سيد عويس... عالِمٌ تشكّلت تجربته بتجارب المجتمع

 سيد عويس... عالِمٌ تشكّلت تجربته بتجارب المجتمع

عندما تطالعنا الصحف في الصباح بالحوادث الشاذة والمنفّرة، نتذكر رائد علم الاجتماع العربي المعاصر، د. سيد عويس، الذي يُعدّ أوّل من نقل النظريات والمقولات التحليلية إلى شروح وتفسيرات تساعد على تجاوز الظواهر السلبية، وقد خاض تجربة حياتية تجاوز بسببها العوائق، وأصبح أكثر علماء جيله إيجابيّة للمجتمع.  وُلد د. عويس بالقاهرة في فبراير 1903، وتوفي في 16 يونيو 1988م، وكانت حياته بحثًا عن الظواهر الاجتماعية والعادات السلوكية والموروثات التي تتحكّم في المجتمع، امتلك إرادة وعقلية قادرة على تجاوز الصعاب، بدلًا من التقهقر والاستسلام، فبعد وفاة والده كان عليه أن يتحمّل مسؤولية الأسرة، وعمل موظفًا بشهادة متوسطة، لكنّه تعرّض للعقاب والخصم ثلاثة أيام من راتبه عقابًا له، فقرر الاستقالة!

‭ ‬تهمّنا‭ - ‬هنا‭ - ‬طريقة‭ ‬تفكيره‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مشكلته،‭ ‬إذ‭ ‬سحب‭ ‬ورقة‭ ‬وقلمًا‭ ‬وكتب‭ ‬خطوات‭ ‬حل‭ ‬المشكلة‭ (‬حيث‭ ‬وصله‭ ‬خطاب‭ ‬الخصم‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬1937م‭)‬،‭ ‬‮«‬أبقى‭ ‬بالمصلحة‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬سبتمبر‭ ‬1937‭... ‬أقدِّم‭ ‬استقالتي‭ ‬من‭ ‬المصلحة،‭ ‬ثم‭ ‬أقتصد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬المصروفات‭ (‬من‭ ‬يونيو‭ ‬حتى‭ ‬سبتمبر‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬أسعى‭ ‬لبيع‭ ‬نصف‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬أملكه،‭ ‬ثم‭ ‬التحاقي‭ ‬بكلية‭ ‬الصحافة‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أو‭ ‬أنتسب‭ ‬إلى‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بالجامعة‭ ‬المصرية،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الحقوق‭ ‬الفرنسية‭ ‬إن‭ ‬تعذّر‭ ‬عليَّ‭ ‬الالتحاق‭ ‬بكلية‭ ‬الصحافة‭... ‬وأخيرًا‭ ‬أشتري‭ ‬ورقة‭ ‬يانصيب‭ ‬إذا‭ ‬ربحت‭ ‬أرصد‭ ‬هذا‭ ‬الربح‭ ‬لتعليمي‭ ‬فحسب‭ ‬وفي‭ ‬وجوه‭ ‬الخير‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬أول‭ ‬أصداء‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬أوّل‭ ‬مَن‭ ‬درس‭ ‬عن‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يواظبون‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬حظّك‭ ‬اليوم‮»‬‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬اليومية،‭ ‬فقد‭ ‬اتّضح‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يؤدون‭ ‬فريضة‭ ‬الصلاة‭ ‬والصوم،‭ ‬ونسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬منهم‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالأشباح‭ ‬ويمارسون‭ ‬عمليات‭ ‬البخور‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬وقراءة‭ ‬الفنجان‭ ‬والكفّ‭ ‬وحمل‭ ‬التمائم‭ ‬وفتح‭ ‬المندل‭.‬

 

عطاء‭ ‬خصب

أصبح‭ ‬د‭. ‬عويس‭ ‬الضمير‭ ‬الحيّ‭ ‬للمجتمع،‭ ‬حيث‭ ‬عايشه‭ ‬بشفافية،‭ ‬وحلّل‭ ‬ظواهره‭ ‬وسماته‭ ‬العامة‭ ‬وأبدع‭ ‬في‭ ‬نظرياته،‭ ‬تاركًا‭ ‬عطاء‭ ‬خصبًا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والدراسات‭ ‬والمحاضرات؛‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬عام‭ ‬1940،‭ ‬ثم‭ ‬ماجستير‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬1954،‭ ‬فدكتوراه‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬أيضًا‭ ‬1956،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬بقوله‭ ‬لابنه‭: ‬‮«‬ارصُد‭ ‬الظواهر‭... ‬اهتمّ‭ ‬بالعلم،‭ ‬فهو‭ ‬سفيرنا‭ ‬للغد‭... ‬افتتح‭ ‬النوافذ‭ ‬المغلقة‭ ‬لأصحاب‭ ‬الأفكار‭ ‬المبتكرة‭... ‬لا‭ ‬تخف‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬جريئة‭... ‬فالجرأة‭ ‬هي‭ ‬شباب‭ ‬العقل‮»‬‭.‬

امتزجت‭ ‬خبراته‭ ‬العملية‭ ‬ببحوثه‭ ‬ودراسته‭ ‬النظرية،‭ ‬فكان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الخدمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مديرًا‭ ‬لمؤسسة‭ ‬اجتماعية‭ (‬مايو‭ ‬1939‭ - ‬يناير‭ ‬1944‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬مدير‭ ‬مكتب‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬لمحكمة‭ ‬الأحداث‭ ‬بالقاهرة‭ (‬1944‭ - ‬1953‭)‬،‭ ‬فعضوية‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬المجالس‭ ‬القومية‭ ‬المتخصصة،‭ ‬وأكاديمية‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجيا‭.‬

  ‬ونشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المؤلفات،‭ ‬ومنها‭ ‬‮«‬من‭ ‬ملامح‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬المعاصر‮»‬،‭ ‬و«ظاهرة‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬ضريح‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‮»‬،‭ ‬و«الخلود‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬المصري‮»‬،‭ ‬و‮«‬محاولة‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الشعور‭ ‬بالعداوة‮»‬،‭ ‬و«حديث‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭... ‬بعض‭ ‬الحقائق‭ ‬الثقافية‭ ‬المعاصرة‮»‬،‭ ‬و«هتاف‭ ‬الصامتين‭... ‬الخلود‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المصريين‭ ‬المعاصرين‮»‬،‭ ‬و«نظرة‭ ‬القادة‭ ‬الثقافيين‭ ‬المصريين‭ ‬نحو‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموت‭ ‬ونحو‭ ‬الموتى‮»‬،‭ ‬و«التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬أحمله‭ ‬على‭ ‬ظهري‭... ‬سيرة‭ ‬ذاتية‮»‬‭ (‬تُرجم‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسية‭)... ‬ها‭ ‬هي‭ ‬ذي‭ ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭.‬

 

‭ ‬هتاف‭ ‬الصامتين‭ ‬                                                     

يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ظاهرة‭ ‬الكتابة‭ ‬على‭ ‬هياكل‭ ‬المركبات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬المعاصر،‭ ‬وأراد‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬يستنطق‭ ‬الصامتين،‭ ‬ليس‭ ‬بالحوار‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتمّ‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬لما‭ ‬يعبّرون‭ ‬عنه،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير،‭ ‬بل‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬رصده‭ ‬خلف‭ ‬صمتهم،‭ ‬وفكّ‭ ‬شفرة‭ ‬الرموز،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬العبارات‭ ‬المكتوبة‭ ‬على‭ ‬مؤخرات‭ ‬المركبات‭ ‬العامة،‭ ‬وعلى‭ ‬هياكل‭ ‬السيارات‭ ‬دون‭ ‬اقتصار‭ ‬على‭ ‬مركز‮»‬‭.‬

وهكذا‭ ‬تتبّع‭ ‬السلوكيات‭ ‬العفوية،‭ ‬حتى‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬رسول‭ ‬الفقراء‮»‬‭.‬

 

دراسة‭ ‬‮«‬عطاء‭ ‬المعدمين‮»‬

انقسمت‭ ‬الدراسة‭ ‬عن‭ ‬الموت‭ ‬إلى‭ ‬فصول‭ ‬تضمنت‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬الدراسة‭ ‬ومنهجها،‭ ‬وأضواء‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المصريين،‭ ‬وبعض‭ ‬البيانات‭ ‬الشخصية‭ ‬عن‭ ‬أعضاء‭ ‬عينة‭ ‬الدراسة‭ ‬المختارة،‭ ‬ونظرة‭ ‬أعضاء‭ ‬الدراسة‭ ‬المختارة‭ ‬نحو‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموت،‭ ‬وكذلك‭ ‬نحو‭ ‬الموتى،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬تناول‭ ‬بالبحث‭ ‬والتحليل‭ ‬بعض‭ ‬الاتجاهات‭ ‬العامة‭ ‬نحو‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموت‭ ‬والموتى‮»‬‭.‬

يعد‭ ‬د‭. ‬عويس‭ ‬أول‭ ‬مَن‭ ‬درس‭ ‬الموت‭ ‬بمفاهيم‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬فقدّم‭ ‬بحثًا‭ ‬للرسائل‭ ‬التي‭ ‬يرسلها‭/ ‬يلقيها‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضريحه،‭ ‬فيها‭ ‬يبوحُ‭ ‬الناس‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقدرون‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬ومعاصٍ‭ ‬وهزائم‭ ‬وخيبات،‭ ‬قد‭ ‬يخجلون‭ ‬من‭ ‬البوح‭ ‬بها،‭ ‬ووجدوا‭ ‬في‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬خير‭ ‬مُنصت،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الموتى‭! ‬وخير‭ ‬وسيط‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬لعلّه‭ ‬يغفر‭ ‬لهم‭ ‬أو‭ ‬يحقق‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬يرجون‭ (‬كما‭ ‬يعتقدون‭).‬

 

بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬الأخرى‭                                                           

دراسة‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المصالح‭... ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬سوسيولوجية‭ (‬1982‭)‬،‭ ‬يفسّر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬تؤكد‭ ‬إعلاء‭ ‬المصالح‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬والمؤسسية‭ ‬والدولية،‭ ‬ولعلّه‭ ‬كان‭ ‬يرجو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ٳعلاء‭ ‬المصالح‭ ‬الجماعية‭ ‬واﻹنسانية‭ ‬فوق‭ ‬المصالح‭ ‬الشخصية‭ ‬الضيقة‭.                                                                            ‬دراسة‭ ‬بعض‭ ‬الأساليب‭ ‬السلوكية‭ ‬المصرية‭ ‬عند‭ ‬مواجهة‭ ‬القهر‭ ‬والمِحَن‭ (‬1983‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتناول‭ ‬دراسة‭ ‬نتائج‭ ‬بحوث‭ ‬الكاتب‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الحي‭ ‬بالمجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬المنافذ‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬يواجه‭ ‬الأفراد‭ ‬بها‭ ‬صنوف‭ ‬ألوان‭ ‬القهر‭ ‬والمحن،‭ ‬وتبيّن‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬المنافذ‭ ‬أو‭ ‬الأساليب،‭ ‬أساليب‭ ‬غير‭ ‬عنيفة‭.‬

 

كتابة‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭!‬

  ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعروف‭ ‬عن‭ ‬د‭. ‬عويس‭ ‬أنه‭ ‬كتب‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬لكنّه‭ ‬عُثر‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬المهزلة‮»‬،‭ ‬أشار‭ ‬ٳليها‭ ‬الكاتب‭ ‬شعبان‭ ‬يوسف‭ ‬الذي‭ ‬أورد‭ ‬المعلومة،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬المقدمة‭ ‬الكاتب‭ ‬والسيناريست‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬كامل‭ ‬المحامي،‭ ‬وفيها‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬والأديب‭ ‬سيد‭ ‬عويس‭ ‬بطبعه‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الأسلوب‭ ‬التحليلي،‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬من‭ ‬الأسلوب‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬واطّلاع‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجميع‭ ‬فروعه‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬عنوان‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬أخرى‭.‬

 

التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬أحملُه‭ ‬على‭ ‬ظهري‭... ‬

السيرة‭ ‬الذاتية

لعل‭ ‬التاريخ‭ ‬الباطن‭ ‬للمجتمع‭ ‬المصري،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬د‭. ‬عويس‭ ‬لكتابة‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬بهذا‭ ‬العنوان،‭ ‬ومنه‭ ‬نلتقط‭ ‬بعض‭ ‬الفقرات‭ (‬بتصرف‭): 

‮«‬عشتُ‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬حياة‭ ‬بعض‭ ‬المطحونات‭ ‬والمطحونين،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لمسكن‭ ‬أحد‭ ‬الأحداث‭ ‬الجانحين،‭ ‬وعندما‭ ‬عدتُ‭ ‬إلى‭ ‬منزلي‭ ‬وجدت‭ ‬حشرات‭ (‬البق‭) ‬تجري‭ ‬في‭ ‬ملابسي،‭ ‬وكنت‭ ‬أدخل‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المساكن‭ ‬والشمس‭ ‬ساطعة‭ ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬الظلام،‭ ‬ولا‭ ‬أثاث‭ ‬سوى‭ ‬الحصير‭.‬

وأذكر‭ ‬الآن‭ ‬نظرات‭ ‬الرجال‭ ‬والسيدات،‭ ‬وعندما‭ ‬كنت‭ ‬أدخل‭ ‬أحد‭ ‬المنازل‭ ‬سعيًا‭ ‬وراء‭ ‬أهل‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬أبحث‭ ‬حالته،‭ ‬يملأ‭ ‬الشك‭ ‬نفوسهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يتوقّعون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬خيرًا‭ ‬من‭ ‬أحد‮»‬‭.‬

  ‬‮«‬عندما‭ ‬زرنا‭ ‬ملجأ‭ ‬شارع‭ ‬منصور،‭ ‬وجدنا‭ ‬الأطفال‭ ‬واقفين‭ ‬صفّين،‭ ‬ولم‭ ‬تزد‭ ‬سنّ‭ ‬الواحد‭ ‬على‭ ‬سنتين،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬زادت‭ ‬قليلًا‭... ‬ومشينا‭ ‬بين‭ ‬الصفين‭. ‬وإذا‭ ‬بكل‭ ‬طفل‭ ‬يتعلّق‭ ‬برجلي‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬صائحًا‭: ‬بابا‭... ‬بابا،‭ ‬وكان‭ ‬الطفل‭ ‬يختار‭ ‬أرجل‭ ‬الطلبة‭ ‬ويترك‭ ‬أرجل‭ ‬الطالبات،‭ ‬فالأطفال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملجأ‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬إلّا‭ ‬الممرضات‭ ‬والطبيبة‭ ‬والحكيمات‭ ‬اللاتي‭ ‬كنّ‭ ‬يشرفن‭ ‬على‭ ‬رعايتهم‭. ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يرون‭ ‬الذكور،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬رأوهم‭ ‬حتى‭ ‬تعلّقوا‭ ‬بأرجلهم‭ ‬صائحين‭: ‬بابا‭... ‬بابا‭. ‬بكى‭ ‬قلبي،‭ ‬وعندما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬منزلي‭ ‬بكت‭ ‬عيناي‭ ‬مع‭ ‬قلبي‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬لهما‭ ‬أن‭ ‬تبكيا‮»‬‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬الجوائز‭ ‬والأوسمة‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها،‭ ‬فمنها‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التشجيعية‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬لرعاية‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬الاجتماعية،‭ (‬1965‭)‬،‭ ‬وجائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التقديرية‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة،‭ (‬1986‭). ‬من‭ ‬أقواله‭ ‬لابنه‭ ‬د‭. ‬مسعد‭: ‬‮«‬سافر‭.. ‬وعِشْ‭ ‬تجربة‭ ‬جديدة‭ ‬دون‭ ‬وجَل،‭ ‬فالتجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬الواعية‭ ‬قناديل‭ ‬في‭ ‬دربنا‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مفروشًا‭ ‬بالورد‮»‬‭ ‬■