خصائص‭ ‬المساحة‭ ‬والنص‭ ‬الكتابي‭). ‬

وقد‭ ‬اكتشف‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬أشكال‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬دائبة‭ ‬من‭ ‬امتداد‭ ‬وصعود‭ ‬وهبوط‭ ‬وانحناء‭ ‬واستدارة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬تبدو‭ ‬عليه‭ ‬الحروف‭ ‬ظاهريًا‭ ‬من‭ ‬سكون‭ ‬وجمود،‭ ‬وتضمنت‭ ‬أشكال‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬حياة‭ ‬كامنة‭ ‬أتاحت‭ ‬له‭ ‬التشكيل‭ ‬الجميل؛‭ ‬ومنها‭ ‬أن‭ ‬الحروف‭ ‬العربية‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬مجموعات‭ ‬يختلف‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتشابه‭ ‬حروف‭ ‬كل‭ ‬مجموعة،‭ ‬وذلك‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حروف‭ ‬مفردة‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬شكله‭ ‬المتميز‭ ‬وهي‭ ‬الألف،‭ ‬والكاف،‭ ‬واللام،‭ ‬والميم،‭ ‬والنون،‭ ‬والهاء،‭ ‬والواو،‭ ‬والياء،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬لكل‭ ‬حرف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحروف‭ ‬أشكالًا‭ ‬مختلفة،‭ ‬وذلك‭ ‬بحسب‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬أولها،‭ ‬أوسطها،‭ ‬آخرها‭ ‬■

 

 

حشوة‭ ‬خشبية،‭ ‬العصر‭ ‬الفاطمي‭ (‬ق‭ ‬6هـ‭ /‬12م‭)‬،‭  ‬متحف‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي،‭ ‬برلين،‭ ‬ألمانيا

جرة‭ ‬من‭ ‬الخزف‭ ‬المرسوم‭ ‬تحت‭ ‬الطلاء،‭ ‬الرقة،‭ ‬سوريا،‭ (‬ق‭ ‬6هـ‭ /‬12م‭)‬،‭  ‬متحف‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي،‭ ‬برلين،‭ ‬ألمانيا