المرأة في الحكاية الشعبية اليمنية

المرأة في الحكاية الشعبية اليمنية

للمرأة مكانة كبيرة ودور بارز في الحكاية الشعبية اليمنية، فهي تحتلّ المساحة الأكبر من شخصياتها وأحداثها، وهي الأكثر حضورًا في عدد الشخصيات وأدوارها ووظائفها، وخصوصًا منها تلك الحكايات التي يُطلق عليها الحكايات العجيبة، فالمرأة فيها أكثر حضورًا وفاعلية. والحكاية العجيبة في مجموعة «أساطير وحكايات يمنية» لعلي محمد عبده، مثال جيّد للحكاية الشعبية التي تتمتع فيها المرأة بفاعلية كبيرة. 
وعددها في المجموعة 6 حكايات، هي الجرجوف، والدجرة، وورقة الحنا، ووسيلة، وقعاده زاج وقعاده زجاج، وترنجة.

الحكاية‭ ‬العجيبة‭ ‬هي‭ ‬نمط‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬تتضمن‭ ‬شخصيات‭ ‬وأحداثًا‭ ‬عجيبة‭ ‬وخارقة‭ ‬للعادة،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬رحلة‭ ‬البطل‭ ‬في‭ ‬عالمٍ‭ ‬سحريٍ‭ ‬مجهولٍ‭ ‬تكتنفه‭ ‬الخوارقُ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬مجهول‮»‬‭. ‬و«هي‭ ‬تجربة‭ ‬وقعت‭ ‬للبطل‭... ‬تلعب‭ ‬فيها‭ ‬الخوارق‭ ‬دورًا‭ ‬رئيسًا‮»‬‭. ‬والحكايات‭ ‬العجيبة‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬تغلغلًا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬وتمثيلًا‭ ‬لها،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬نسج‭ ‬الخيال‭ ‬الشعبي،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬للواقع‭ ‬في‭ ‬أحداثها،‭ ‬تتوارثها‭ ‬الأجيال‭ ‬من‭ ‬قديم‭ ‬الزمان،‭ ‬لذلك‭ ‬جاءت‭ ‬محمّلة‭ ‬بالأنساق‭ ‬الثقافية،‭ ‬والممارسات‭ ‬الشعبية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التأملات‭ ‬الفلسفية‭ ‬الوجودية‭.‬

حضور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬فاعل‭ ‬وإيجابي‭ ‬في‭ ‬الأغلب،‭ ‬فإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حضورها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكمّ،‭ ‬فهي‭ ‬كذلك‭ ‬حاضرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكيف،‭ ‬وهي‭ ‬فاعلة‭ ‬بوصفها‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيس‭ ‬للأحداث،‭ ‬بوصفها‭ ‬البطل‭ ‬أو‭ ‬المنقذ‭ ‬أو‭ ‬مساعد‭ ‬البطل‭ (‬الخير‭)‬،‭ ‬وبوصفها‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ (‬الشر‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬صانعة‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬الحكاية،‭ ‬فالأحداث‭ ‬تدور‭ ‬حولها‭ ‬وبها‭.‬

 

حضور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬عدد‭ ‬الشخصيات

من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬إحصائية‭ ‬لعدد‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬الستّ‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬حاضرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬الرجل،‭ ‬فعدد‭ ‬شخصيات‭ ‬المرأة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحكايات‭ ‬عدا‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬وسيلة‮»‬،‭ ‬وحكاية‭ ‬‮«‬ترنجة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتساوى‭ ‬فيها‭ ‬شخصيات‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭.‬

‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الجرجوف‮»‬‭ ‬تمثّل‭ ‬المرأة‭ ‬ثماني‭ ‬شخصيات‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬شخصيتين‭ ‬للرجل،‭ ‬وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الدجرة‮»‬‭ ‬6‭ ‬نساء‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬4‭ ‬رجال،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬ورقة‭ ‬الحنا‮»‬‭ ‬شخصيات‭ ‬المرأة‭ ‬6،‭ ‬وهي‭ ‬ضعف‭ ‬شخصيات‭ ‬الرجل،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬قعاده‭ ‬زاج‭ ‬وقعاده‭ ‬زجاج‮»‬‭ ‬3‭ ‬نساء‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭.‬

وعدد‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تمثّلها‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬مجتمعة‭ ‬ثلاثون‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬سبع‭ ‬عشرة‭ ‬شخصية‭ ‬يمثّلها‭ ‬الرجل،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬قد‭ ‬أخذتْ‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬الشخصيات‭ ‬داخل‭ ‬الحكاية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬الأهمية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تعطيها‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬للمرأة؛‭ ‬فكونها‭ ‬الأكثر‭ ‬حضورًا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬الأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وأحداثه‭ ‬وتحوّلاته‭.‬

 

عدد‭ ‬الأدوار

بالرغم‭ ‬من‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬للشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تمثّلها‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات،‭ ‬فإنّ‭ ‬الحكاية‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬أحيانًا‭ ‬بإعطاء‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬دورًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تعطيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دور،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬سيطرة‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬السرد،‭ ‬وزيادة‭ ‬في‭ ‬فاعليتها‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأحداث‭ ‬وحركة‭ ‬السرد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬بهيمنةً‭ ‬ثقافية‭ ‬للمرأة‭.‬

في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الدجرة‮»‬‭ ‬مثلًا‭ ‬بعض‭ ‬شخصيات‭ ‬المرأة‭ ‬تملك‭ ‬دورين‭ ‬سرديين‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬فالأم‭ ‬تكون‭ ‬أُمًّا‭ ‬طبيعيةً‭ ‬بشريةً‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحكاية،‭ ‬ثم‭ ‬تموت،‭ ‬وهنا‭ ‬ينتهي‭ ‬الدور‭ ‬الأول،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬بعد‭ ‬وفاتها‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حمامة،‭ ‬تحمي‭ ‬طفليها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلّى‭ ‬عنهما‭ ‬أبوهما،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الثاني،‭ ‬فالشخصية‭ ‬تظلّ‭ ‬فاعلة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬وفاتها،‭ ‬لكنّ‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬مختلف‭. ‬

فالشخصية‭ ‬هنا‭ ‬تمثّل‭ ‬دورين،‭ ‬وتعيش‭ ‬حياتين،‭ ‬حياة‭ ‬طبيعية‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الأول،‭ ‬وحياة‭ ‬عجائبية‭ ‬خارقة‭ ‬للعادة‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭.‬

وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬قعاده‭ ‬زاج‭ ‬وقعاده‭ ‬زجاج‮»‬‭ ‬تأخذ‭ ‬الفتاة‭ ‬دورين؛‭ ‬دور‭ ‬أخت‭ ‬الرجل،‭ ‬ودور‭ ‬بنت‭ ‬العجوز‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬البلحة،‭ ‬وأحبّها‭ ‬أخوها،‭ ‬وتزوجها،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬أخته‭.‬

‭ ‬فالدور‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬تمثّله‭ ‬الشخصية‭ ‬ينتهي‭ ‬عند‭ ‬قتل‭ ‬أخيها‭ ‬لها‭ ‬ودفنها،‭ ‬والدور‭ ‬الآخر‭ ‬يبدأ‭ ‬عند‭ ‬انشقاق‭ ‬البلحة‭ ‬وخروج‭ ‬الفتاة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العجوز‭. ‬وتسير‭ ‬أحداث‭ ‬الحكاية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ملاحظة‭ ‬أي‭ ‬صلة‭ ‬بين‭ ‬الشخصيتين‭ ‬اللتين‭ ‬تمثّلان‭ ‬الدورين،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬قَفلة‮»‬‭ ‬الحكاية‭ - ‬أي‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تسدل‭ ‬الحكاية‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬أحداثها‭ - ‬تصل‭ ‬الحكاية‭ ‬بين‭ ‬الدورين؛‭ ‬ليتّضح‭ ‬أن‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬الدورين‭ ‬واحدة،‭ ‬فهي‭ ‬أخت‭ ‬الرجل‭ ‬التي‭ ‬قتلها‭ ‬ودفنها،‭ ‬وتزوجها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أنها‭ ‬أخته،‭ ‬حتى‭ ‬يتكلم‭ ‬السرير،‭ ‬فيعلم‭ ‬الرجل‭ ‬أنها‭ ‬أخته‭.‬

 

هيمنة‭ ‬على‭ ‬الحكاية

الأم‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ترنجة‮»‬‭ ‬شخصية‭ ‬تمثّل‭ ‬دورين‭: ‬دور‭ ‬الأم،‭ ‬ثم‭ ‬دور‭ ‬زوجة‭ ‬ابنها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخذت‭ ‬كل‭ ‬محاسنها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬في‭ ‬صورتها،‭ ‬وتتماهى‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬ابنها‭ ‬عندما‭ ‬عاد‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬أنّها‭ ‬أمه،‭ ‬لأنّها‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬زوجته،‭ ‬وسألها‭ ‬عن‭ ‬أمه،‭ ‬فادّعت‭ ‬أنها‭ ‬ماتتْ،‭ ‬وتمضي‭ ‬الحكاية‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نهايتها؛‭ ‬ليتبين‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬زوجته‭ ‬هي‭ ‬أمه‭.‬

هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬تؤديها‭ ‬المرأة‭ ‬تؤكد‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬الحكاية،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬هيمنتها‭ ‬ثقافيًا،‭ ‬وتشير‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬البُعد‭ ‬العجائبي‭ ‬لهذه‭ ‬الحكايات؛‭ ‬لأن‭ ‬الدور‭ ‬الآخر‭ ‬يكون‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بحياة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويكون‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬بإحدى‭ ‬صورتين؛‭ ‬1‭ - ‬رجوع‭ ‬للحياة‭ ‬بعد‭ ‬الموت،‭ ‬وهذا‭ ‬الرجوع‭ ‬إمّا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬طبيعية‭ ‬كما‭ ‬في‭ (‬قعاده‭ ‬زاج‭ ‬وقعاده‭ ‬زجاج‭)‬،‭ ‬وإما‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬طائر‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدجرة‮»‬‭. ‬2‭ - ‬تلبس‭ ‬شخصية‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬أخذ‭ ‬محاسنها؛‭ ‬لتصبح‭ ‬في‭ ‬خلقتها‭ ‬تمامًا،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ترنجة‮»‬‭.‬

ولعلّ‭ ‬ربط‭ ‬الدور‭ ‬العجائبي‭ ‬بالمرأة‭ ‬في‭ ‬الحكاية‭ ‬يوحي‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬عجيبة،‭ ‬وكأن‭ ‬الحكاية‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬للمجتمع‭ (‬الذي‭ ‬يتصور‭ ‬المرأة‭ ‬ضعيفة‭ ‬جسديًا‭) ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬تملك‭ ‬قوىً‭ ‬خارقة‭ ‬تعوّضها‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الضعف‭. ‬فهي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬موتها؛‭ ‬لتحمي‭ ‬أطفالها،‭ ‬أو‭ ‬لأخذ‭ ‬حقها،‭ ‬وإثبات‭ ‬براءتها‭. ‬وفيه‭ ‬إيحاء‭ ‬بقدرات‭ ‬المرأة‭ ‬الخارقة‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬فاعلة‭ ‬وقادرة‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬وبعد‭ ‬مماتها،‭ ‬وإظهار‭ ‬لمساعدة‭ ‬الطبيعة‭ ‬لها‭ ‬ووقوفها‭ ‬في‭ ‬صفّها‭.‬

 

وظائف‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة

شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الفاعل‭ ‬الرئيسي‭ ‬بهذه‭ ‬الحكايات،‭ ‬فهي‭ ‬الأكثر‭ ‬حضوراً‭ ‬كمًّا‭ - ‬كما‭ ‬رأينا‭ - ‬وكيفًا،‭ ‬كما‭ ‬سنرى،‭ ‬حتى‭ ‬لنشعر‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬عالم‭ ‬نسائي‭ ‬بامتياز،‭ ‬عالم‭ ‬تتصارع‭ ‬فيه‭ ‬النساء،‭ ‬هنّ‭ ‬مَن‭ ‬يصنعن‭ ‬الأحداث،‭ ‬وهنّ‭ ‬أبطال‭ ‬الحكايات،‭ ‬وهنَّ‭ ‬مَن‭ ‬يصنعن‭ ‬الحيل،‭ ‬وهن‭ ‬من‭ ‬يقدّمن‭ ‬المساعدة،‭ ‬وهن‭ ‬المنقذات،‭ ‬وهن‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭. ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬عالم‭ ‬المرأة‭ ‬وحسب،‭ ‬تملكه‭ ‬وتصنعه،‭ ‬والرجل‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬الهامش،‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬هامشي‭ ‬ثانوي‭.‬

 

المرأة‭ ‬البطل

اللافت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬أن‭ ‬البطل‭ ‬فيها‭ ‬كلّها‭ ‬امرأة،‭ ‬فشخصية‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭. ‬ففي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الجرجوف‮»‬‭ ‬البطل‭ ‬هو‭ ‬شخصية‭ ‬الفتاة،‭ ‬التي‭ ‬أخذها‭ ‬الجرجوف،‭ ‬ثم‭ ‬تخلصت‭ ‬منه‭ ‬وهربتْ‭ ‬بكنوزه‭. ‬وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الدجرة‮»‬‭ ‬البطل‭ ‬هو‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬رماها‭ ‬أبوها‭ ‬مع‭ ‬أخيه‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬استطاعت‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الدجرة،‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭.‬

‭ ‬وشخصية‭ ‬‮«‬ورقة‭ ‬الحنّا‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ورقة‭ ‬الحنا‮»‬،‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬الجمال‭ ‬والطيبة‭ ‬والأدب،‭ ‬واستطاعت‭ ‬بمساعدة‭ ‬العجوز‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬السلطان،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬العراقيل‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭. ‬وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬قعاده‭ ‬زاج‭ ‬وقعاده‭ ‬زجاج‮»‬‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حولها‭ ‬أحداث‭ ‬الحكاية‭ ‬هي‭ ‬شخصية‭ ‬الفتاة‭ (‬الأخت‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬تجاوز‭ ‬الاختبار‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬فيه،‭ ‬وأثبتتْ‭ ‬براءتها‭. ‬وشخصية‭ ‬الفتاة‭ ‬‮«‬وسيلة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬شخصية‭ ‬البطل‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬وسيلة‮»‬،‭ ‬فالحكاية‭ ‬حكايتها،‭ ‬تخوض‭ ‬فيها‭ ‬اختبارًا‭ ‬صعبًا‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تجاوزه،‭ ‬وتعود‭ ‬مكلّلة‭ ‬بالنصر‭. ‬

والبطل‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ترنجة‮»‬‭ ‬هو‭ ‬شخصية‭ ‬الفتاة،‭ ‬التي‭ ‬حمل‭ ‬بها‭ ‬أبوها،‭ ‬وتخلص‭ ‬منها،‭ ‬فربّاها‭ ‬النسر،‭ ‬ثم‭ ‬تزوجها‭ ‬ابن‭ ‬السلطان،‭ ‬وتجاوزت‭ ‬اختبارًا‭ ‬آخر‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬أم‭ ‬ابن‭ ‬السلطان‭ ‬التخلص‭ ‬منها،‭ ‬وأخذ‭ ‬مكانها‭.‬

يتبين‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬البطولة‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬أنثى،‭ ‬وأن‭ ‬المرأة‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وهي‭ ‬القوية‭ ‬الغالبة،‭ ‬إنها‭ ‬أساس‭ ‬السرد،‭ ‬ومدار‭ ‬الأحداث‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أمرين؛‭ ‬الأول‭: ‬قيمة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وإجلالها‭ ‬لها،‭ ‬فهي‭ ‬تعطيها‭ ‬البطولة،‭ ‬وتجعلها‭ ‬ملكة‭ ‬السرد‭ ‬الشعبي،‭ ‬وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬في‭ ‬الحكاية‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬نتاج‭ ‬استحواذٍ‭ ‬حقيقي‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬هذا‭ ‬السرد‭ ‬وروايته،‭ ‬فمن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الجدات‭ ‬والأمهات‭ ‬هنا‭ ‬مَن‭ ‬يحكين‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬للأطفال‭ ‬قبل‭ ‬النوم،‭ ‬وفي‭ ‬أسمار‭ ‬الليالي‭ ‬المقمرة‭ ‬الدافئة،‭ ‬ومن‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الرجال‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭.‬

 

المرأة‭ ‬المنقذ‭/ ‬المساعد

وهي‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بإنقاذ‭ ‬البطل‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬له،‭ ‬ويتضح‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬تمثّلها‭ ‬المرأة‭ ‬غالبًا‭. ‬فشخصية‭ ‬الأم‭ ‬هي‭ ‬المنقذ‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الدجرة‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬عادت‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حمامة؛‭ ‬لتنقذ‭ ‬الطفلين‭ ‬وتقدّم‭ ‬لهما‭ ‬المساعدة‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ورقة‭ ‬الحنا‮»‬‭ ‬شخصية‭ ‬المرأة‭ ‬العجوز‭ ‬هي‭ ‬الشخصية‭ ‬المساعدة،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬ورقة‭ ‬الحنا‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬كل‭ ‬الاختبارات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها،‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬مرادها‭. ‬وشخصية‭ ‬العجوز‭ ‬كذلك‭ ‬هي‭ ‬الشخصية‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬قعاده‭ ‬زاج‭ ‬وقعاده‭ ‬زجاج‮»‬‭.‬

فالحكاية‭ ‬تعطي‭ ‬المرأة‭ ‬أدوارًا‭ ‬غير‭ ‬شخصية‭ ‬البطل‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬نصيرة‭ ‬للخير،‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع،‭ ‬فلولا‭ ‬مساعدتها‭ ‬لما‭ ‬تجاوز‭ ‬البطل‭ ‬الاختبارات،‭ ‬ولما‭ ‬استطاع‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬الشرّ‭. ‬فلولا‭ ‬رعاية‭ ‬الأم‭ ‬للطفلين،‭ ‬لماتا‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬ولولا‭ ‬مساعدة‭ ‬العجوز‭ ‬لورقة‭ ‬الحنا‭ ‬لما‭ ‬استطاعت‭ ‬حضور‭ ‬الحفلة،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬بابن‭ ‬السلطان‭.‬

 

المرأة‭ ‬الشريرة

المرأة‭ ‬أيضًا‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬تمثّل‭ ‬الخير‭ ‬بوصفها‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬أو‭ ‬الشخصية‭ ‬المساعدة،‭ ‬فإنها‭ ‬كذلك‭ ‬تمثّل‭ ‬الشر،‭ ‬بوصفها‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬فهي‭ ‬تدخل‭ ‬مع‭ ‬البطل‭ ‬في‭ ‬صراع‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬تصوّر‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬شريرة،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنّه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الحلبة‭ ‬غيرها،‭ ‬فالحكاية‭ ‬عالمها‭ ‬وحدها،‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬تمثّل‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭.‬

هناك‭ ‬شخصيتان‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الدجرة‮»‬‭ ‬تمثّلان‭ ‬الشر؛‭ ‬الأولى‭ ‬شخصية‭ ‬زوجة‭ ‬الأب،‭ ‬والأخرى‭ ‬الدجرة‭. ‬وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ورقة‭ ‬الحنا‮»‬‭ ‬أربع‭ ‬شخصيات‭ ‬شريرة‭ ‬كلها‭ ‬تمثّلها‭ ‬المرأة‭: ‬الخالة،‭ ‬وابنتها‭ ‬إكرام،‭ ‬وزوجة‭ ‬ابن‭ ‬السلطان‭ ‬الأولى،‭ ‬والعجوز‭ ‬الساحرة‭. ‬وتمثّل‭ ‬أم‭ ‬الفتاة‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬ترنجة‮»‬‭ ‬الشر،‭ ‬ومثلها‭ ‬شخصية‭ ‬أم‭ ‬ابن‭ ‬السلطان،‭ ‬وامرأة‭ ‬الأخ‭ ‬تمثّل‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬قعاده‭ ‬زاج‭ ‬وقعاده‭ ‬زجاج‮»‬‭.‬

 

المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬في‭ ‬الحكاية

غياب‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬حضوره‭ ‬بشكل‭ ‬خافت‭ ‬وهامشي‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬أمر‭ ‬لافت‭ ‬للانتباه،‭ ‬فالمرأة‭ ‬تأخذ‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ (‬البطل‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ (‬الخير‭)‬،‭ ‬وتحضر‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ (‬الشر‭)‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يغيب‭ ‬الرجل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أيضًا،‭ ‬ويكون‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬مع‭ ‬امرأة‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬مخلوقات‭ ‬عجيبة‭.‬

في‭ ‬أربع‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬حكايات‭ ‬يمثّل‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬امرأة،‭ ‬وفي‭ ‬حكايتين‭ ‬يكون‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬شخصيات‭ ‬مذكرة،‭ ‬لكنها‭ ‬غير‭ ‬بشرية،‭ ‬لأنها‭ ‬مخلوقات‭ ‬عجيبة‭. ‬

ففي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الجرجوف‮»‬‭ ‬يكون‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الجرجوف،‭ ‬وهو‭ ‬مخلوق‭ ‬عجيب‭ ‬مفترس،‭ ‬وفي‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬وسيلة‮»‬‭ ‬يكون‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬القدر‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬العفريت‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬الختام؛‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الثقافة‭ ‬تؤنّث‭ ‬السرد،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬السرد‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬مؤنثة،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬فالمرأة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أنّثتْ‭ ‬السرد‭ ‬عمدًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المجتمع‭ ‬الذكوري‭. ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬حكاية‭ ‬تهيمن‭ ‬عليها‭ ‬المرأة‭ ‬بكل‭ ‬مفاصلها‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬فهي‭ ‬الحاضرة‭ ‬فيها،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬للرجل،‭ ‬فهي‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬وهي‭ ‬البداية‭ ‬والنهاية‭ ‬■

حضور‭ ‬المرأة‭ ‬اليمنية‭ ‬في‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬فاعل‭ ‬وإيجابي‭ ‬بوصفها‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬للأحداث‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حولها‭ ‬وبها

لوحة‭ ‬للفنان‭ ‬اليمني‭ ‬محمد‭ ‬سبأ