جان رانك.. «صورة كارلوس الثالث»
في عام 1700م، انتقل حكم إسبانيا إلى أسرة بوربون الفرنسية على يد فيليب الخامس، حفيد لويس الربع عشر. وطوال عقدين من الزمن، كانت صور الشخصيات التي أرسلها البلاط الإسباني إلى الأسرة في باريس ذات نوعية سيئة لا ترقى إلى ذائقة الفرنسيين. لكن في عام 1721م، كتب فيليب الخامس إلى قصر فرساي (وليس إلى لويس الخامس عشر الذي كان في الحادية عشرة من عمره) يطلب إيفاد رسّام صور شخصية متمكن من عمله إلى إسبانيا.
كان في باريس، في ذلك الوقت، 3 رسامين من الصف الأول: ريغو، ولارجيار، ودي تروا، لكن الثلاثة تذرّعوا بأسباب مختلفة لعدم السفر، فكان أن وقع الاختيار على مَن يأتي بعدهم مباشرة في الأهمية؛ جان رانك.
كان رانك، المولود عام 1674م، قد درس على أيدي كبار رسامي الصور الشخصية في عصره، وأشهرهم ياسينت ريغو. وما إن أصبح في الخامسة والعشرين من عمره حتى كان رسام البورتريهات المفضّل عند البرجوازية الفرنسية، التي رسم شخصياتها بأسلوب ريغو، لكن بكُلفة أقل. أما الامتحان الملكي فلم يكن قد أتى بعد.
غداة وصول رانك إلى مدريد، طلب إليه الملك أن يرسم صورة وليّ العهد الأمير الفتى كارلوس (الذي أصبح في زمن لاحق الملك كارلوس الثالث)، فكانت النتيجة هذه اللوحة.
يكمن نبوغ الرسام في هذه اللوحة بنجاحه في تجاوز عوائق كثيرة، فالأمير الصغير ليس صاحب إنجازات، وتعظيمه من خلال ذلك بأسلوب ريغو غير وارد. كما أنّ على الرسام أن يوازن بين التقنية الكلاسيكية الباردة، وإظهار شيء من المشاعر تجاه الفتى الصغير.
رسم الفنان الأمير في غرفة الدراسة، بلباسه المخملي الأزرق، وهو لون آل بوربون، وعلى صدره الأوسمة العليا الخاصة بولاية العهد. وأمامه على الطاولة كتاب مدرسي يحوي قصائد كبار الشعراء الكلاسيكيين (وهو الكتاب الذي كان يُدرس آنذاك للتلاميذ في سنتهم الدراسية الرابعة).
الوضعية التي يتخذها الأمير في وقوفه تبدو مصطنعة، فهو لا يقرأ في الكتاب، إنّما يتطلّع إلى الرسام كم طُلب إليه أن يفعل. لكن لموازنة ذلك، وإضافة إلى المزهرية الكبيرة وتحميل الأمير غصن ياسمين، نثر الفنان بعض الزهور فوق الكتاب، واختار ألوانها بعناية لما كانت هذه الألوان ترمز إليه آنذاك: الأبيض للنقاء، الوردي للفرح، والأصفر للشجاعة. كما أنّ العشوائية التي يتدلى بها غطاء الطاولة والببغاوان، والقبّعة الموضوعة على الكرسي، كلها من العناصر التي أضفت شيئًا من الحيوية والإنسانية - إن جاز التعبير- على هذه اللوحة، لتصبح صورة فتى في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى النضوج.
حظيت هذه اللوحة بإعجاب الملك فردينان الذي استبقى الرسام في مدريد حتى وفاته عام 1735م. فكان على مدى 15 سنة رسام الأسرة المالكة الإسبانية، كما أمضى نحو سنة في لشبونة رسم خلالها أفراد الأسرة المالكة البرتغالية. ورغم المضايقات الكثيرة التي تعرّض لها من الفنانين الإسبان، فقد تمكّن من رسم مجموعة من الصور الشخصية التي يُجمع النقّاد والمؤرخون اليوم على أنها الأفضل من بين كل ما رُسم من «بورتريهات» في إسبانيا خلال النصف الأول من القرن السابع عشر■