من الجِراح نقتصُّ للحياة قراءة في ديوان شعري

من الجِراح نقتصُّ للحياة قراءة في ديوان شعري

صدر للشاعرة المغربية آمال كريم العلوي ديوان شعري بعنوان على الجراح تكبّر القمر (المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش - المغرب. ط1. 2016). 
وقد صمم غلاف هذا العمل، الشاعر اليمني محمد شويع. ويضم الديوان، إلى جانب الإهداء والفهرس، تقديمًا للأستاذ حميد منسوم عن الكون الشعري للأضمومة وعن موضوعاتها في الوطن والحب والموت، منتهيًا لمفهوم للشعر عند العلوي من حيث هو «تلقيح مضاد للبشاعة والقبح، وأسمنت مسلح ضد الصدمات، عناد لواقع موجود، واستشراف لحلم منشود». وعنوان التقديم أسيرة حلمها. ويحتاج هذا الحلم إلى الوصف والمعاينة البلاغية والنقدية. 

يضم‭ ‬الديوان‭ ‬ثلاثة‭ ‬وثلاثين‭ ‬نصًا‭ ‬شعريًا‭ ‬بعناوين‭ ‬متنوعة‭. ‬ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الديوان،‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادة‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬عناوين‭ ‬دواوينهم‭ ‬الشعرية،‭ ‬لم‭ ‬يستخدم‭ ‬عنوان‭ ‬قصيدة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬مجموعه‭ ‬الشعري،‭ ‬بل‭ ‬اختار‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القصيدة‭ ‬الثلاثين‭ ‬أنا‭ ‬المكلومة‭ ‬سرًا،‭ ‬وجعلها‭ ‬عتبة‭ ‬لعالمه‭ ‬الداخلي،‭ ‬وخلاصته‭ ‬المكثفة‭. ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬مسبوقًا‭ ‬بمثَل‭ ‬عربي،‭ ‬قالت‭:‬

بلغ‭ ‬السيل‭ ‬الزبى

وعلى‭ ‬الجراح‭ ‬تكبر‭ ‬القمر

سعى‭ ‬إلى‭ ‬الشقاق‭... (‬ص‭ ‬111‭ - ‬112‭)‬

فعنوان‭ ‬الديوان‭ ‬إذن،‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬أنا‭ ‬المكلومة‭ ‬سرًا‭. ‬والكَلْم‭ ‬هو‭ ‬الجرح‭ ‬من‭ ‬كَلَمَه،‭ ‬و«جرحه‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الجراحة‭. ‬وفي‭ ‬سورة‭ ‬النمل،‭ ‬الآية‭ ‬84‭ ‬{وإذا‭ ‬وقعَ‭ ‬القولُ‭ ‬عليهمُ‭ ‬أخرجنا‭ ‬لهمْ‭ ‬دابةً‭ ‬مِنَ‭ ‬الأرض‭ ‬تُكَلمُهُمُ}‭.‬‭ ‬وقُرئت‭ ‬تَكْلِمُهُمُ‭ ‬أي‭ ‬تجرحهم‭ ‬وتسِمهم‭. ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬ذهب‭ ‬ابن‭ ‬العباس،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬ابن‭ ‬كثير‭.‬

فالجرح‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬كلْم‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬الذي‭ ‬يؤثل‭ ‬لمعجمه‭ ‬الشعري‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والحديث‭ ‬الشريف،‭ ‬ومن‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬والأمثال‭ ‬والرموز‭ ‬التاريخية‭ ‬والدينية‭ ‬واللغوية‭. ‬والكلْم‭ ‬في‭ ‬الديوان‭ ‬كُلُوم،‭ ‬و«الجُرْحُ‭ ‬بالضم‭ ‬والجمع‭ ‬جروح‭. ‬ولم‭ ‬يقولوا‭ ‬جراح‭ ‬إلّا‭ ‬في‭ ‬الشعر‭. ‬والجِراح‭ ‬بالكسر‭ ‬جمع‭ ‬جراحة‭ ‬بالكسر‭ ‬أيضًا‮»‬‭ (‬مختار‭ ‬الصحاح‭). ‬ويُذكر‭ ‬الطبري‭ ‬في‭ ‬تفسيره‭ ‬جمعًا‭ ‬آخر‭ ‬للجراح،‭ ‬هو‭ ‬الجراحات‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬التناصف‭ ‬في‭ ‬القِصاص‭ (‬جامع‭ ‬البيان‭: ‬2‭/ ‬114‭). 

وبالإمكان‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬ومتابعة‭ ‬جراحات‭ ‬هذا‭ ‬الديوان،‭ ‬وكيف‭ ‬تقتص‭ ‬لغة‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬الجراح‭ ‬حياة؟‭ ‬وفي‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭ (‬الآية‭ ‬178‭) ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬ولكم‭ ‬في‭ ‬القصاص‭ ‬حياة‮»‬‭. ‬والقِصاص‭: ‬القَوَدُ،‭ ‬وهو‭ ‬القتل‭ ‬بالقتل‭ ‬والجرح‭ ‬بالجرح‭.‬

قال‭ ‬الطبري‭: ‬‮«‬وقد‭ ‬أوجب‭ ‬الله‭ - ‬جلّ‭ ‬ثناؤه‭ - ‬القصاص‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬والجراح‭ ‬ما‭ ‬منع‭ ‬به‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬وقدع‭ ‬بعضهم‭ ‬عن‭ ‬بعض،‭ ‬فحيوا‭ ‬بذلك‭. ‬فكان‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬حكمه‭ ‬بينهم‭ ‬بذلك‭ ‬حياة‮»‬‭. ‬

وقد‭ ‬ورد‭ ‬لفظ‭ ‬حياة‭ ‬نكرة،‭ ‬لأنّ‭ ‬المعنى‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مطلق‭ ‬الحياة،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬الازدياد‭ ‬فيما‭ ‬يستقبل‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬عبّر‭ ‬الجرجاني‭ ‬في‭ ‬مصنفه‭ ‬دلائل‭ ‬الإعجاز‭ (‬تحقيق‭: ‬محمد‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬خفاجي‭. ‬مكتبة‭ ‬القاهرة‭ - ‬مصر‭. ‬ط‭ ‬1‭. ‬1969‭. ‬ص‭ ‬282‭ ‬و359‭). ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬يستقبل‭ ‬الديوان‭ ‬الحياة‭ ‬بالاقتصاص‭ ‬من‭ ‬الجراح؟‭ ‬أو‭ ‬بلغة‭ ‬أخرى،‭ ‬كيف‭ ‬يحرص‭ ‬الديوان‭ ‬على‭ ‬حياة،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الراهن‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الماضي،‭ ‬وإنّما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يوجد؟

على‭ ‬أن‭ ‬الشق‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬العنوان‭ ‬تكبُّر‭ ‬القمر‭ ‬يضاعف‭ ‬من‭ ‬مشقة‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬المتقدم‭. ‬ففي‭ ‬الكبرياء،‭ ‬تحتشد‭ ‬معاني‭: ‬الكِبْر‭ ‬والعظمة‭ ‬والتجبر‭ ‬والترفع‭ ‬والاستعلاء‭. ‬وفي‭ ‬الكبرياء،‭ ‬مُلك‭ ‬وقوة‭ ‬وسلطان‭. ‬وفي‭ ‬سورة‭ ‬يونس‭ (‬الآية‭: ‬78‭) ‬‮«‬وتكون‭ ‬لكما‭ ‬الكبرياء‭ ‬في‭ ‬الأرض‮»‬‭. ‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬الكبرياء‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬كمال‭ ‬الذات‭ ‬وكمال‭ ‬الوجود،‭ ‬لا‭ ‬يوصف‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬ذو‭ ‬العظمة‭ ‬والجلال،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬للإنسان‭ ‬أيضًا‭. ‬والضمير‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬المتقدمة‭ (‬لكما‭) ‬يعود‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬وأخيه‭ ‬هارون‭ ‬عليهما‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭. ‬وفي‭ ‬العنوان‭ ‬تكبر‭ ‬القمر،‭ ‬تم‭ ‬حذف‭ ‬المشبه‭ ‬به‭ (‬الإنسان‭) ‬ونسب‭ ‬الكبرياء‭ ‬للقمر،‭ ‬وذُكر‭ ‬بلازم‭ ‬من‭ ‬لوازمه‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الاستعارة‭ ‬المكنية‭ ‬التبعية‭. ‬

لكن‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬كبرياء‭ ‬القمر‭ ‬أمام‭ ‬جراحات‭ ‬الديوان؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتد‭ ‬بنور‭ ‬القمر‭ ‬أو‭ ‬بدورته‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬أو‭ ‬بمنافعه‭ ‬للناس‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬عدد‭ ‬السنين‭ ‬والحساب‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أحرص‭ ‬الكواكب‭ ‬على‭ ‬حياة؟‭ ‬والتي‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الديوان‭ ‬سوى‭ ‬قُصاصاء‭ ‬وتَقَاص‭ ‬في‭ ‬الجراح؟‭ ‬وماذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يلتصق‭ ‬وجه‭ ‬الشاعرة‭/ ‬الإنسان‭ ‬بوجه‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الظلام‭ ‬والليل،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬الديوان؟‭ ‬فنكون‭ ‬أمام‭ ‬قمرين‭ ‬لا‭ ‬قمر‭ ‬واحد‭! ‬

يقدّم‭ ‬غلاف‭ ‬الديوان‭ ‬بعض‭ ‬العناصر‭ ‬السيميائية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬استرسال‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬الاستفهامي‭.‬

في‭ ‬لوحة‭ ‬الغلاف،‭ ‬نرى‭ ‬قمرًا‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬صافية‭. ‬على‭ ‬أديمه‭ ‬نجوم‭ ‬تتلألأ‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الليل‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬القمر‭ ‬ارتسم‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬وجه‭ ‬الشاعرة‭ ‬ووجه‭ ‬الأرض‭ ‬الذي‭ ‬يشقه‭ ‬الوادي‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬البحر‭. ‬ومن‭ ‬القمر،‭ ‬انبجس‭ ‬نور‭ ‬خافت‭ ‬أضاء‭ ‬فضاء‭ ‬الأرض‭ ‬والبحر‭ ‬ووجه‭ ‬الإنسان‭ ‬ووجه‭ ‬الديوان‭. ‬كما‭ ‬سلط‭ ‬القمر‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬سفينة‭ ‬معطلة‭ ‬الشراع‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬البحر‭ ‬وفي‭ ‬عز‭ ‬الظلام‭. ‬

على‭ ‬أن‭ ‬للشعر‭ ‬علاقة‭ ‬قديمة‭ ‬بالقمر‭ ‬فهو‭ ‬الصاحب‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬والوحشة‭. ‬وهو‭ ‬الصدر‭ ‬الرحب‭ ‬الذي‭ ‬يتلقى‭ ‬معاناة‭ ‬وشكاوى‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬المرض‭ ‬والألم،‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬الضجر‭. ‬وهو‭ ‬المشبّه‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬محاسن‭ ‬المحبوبة،‭ ‬وفي‭ ‬وصف‭ ‬جمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬وجمال‭ ‬الخط‭ ‬واللفظ‭. ‬ولذلك‭ ‬قال‭ ‬المعري‭ (‬363‭ - ‬449‭ ‬هـ‭):‬

ولاح‭ ‬هلال‭ ‬مثل‭ ‬نون‭ ‬أجادها

بذوب‭ ‬النضار‭ ‬الكاتب‭ ‬ابن‭ ‬هلال

وابن‭ ‬هلال‭ ‬خطاط‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العباسي‭.‬

وقال‭ ‬الوأواء‭ ‬الدمشقي‭ (‬285-370‭ ‬هج‭)‬‭:‬

كأن‭ ‬الهلال‭ ‬تحت‭ ‬الثريا

مَلِكٌ‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬إِكليلُ

فالقمر‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬شعري‭. ‬وفيه‭ ‬منافع‭ ‬للناس‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬عدد‭ ‬الشهور‭ ‬والسنين‭ ‬والحساب‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نوره‭ ‬وموقعه‭ ‬في‭ ‬درج‭ ‬السماء‭ ‬كانا‭ ‬دليلين‭ ‬للقوافل‭ ‬التجارية‭ ‬وللرحلات‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭. ‬وأمام‭ ‬رمزيته‭ ‬الشعرية‭ ‬المتدفقة‭ ‬ووظائفه‭ ‬المتعددة،‭ ‬أنّى‭ ‬للقمر‭ ‬الكبرياء؟

في‭ ‬أفق‭ ‬تبديد‭ ‬الكثافة‭ ‬الرمزية‭ ‬لهذه‭ ‬الاستعارة‭ ‬المعقودة‭ ‬في‭ ‬العنوان،‭ ‬ننتخب‭ ‬مقطعًا‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬قلبك‭ ‬يا‭ ‬وطن‮»‬‭. ‬تقول‭ ‬فيه‭: ‬

هكذا‭ ‬يغلي‭ ‬دمعك‭ ‬يا‭ ‬وطن

يتكسر‭ ‬غصن‭ ‬أمنية

على‭ ‬ألغاز‭ ‬الأحجيات‭...‬

يتثاءب‭ ‬ضوءًا‭ ‬خافتًا

على‭ ‬شفاه‭ ‬البدايات

مَن‭ ‬سيفكر‭ ‬بصهيل‭ ‬النجمات؟‭!‬

مَن‭ ‬لأجل‭ ‬عينيك‭ ‬يا‭ ‬وطني

يَقْضِم‭ ‬تفاحة‭ ‬الوجود

ليعقد‭ ‬قران‭ ‬الأرض

على‭ ‬بوابة‭ ‬السماوات

ويُلبسها‭ ‬خاتم‭ ‬المروءة‭ ‬

ولها‭ ‬ينتقي‭ ‬فستانًا؟‭ (‬ص‭ ‬74‭)‬

‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬الذي‭ ‬يصف‭ ‬جراح‭ ‬وطن‭ ‬منكسر‭ ‬الأماني،‭ ‬معقود‭ ‬المروءة،‭ ‬ومراوح‭ ‬مكان‭ ‬البدايات‭ ‬بضوء‭ ‬خافت،‭ ‬يستدعي‭ ‬رمزًا‭ ‬دينيًا‭ ‬وتاريخيًا‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬بداية‭ ‬طرد‭ ‬آدم‭ ‬من‭ ‬الجنة‭. ‬والمقصود‭ ‬هنا‭ ‬تفاحة‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬شجرة‭ ‬الخُلد،‭ ‬بقصد‭ ‬عقد‭ ‬قران‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬بوابة‭ ‬السماوات،‭ ‬وتحلي‭ ‬الإنسان‭ ‬بخاتم‭ ‬المروءة‭ ‬الضامن‭ ‬لوجوده‭ ‬وكينونته‭. ‬وهنا‭ ‬يشغل‭ ‬القمر‭ ‬حيزًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬هذا‭ ‬القران‭ ‬كما‭ ‬يوضح‭ ‬ذلك‭ ‬غلاف‭ ‬الديوان‭. ‬

هكذا،‭ ‬يقتص‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬جرحه‭ ‬بنور‭ ‬القمر‭ ‬ضمانًا‭ ‬لحياة‭ ‬الخلد‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭. ‬لنحتفظ‭ ‬بهذه‭ ‬النتيجة،‭ ‬ونبحث‭ ‬القول‭ ‬لتبيّن‭ ‬جراح‭ ‬الديوان‭.‬

 

على‭ ‬جراح‭ ‬الديوان‭ ‬أو‭ ‬ديوان‭ ‬الجراح

يجعل‭ ‬الديوان‭ ‬من‭ ‬عنوانه‭ ‬صورة‭ ‬رحمية‭ ‬مركزية‭ ‬تؤطر‭ ‬بقية‭ ‬قصائد‭ ‬الديوان‭ ‬باعتبارها‭ ‬صورًا‭ ‬وفروعًا‭ ‬عنها‭. ‬وهكذا‭ ‬يمكن‭ ‬تصوّر‭ ‬الديوان‭ ‬مع‭ ‬ميخائيل‭ ‬ريفاتير‭- ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المهتمين‭ ‬بتعالُق‭ ‬الصور‭ ‬الشعرية‭ - ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تقنيتي‭ ‬التمطيط‭ ‬والعكس‭. ‬

‮«‬فبواسطة‭ ‬التقنية‭ ‬الأولى‭ (‬التمطيط‭) ‬يتولد‭ ‬الرحم‭ ‬والجملة‭ ‬الرحمية‭ (= ‬العنوان‭) ‬إلى‭ ‬مقطوعة‭ ‬كلامية‭ ‬مطولة،‭ ‬وكل‭ ‬تركيب‭ ‬وصفي‭ ‬استعاري‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقطوعة‭ ‬يرتبط‭ ‬بمقوم‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الرحم‭ ‬الدلالية‭. ‬أما‭ ‬تقنية‭ ‬العكس‭ ‬فتزود‭ ‬التراكيب‭ ‬بسمات‭ ‬متماثلة‭. ‬والتقنيتان‭ ‬تهدفان‭ ‬معًا‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬تعادل‭ ‬بين‭ ‬الرحم‭ ‬المختزل‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬وبين‭ ‬النص‭ ‬الشعري‭ ‬المركّب‮»‬‭. ‬

والباحث‭ ‬في‭ ‬البلاغة‭ ‬العربية،‭ ‬سيقف‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الترشيح‭ ‬والتجريد‭ ‬والاستعارة‭ ‬التمثيلية‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬تصل‭ ‬الجملة‭ ‬الاستعارية‭ ‬بتعابير‭ ‬قد‭ ‬تلائم‭ ‬المستعار‭ ‬منه‭ ‬وترشّحه،‭ ‬سميت‭ ‬الاستعارة‭ ‬الترشيحية‭. ‬وقد‭ ‬تلائم‭ ‬هذه‭ ‬التعابير‭ ‬المستعار‭ ‬له،‭ ‬فتسمى‭ ‬الاستعارة‭ ‬التجريدية‭. ‬وقد‭ ‬يجتمع‭ ‬الترشيح‭ ‬والتجريد‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬الترشيح‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬التجريد‭. ‬ومبناه‭ ‬يقوم،‭ ‬يقول‭ ‬السكاكي،‭ ‬‮«‬على‭ ‬تناسي‭ ‬التشبيه،‭ ‬وصرف‭ ‬النفس‭ ‬عن‭ ‬توهّمه،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تبالي‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬على‭ ‬علو‭ ‬القدر‭ ‬وسمو‭ ‬المنزلة‭ ‬بناءك‭ ‬على‭ ‬العلو‭ ‬المكاني‭ ‬والسمو‮»‬‭ (‬مفتاح‭ ‬العلوم،‭ ‬تحقيق‭: ‬عبدالحميد‭ ‬هنداوي‭. ‬ص‭ ‬494‭).‬

إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬البلاغة‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬لاحظ‭ ‬الناقد‭ ‬المغربي‭ ‬د‭. ‬علي‭ ‬التقي،‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬اهتمت‭ ‬بالتعالق‭ ‬الاستعاري‭ ‬‮«‬بالجملة‭ ‬وبالمقطع‮»‬،‭ ‬و«بالاستعارات‭ ‬التي‭ ‬يجمعها‭ ‬حقل‭ ‬دلالي‭ ‬واحد‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬يتجاوز‭ ‬ريفاتير‭ ‬الجملة‭ ‬والمقطع‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬النص‭ ‬الشعري،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬جان‭ ‬مولينو‭ ‬وجول‭ ‬تامين‭ ‬‮«‬يريان‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬ليس‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬الاستعمال‭ ‬المنظم‭ ‬للصور‮»‬‭ (‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬بين‭ ‬هاجس‭ ‬التنظير‭ ‬وهاجس‭ ‬التجريب،‭ ‬علي‭ ‬المتقي‭. ‬المطبعة‭ ‬والوراقة‭ ‬الوطنية‭ ‬مراكش‭ - ‬المغرب‭. ‬ط‭ ‬1‭. ‬2009‭. ‬ص‭ ‬230‭ - ‬231‭).‬

وهكذا،‭ ‬تتعالق‭ ‬في‭ ‬الديوان‭ ‬صور‭ ‬الجراح‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬لتشمل‭ ‬الوطن‭/ ‬المكان،‭ ‬والزمان‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬والإنسان‭.‬

وأولى‭ ‬الصور‭ ‬تطالعنا‭ ‬من‭ ‬الديوان‭ ‬نحاس‭ ‬الكيد‭ ‬المتين‭. ‬وقد‭ ‬اتّخذ‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬زمنًا‭ ‬مظلمًا‭ ‬كاسحًا‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬البصر‭ ‬والبصيرة‭ (‬يُطَوِّقُ‭ ‬العيونَ‭ ‬العيِّنة‭) (‬ص‭ ‬21‭). ‬ويأتي‭ ‬الظلام‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬العروبة‭ ‬وشعارات‭ ‬السلام‭ (‬ينتشل‭ ‬العمامة‭... ‬ويصعد‭ ‬محراب‭ ‬العروبة‭) (‬ص‭ ‬22‭). ‬كما‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬الربيع‭ ‬والأخضر‭:‬

وفي‭ ‬عمق‭ ‬التأوه

أَيْبَس‭ ‬الأخضر‭ ‬

أجْهِض‭ ‬آشور

ورَكَدتِ‭ ‬رحم‭ ‬الوطن‭ ‬

‭(‬ص23‭)‬

وآشور‭ ‬من‭ ‬آشارو‭. ‬وتعني‭ ‬البداية‭ ‬عند‭ ‬الآشوريين‭. ‬وإليه‭ ‬يرجع‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الآشورية‮»‬‭ ‬لكونه‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬دولة‭ ‬الآشوريين‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين،‭ ‬وتوسعت‭ ‬في‭ ‬الألف‭ ‬الثانية‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬وانتهت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬البابليين‭ ‬والميديين‭ ‬سنة‭ ‬612‭ ‬ق‭. ‬م‭.‬

عرفت‭ ‬آشور‭ ‬بالقوة‭ ‬والبأس،‭ ‬وبالإبداع‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬وفي‭ ‬فن‭ ‬النحت‭.‬

وفي‭ ‬الديوان،‭ ‬أجهض‭ ‬آشور‭. ‬لا‭ ‬قتال‭ ‬إذن،‭ ‬ولا‭ ‬إبداع،‭ ‬ولا‭ ‬فن‭. ‬وتلك‭ ‬صورة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬آلهة‭ ‬الرعب‭ ‬من‭ ‬الدواعش‭ ‬الأسود‭ ‬الذين‭ ‬يبيدون‭ ‬الحجر‭ ‬والبشر‭ ‬والتماثيل،‭ ‬محاولين‭ ‬طمس‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭.‬

في‭ ‬نحاس‭ ‬الكيد‭ ‬المتين،‭ ‬تتوارد‭ ‬الصور‭ ‬الليلية‭ ‬على‭ ‬وأد‭ ‬أحلام‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬السلام‭ ‬والإبداع‭ ‬وفي‭ ‬الثورة‭ ‬البيضاء‭. ‬وتلك‭ ‬أول‭ ‬كلوم‭ ‬الديوان‭ ‬وجراحاته‭. ‬وبلغة‭ ‬شعرية،‭ ‬تمتلك‭ ‬سلطان‭ ‬الكبرياء،‭ ‬وتترفّع‭ ‬عن‭ ‬الانقياد،‭ ‬تعزف‭ ‬الشاعرة‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬الكلمة‭ ‬الملحدة‭ ‬بالهمجية‭ ‬والظلام،‭ ‬والمستشرفة‭ ‬لنور‭ ‬فجر‭ ‬ينفض‭ (‬عن‭ ‬وجه‭ ‬هذا‭ ‬الليل‭ ‬نحاس‭ ‬الكيد‭ ‬المتين‭) (‬ص25‭). ‬

ويسترسل‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬جراحاته‭:‬

أ‭- ‬هجرة‭ ‬الحكمة،‭ ‬وتسيّد‭ ‬الجهل‭ ‬وتصدّر‭ ‬أشباه‭ ‬الأنبياء‭ ‬والأغبياء‭ ‬لكل‭ ‬الأماكن‭ ‬الصاخبة‭ (‬ص‭ ‬34‭).‬

ب‭- ‬تخلّف‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬برؤيته‭ ‬وبدوره‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬خبت‭ ‬نبوءته‭ ‬ليعيش‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انتماء‭ (‬ص‭ ‬34‭).‬

ج‭- ‬حرية‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬القانون،‭ ‬ومن‭ ‬صنع‭ ‬المكان‭ ‬والزمن‭ (‬ص‭ ‬48‭). ‬لتعيش‭ ‬الأجساد‭ ‬بدون‭ ‬روح‭... ‬من‭ ‬دون‭ ‬كرامة‭... ‬قالت‭:‬

وأبجديات‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬وطن

تنسكب‭ ‬احتجاجًا

حتى‭ ‬أكون‭... (‬ص38‭) ‬

وأضافت‭: ‬

حيث‭ ‬الصبر‭ ‬منّا‭ ‬قد‭ ‬تعب‭ (‬ص47‭). ‬

د‭- ‬وجراح‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬جراح‭ ‬المكان،‭ ‬قالت‭:‬

على‭ ‬هامش‭ ‬الكبرياء‭ ‬السرمدي‭...‬

يغلي‭ ‬بما‭ ‬لذّ‭ ‬وطاب‭ ‬

من‭ ‬وحشية‭ ‬العنب

وحب‭ ‬الرمان

لا‭ ‬أمطار

ولا‭ ‬أنهار‭ ‬زمزمية‭  (‬ص‭ ‬50‭-‬51‭)‬

‭ ‬

إنه‭ ‬زمن‭ ‬الجدب‭ ‬واليباب‭... ‬والليل‭ ‬الصامت‭... ‬زمن‭ ‬الدواعش‭ ‬المنتشين‭ ‬بالموت‭... ‬موت‭ ‬الإنسان‭... ‬موت‭ ‬الطبيعة‭... ‬وموت‭ ‬الدين‭ (‬ن‭. ‬ص‭ ‬56‭).‬

‭ ‬أغلى‭ ‬من‭ ‬الروح

ناي‭ ‬قُطِع‭ ‬من‭ ‬شجرة

يُغني‭ ‬على‭ ‬أحلام‭ ‬بلاده

على‭ ‬جراح‭ ‬عوده

تكتب‭ ‬لحنَه

رصاصةٌ‭ ‬طائشةٌ‭ (‬ص‭ ‬56‭)‬

والنتيجة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجراح‭: ‬الرصيف‭ ‬بارد‭ ‬وصامت‭ (‬ص‭ ‬61‭). ‬مصابيح‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬البصر‭ (‬ص‭ ‬61‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬انعدام‭ ‬البصر‭ ‬بالواقع‭ ‬والمستقبل‭. ‬وأحلام‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ (‬ص‭ ‬61‭). ‬ووجدان‭ ‬يحترق‭ ‬بلهيب‭ ‬الفراغ‭ (‬ص‭ ‬66‭).‬

هـ‭ - ‬وهكذا‭ ‬صار‭ ‬الديوان‭ ‬إلى‭ ‬جراح‭ ‬الوجدان،‭ ‬وسعى‭ ‬إلى‭ ‬تجفيف‭ ‬شرايين‭ ‬قلب‭ ‬كان‭ ‬يرقص‭ ‬حبًا،‭ ‬ويتغنى‭ ‬وصلًا،‭ ‬وينطق‭ ‬هوى‭ (‬ص‭ ‬63‭ ‬و66‭).‬

وعشق‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬هو‭ (‬جرح‭ ‬فسيح‭ ‬لم‭ ‬يندمل‭) (‬ص‭ ‬28‭).‬

هو‭ ‬حلم‭ ‬اندثر‭... ‬واستعلى‭ ‬القمر‭... ‬بسرّ‭ ‬الصبر‭. ‬وهنا‭ ‬تتساوى‭ ‬في‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التوازي‭ ‬بالتشاكل‭ ‬والتضاد،‭ ‬كينونة‭ ‬المرأة‭ ‬بكينونة‭ ‬القمر‭ ‬باعتبارهما‭ ‬معًا‭ (‬نقطة‭ ‬الإنارة‭ ‬اتجاه‭ ‬جدار‭ ‬الصمت‭) (‬ص‭ ‬77‭). ‬ويمتد‭ ‬التوازي‭ ‬والخصائص‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬كينونة‭ ‬وجودية‭:‬

القمر‭ ‬لا‭ ‬يعبأ‭ ‬بالليل‭/‬

الأنثى‭ (‬المرأة‭) ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بكهوف‭ ‬الليل

القمر‭ ‬لا‭ ‬يتأثر‭ ‬بتقلبات‭ ‬المناخ‭/‬

المرأة‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بمناخ‭ ‬القِناعات

القمر‭ ‬هو‭ ‬مركز‭ ‬الصفاء‭ ‬الأبدي‭ ‬والإنارة‭/‬

المرأة‭ ‬هي‭ ‬مركز‭ ‬الحب،‭ ‬البسمة،‭ ‬الحنان‭ ‬والصفاء

ويستمر‭ ‬التوازي‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬التماهي،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إسقاط‭ ‬الأنوثة‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬لتتماهى‭ ‬بملامح‭ ‬الحجر،‭ ‬وتتباهى‭ ‬بالقمر،‭ ‬معلنة‭ ‬‮«‬لعنة‭ ‬الحب‭ ‬صلاة‮»‬‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬قصيدة‭ (‬ص‭ ‬85‭). ‬وصلاة‭ ‬الحب،‭ ‬ظمأ‭ ‬ويُتمٌ‭ ‬وسجن‭ (‬ص‭ ‬88‭). ‬

وبالمقابل،‭ ‬التمثّل‭ ‬بسلطان‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬في‭ ‬معركة‭ ‬شطرنجية‮»‬‭ (‬ص‭ ‬92‭) ‬كما‭ ‬في‭ ‬هواجس‭ ‬ريشة‭ (‬ص‭ ‬90‭).‬

في‭ ‬الكبرياء‭ ‬ملك‭ ‬وسلطان‭. ‬وفي‭ ‬القمر‭ ‬علوٌّ‭ ‬وجمال‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرأة‭ ‬المغربية‭: ‬لوحة‭ ‬أخيرة‭ ‬بـ«بياض‭ ‬يعلوه‭ ‬سواد‭ ‬يعلوه‭ ‬بياض‮»‬‭. ‬وتلك‭ ‬حقيقة‭ ‬نور‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬عسعس‭ ‬الليل‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬تملُّك‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬السلطان‭ ‬والكبرياء،‭ ‬فالمرأة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الديوان،‭ ‬هي‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ (‬ص‭ ‬104‭). ‬عالية‭ ‬الأسوار‭. ‬سيدة‭ ‬الحب‭ ‬وأميرته‭ (‬ص‭ ‬105‭). ‬وفي‭ ‬الإمساك‭ ‬بالقرار،‭ ‬تملك‭ ‬للوجود‭... ‬ولفعل‭ ‬الكينونة‭.‬

ومن‭ ‬هواجس‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬القومية،‭ ‬جراح‭ ‬المرأة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬جراح‭ ‬الدمار‭ ‬والموت‭ ‬والشهادة،‭ ‬وتقابل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بزغرودة‭ ‬الفرح‭ ‬والأمل،‭ ‬ويستمر‭ ‬القمر‭ ‬في‭ ‬إشعاع‭ ‬نوره‭ ‬في‭ ‬جنح‭ ‬الليل‭.‬

و‭- ‬من‭ ‬جراحات‭ ‬الديوان‭ ‬أخيرًا،‭ ‬الموت‭. ‬موت‭ ‬الأقرباء‭ ‬والأحباء‭. ‬ونصادف‭ ‬بنصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭: ‬على‭ ‬أديم‭ ‬الرسالة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لروح‭ ‬صديقة‭ ‬الشاعرة،‭ ‬لبنى‭ ‬فسيكي‭. ‬والثاني‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬وتواصوا‭ ‬بالصبر‮»‬،‭ ‬في‭ ‬اقتباس‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬العصر‭ ‬لروح‭ ‬محمد‭ ‬كريم‭ ‬العلوي‭.‬

والموت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬الشعري،‭ ‬رحيل‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬اليقين‭. ‬وهو‭ ‬‮«‬حزن‭ ‬متوغل‭ ‬في‭ ‬الأبدية‮»‬‭ (‬ص‭ ‬114‭). ‬إنه‭ ‬الحق‭. ‬وإنه‭ ‬لصبر‭ ‬طويل‭. ‬وقد‭ ‬يتساءل‭ ‬القارئ‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬تيمة‭ ‬الموت‭ ‬بعنوان‭ ‬الديوان‭ ‬وبغلافه،‭ ‬تجيب‭ ‬الشاعرة‭:‬

ما‭ ‬جدوى‭ ‬السؤال؟‭! ‬

ذاك‭ ‬القدر‭...‬

فسلام‭ ‬على‭ ‬أرواح

صعدت‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الحلم‭ ‬العليل

وسلام‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬رحلت‭ ‬

وخلفت‭ ‬الصبر‭ ‬الطويل‭... (‬ص‭ ‬117‭)‬

هكذا‭ ‬يأخذنا‭ ‬الديوان‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬الجراحات‭. ‬يحلم‭ ‬بسقوط‭ ‬الليل‭ ‬وإقامة‭ ‬الكرامة،‭ ‬نكاية‭ ‬بشطحات‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬عزّ‭ ‬إلى‭ ‬ذلّ،‭ ‬ومن‭ ‬فرح‭ ‬إلى‭ ‬حزن‭ ‬وأسى‭..‬

نكاية‭ ‬بالليالي‭ ‬السوداوية‭ ‬المترتبة‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬وقصف‭ ‬الدبابات،‭ ‬وبتاريخ‭ ‬تليد‭ ‬أنجب‭ ‬السراب‭.‬

نكاية‭ ‬بخيانة‭ ‬العرب،‭ ‬وبصمتهم‭ ‬عن‭ ‬الحزن،‭ ‬عن‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬تسيل‭ ‬دماء‭...‬

نكاية‭ ‬بكل‭ ‬الجراح‭ ‬التي‭ ‬هدت‭ ‬الإنسان‭ ‬والوطن‭..‬

ومن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجراح،‭ ‬يقتص‭ ‬الديوان‭ ‬حياة‭ ‬بنور‭ ‬القمر،‭ ‬ليحوّل‭ ‬الصمت‭ ‬ومجرى‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة‭ ‬نحو‭ ‬سبيل‭ ‬الحياة‭.‬

والجراح‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬قناعًا‭ ‬بليدًا‭ ‬بسحر‭ ‬يَصْلى،‭ ‬نُبِذ‭ ‬في‭ ‬العراء‭ ‬أمام‭ ‬رغبات‭ ‬الروح‭ ‬الجامحة‭ ‬لإغراق‭ ‬اليأس‭ ‬والجِراح‭ ‬في‭ ‬يَمّ‭ ‬الأمل‭ ‬والرجولة‭. ‬كيف‭ ‬أفعل؟‭! ‬■