مخطوطُ العربِ يُغَـرِّدُ فِي أعطافِ الصِّينِ .. «نوادرُ نُسَخِ المصحفِ الشَّريفِ»

مخطوطُ العربِ يُغَـرِّدُ فِي أعطافِ الصِّينِ .. «نوادرُ نُسَخِ المصحفِ الشَّريفِ»

يُطلق على الوثيقة المكتوبة بخطِّ اليد «مخطوطٌ أو مخطوطةٌ»، وهذه الوثيقة تُعَدُّ مستندًا؛ لأنَّها مأخوذةٌ من إسناد الكلام إلى صاحبه، والكتابة اليدويَّة ناهضةٌ على استخدام أداةٍ يسيرةٍ كالرِّيشة أو القلم، وقد أسهم المصريُّون والصِّينيِّون في اختراع حوامل النَّصِّ المخطوط؛ فكان أوَّل استخدامٍ لأوراق البردي (أو الفافير) في الحضارة الفرعونيَّة، ويعود الفضل في إنتاج الورق (أو الكاغد) المستخدمة مادَّته حتَّى اليوم إلى الحضارة الصِّينيَّة، وكما أنَّ لكلِّ إنسانٍ فَرَادَتَهُ في الأسلوب، فإنَّ لكلِّ إنسانٍ فَرَادَتَهُ في الخطِّ، ممَّا يجعل المخطوط أكثر وَثَاقَةً في نسبة الكلام المكتوب، سواءٌ المحتوى المسنَد إلى المؤلِّف، أم الخطُّ المسنَد إلى النَّاسخ.

إنَّ‭ ‬أَجَلَّ‭ ‬ما‭ ‬خطَّه‭ ‬المخلوق‭ ‬بيده‭ ‬هو‭ ‬كلام‭ ‬الخالق،‭ ‬وأنفس‭ ‬مخطوطٍ‭ ‬ورَّثه‭ ‬الْحَرْفُ‭ ‬العربيُّ‭ ‬هو‭ ‬المصحف‭ ‬الشَّريف،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إِنَّا‭ ‬نَحْنُ‭ ‬نَزَّلْنَا‭ ‬الذِّكْرَ‭ ‬وَإِنَّا‭ ‬لَهُ‭ ‬لَحَافِظُونَ‮»‬‭ (‬سورة‭ ‬الحِجْر‭- ‬الآية‭ ‬9‭)‬،‭ ‬وقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إِنَّا‭ ‬نَحْنُ‭ ‬نَزَّلْنَا‭ ‬عَليْكَ‭ ‬الْقُرْآنَ‭ ‬تَنْزِيلًا‮»‬‭ (‬سورة‭ ‬الإنسان‭ - ‬الآية‭ ‬23‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬نزل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مُنَجَّمًا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاثةٍ‭ ‬وعشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬بين‭ ‬مكَّة‭ ‬المكرَّمة‭ ‬والمدينة‭ ‬المنوَّرة،‭ ‬واتَّخذ‭ ‬الرَّسول‭ ‬‭(‬‭) ‬من‭ ‬صحابته‭ - ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ - ‬كُتَّابًا‭ ‬للوحي،‭ ‬فكان‭ ‬التَّـنزيل‭ ‬يُدوَّن‭ ‬وفقًا‭ ‬للأحداث‭ ‬والوقائع،‭ ‬على‭ ‬السَّعَفِ‭ ‬واللِّخَافِ‭ ‬والضُّلُوعِ‭ ‬والرِّقَاعِ،‭ ‬وكان‭ ‬الرَّسول‭ ‬يأمر‭ ‬بوضع‭ ‬الآية‭ ‬محلَّ‭ ‬التَّـنزيل‭ ‬موضعها‭ ‬من‭ ‬سوابقها‭ ‬ولواحقها‭ ‬في‭ ‬السُّورة،‭ ‬فلمَّا‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربِّه،‭ ‬كان‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تامَّ‭ ‬التَّـنزيل،‭ ‬معلوم‭ ‬التَّـرتيب،‭ ‬محفوظًا‭ ‬في‭ ‬الصُّدور‭ ‬والسُّطور،‭ ‬ينتظر‭ ‬أن‭ ‬يُجمع‭ ‬في‭ ‬مصحفٍ‭ ‬واحدٍ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تَـنَادَى‭ ‬به‭ ‬صحابته‭ ‬الكرام‭ ‬وعكفوا‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬وفاته؛‭ ‬تجميعًا‭ ‬وترتيبًا،‭ ‬مراجَعةً‭ ‬ومقابَلةً،‭ ‬إقرارًا‭ ‬وإشهادًا،‭ ‬حتَّى‭ ‬تمَّ‭ ‬المصحف‭ ‬الإمام‭ ‬في‭ ‬خلافة‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفَّانٍ‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬وشغف‭ ‬العالَم‭ ‬الإسلاميُّ‭ ‬بنسخ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بعد‭ ‬عهد‭ ‬الخلفاء‭ ‬الرَّاشدين،‭ ‬فزادَتِ‭ ‬النُّسخ‭ ‬المخطوطة‭ ‬في‭ ‬عصريْ‭ ‬بني‭ ‬أميَّة‭ ‬وبني‭ ‬العبَّاس،‭ ‬وما‭ ‬بعدهما‭ ‬في‭ ‬الدُّول‭ ‬والإمارات‭ ‬الإسلاميَّة،‭ ‬سواءٌ‭ ‬العربيَّة‭ ‬منها‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬العربيَّة؛‭ ‬ليظلَّ‭ ‬المصحف‭ ‬الشَّريف‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬الدِّين‭ ‬الإسلاميِّ‭ ‬وخلود‭ ‬اللُّغة‭ ‬العربيَّة‭.‬

 

البحث‭ ‬عن‭ ‬أقدم‭ ‬نسخةٍ‭ ‬مخطوطةٍ‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬الصِّين

‭ ‬يحسُن‭ ‬بنا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أقدم‭ ‬النُّسخ‭ ‬المخطوطة‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬وحضارته‭ ‬لم‭ ‬يقطعوا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬اليقين‭ ‬بتاريخ‭ ‬قدوم‭ ‬أوَّل‭ ‬نسخةٍ‭ ‬مخطوطةٍ‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬إلى‭ ‬الصِّين،‭ ‬أو‭ ‬أوَّل‭ ‬نسخةٍ‭ ‬خطَّها‭ ‬صينيِّون‭ ‬مسلمون،‭ ‬ولكن‭ ‬بِتَفَرُّسِ‭ ‬نسيج‭ ‬النُّسخ‭ ‬الموجودة‭ ‬تبيَّن‭ ‬أنَّ‭ ‬أقدمها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬العبَّاسيِّ،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التَّـقريب‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجريِّ‭ (‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬الميلاديِّ‭)‬،‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النُّسخ‭ ‬القديمة‭ ‬ممهورٌ‭ ‬بأسماء‭ ‬نسَّاخه‭ ‬وتواريخ‭ ‬نسخه،‭ ‬ممَّا‭ ‬يضفي‭ ‬عليها‭ ‬قيمةً‭ ‬كبيرةً‭ ‬علميًّا‭ ‬ومادِّيًّا،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬معظمها‭ ‬مجهول‭ ‬النُّسَّاخ‭ ‬والتَّواريخ،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬المعهودة‭ ‬لدى‭ ‬محقِّـقي‭ ‬التُّراث‭ ‬والَّتي‭ ‬تزداد‭ ‬بتقادُم‭ ‬النُّسخ،‭ ‬وقد‭ ‬زِيدَتْ‭ ‬مخطوطات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬دعوة‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬السُّهول‭ ‬الوسطى‭ ‬للصِّين،‭ ‬وبشيوع‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطات‭ ‬عُرف‭ ‬الْحَرْفُ‭ ‬العربيُّ،‭ ‬وَأُكْحِلَتْ‭ ‬أعين‭ ‬مسلمي‭ ‬الصِّين‭ ‬بجماليَّات‭ ‬خطوطه؛‭ ‬ولعلَّ‭ ‬أشهرها‭ ‬النَّسخ‭ ‬والفارسيُّ‭ ‬والكوفيُّ،‭ ‬ممَّا‭ ‬أثَّر‭ ‬في‭ ‬الاندماج‭ ‬بين‭ ‬الثَّقافتيْنِ‭ ‬العربيَّة‭ ‬والصِّينيَّة‭ ‬في‭ ‬جوانبَ‭ ‬متنوِّعةٍ‭.‬

فلقد‭ ‬دخل‭ ‬الإسلامُ‭ ‬الصِّينَ‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الأوَّل‭ ‬الهجريِّ‭ (‬السَّابع‭ ‬الميلاديِّ‭)‬،‭ ‬وأرسل‭ ‬ثالث‭ ‬الخلفاء‭ ‬الرَّاشدين‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفَّانٍ‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬في‭ ‬عام‭ (‬31‭ ‬هـ‭/ ‬651‭ ‬م‭) ‬مبعوثًا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬تشانغان‭ (‬العاصمة‭ ‬الصِّينيَّة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أسرة‭ ‬تانغ‭ ‬الملكيَّة‭)‬،‭ ‬والتقى‭ ‬المبعوثُ‭ ‬العربيُّ‭ ‬الإمبراطورَ‭ ‬الصِّينيَّ،‭ ‬وعرض‭ ‬عليه‭ ‬شعائر‭ ‬الإسلام‭ ‬وعادات‭ ‬المسلمين‭ ‬ومعالم‭ ‬الخلافة،‭ ‬ممَّا‭ ‬يُعَدُّ‭ ‬أوَّل‭ ‬تبادُلٍ‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصِّين،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬دخل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬وتُوجد‭ ‬نسخةٌ‭ ‬مخطوطةٌ‭ ‬للمصحف‭ ‬الشَّريف‭ ‬عدَّها‭ ‬بعض‭ ‬الأثريِّين‭ ‬أقدم‭ ‬مخطوطٍ‭ ‬للمصحف‭ ‬الشَّريف‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬فيُعتقد‭ ‬أنَّها‭ ‬كُتِبَتْ‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثَّاني‭ ‬الهجريِّ‭ (‬الثَّامن‭ ‬الميلاديِّ‭)‬،‭ ‬واصطحبها‭ ‬أناسٌ‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬سرخس‭ ‬بولاية‭ ‬مرو‭ (‬بجمهوريَّة‭ ‬تركمانستان‭ ‬الحاليَّة‭)‬،‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬الصِّين‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أسرة‭ ‬‮«‬يوان‮»‬،‭ ‬أي‭: ‬في‭ ‬الفترة‭ (‬من‭ ‬1206‭ ‬إلى‭ ‬1368م‭)‬،‭ ‬واستوطنوا‭ ‬محافظة‭ ‬شيوان‭ ‬هو‭ ‬بمقاطعة‭ ‬تشينغهاي،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬مجلَّديْنِ،‭ ‬ينقسمان‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثين‭ ‬جزءًا،‭ ‬في‭ (‬ثمانمئةٍ‭ ‬وسبعٍ‭ ‬وستِّين‭ ‬صفحةً‭)‬،‭ ‬غلافها‭ ‬من‭ ‬جلد‭ ‬الكركدن،‭ ‬المزدان‭ ‬بزخارفَ‭ ‬بديعةٍ،‭ ‬والأصل‭ ‬في‭ ‬خطِّها‭ ‬أنَّه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حروفه‭ ‬منقوطةً؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬النَّـقْـطَ‭ ‬والشَّكْـلَ‭ ‬من‭ ‬تطوُّرات‭ ‬الكتابة‭ ‬العربيَّة‭ ‬اللَّاحقة،‭ ‬وما‭ ‬وُجد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬صفحاتها‭ ‬من‭ ‬نَـقْـطٍ‭ ‬فقد‭ ‬أُضيف‭ ‬لاحقًا‭ ‬بيد‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص،‭ ‬وهي‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬مسجد‭ ‬‮«‬شيون‭ ‬هوا‭ ‬جيد‭ ‬زي‮»‬،‭ ‬بمقاطعة‭ ‬تشينغهاي‭.‬

 

أهمُّ‭ ‬النُّسخ‭ ‬المخطوطة‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬

في‭ ‬الصِّين

ولعلَّه‭ ‬من‭ ‬الأوفق‭ ‬أن‭ ‬نعرِّج‭ ‬على‭ ‬نخبةٍ‭ ‬من‭ ‬النُّسخ‭ ‬المخطوطة‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والَّتي‭ ‬امتازَتْ‭ ‬بالقَـدامة‭ ‬والنَّفاسة‭ ‬في‭ ‬آنٍ،‭ ‬فكأنَّ‭ ‬الْحَرْفَ‭ ‬العربيَّ‭ ‬شكَّل‭ ‬منها‭ ‬طيرًا‭ ‬غِرِّيدًا‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬عِطْفٍ‭ ‬من‭ ‬أعطاف‭ ‬الصِّين،‭ ‬وأهمُّها‭:‬

نسخة‭ ‬‮«‬سالار‮»‬‭: ‬قدم‭ ‬بها‭ ‬الشَّقيقان‭ ‬قارمون‭ ‬وأحمون،‭ ‬من‭ ‬موطنهما‭ ‬بسمرقند‭ (‬منطقة‭ ‬سرخس‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬ماري‭ ‬بتركمانستان‭ ‬الحاليَّة‭)‬،‭ ‬يحملانها‭ ‬على‭ ‬جملٍ‭ ‬أبيضَ،‭ ‬في‭ ‬هجرتهما‭ ‬إلى‭ ‬محافظة‭ ‬شيونهوا‭ ‬في‭ ‬مقاطعة‭ ‬تشينغهاي،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬القرن‭ ‬الرَّابع‭ ‬الهجريِّ‭ (‬العاشر‭ ‬الميلاديِّ‭) ‬والثَّامن‭ ‬الهجريِّ‭ (‬الرَّابع‭ ‬عشر‭ ‬الميلاديِّ‭) ‬تقريبًا،‭ ‬ومكتوبةٌ‭ ‬بخطٍّ‭ ‬عربيٍّ‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬بني‭ ‬بُوَيْهٍ،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬مجلَّديْنِ،‭ ‬ينقسم‭ ‬كلٌّ‭ ‬منهما‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬جزءًا،‭ ‬في‭ (‬ثمانمئةٍ‭ ‬وسبعٍ‭ ‬وستِّين‭ ‬صفحةً‭)‬،‭ ‬فُـقِـدَتْ‭ ‬بعض‭ ‬صفحاتها‭ ‬الأولى‭ ‬الَّتي‭ ‬تضمُّ‭ ‬الفاتحة،‭ ‬وتلفَتْ‭ ‬بعض‭ ‬صفحاتها‭ ‬الدَّاخليَّة،‭ ‬والنُّسخة‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬مسجد‭ ‬جيتسي‭ ‬بشيونهوا‭.‬

وقد‭ ‬بدأ‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬الصِّينيِّين‭ ‬مؤخَّرًا‭ ‬في‭ ‬ترميم‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطة‭ ‬النَّادرة‭ ‬للمصحف‭ ‬الشَّريف،‭ ‬حيث‭ ‬واجهَـتْهَا‭ ‬مشكلاتٌ‭ ‬بسبب‭ ‬تخلُّف‭ ‬وسائل‭ ‬الحفظ،‭ ‬وهي‭ ‬موضوعةٌ‭ ‬بجزءيْها‭ ‬في‭ ‬علبتيْنِ،‭ ‬مغلَّفتيْنِ‭ ‬بجلد‭ ‬الكركدن،‭ ‬داخل‭ ‬دولابٍ‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬جيتسي،‭ ‬وقد‭ ‬خَصَّصَتِ‭ ‬الصِّين‭ ‬مبلغ‭ (‬أربعمئةٍ‭ ‬وأربعين‭ ‬ألف‭ ‬يوان‭)‬؛‭ ‬لتطهير‭ ‬النُّسخة‭ ‬وترميمها،‭ ‬ولما‭ ‬أكَّده‭ ‬الخبراء‭ ‬من‭ ‬أهمِّـيَّـتها‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أصل‭ ‬قوميَّة‭ ‬‮«‬سالار‮»‬‭ ‬النَّازحة‭ ‬قديمًا‭ ‬إلى‭ ‬الصِّين،‭ ‬وتطوُّر‭ ‬الإسلام‭ ‬هناك،‭ (‬ولعلَّها‭ ‬النُّسخة‭ ‬الَّتي‭ ‬عرضناها‭ ‬سلفًا‭ ‬بوصفها‭ ‬الأقدم‭!).‬

ونسخة‭ ‬‮«‬ويغور‮»‬‭: ‬نسخها‭ ‬الشَّيخ‭ ‬الويغوريُّ‭ ‬المسلم‭ ‬رحيم‭ ‬نيازي،‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬هامي‭ ‬بمنطقة‭ ‬شينجيانغ،‭ ‬وأتمَّها‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬668‭ ‬هـ‭/ ‬1269‭ ‬م‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬أقدم‭ ‬النُّسخ‭ ‬في‭ ‬الصِّين‭ ‬توثيقًا‭ ‬باسم‭ ‬النَّاسخ‭ ‬وتاريخ‭ ‬النَّسخ،‭ ‬ومكتوبةٌ‭ ‬بخطِّ‭ ‬النَّسخ،‭ ‬ومزخرفةٌ‭ ‬باللَّون‭ ‬الذَّهبيِّ،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬ثلاثين‭ ‬مجلَّدًا،‭ ‬مغلَّفٌ‭ ‬كلٌّ‭ ‬منها‭ ‬بجلد‭ ‬البقر‭ ‬الأصفر،‭ ‬ولانبعاث‭ ‬رائحةٍ‭ ‬طيِّبةٍ‭ ‬من‭ ‬صفحاتها‭ ‬فقد‭ ‬أُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬المصحف‭ ‬ذو‭ ‬الغلاف‭ ‬الجلديِّ‭ ‬العاطر‮»‬،‭ ‬والنُّسخة‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬المعهد‭ ‬الصِّينيِّ‭ ‬للعلوم‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬بكِّين‭.‬

 

نسخة‭ ‬ساري

ونسخة‭ ‬‮«‬ساري‮»‬‭: ‬نسخها‭ ‬محمَّد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الرَّحمن‭ ‬ساري،‭ ‬وأتمَّها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أسرة‭ ‬‮«‬يوان‮»‬‭ ‬الإمبراطوريَّة،‭ ‬تحديدًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬718‭ ‬هـ‭/ ‬1318‭ ‬م‭)‬،‭ ‬ومكتوبةٌ‭ ‬بخطِّ‭ ‬النَّسخ،‭ ‬واستخدم‭ ‬فيها‭ ‬ناسخها‭ ‬قلم‭ ‬الرِّيشة‭ ‬الصِّينيَّ،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬النَّاسخ‭ ‬كان‭ ‬إمامًا‭ ‬بشمال‭ ‬الصِّين،‭ ‬وسافر‭ ‬طلبًا‭ ‬للعلم‭ ‬إلى‭ ‬ساري‭ (‬مدينةٌ‭ ‬تركيَّةٌ‭) ‬هي‭ ‬موطن‭ ‬أجداده‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستوطن‭ ‬الصِّين،‭ ‬وخلال‭ ‬رحلته‭ ‬نسخ‭ ‬المخطوطة،‭ ‬والنُّسخة‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬بمكتبة‭ ‬مسجد‭ ‬دونغسي‭ ‬في‭ ‬بكِّين‭.‬

ونسخة‭ ‬‮«‬ليو‭ ‬جينغ‭ ‬مينغ‮»‬‭: ‬مجهولة‭ ‬اسم‭ ‬النَّاسخ‭ ‬وتاريخ‭ ‬النَّسخ،‭ ‬ورجَّح‭ ‬بعض‭ ‬الأثريِّين‭ ‬أن‭ ‬المخطوطة‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬أسرة‭ ‬‮«‬مينغ‮»‬‭ ‬الإمبراطوريَّة،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬مجلَّدٍ‭ ‬واحدٍ،‭ ‬يضمُّ‭ ‬ثلاثين‭ ‬جزءًا،‭ ‬وقد‭ ‬توارث‭ ‬الإمام‭ ‬ليو‭ ‬جينغ‭ ‬مينغ‭ ‬هذه‭ ‬النُّسخة‭ ‬عن‭ ‬أسلافه،‭ ‬فكان‭ ‬يحتفظ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬زقاق‭ ‬ناندوياتساي‭ ‬بحيِّ‭ ‬دونغتشنغ‭ ‬في‭ ‬بكِّين،‭ ‬وبعد‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ (‬1422‭ ‬هـ‭/ ‬2001‭ ‬م‭) ‬أهدَتْهَا‭ ‬عائلته‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬مسجد‭ ‬دونغسي‭ ‬ببكِّين‭.‬

ونسخة‭ ‬‮«‬المحظيَّة‭ ‬العطريَّة‮»‬‭: ‬حيث‭ ‬استقدم‭ ‬الإمبراطور‭ ‬تشيان‭ ‬لونغ‭ ‬فتاةً‭ ‬مسلمةً‭ ‬جميلةً‭ ‬اسمها‭ ‬إبرخان‭ ‬أو‭ ‬عبيرخان،‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬شينجيانغ‭ ‬إلى‭ ‬قصره‭ ‬الإمبراطوريِّ؛‭ ‬تقديرًا‭ ‬لعشيرتها‭ ‬الَّتي‭ ‬ساعدَتْهُ‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضدَّ‭ ‬المتمرِّدين‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬خوجة،‭ ‬فأحبَّها‭ ‬واتَّخذها‭ ‬زوجةً‭ ‬من‭ ‬الدَّرجة‭ ‬الثَّانية‭ (‬محظيَّةً‭)‬،‭ ‬ولقَّبها‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الحظيَّة‭ ‬العطرة‮»‬،‭ ‬وبنى‭ ‬لها‭ ‬مسجدًا‭ ‬في‭ ‬قصره،‭ ‬وأهداها‭ ‬مخطوطةً‭ ‬نفيسةً‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وليس‭ ‬معروفًا‭ ‬موطن‭ ‬هذه‭ ‬النُّسخة‭ ‬ومن‭ ‬ناسخها‭ ‬وتاريخ‭ ‬نسخها‭! ‬لكنَّها‭ ‬اكتُـشفَتْ‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الميلاديِّ،‭ ‬ومكتوبةٌ‭ ‬بالعربيَّة‭ ‬المعهودة‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬وهوامش‭ ‬الصَّفحات‭ ‬بالفارسيَّة،‭ ‬ومزدانةٌ‭ ‬بتصميماتٍ‭ ‬زاهيةٍ‭ ‬ومطليَّةٌ‭ ‬بماء‭ ‬الذَّهب،‭ ‬وتشير‭ ‬المواد‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬نسخ‭ ‬نصوصها‭ ‬وزخرفتها‭ ‬وتذهيبها‭ ‬وتجليدها‭ ‬إلى‭ ‬أنَّها‭ ‬نسخةٌ‭ ‬تخصُّ‭ ‬الأسر‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬ثلاثين‭ ‬جزءًا،‭ ‬كلٌّ‭ ‬منها‭ ‬ملفوفٌ‭ ‬بقماشٍ‭ ‬مُقَصَّبٍ‭ ‬وحريرٍ‭ ‬ملوَّنٍ،‭ ‬والنُّسخة‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬المعهد‭ ‬الصِّينيِّ‭ ‬للعلوم‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬في‭ ‬بكِّين‭.‬

ونسخة‭ ‬‮«‬يانغ‭ ‬قوه‭ ‬رونغ‮»‬‭: ‬مجهولة‭ ‬اسم‭ ‬النَّاسخ‭ ‬وتاريخ‭ ‬النَّسخ،‭ ‬ومالكها‭ ‬الصِّينيُّ‭ ‬المسلم‭ ‬يانغ‭ ‬قوه‭ ‬رونغ،‭ ‬الَّذي‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬شيجي‭ ‬بإقليم‭ ‬نينغشيا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬الصِّين،‭ ‬وتوارثها‭ ‬عن‭ ‬أجداده،‭ ‬وهي‭ ‬منسوخةٌ‭ ‬بريشةٍ‭ ‬خيزرانيَّةٍ،‭ ‬بالأسلوب‭ ‬التَّـقليديِّ‭ ‬للخطوط‭ ‬العربيَّة‭ ‬المعهودة‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬وعلى‭ ‬حوافِّ‭ ‬صفحاتها‭ ‬تُوجد‭ ‬هوامشُ‭ ‬متنوِّعةٌ‭ ‬طولًا‭ ‬وعرضًا،‭ ‬وخطوطٌ‭ ‬أفقيَّةٌ‭ ‬ومائلةٌ؛‭ ‬لتدلِّل‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬النَّاسخ‭ ‬بمعاني‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنيَّة،‭ ‬وتقع‭ ‬المخطوطة‭ ‬في‭ ‬مجلَّديْنِ،‭ ‬مغلَّفيْنِ‭ ‬بجلد‭ ‬البقر،‭ ‬عليهما‭ ‬زخارفُ‭ ‬مضغوطةٌ،‭ ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬عام‭ (‬1425‭ ‬هـ‭/ ‬2004‭ ‬م‭) ‬أهداها‭ ‬صاحبها‭ ‬إلى‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعيَّة‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬تسانغتشو‭ ‬بمقاطعة‭ ‬خبي،‭ ‬باي‭ ‬ون‭ ‬هوا،‭ ‬والنُّسخة‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬مسجد‭ ‬شيسي‭ ‬في‭ ‬تسانغتشو‭.‬

 

انتقال‭ ‬المصحف‭ ‬الشَّريف‭ ‬من‭ ‬المخطوط‭ ‬

إلى‭ ‬المطبوع

نسخة‭ ‬‮«‬لانديانتشانغ‮»‬‭: ‬وهي‭ ‬مخطوطةٌ‭ ‬مكوَّنةٌ‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬مجلَّدًا،‭ ‬كاملةٌ‭ ‬وحالتها‭ ‬جيِّدةٌ،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مجهولة‭ ‬اسم‭ ‬النَّاسخ‭ ‬وتاريخ‭ ‬النَّسخ،‭ ‬فمن‭ ‬المرجَّح‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬نسخها‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الإمبراطور‭ ‬قوانغ‭ ‬شيوي،‭ ‬الَّذي‭ ‬تولَّى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ (‬من‭ ‬1875‭ ‬إلى‭ ‬1908‭ ‬م‭)‬،‭ ‬ففي‭ ‬مسجد‭ ‬قرية‭ ‬لانديانتشانغ‭ ‬بحيِّ‭ ‬هايديان‭ ‬بضواحي‭ ‬بكِّين،‭ ‬يُوجد‭ ‬مع‭ ‬المصحف‭ ‬المخطوط‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬الدِّينيَّة‭ ‬القديمة‭ ‬عليها‭ ‬تواريخ‭ ‬نسخها،‭ ‬وبين‭ ‬المصحف‭ ‬والكتب‭ ‬تشابهٌ‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الورق‭ ‬ومادَّة‭ ‬الغلاف،‭ ‬وعوامل‭ ‬التَّعرية‭ ‬على‭ ‬المظهر‭ ‬الخارجيِّ،‭ ‬ممَّا‭ ‬يُستدلُّ‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬تقارُب‭ ‬تاريخ‭ ‬النَّسخ‭ ‬لكلٍّ‭ ‬منهما،‭ ‬كما‭ ‬يُوجد‭ ‬تشابهٌ‭ ‬بين‭ ‬خطِّ‭ ‬المصحف‭ ‬المخطوط‭ ‬وثاني‭ ‬مصحفٍ‭ ‬مطبوعٍ‭ ‬بالكليشيه‭ (‬الحفر‭ ‬اليدويِّ‭ ‬على‭ ‬الخشب‭)‬،‭ ‬ممَّا‭ ‬يرجِّح‭ ‬تقارُب‭ ‬تاريخيْهما،‭ ‬وربَّما‭ ‬كانت‭ ‬النُّسخة‭ ‬المخطوطة‭ ‬هي‭ ‬الأصل‭ ‬الَّذي‭ ‬اعتُمد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الطِّباعة‭. ‬فأوَّل‭ ‬مصحفٍ‭ ‬طُبع‭ ‬في‭ ‬الصِّين‭ ‬بالكليشيه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬دالي‭ ‬بمقاطعة‭ ‬يوننان،‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬1279‭ ‬هـ‭/ ‬1862‭ ‬م‭)‬،‭ ‬وعليه‭ ‬عبارةٌ‭ ‬بالصِّينيَّة‭ ‬ترجمتها‭: ‬‮«‬السِّـفْـرُ‭ ‬الحقيقيُّ‭ ‬الخالد‮»‬،‭ ‬وأتَتْ‭ ‬نيران‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬كليشيهاته،‭ ‬وطُبع‭ ‬ثاني‭ ‬مصحفٍ‭ ‬بالكليشيه‭ ‬بمقاطعة‭ ‬يوننان،‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬1313‭ ‬هـ‭/ ‬1895‭ ‬م‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬محفوظٌ‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬مسجد‭ ‬نانتشنغ‭ ‬بمدينة‭ ‬كونمينغ‭ ‬بمقاطعة‭ ‬يوننان‭.‬

كما‭ ‬اكتُـشفَتْ‭ ‬مخطوطةٌ‭ ‬تاريخيَّةٌ‭ ‬للمصحف‭ ‬الشَّريف،‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬دونغشيانغ‭ ‬المسلمة‭ ‬بمقاطعة‭ ‬قانسو،‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬1430‭ ‬هـ‭/ ‬2009‭ ‬م‭)‬،‭ ‬فخصَّصَتِ‭ ‬المحافظة‭ ‬أربعة‭ ‬ملايين‭ ‬يوان؛‭ ‬لبناء‭ ‬متحفٍ‭ ‬لحفظ‭ ‬المخطوطة‭ ‬بوسائلَ‭ ‬تقنيَّةٍ‭ ‬حديثةٍ،‭ ‬وقدَّر‭ ‬خبراء‭ ‬من‭ ‬الصِّين‭ ‬واليابان‭ ‬وبريطانيا‭ ‬كتابتها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬القرنيْنِ‭ ‬الثَّالث‭ ‬الهجريِّ‭ (‬التَّاسع‭ ‬الميلاديِّ‭) ‬والخامس‭ ‬الهجريِّ‭ (‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬الميلاديِّ‭)‬،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ (‬خمسمئةٍ‭ ‬وستٍّ‭ ‬وثلاثين‭ ‬صفحةً‭)‬،‭ ‬وأوضح‭ ‬الإمام‭ ‬ما‭ ‬تشينغ‭ ‬فانغ‭ ‬أنَّها‭ ‬صُنِّـفَتْ‭ ‬ضمن‭ ‬الفئة‭ (‬أ‭)‬،‭ ‬كملكيَّةٍ‭ ‬ثقافيَّةٍ‭ ‬تحت‭ ‬الحماية‭ ‬الوطنيَّة،‭ ‬بوصفها‭ ‬إحدى‭ ‬أقدم‭ ‬النُّسخ‭ ‬الموجودة،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬المحافظة،‭ ‬تشن‭ ‬هاي‭ ‬لونغ،‭ ‬أهمِّـيَّتها‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬تاريخ‭ ‬القوميَّات‭ ‬العرقيَّة،‭ ‬وتاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الصِّينيِّة‭.‬

 

تعلُّق‭ ‬بعض‭ ‬الصِّينيِّين‭ ‬المسلمين‭ ‬

بالمخطوطات‭ ‬النَّادرة

لقد‭ ‬وجدنا‭ ‬بعض‭ ‬الصِّينيِّين‭ ‬المسلمين‭ ‬الَّذين‭ ‬تعلَّقوا‭ ‬بالمخطوطات‭ ‬والآثار‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬كتعلُّق‭ ‬العرب‭ ‬المسلمين‭ ‬تمامًا،‭ ‬مثل‭: ‬ما‭ ‬جينغ‭ ‬فو،‭ ‬الصِّينيُّ‭ ‬المسلم‭ ‬الَّذي‭ ‬يسكن‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬نينغشيا،‭ ‬حيث‭ ‬أمضى‭ ‬زهاء‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬التَّجوُّل‭ ‬بأقاليم‭ ‬الصِّين‭ ‬المتعدِّدة‭ ‬يجمع‭ ‬مخطوطاتٍ‭ ‬إسلاميَّةً‭ ‬خطَّها‭ ‬علماء‭ ‬صينيِّون‭ ‬عبر‭ ‬مئات‭ ‬السِّنين،‭ ‬إذ‭ ‬اقتنى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬ألفًا‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬والتُّحف‭ ‬الأثريَّة‭ ‬الإسلاميَّة،‭ ‬داخل‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬غرفةٍ‭ ‬خاصَّةٍ‭ ‬جعلها‭ ‬خزانةً‭ ‬لمقتنياته‭ ‬النَّفيسة،‭ ‬وأكَّد‭ ‬أنَّ‭ ‬أنفسها‭ ‬مصحفٌ‭ ‬شريفٌ‭ ‬يعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬بواكير‭ ‬دخول‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬الصِّين،‭ ‬فتاريخ‭ ‬النُّسخة‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1000‭ ‬عامٍ،‭ ‬ويرجِّح‭ ‬أنَّها‭ ‬دخلَتِ‭ ‬الصِّين‭ ‬بواسطة‭ ‬أحد‭ ‬التُّجَّار‭ ‬العرب‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬طريق‭ ‬الحرير‮»‬‭ ‬العتيقة،‭ ‬وغدَتْ‭ ‬مقتنياته‭ ‬مرجعًا‭ ‬للباحثين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬منذ‭ ‬دخوله‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الأوَّل‭ ‬الهجريِّ‭ (‬السَّابع‭ ‬الميلاديِّ‭)‬،‭ ‬وعرض‭ ‬عليه‭ ‬أشخاصٌ‭ ‬ومؤسَّساتٌ‭ ‬ملايين‭ ‬الأموال‭ ‬لشراء‭ ‬مقتنياته‭ ‬الثَّمينة،‭ ‬لكنَّه‭ ‬رفض‭ ‬لاستشعاره‭ ‬قيمة‭ ‬الرِّسالة‭ ‬الَّتي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬حفظ‭ ‬تاريخ‭ ‬أمَّته،‭ ‬ومن‭ ‬واجبه‭ ‬اقتناء‭ ‬كلِّ‭ ‬ما‭ ‬يؤرِّخ‭ ‬للدِّين‭ ‬الإسلاميِّ‭ ‬وتراثه‭ ‬الحضاريِّ‭ ‬الَّذي‭ ‬ترك‭ ‬أثره‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬الصِّين‭.‬

 

أصغر‭ ‬نسخة

لعلَّ‭ ‬من‭ ‬طرائف‭ ‬المخطوطات‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أصغر‭ ‬نسخةٍ‭ ‬مخطوطةٍ‭ ‬لمصحفٍ‭ ‬شريفٍ‭ ‬في‭ ‬العالَم‭ ‬محفوظةً‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬مقتنياتٍ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ (‬1379‭ ‬هـ‭/ ‬1959‭ ‬م‭)‬،‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬نينغكسيا‭ ‬بشمال‭ ‬غرب‭ ‬الصِّين،‭ ‬حيث‭ ‬يقطن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصِّينيِّين‭ ‬المسلمين‭ ‬الَّذين‭ ‬يُسمَّون‭ ‬‮«‬هوي‮»‬،‭ ‬ونقلها‭ ‬صينيٌّ‭ ‬مسلمٌ‭ ‬من‭ ‬السُّعوديَّة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬الحجِّ،‭ ‬وهي‭ ‬نسخةٌ‭ ‬كاملةٌ‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬لكنَّها‭ ‬مجهولة‭ ‬الأصل‭ ‬والتَّاريخ،‭ ‬ومكتوبةٌ‭ ‬باللُّغة‭ ‬العربيَّة‭ ‬الدَّقيقة،‭ ‬فلا‭ ‬تُقرأ‭ ‬بالعين‭ ‬المجرَّدة‭ ‬وإنَّما‭ ‬بالمجهر،‭ ‬فقياساتها‭ ‬كالتَّالي‭: (‬الوزن‭: (‬1.1‭) ‬جرام،‭ ‬الطُّول‭: (‬1.96‭) ‬سنتيمترًا،‭ ‬العرض‭: (‬1.32‭) ‬سنتيمترًا،‭ ‬السُّمك‭: (‬0.61‭) ‬سنتيمترًا‭)‬،‭ ‬وتُوجد‭ ‬نسخةٌ‭ ‬أخرى‭ ‬محفوظةٌ‭ ‬في‭ ‬زنغزهو‭ ‬بإقليم‭ ‬هنان‭ ‬الأوسط،‭ ‬وكان‭ ‬يُظنُّ‭ ‬أنَّها‭ ‬الأصغر‭ ‬في‭ ‬العالَم‭! ‬ولكن‭ ‬وفقًا‭ ‬لمقارنة‭ ‬لقياساتهما‭ ‬الَّتي‭ ‬أجراها‭ ‬أمين‭ ‬المتحف‭ ‬‮«‬هي‭ ‬كسينيو»؛‭ ‬بصدد‭ ‬تفنيده‭ ‬مقالًا‭ ‬زعم‭ ‬ذلك،‭ ‬فوجدها‭ ‬تاليةً‭ ‬في‭ ‬صغر‭ ‬الحجم‭.‬

وبإجالة‭ ‬النَّظر‭ ‬فإنَّنا‭ ‬نتلمَّس‭ ‬مخطوطاتٍ‭ ‬متعدِّدةً‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الصِّينيِّين‭ ‬المسلمين،‭ ‬فضلًا‭ ‬عمَّا‭ ‬حَوَتْهُ‭ ‬المكتبات‭ ‬المؤسَّسيَّة‭ ‬كالمساجد‭ ‬والمعاهد،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬حاجةٍ‭ ‬ماسَّةٍ‭ ‬إلى‭ ‬التَّرميم‭ ‬والصِّيانة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬علميٍّ؛‭ ‬لما‭ ‬تمثِّله‭ ‬من‭ ‬قيمةٍ‭ ‬حضاريَّةٍ‭ ‬في‭ ‬التَّأريخ‭ ‬للإسلام‭ ‬في‭ ‬الصِّين،‭ ‬وما‭ ‬تمثِّـله‭ ‬من‭ ‬صناعةٍ‭ ‬دقيقةٍ،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الأوراق‭ ‬والجلود‭ ‬والأحبار،‭ ‬وتستجلي‭ ‬جوانب‭ ‬الفنِّ‭ ‬الإسلاميِّ‭ ‬الَّذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الخطِّ‭ ‬العربيِّ‭ ‬ركيزةً‭ ‬جماليَّةً،‭ ‬حيث‭ ‬دارَتْ‭ ‬حوله‭ ‬الزَّخرفة‭ ‬والتَّوريق‭ ‬والتَّذهيب؛‭ ‬حتَّى‭ ‬غدا‭ ‬المصحف‭ ‬المخطوط‭ ‬قطعةً‭ ‬تاريخيَّةً‭ ‬وجماليَّةً‭ ‬في‭ ‬آنٍ،‭ ‬ويظلُّ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يجمع‭ ‬أتباعه‭ ‬على‭ ‬قداسة‭ ‬الاقتداء‭ ‬وشرافة‭ ‬الاقتناء‭ ‬■

 

يانغ‭ ‬قوة‭ ‬رونغ‭ ‬صفحتان‭ ‬من‭ ‬مصحف

ماجينغ‭ ‬فو‭ ‬يحتفظ‭ ‬بما‭ ‬يقارب‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬الإسلامية‭ ‬التراثية