الدخول الأدبي الفرنسي في 2020 صرخة الأدب والأدباء في زمن الجائحة

الدخول الأدبي الفرنسي في 2020  صرخة الأدب والأدباء في زمن الجائحة

بات واضحًا أن الدخول الأدبي الفرنسي خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد أصبح يسبح في فلك القضايا والإشكالات نفسها: الهجرة، واللجوء، والتعددية الثقافية وتحولات المجتمع الفرنسي.
وسواء جاز الحديث عن قضايا شائكة أو ثيمات مستهلكة، فإنّ الأمر يُخرج الأدب عن نطاقه الإبداعي الخالص ليربطه بتحولات المجتمع الفرنسي من جهة، ومن جهة أخرى يسمح بتسليط الضوء على موقع الكتّاب الفرانكفونيين في صناعة الأدب الفرنسي الراهن. تبعًا لذلك، يجب الانتقال من توصيف الدخول الأدبي الفرنسي نحو الدخول الأدبي باللغة الفرنسية.

جغرافيًّا، يشمل هذا الطقس مختلف المناطق الناطقة بالفرنسية (سويسرا، بلجيكا، الكيبيك، المنطقة العربية والإفريقية) التي تؤدي دورًا رئيسًا في رفع رقم معاملات قطاع النشر الفرنسي. 
من حيث الكتّاب والأقلام المبدعة، لا يزال الكتّاب العرب والمغاربة يشكّلون ركيزة الدخول الأدبي، بفعل قاعدتهم الجماهيرية التعددية، وينافسون حول الجوائز الأدبية المرموقة. 
نتيجة لكل هذا، إذا كان من الصعب أن نتصور دخولًا أدبيًا دون ياسمينا خضرا، على سبيل التمثيل لا الحصر، فمن الضروري الاعتراف بإسهام الكتّاب العرب والمغاربة في صناعة تحولات الإبداع الفرنسي على مدى ثلاثة أجيال.
من الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، مرورًا بآسيا جبّار، وياسمينا خضرا، وصولًا إلى ليلى سليماني، نجح كل جيل من الكتّاب المغاربيين والعرب في التعبير عن هموم المستعمَرين، اللاجئين والمهاجرين بلغة الهجرة واللجوء، صانعين خلودًا للأدب الفرنسي بخلود أعمالهم الأصيلة. 
ومـع عــودة «الإسلامــوفــوبــــيا»، وفــشــــــل الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية في إدماج الأجانب بمجتمع الاستقبال، ربمــــا آن الأوان لإعادة تفكير التعددية الأدبية والإبداعية بالمجال التداولي الفرنسي، كي يسهم الأدب نفسه في تحقيق حلم «فرنسا التعدد».
في خضم هذا الجدل الدائر خلال السنوات الماضية حول صنّاع ثورة الأدب الفرنسي الحقيقيين، جاءت صدمة الجائحة لتخلط أوراق الكتّاب والناشرين، وتهدد بإلغاء واحد من أعرق الطقوس الأدبية العالمية.

تشبُّث بالكتاب الورقي
ضمن مجال تداولي يستهلك أزيد من 4 ملايين عمل أدبي سنويًا، برقم معاملات يتجاوز نصف مليار دولار، أسهمت الجائحة في تعطيل أكثر من 80 بالمئة من حجم السوق الأدبي الفرنسي. إضافة إلى ذلك، وبما أن القارئ الفرنسي، أكثر تشبثًا بالكتاب الورقي ولا يتفاعل كثيرًا مع تحوّلات سوق الكتب الرقمية - أقل من عُشر المبيعات سنويًا - فقد تم دقّ طبول الدخول الأدبي على أصوات الإلغاء، وتزايدت المخاوف إزاء الشلل التام في الحركية الثقافية والفنية المحلية والعالمية.
إن الكاتب هو الحلقة الأضعف في معادلة الدخول الأدبي لكل سنة، إذ لا يحصل الكتّاب سوى على 10 في المئة من عائدات مبيعات الكتب الورقية، في الغالب. ويضطر بعض الأدباء الشباب إلى دفع نفقات النشر على أمل نجومية قد تأتي أو لا تأتي. 
في الواقع، أظهرت الجائحة حقيقتين اثنتين في عالم النشر الراهن: أولًا، كلما ظهرت أزمات التوزيع والقراءة تم تهميش عموم الكتّاب وتسليط الضوء على كبار الكتّاب والمخضرمين منهم، بحثًا عن مبيعات وعائدات ثابتة. 
ثانيًا، في عمق أزمة قطاع النشر الفرنسي خلال هذه السنة، استفادت دور النشر الكبرى من الدعم الحكومي في تهميش شبه تام للكتّاب والمبدعين الذين وجدوا أنفسهم قسرًا عاطلين عن العمل. لهذا، فالحديث عن «مهننة» قطاع النشر لا يصبّ دومًا في مصلحة الكاتب والمبدع بالضرورة.
وكأنّ تفاعل هذه التحديات المختلفة مع صدمة الجائحة لم يكن كافيًا لجعل الدخول الأدبي الفرنسي لهذا السنة الأضعف والأسوأ منذ عقدين من الزمن. فبعد ركود قطاع النشر، فرض الدعم الحكومي للقطاع التركيز على إنجاح الدخول الأدبي في حدّ ذاته من خلال تقليل عدد الإصدارات، والكتّاب الشباب، والمؤلفات المترجمة، والنسخ الموزعة... تبعًا لذلك، من المتوقع أن يترافق ضعف الإصدارات والنسخ الموزعة مع ضعف المبيعات والإقبال على الأعمال المعروضة. 

رقمنة الإبداع الأدبي
هكذا، وبقدر ما يمكن لسياق الأزمة أن يضعف العرض والطلب على الإبداعات الأدبية الجديدة، فبإمكانه أن يفتح المجال أمام تطور سيرورة رقمنة الإبداع الأدبي في عصر الأنفوسفير... وهذا ما حاولت الندوات الرقمية المواكبة للدخول الأدبي الفرنسي الدفاع عنه.
يستقبل القارئ الفرنسي هذه السنة دخولًا أدبيًا بطعم «القلق»، كما يؤكد الكاتب والناقد الفرنسي لويس دي لاروشفوكولد» في ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على المجتمع الفرنسي. بما مجموعه 511 عملًا إبداعيًا، نلاحظ تراجعًا خطيًا في الإصدارات خلال السنوات الثلاث الأخيرة: 524 سنة 2019، 567 سنة 2018، و581 سنة 2017. 
تتوزع هذه الأعمال على 366 رواية فرنسية (مقارنة بـ 363 سنة 2019)، 65 رواية لكتاب جُدد (مقارنة بـ 82 خلال السنة الماضية) من بينهم 37 عملًا إبداعيًا بأقلام نسائية.
وإضافة إلى ذلك، انخفضت الروايات والأعمال الأجنبية والمترجمة من 188 خلال السنة الماضية إلى 145 هذه السنة، وفقًا لمجلة Livres Hebdo. 
ومن بين الأعمال الروائية المنتظرة خلال هذه السنة نجد: «يوجا» لإيمانويل كاريير، «مسبح في الصحراء» لديان مظلوم، و«الأيروستاتس» لإيميلي نوثومب، و«فتاة» لكاميل لورينز.
دون أن ننسى «ملح جل المنسيات» لياسمينا خضرا، و«نافذات الصبر» لدجايلي أدامو، و«إخوة الظل» لنادية الحثروبي - صفصاف، وغيرها.
بطبيعة الحال، لا يمثّل التراجع بـ 13 عملًا إبداعيًا (2.5 في المئة مقارنة بالسنة الماضية) الشيء الكثير ضمن مجال تداولي يركّز على التجويد الدوري للأعمال المقدمة، بفضل المواكبة النقدية الدائمة للمنشورات الجديدة وتطوّر الذوق الأدبي العام، الأمر الذي يجعل القارئ لا يرضى إلا بالأفضل.
 
تعزيز القلق العام
لكن، بفعل تراجع الثقة الجماهيرية في الجوائز الأدبية، وتهميش الكتّاب غير الفرنسيين وهيمنة قضايا الهجرة واللجوء على الفعل الإبداعي الفرنسي، لم تُسهم تداعيات صدمة الجائحة سوى في تعزيز الخوف والقلق العام، بالشكل الذي قد يحيد بالفعاليات الأدبية عن بُعدها الإبداعي الخالص. 
لهذا، يمكن القول بأن سيرورة اللايقين والقلق الناظمة لتطوّر الرواية الاجتماعية، على سبيل التمثيل لا الحصر، هي بالضرورة سيرورة قلق ملازم لمعيش القارئ، الكاتب والناشر في سياق مجتمع متحوّل على نحو مستمر. 
ونتيجة لذلك، لا يرتبط مسلسل تراجع صورة الدخول الأدبي ضمن النطاقات الفرانكفونية بالكمّ أو الكيف، بقدر ما يقترن بالخوف من صعود الإثنومركزية الأدبية الفرنسية.
ختامًا، نجح العديد من الكتّاب العرب والأفارقة في صناعة ثورة الأدب الفرنسي على مدى أجيال، جاعلين الأدب في خدمة المجتمع بتحوّلاته وتعقيداته المختلفة. فضلًا عن ذلك، لطالما جعلوا من هويتهم المزدوجة والتعددية فرصة للتعبير عن هموم سكان بلدان الاستعمار، الهجرة واللجوء الأصل، باحثين عن موقع للهوية والخصوصية العربية والمحلية ضمن المجال التداولي الفرنسي والكوني. 
وإلى اليوم، مازالوا يصنعون كل دخول أدبي بالنطاق الفرنسي، كمًّا وكيفًا. لكن، نلحظ تهميشًا كبيرًا لهؤلاء المبدعين ضمن المتابعات النقدية والصحفية المرافقة لكل دخول أدبي. 
لهذا، وكما أن كتّاب المهجر يتألقون بلغة بلد المهجر ومعالجة قضايا وهموم مجتمع الاستقبال، فإنّ ذلك دليل على الروح التعددية التي يجب أن تنقلنا من مجرد الحديث عن الدخول الأدبي الفرنسي نحو مستوى «الدخول الأدبي الفرنسي التعددي» ■

 

ملح جل المنسيات لياسمينا خضرا