إيليّا بيضا الموّال البغدادي ومواويل أخرى

إيليّا بيضا الموّال البغدادي ومواويل أخرى

كان الصّديق الخطّاط سليم منصور كلّما حضر من مغتربه في أستراليا، حدّثني بالتّفصيل والتّدليل عن الأصوات الغنائيّة الجميلة في لبنان، النّسائي منها والرّجّالي، مبديًا إعجابه بتلك من المطربات، وتقديره لذاك من المطربين، إلى أن يختم كلامه بالقول جازمًا، ومن دون شرح ولا توضيح: «أمّا أنا، فإنّ حصّتي السّمعيّة الشّخصيّة، هي المطرب إيليّا بيضا».

إيليّا‭ ‬بيضا‭ (‬1907‭ - ‬1977‭) ‬سيّد‭ ‬من‭ ‬أسياد‭ ‬الموّال‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬سبقه‭ ‬في‭ ‬الزّمن‭ ‬عمّه‭ ‬فرج‭ ‬الله‭ ‬بيضا،‭ ‬ومحيي‭ ‬الدّين‭ ‬بعيون،‭ ‬وعاصره‭ ‬إلياس‭ ‬ربيز،‭ ‬وداود‭ ‬قرنوح‭. ‬ولحق‭ ‬بهؤلاء‭ ‬في‭ ‬الزّمن‭ ‬نور‭ ‬الهدى،‭ ‬ووديع‭ ‬الصّافي،‭ ‬وصباح‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬وصباح‭ ‬فخري،‭ ‬ومحمّد‭ ‬خيري‭ ‬في‭ ‬حلب‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬لأقراص‭ ‬التّسجيل‭ ‬الفضل‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬أبد‭ ‬الدّهر،‭ ‬مع‭ ‬الافتراض‭ ‬بأنّ‭ ‬تلك‭ ‬الأقراص‭ ‬لم‭ ‬تشمل‭ ‬الجميع،‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬وبذلك‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬جميل،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬غناء‭ ‬أصيل،‭ ‬ضاعا‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬النّسيان،‭ ‬بينما‭ ‬أتت‭ ‬وسائل‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬الحاضر‭ ‬لتحافظ‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬أثر،‭ ‬كيفما‭ ‬كان،‭ ‬وكائنًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭.‬

الموّال‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الغناء‭ ‬الّتي‭ ‬تيسّر‭ ‬للمطرب‭ - ‬وللمطربة‭ - ‬الفرصة‭ ‬الكافية‭ ‬لإطلاق‭ ‬الصّوت،‭ ‬وإرسال‭ ‬الجمل‭ ‬اللّحنيّة،‭ ‬والتّعبير‭ ‬عن‭ ‬المعارف‭ ‬النّغميّة،‭ ‬والانتقال‭ ‬بين‭ ‬المقامات‭ ‬الموسيقيّة‭ ‬بطريقة‭ ‬سلسة‭ ‬ليّنة‭ ‬يرتاح‭ ‬معها‭ ‬المستمع،‭ ‬فيميل‭ ‬إلى‭ ‬مطربه،‭ ‬ويُعجب‭ ‬بمطربته،‭ ‬ويثق‭ ‬بموسيقى‭ ‬مجتمعه‭ ‬وإمكاناته‭ ‬الفنّيّة‭ ‬والثّقافيّة‭.‬

وهو‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الارتجال‭ ‬في‭ ‬منشأه،‭ ‬يُعاد‭ ‬ويُستعاد‭ ‬ويترسّخ‭ ‬ويتمّ‭ ‬حفظه‭ ‬وتبادله‭ ‬بين‭ ‬الأجيال،‭ ‬فيستقرّ‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬غنائيّة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تحميلها‭ ‬لاحقًا‭ ‬جمالات‭ ‬إضافيّة‭ ‬وتحليات‭ ‬طارئة‭ ‬تستدعيها‭ ‬ظروف‭ ‬الأداء،‭ ‬وتضمن‭ ‬نجاحها‭ ‬مقدرة‭ ‬المؤدّي‭ ‬وبراعة‭ ‬العازفين،‭ ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬فإنّ‭ ‬الموّال‭ ‬الواحد‭ ‬قد‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حنجرة،‭ ‬وقد‭ ‬يرافق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جيل‭:‬

‭- ‬دموع‭ ‬عيوني‭ ‬انتهت‭.‬

‭- ‬لك‭ ‬يا‭ ‬زمان‭ ‬العجب‭.‬

‭- ‬فيك‭ ‬ناس‭ ‬يا‭ ‬ليل‭.‬

‭- ‬يا‭ ‬دايق‭ ‬النّوم‭ ‬أوصف‭ ‬لي‭ ‬قمراتو‭.‬

‭- ‬يا‭ ‬معشر‭ ‬النّاس‭.‬

وللآلات‭ ‬الموسيقيّة،‭ ‬الوتري‭ ‬منها‭ ‬والقصبي،‭ ‬الأثر‭ ‬الفعّال‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬مجد‭ ‬الموّال،‭ ‬وهي‭ ‬تتبادل‭ ‬الأدوار‭ ‬وفق‭ ‬المقاطع‭ ‬المغنّاة،‭ ‬والبادئ‭ ‬بينها‭ ‬هو‭ ‬القانون،‭ ‬تليه‭ ‬الكمنجة،‭ ‬ويتدخّل‭ ‬العود،‭ ‬كما‭ ‬يتدخّل‭ ‬قصب‭ ‬النّاي‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ ‬وقد‭ ‬سارت‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬البزق،‭ ‬أو‭ ‬الطّنبور،‭ ‬رفيقًا‭ ‬للموّال‭ ‬البغدادي،‭ ‬لافتراض‭ ‬أنّ‭ ‬حدّة‭ ‬صوته‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬رقّة‭ ‬المعاني،‭ ‬ولواعج‭ ‬الوجد‭ ‬والهجر‭ ‬والفراق‭ ‬الّتي‭ ‬يتضمّنها‭.‬

وللنّصّ‭ ‬الشّعري‭ ‬دوره‭ ‬المميّز‭ ‬هنا،‭ ‬ومسألة‭ ‬التّنويع‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬هي‭ ‬الّتي‭ ‬تتيح‭ ‬للمطرب‭ - ‬والمطربة‭ - ‬التّنويع‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬والإنشاد،‭ ‬كما‭ ‬تتيح‭ ‬ذلك‭ ‬للملحّن،‭ ‬فقد‭ ‬يتمّ‭ ‬تلحين‭ ‬الموّال‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬تثبيت‭ ‬شكل‭ ‬أدائه‭ ‬وهيكل‭ ‬لحنه‭ ‬والإعادات‭ ‬الّتي‭ ‬يتضمّنها،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬مدّته‭ ‬الزّمنيّة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬تحقيقه‭ ‬أقراص‭ ‬التّسجيل،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عهدها‭ ‬78‭ ‬لفّة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬قدرتها‭ ‬الاستيعابيّة‭ ‬محدّدة‭.‬

وقد‭ ‬يلجأ‭ ‬الملحّن‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬الجمل‭ ‬الغنائيّة‭ ‬والعزفيّة‭ ‬في‭ ‬الموّال،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬مدّته‭ ‬الزّمنيّة‭ ‬العامّة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تثبيت‭ ‬الليالي‭ ‬الّتي‭ ‬تسبقه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬محمّد‭ ‬عبدالوهّاب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬كما‭ ‬حقّقه‭ ‬أيضًا‭ ‬القصبجي‭ ‬وزكريّا‭ ‬أحمد،

إلاّ‭ ‬أنّ‭ ‬الموّال‭ ‬قد‭ ‬يستغني‭ ‬عن‭ ‬النّص‭ ‬الشّعري‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬مواويل‭ ‬تمّ‭ ‬إطلاقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصائد‭ ‬مقفّاة‭ ‬منظّمة‭ (‬ولنا‭ ‬في‭ ‬القصائد‭ ‬الّتي‭ ‬شدا‭ ‬بها‭ ‬محمّد‭ ‬القبّانجي‭ ‬وناظم‭ ‬الغزالي،‭ ‬دلائل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭).‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬الطّابع‭ ‬المواويلي‭ ‬يتسرّب‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأغاني‭ ‬الّتي‭ ‬تتضمّن‭ ‬صياغتها‭ ‬اللّحنيّة‭ ‬فسحات‭ ‬تتيح‭ ‬للمطرب‭ ‬والمطربة‭ ‬التّصرّف‭ ‬والعطاء،‭ ‬اللّذين‭ ‬لا‭ ‬يتناقضان‭ ‬مع‭ ‬الأداء‭ ‬المقرّر،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬الحفلات‭ ‬الّتي‭ ‬يصحّ‭ ‬فيها‭ ‬التّجاوب‭ ‬العفوي‭ ‬مع‭ ‬الجمهور،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬اللّحن‭ ‬الأساس،‭ ‬ومع‭ ‬مصاحبة‭ ‬بعض‭ ‬التّقاسيم،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬العودة‭ ‬السّليمة‭ ‬إلى‭ ‬المقطع‭ ‬الغنائي‭ ‬الذي‭ ‬تمّ‭ ‬الانطلاق‭ ‬منه‭:‬

‭- ‬حكيت‭ ‬لك‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬نوحي‭ (‬من‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ظالمني‮»‬‭: ‬أحمد‭ ‬رامي،‭ ‬ورياض‭ ‬السّنباطي،‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭).‬

‭- ‬نسّاني‭ ‬أنام‭ ‬اللّيل‭ (‬من‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬كلّ‭ ‬ده‭ ‬كان‭ ‬ليه‮»‬‭ ‬لمأمون‭ ‬الشّنّاوي،‭ ‬وعبدالوهّاب‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬ليل‭ ‬الدّهر‭ ‬فرّقنا‭ (‬من‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬سألني‭ ‬اللّيل‮»‬‭: ‬لعبدالعزيز‭ ‬سلّام،‭ ‬وفريد‭ ‬الأطرش‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬قمر‭ ‬روح‭ ‬خبّر‭ ‬طيور‭ ‬الفلا‭ (‬من‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬ناطرك‭ ‬سهران‮»‬‭: ‬لبيار‭ ‬روفايل،‭ ‬ووديع‭ ‬الصّافي‭).‬

 

الموّال‭ ‬البغدادي

وكما‭ ‬تنوّعت‭ ‬الأغنية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربيّة،‭ ‬كذلك‭ ‬تنوّع‭ ‬الموّال‭: ‬فهناك‭ ‬المصري،‭ ‬وهناك‭ ‬المغاربي،‭ ‬والخليجي،‭ ‬والفلسطيني‭ ‬والأردني‭ ‬والسّوري‭ ‬واللّبناني،‭ ‬وهناك‭ ‬العراقي‭. ‬وقد‭ ‬حمل‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحكيّات‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬حول‭ ‬ظروف‭ ‬نشأته‭ ‬وتطوّره‭ ‬وانتشاره،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬اسمه‭ ‬وإعطائه‭ ‬بطاقة‭ ‬هويّة‭: ‬الموّال‭ ‬البغدادي‭.‬

ويعيد‭ ‬كثيرون‭ ‬نشأة‭ ‬الموّال‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬واسط،‭ ‬حيث‭ ‬حلّت‭ ‬مأساة‭ ‬البرامكة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقتل‭ ‬جعفر‭ ‬البرمكي‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬حكم‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد،‭ ‬وما‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬رثاء‭ ‬وإنشاد‭ ‬حزين‭:‬

أين‭ ‬ملوك‭ ‬الأرض‭ ‬أين‭ ‬الفرس‭... ‬وامواليا

أين‭ ‬الّذين‭ ‬حموها‭ ‬بالقنا‭ ‬والتّرس‭... ‬وامواليا

 

إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬عيتاني‭ ‬وفاخوري‭ ‬في‭ ‬كتابهما‭ ‬‮«‬بيروتنا‮»‬‭ (‬الصّادر‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬ط‭ ‬2،‭ ‬1997‭)‬،‭ ‬يعيدان‭ ‬الموّال‭ ‬إلى‭ ‬واسط‭ ‬نفسها،‭ ‬إنّما‭ ‬إلى‭ ‬أهازيج‭ ‬العمّال‭ ‬والفلّاحين‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬بيوتهم‭ ‬بعد‭ ‬كلّ‭ ‬نهار‭ ‬عمل،‭ ‬وذلك‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬التّعب‭ ‬الذي‭ ‬عانوه‭.‬

ووفق‭ ‬صفيّ‭ ‬الدّين‭ ‬الحلّي،‭ ‬فقد‭ ‬تسلّم‭ ‬أهل‭ ‬بغداد‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأدائي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬فنقّحوه‭ ‬ودقّقوا‭ ‬به‭ ‬ونُسب‭ ‬إليهم‭ (‬عبدالكريم‭ ‬العلّاف‭: ‬الموّال‭ ‬البغدادي،‭ ‬بغداد‭ - ‬ط‭ ‬1،‭ ‬1963‭).‬

وفي‭ ‬موازاة‭ ‬هذا‭ ‬الرّأي‭ ‬التّاريخي،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إهمال‭ ‬الآراء‭ ‬الأخرى‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬الموّال‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربيّة‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬غنائي‭ ‬ترنّمي‭ ‬نشأ‭ ‬مع‭ ‬لفظ‭ ‬اللّغة،‭ ‬وتطوّر‭ ‬مع‭ ‬إلقاء‭ ‬الشّعر‭.‬

ولو‭ ‬كان‭ ‬كافيًا‭ ‬ربط‭ ‬انطلاقته‭ ‬بمأساة‭ ‬سياسيّة‭ ‬أو‭ ‬اجتماعيّة،‭ ‬لكنّا‭ ‬أمام‭ ‬أشكال‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬المواويل،‭ ‬وأنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الغناء،‭ ‬فالمآسي‭ ‬كثيرة،‭ ‬والأزمات‭ ‬متلاحقة‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬وكما‭ ‬يرى‭ ‬صميم‭ ‬الشّريف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬سورية‭ (‬دمشق‭ ‬1991‭)‬،‭ ‬فَـ‭ ‬‮«‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهذا‭ ‬النّوع‭ ‬من‭ ‬الغناء‭ ‬بالأسطورة‭ ‬الّتي‭ ‬تمّ‭ ‬ربطها‭ ‬بمقتل‭ ‬آل‭ ‬البرامكة،‭ ‬وهو‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬قديمة‭ ‬جدًّا‮»‬‭.‬

وانطلق‭ ‬الموّال‭ ‬باللّغة‭ ‬الفصحى،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استقرّ‭ ‬لاحقًا‭ ‬باللّغة‭ ‬الدّارجة‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬العامّة،‭ ‬بحالاتها‭ ‬اللفظيّة‭ ‬المختلفة،‭ ‬والّتي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬قوافيها‭ ‬الجناس،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬البلاغيّة،‭ ‬ومن‭ ‬الصّياغات‭ ‬الشّعريّة‭ ‬المنمّقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بأشكال‭ ‬عديدة‭ ‬اعتمد‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬اعتمد‭: ‬الرّباعي‭ ‬والخماسي‭ ‬والسّباعي‭.‬

وقد‭ ‬أجاز‭ ‬السّيوطي‭ ‬استعمال‭ ‬الألفاظ‭ ‬الجارية‭ ‬الّتي‭ ‬يتداولها‭ ‬النّاس‭ ‬في‭ ‬اللّفظ‭ ‬وفي‭ ‬الكتابة،‭ ‬لأنّ‭ ‬ذلك‭ ‬يساعد‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬إخضاع‭ ‬الكلام‭ ‬للوزن‭ ‬الشّعري،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يُلحن‭ ‬المؤدّي‭ ‬خدمة‭ ‬للّحن،‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬وقد‭ ‬يضحّي‭ ‬بالمعنى‭ ‬عند‭ ‬لزوم‭ ‬القافية‭. ‬ونحن‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نلاحظ‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬غناء‭ ‬القصائد‭ ‬الفصيحة‭ ‬نفسها‭ ‬حاجة‭ ‬لدى‭ ‬المطرب‭ ‬والمطربة‭ ‬للرّجوع‭ ‬إلى‭ ‬اللّغة‭ ‬الدّارجة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬بلوغ‭ ‬حلاوة‭ ‬التّعبير،‭ ‬فيتمّ‭ ‬تحويل‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬اللَّيل‭ ‬إلى‭ ‬اللِّيل،‭ ‬وإلَيك‭ ‬إلى‭ ‬إلِيك،‭ ‬والنَّوم‭ ‬إلى‭ ‬النُّوم‭...‬

وفي‭ ‬أشكال‭ ‬الموّال‭ ‬ونماذجه‭:‬

‭- ‬الرّباعي‭ (‬قوافيه‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬ب‭ ‬ب‭):‬

وحق‭ ‬يا‭ ‬بدر‭ ‬تغريبك‭ ‬وتغريبي

لا‭ ‬تتبع‭ ‬النّفس‭ ‬تغري‭ ‬بك‭ ‬وتغري‭ ‬بي

خلّ‭ ‬المقادير‭ ‬تجري‭ ‬بك‭ ‬وتجري‭ ‬بي

وتنظر‭ ‬النّاس‭ ‬تجريبك‭ ‬وتجريبي

‭- ‬الخماسي‭ (‬قوافيه‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬ب‭ ‬أ،‭ ‬ويسمّى‭ ‬الأعرج،‭ ‬لأنه‭ ‬يوجد‭ ‬بين‭ ‬قوافيه‭ ‬قافية‭ ‬واحدة‭ ‬مخالفة‭):‬

وحقّ‭ ‬يا‭ ‬بدر‭ ‬مَن‭ ‬أنزل‭ ‬أناجيلك

إن‭ ‬لم‭ ‬تجيني‭ ‬لحدّ‭ ‬البيت‭ ‬أنا‭ ‬جي‭ ‬لك

كم‭ ‬بتّ‭ ‬سهران‭ ‬طول‭ ‬اللّيل‭ ‬أناجي‭ ‬لك

يا‭ ‬بدر‭ ‬يكفي‭ ‬الجفا‭ ‬شمّتت‭ ‬عذّالي

إن‭ ‬رمت‭ ‬جيل‭ ‬على‭ ‬قدّك‭ ‬أنا‭ ‬جيلك

 

‭- ‬السّباعي‭ (‬قوافيه‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬ب‭ ‬ب‭ ‬ب‭ ‬أ‭) ‬ويسمّى‭ ‬النّعماني،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬الزّهيري‭):‬

دهري‭ ‬غدرني‭ ‬بلوعات‭ ‬الزّمان‭ ‬مرار

وشربت‭ ‬كاس‭ ‬الصّبر‭ ‬عقب‭ ‬الهموم‭ ‬مرار

من‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬الغالي‭ ‬صرت‭ ‬أمرّ‭ ‬مرار

وانهدّ‭ ‬منّي‭ ‬الحيل‭ ‬يا‭ ‬ناس‭ ‬بالمرّة

يا‭ ‬اللّي‭ ‬أكلت‭ ‬الحلو‭ ‬اصبر‭ ‬على‭ ‬المرّة

وإن‭ ‬كان‭ ‬يا‭ ‬خلّتي‭ ‬تبكوا‭ ‬عليّ‭ ‬بالسّنة‭ ‬مرّة

عيوني‭ ‬عليكم‭ ‬تبكي‭ ‬كلّ‭ ‬ساعة‭ ‬مرار

 

وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يتمّ‭ ‬توجيه‭ ‬النّداء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموّال‭ ‬إلى‭ ‬الدّهر‭ ‬نفسه‭ ‬بأمّه‭ ‬وأبيه‭ (‬من‭ ‬يوم‭ ‬هذا‭ ‬الدّهر‭...)‬،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الدّنيا‭ ‬بأسرها‭ (‬صبّي‭ ‬يا‭ ‬دنيا‭...)‬،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬النّاس‭ ‬أجمعين‭ (‬يا‭ ‬معشر‭ ‬النّاس‭...)‬،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الطّبيعة‭ ‬البرّيّة‭ ‬باستدعاء‭ ‬رياحها‭ ‬وعواصفها‭ ‬وغزلانها‭... ‬وبداية‭ ‬النّداء‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬غناء‭ ‬اللّيالي‭ (‬ترديد‭ ‬يا‭ ‬ليل‭ ‬يا‭ ‬ليل‭...)‬،‭ ‬والـ‭ ‬‮«‬أوف‭ ‬يا‭ ‬باي،‭ ‬يا‭ ‬قلبي،‭ ‬يا‭ ‬ربّي‭...‬‮»‬،‭ ‬طلبًا‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬بالسّلطنة‭ ‬وبلوغ‭ ‬الانسجام‭ ‬والطّرب‭.‬

 

النّشأة

نشأ‭ ‬إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬فنّيّة‭ ‬محترفة‭. ‬عمّه‭ ‬هو‭ ‬المطرب‭ ‬فرج‭ ‬الله‭ ‬بيضا،‭ ‬وأقرباؤه‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أسّسوا‭ ‬شركة‭ ‬أقراص‭ ‬‮«‬بيضا‭ ‬أولاد‭ ‬عم‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬شركة‭ ‬بيضافون‭. ‬ويكتب‭ ‬طريف‭ ‬شمس‭ ‬الدّين‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الشّبكة‭ ‬6‭ ‬يونيو‭ ‬1983‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬إميل‭ ‬بيضا‭ ‬شقيق‭ ‬المطرب‭ ‬إيليّا‭: ‬إن‭ ‬تسجيل‭ ‬الأقراص‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬على‭ ‬المغناطيس‭ ‬بحيّ‭ ‬الأشرفيّة‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬بإشراف‭ ‬مهندسين‭ ‬ألمانيّين‭ ‬كانوا‭ ‬يحضرون‭ ‬خصّيصًا‭ ‬لهذه‭ ‬الغاية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬يحملون‭ ‬ما‭ ‬سجّلوه‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬حيث‭ ‬تتمّ‭ ‬طباعة‭ ‬النّسخات‭ ‬وإرسالها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬بيضافون،‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لبيعها‭ ‬من‭ ‬النّاس‭.‬

كان‭ ‬الفنّانون‭ ‬يتواردون‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬بيضا‭ ‬في‭ ‬حيّ‭ ‬المصيطبة‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬وكان‭ ‬منهم‭ ‬سامي‭ ‬الصّيداوي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقيمًا‭ ‬في‭ ‬مسكن‭ ‬ملاصق‭ ‬لمسكن‭ ‬إيليّا‭.‬

الدّراسة‭ ‬العامّة‭ ‬لإيليّا‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬المخلّص‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬لكنّ‭ ‬التّحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬كان‭ ‬ثانويًّا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه،‭ ‬إذ‭ ‬إنّ‭ ‬الغناء‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يستهويه‭ ‬ويشغل‭ ‬باله،‭ ‬وقد‭ ‬تاثّر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بعمّه‭ ‬فرج‭ ‬الله،‭ ‬خصوصًا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الميجنا‭ ‬والعتابا‭ ‬والموّال‭ ‬البغدادي‭ (‬على‭ ‬فراق‭ ‬الخيّ،‭ ‬بيروت‭ ‬ضاقت‭ ‬بوجهي‭ ‬يا‭ ‬خلق‭...)‬،‭ ‬كما‭ ‬تأثّر‭ ‬أيضًا‭ ‬بمحيي‭ ‬الدّين‭ ‬بعيون،‭ ‬عازف‭ ‬الطّنبور،‭ ‬ومنشد‭ ‬القصائد‭ ‬والمواويل‭.‬

أمّا‭ ‬بخصوص‭ ‬الميجنا‭ ‬والعتابا‭ ‬فإنّ‭ ‬قوافيهما‭ ‬تكون‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬أ‭ ‬ب‭. ‬القافية‭ ‬الرّابعة‭ ‬في‭ ‬الميجنا‭ ‬تنتهي‭ ‬بِـ«نا‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬العتابا‭ ‬تنتهي‭ ‬بِـ‭ ‬‮«‬بِ‭ ‬بعد‭ ‬حرف‭ ‬عليه‭ ‬إشارة‭ ‬الفتحة،‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬ألف‭ ‬ساكنة‮»‬،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬الميجنا‭ ‬تتميّز‭ ‬بكونها‭ ‬مسبوقة‭ ‬بمطلع‭ ‬تمهيدي‭:‬

يا‭ ‬ميجنا‭ ‬يا‭ ‬ميجنا‭ ‬يا‭ ‬ميجنا

لولا‭ ‬الهوى‭ ‬شو‭ ‬كان‭ ‬نفع‭ ‬قلوبنا

 

من‭ ‬نماذج‭ ‬الميجنا‭:‬

قدّ‭ ‬الحلو‭ ‬ما‭ ‬يوم‭ ‬قدّامي‭ ‬خطر

إلّا‭ ‬ما‭ ‬حبّو‭ ‬مرّ‭ ‬ع‭ ‬بالي‭ ‬وخطر

وشو‭ ‬هم‭ ‬حبّو‭ ‬يكون‭ ‬مرصود‭ ‬بخطر

ما‭ ‬دام‭ ‬كلّ‭ ‬الحبّ‭ ‬تعتير‭ ‬وهنا

 

ومن‭ ‬نماذج‭ ‬العتابا‭:‬

جبلنا‭ ‬بدمّنا‭ ‬ترابو‭ ‬جبلنا

ومهما‭ ‬الدّهر‭ ‬غضباتو‭ ‬جبلنا

منبقى‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬منترك‭ ‬جبلنا

تراب‭ ‬الأرز‭ ‬أغلى‭ ‬من‭ ‬الدّهبْ

 

وإن‭ ‬تكن‭ ‬الميجنا‭ ‬والعتابا‭ ‬تسيران‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬الموّال‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإنشاد،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّهما،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفيقاتهما‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬الزّجل‭ ‬كالشّروقي‭ ‬والمعنّى‭ ‬والقرّادي‭ ‬وأم‭ ‬الزّلوف،‭ ‬تحويان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأثر‭ ‬السّرياني‭ ‬المحلّي‭ ‬القديم‭.‬

توزّعت‭ ‬السّنوات‭ ‬الأولى‭ ‬لإيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬بين‭ ‬الغناء‭ ‬في‭ ‬المقاهي،‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الحرف‭. ‬معاصروه،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬زملاؤه‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬كانوا‭: ‬أحمد‭ ‬المير،‭ ‬ويوسف‭ ‬تاج،‭ ‬ويوسف‭ ‬فاضل،‭ ‬ويوسف‭ ‬حاتم،‭ ‬وسامي‭ ‬الصّيداوي،‭ ‬الّذين‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬التقوا‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬جزيرة‭ ‬الأمراء‭ ‬عند‭ ‬شاطىء‭ ‬بيروت‭ ‬للعزف‭ ‬والغناء،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬رفاقه‭ ‬أيضًا‭ ‬أحمد‭ ‬الطّرابلسي‭ ‬ناظم‭ ‬المواويل،‭ ‬كما‭ ‬رافقه‭ ‬لاحقًا‭ ‬وليم‭ ‬صعب‭ ‬ناظمًا‭ ‬لتلك‭ ‬المواويل‭. ‬وينسب‭ ‬موّال‭ ‬‮«‬يا‭ ‬معشر‭ ‬النّاس‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬الاثنين‭:‬

 

يا‭ ‬معشر‭ ‬النّاس‭ ‬ما‭ ‬بالدّهر‭ ‬صاحب‭ ‬وفي

كلّيت‭ ‬حتّى‭ ‬انبرى‭ ‬منّي‭ ‬لساني‭ ‬وفي

قال‭ ‬ابن‭ ‬شدّاد‭ ‬عنتر‭ ‬قول‭ ‬راجح‭ ‬في

وصل‭ ‬الحبل‭ ‬بالحبل‭ ‬يا‭ ‬بني‭ ‬عبس‭ ‬زمام

وين‭ ‬الـ‭ ‬يحفظوا‭ ‬للصّاحب‭ ‬وفا‭ ‬وزمام

تبقى‭ ‬النّصيحة‭ ‬بجمل‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬وزمام

واليوم‭ ‬كيل‭ ‬النّصيحة‭ ‬بالعداوة‭ ‬وفي

 

وقد‭ ‬تنبّه‭ ‬مُعدّو‭ ‬كتاب‭ ‬قديم‭ ‬عن‭ ‬الموّال‭ ‬البغدادي،‭ ‬أصدرته‭ ‬دار‭ ‬البلاغة‭ ‬في‭ ‬حلب،‭ ‬بتاريخ‭ ‬غير‭ ‬معروف،‭ ‬إلى‭ ‬الصّعوبة‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬تحديد‭ ‬أسماء‭ ‬النّاظمين،‭ ‬إذ‭ ‬نشروا‭ ‬نصوص‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المواويل،‭ ‬مع‭ ‬تصديرها‭ ‬بعبارة‭: ‬‮«‬وقال‭ ‬ناظم‮»‬‭:‬

وكان‭ ‬معروفًا‭ ‬آنذاك‭ ‬عمر‭ ‬الزّعنّي‭ ‬بألحانه‭ ‬الشّعبيّة‭ ‬والانتقاديّة‭ ‬على‭ ‬الصّعيدين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسّياسي،‭ ‬وصليبا‭ ‬القطريب‭ ‬منشد‭ ‬القصائد‭ ‬والموشّحات‭ ‬والأدوار‭ ‬والعازف‭ ‬المجيد‭ ‬على‭ ‬العود‭ (‬رافق‭ ‬عبدالوهّاب‭ ‬عزفًا‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬دموع‭ ‬الحبّ‭).‬

وغنّى‭ ‬إيليّا‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬اللبنانية‭ (‬راديو‭ ‬الشّرق‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬دليله‭ ‬إليها‭ ‬الفنّان‭ ‬محيي‭ ‬الدّين‭ ‬سلام،‭ ‬كما‭ ‬غنّى‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬الشّرق‭ ‬الأدنى‭ ‬بفلسطين،‭ ‬وكان‭ ‬دليله‭ ‬إليها‭ ‬الفنّان‭ ‬يحيى‭ ‬اللّبابيدي‭.‬

 

رحلات‭ ‬فنّيّة

كانت‭ ‬لمطربنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬أولاها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬برفقة‭ ‬الفنّانة‭ ‬لور‭ ‬دكّاش،‭ ‬وهناك‭ ‬سجّل‭ ‬الاثنان‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬ويل‭ ‬حالي‭ ‬يا‭ ‬ويلي‭ ‬جانم‭ ‬أمان‮»‬‭ ‬على‭ ‬قرص‭ ‬لمصلحة‭ ‬شركة‭ ‬بيضافون،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬نظم‭ ‬نقولا‭ ‬المنّي،‭ ‬وتلحينه‭.‬

ثمّ‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬رحلة‭ ‬أخرى‭ ‬برفقة‭ ‬سامي‭ ‬الصّيداوي،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬خيال‭ ‬كلّ‭ ‬منهما‭ ‬هدف‭ ‬يسعى‭ ‬إليه،‭ ‬الأوّل‭ ‬كان‭ ‬ميّالًا‭ ‬إلى‭ ‬اقتفاء‭ ‬طريق‭ ‬عبدالوهّاب،‭ ‬تدعوه‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬حنجرته‭ ‬الصّافية‭ ‬المميّزة،‭ ‬وإلمامه‭ ‬الكافي‭ ‬بالموسيقى‭ ‬العربيّة،‭ ‬والثّاني‭ ‬كان‭ ‬ميّالًا‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬تجربة‭ ‬الفنّان‭ ‬البيروتي‭ ‬عمر‭ ‬الزّعنّي،‭ ‬تدعوه‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الأفكار‭ ‬الانتقاديّة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬رأسه‭.‬

في‭ ‬القاهرة‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬لقاءات‭ ‬مع‭ ‬عبدالوهّاب،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تعاون‭ ‬مع‭ ‬زكريّا‭ ‬أحمد،‭ ‬وسامي‭ ‬الشّوّا‭. ‬لكنّ‭ ‬وصيّة‭ ‬ميشال‭ (‬ابن‭ ‬عمّه‭) ‬كانت‭ ‬تلاحقه‭: ‬‮«‬يا‭ ‬إيليّا‭. ‬رحل‭ ‬أستاذا‭ ‬الموّال‭ ‬البغدادي‭: ‬عمّك‭ ‬فرج‭ ‬الله،‭ ‬ومحيي‭ ‬الدّين‭ ‬بعيون،‭ ‬وعليك‭ ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تتابع‭ ‬رسالتهما‮»‬‭. ‬وقف‭ ‬متردّدًا‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حسم‭ ‬أمره‭ ‬لمصلحة‭ ‬الفنّ‭ ‬الّذي‭ ‬نشأ‭ ‬عليه‭ ‬والذي‭ ‬طبع‭ ‬حياته،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬أطلق‭ ‬مواويل‭ ‬جديدة،‭ ‬بدأها‭ ‬بموّال‭ ‬لقي‭ ‬النّجاح‭ ‬والانتشار‭:‬

 

يا‭ ‬أهل‭ ‬الجزيرة‭ ‬زمان‭ ‬الفخر‭ ‬ماضينا

أتبعه‭ ‬بأغنيات‭ ‬فولكلوريّة‭ ‬لبنانيّة‭ ‬قدّمها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركات‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬السّينما‭ ‬بمصر‭: ‬فيلم‭ ‬‮«‬راوية‭ ‬بنت‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬إخراج‭ ‬نيازي‭ ‬مصطفى،‭ ‬تمثيل‭ ‬يحيى‭ ‬شاهين‭ ‬وكوكا‭... ‬إنتاج‭ ‬أفلام‭ ‬رابحة‭ (‬1946‭) (‬رسالة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السّينما‭ ‬المصريّة‭: ‬جلال‭ ‬الشّرقاوي،‭ ‬الشّركة‭ ‬المصريّة‭ ‬للطّباعة‭ ‬والنّشر،‭ ‬القاهرة‭ ‬1970‭).‬

وكانت‭ ‬لإيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬رحلة‭ ‬فنّيّة‭ ‬رسميّة‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنّانين؛‭ ‬توفيق‭ ‬البرجاوي،‭ ‬نقولا‭ ‬المنّي،‭ ‬إدوار‭ ‬قدحجي،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬شكواه‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬ظروف‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬دفعت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬إعداد‭ ‬العدّة‭ ‬للسّفر‭ ‬البعيد‭ ‬إلى‭ ‬القارّة‭ ‬الأمريكيّة،‭ ‬قاصدًا‭ ‬اللّقاء‭ ‬مع‭ ‬المغتربين‭ ‬اللّبنانيّين‭ ‬والسّوريّين‭ ‬هناك‭: ‬الأرجنتين،‭ ‬والبرازيل،‭ ‬والولايات‭ ‬المتّحدة،‭ ‬حصل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سّنة‭ ‬1947،‭ ‬وكان‭ ‬رفاق‭ ‬سفره‭ ‬يوسف‭ ‬تاج،‭ ‬ويوسف‭ ‬حاتم،‭ ‬ووليم‭ ‬صعب‭.‬

استقرّت‭ ‬به‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬عاد‭ ‬رفاقه‭ ‬إلى‭ ‬الوطن،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬عوده‭ ‬رفيقًا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التقى‭ ‬رفيقة‭ ‬عمره‭ ‬اللّبنانيّة‭ ‬الأمريكيّة‭ ‬ماري‭ ‬معوّض،‭ ‬وكان‭ ‬للاثنين‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬ابنة‭ ‬وابن‭ ‬حملا‭ ‬اسم‭ ‬والديه‭: ‬تمام‭ ‬وجبران‭.‬

ويصف‭ ‬الكاتب‭ ‬ومؤرّخ‭ ‬الفنون‭ ‬الإفريقيّة‭ ‬والعربيّة‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬ريشار‭ ‬بْرُوْ‭ ‬رحلة‭ ‬إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬Arab‭ ‬America‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2020‭ ‬بالقول‭: ‬حفلته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬صغيرة‭ ‬بمدينة‭ ‬Glen‭ ‬Falls،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّها‭ ‬امتلأت‭ ‬تمامًا‭ ‬بالمتابعين،‭ ‬وكانت‭ ‬مقدّمة‭ ‬لحفلة‭ ‬ثانية‭ ‬جرت‭ ‬بمدينة‭ ‬Cortland‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬مهرجان‭ ‬كبير،‭ ‬وجرت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬يومين،‭ ‬وتولّت‭ ‬تنظيمها‭ ‬شركة‭ ‬سيدر‭.‬

بعدها‭ ‬بدأت‭ ‬جولاته‭ ‬المتلاحقة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬والمدن،‭ ‬وكم‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬استبدال‭ ‬القاعات‭ ‬قبيل‭ ‬بدء‭ ‬الحفلات،‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬يلاحظ‭ ‬المنظّمون‭ ‬أنّ‭ ‬البطاقات‭ ‬قد‭ ‬بيعت‭ ‬كاملة،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬بديلة‭ ‬أشدّ‭ ‬وسعًا‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الجمهور‭ ‬الإضافي‭ ‬الذي‭ ‬يحضر‭ ‬عادةً‭ ‬في‭ ‬الدّقائق‭ ‬الّتي‭ ‬قد‭ ‬تسبق‭ ‬الحفلات‭.‬

ويذكر‭ ‬الكاتب‭ ‬بْرُوْ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬حفلات‭ ‬إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬بتاريخ‭ ‬11‭ ‬نوفمبر‭ ‬1953،‭ ‬وفي‭ ‬قاعة‭ ‬سان‭ ‬جورج‭ ‬أوتيل،‭ ‬حضر‭ ‬فجأة‭ ‬الكمانجي‭ ‬المعروف‭ ‬سامي‭ ‬الشّوّا،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬ضيفًا‭ ‬في‭ ‬الحفلة،‭ ‬إنّما‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬الموسيقي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬موسيقيّين‭ ‬آخرين‭ ‬حضروا‭ ‬برفقته،‭ ‬ممّا‭ ‬أضفى‭ ‬حالة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الاستحسان‭ ‬والرّضا‭.‬

وفي‭ ‬مايو‭ ‬1956‭ ‬حصل‭ ‬المطرب‭ ‬على‭ ‬الجنسيّة‭ ‬الأمريكيّة،‭ ‬وأصبح‭ ‬مواطنًا‭ ‬نيويوركيًّا‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بشهور،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬سبتمبر،‭ ‬كانت‭ ‬زيارته‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬بيروت،‭ ‬حيث‭ ‬اهتمّ‭ ‬بتسجيل‭ ‬أقراص‭ ‬كثيرة‭ ‬لمطربين‭ ‬ومطربات‭ ‬هناك‭: ‬فيروز،‭ ‬وحنان،‭ ‬ونجاح‭ ‬سلام،‭ ‬وحليم‭ ‬الرّومي‭.‬

وتذكر‭ ‬مارسيل،‭ ‬ابنة‭ ‬أخيه‭ ‬إميل،‭ ‬أنّ‭ ‬أهل‭ ‬الفنّ‭ ‬كانوا‭ ‬يستقبلونه‭ ‬بالودّ‭ ‬والشّوق‭ ‬وروح‭ ‬التّعاون‭: ‬زكي‭ ‬ناصيف،‭ ‬وسامي‭ ‬الصّيداوي،‭ ‬وفيلمون‭ ‬وهبي،‭ ‬وحليم‭ ‬الرّومي‭. ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬مذكّراته‭: ‬‮«‬إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬حبّة‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬الأصوات‭ ‬الأصيلة،‭ ‬وهو‭ ‬سيّد‭ ‬الموّال‭ ‬البغدادي‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬‭.‬

 

منوّعات

ترسّخت‭ ‬الشّخصيّة‭ ‬الفنّيّة‭ ‬لإيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عنصرين‭ ‬اثنين‭ ‬توافرا‭ ‬لديه‭:‬

‭- ‬حلاوة‭ ‬الصّوت‭.‬

‭- ‬تطوير‭ ‬أداء‭ ‬الموّال‭ ‬البغدادي،‭ ‬خصوصًا‭ ‬لجهة‭ ‬تنويع‭ ‬المقامات‭ ‬الموسيقيّة‭ ‬في‭ ‬الموّال‭ ‬الواحد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬شكل‭ ‬ثابت‭ ‬لهذا‭ ‬الموّال،‭ ‬حيث‭ ‬يعتمد‭ ‬الغناء‭ ‬الحرّ،‭ ‬وغير‭ ‬الموزون،‭ ‬في‭ ‬الشّطور‭ ‬الثّلاثة‭ ‬الأولى،‭ ‬والغناء‭ ‬الموزون‭ ‬والموقّع‭ ‬في‭ ‬الشّطور‭ ‬الثّلاثة‭ ‬التّالية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتمّ‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬القافية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختتام‭ ‬الشّطر‭ ‬السّابع‭ ‬والأخير‭.‬

وقد‭ ‬طرق‭ ‬مطربنا‭ ‬أبوابًا‭ ‬أُخرى‭ ‬غير‭ ‬أبواب‭ ‬الموّال‭ ‬البغدادي‭ ‬والمواويل‭ ‬اللّبنانيّة‭ ‬والميجنا‭ ‬والعتابا‭:‬

‭- ‬فقد‭ ‬غنّى‭ ‬في‭ ‬مصر‭:‬

‭- ‬يا‭ ‬عاذلي‭ ‬لا‭ ‬تلمني‭ ‬إنّه‭ ‬عبثُ

وهبكَ‭ ‬لمتَ،‭ ‬فمن‭ ‬باللّوم‭ ‬يكترثُ؟

‭(‬نظم‭ ‬عبدالله‭ ‬الشّبراوي،‭ ‬تلحين‭ ‬أبي‭ ‬العلا‭ ‬محمّد‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬أنشد‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬في‭ ‬السّنة‭ ‬نفسها‭ ‬لرحيل‭ ‬أبي‭ ‬العلا‭ ‬1927،‭ ‬تذكّرًا‭ ‬وتكريمًا‭).‬

‭- ‬يا‭ ‬ضحايا‭ ‬الوطن‭ (‬نظم‭ ‬بديع‭ ‬خيري،‭ ‬تلحين‭ ‬زكريّا‭ ‬أحمد‭).‬

‭- ‬لا‭ ‬تسألوني‭ ‬كيف‭ ‬حال‭ ‬فؤادي‭ (‬تلحين‭ ‬سامي‭ ‬الشّوّا‭).‬

‭- ‬ومن‭ ‬سورية‭: ‬ألحان‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬الأغواني‭...‬

‭- ‬ومن‭ ‬لبنان‭: ‬ألحان‭ ‬من‭ ‬يحيى‭ ‬اللّبابيدي،‭ ‬سامي‭ ‬الصّيداوي،‭ ‬نقولا‭ ‬المنّي‭.‬

وقد‭ ‬توزّع‭ ‬ما‭ ‬غنّاه‭ ‬من‭ ‬مواويل‭ ‬بين‭ ‬أشعار‭ ‬رشيد‭ ‬نخلة‭ ‬ناظم‭ ‬النّشيد‭ ‬الوطني‭ ‬اللّبناني،‭ ‬وأحمد‭ ‬الطّرابلسي،‭ ‬ووليم‭ ‬صعب،‭ ‬كما‭ ‬أنشد‭ ‬بعض‭ ‬أشعار‭ ‬عضوي‭ ‬الرّابطة‭ ‬القلميّة‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬الأميركي‭: ‬ميخائيل‭ ‬نعيمة‭ (‬بدمّي‭ ‬تخضّبي‭ ‬يا‭ ‬امّ‭ ‬العنّابي‭)‬،‭ ‬ورشيد‭ ‬أيّوب‭ (‬هوّن‭ ‬الله‭ ‬عدنا‭ ‬والتقينا‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬مشواره‭ ‬قد‭ ‬أنشد‭ ‬من‭ ‬أشعار‭ ‬حليم‭ ‬دمّوس‭: ‬لا‭ ‬تنوحي‭ ‬يا‭ ‬حمامة‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬الحوارات‭ ‬الغنائيّة‭ ‬التي‭ ‬سجّلها‭:‬

‭- ‬مع‭ ‬لور‭ ‬دكّاش‭: ‬يا‭ ‬غادية‭ ‬عَ‭ ‬العين‭ (‬يا‭ ‬غادية‭: ‬بمعنى‭ ‬يا‭ ‬ذاهبة‭).‬

‭- ‬مع‭ ‬نجاح‭ ‬سلام‭: ‬عَ‭ ‬مورد‭ ‬الغزلان‭.‬

‭- ‬مع‭ ‬كريمة‭ ‬أحمد‭: ‬التّلفون‭ (‬وهو‭ ‬حوار‭ ‬طريف‭ ‬بين‭ ‬اللّهجتين‭ ‬اللّبنانية‭ ‬والمصريّة،‭ ‬يبدأ‭ ‬بِ‭: ‬كذّاب‭ ‬كذّاب‭ ‬والله‭ ‬العظيم‭ ‬كذّاب‭...).‬

 

عندك‭ ‬بحريّة‭ ‬ويا‭ ‬ريتني‭ ‬طير

كان‭ ‬بين‭ ‬الألحان‭ ‬لحْنانِ‭ ‬أثارا‭ ‬الجدال‭ ‬في‭ ‬زمنهما‭ ‬وفي‭ ‬السّنوات‭ ‬اللّاحقة‭:‬

‭- ‬عندك‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس‭.‬

‭- ‬يا‭ ‬ريتني‭ ‬طير‭ ‬لـَ‭ ‬طير‭ ‬حواليك‭.‬

 

عندك‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريس

كان‭ ‬الفنّان‭ ‬الانتقادي‭ ‬البيروتي‭ ‬عمر‭ ‬الزّعنّي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أطلق‭ ‬‮«‬عندك‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس‮»‬‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وبعنوان‭ ‬آخر‭:‬

بدنا‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

صافيين‭ ‬النّيّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

بزنود‭ ‬قويّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

أبدًا‭ ‬ما‭ ‬تحلّس‭ ‬يا‭ ‬ريّس‭... (‬ما‭ ‬تحلّس‭: ‬بمعنى‭ ‬لا‭ ‬تتعب‭)‬

 

وكان‭ ‬القصد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأهزوجة‭ ‬انتقاد‭ ‬الدّولة‭ ‬اللّبنانيّة‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭ ‬آنذاك،‭ ‬على‭ ‬أدائها‭ ‬السّياسي،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭ ‬الإداري‭. ‬أمّا‭ ‬تاريخها‭ ‬فهو‭ ‬1932،‭ ‬وفق‭ ‬كتاب‭ ‬الزّعنّي‭ ‬الصّغير‭: ‬‮«‬عمر‭ ‬الزّعنّي‭... ‬موليير‭ ‬الشّرق‮»‬،‭ (‬الصّادر‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬عام‭ ‬1980‭) ‬والذي‭ ‬أورد‭ ‬أنّ‭ ‬هدف‭ ‬‮«‬بدنا‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الاحتجاج‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرّئاسيّة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬وفي‭ ‬1924‭ - ‬1926‭ ‬وفق‭ ‬كتاب‭ ‬فاروق‭ ‬الجمّال‭: ‬‮«‬عمر‭ ‬الزّعنّي‭ ‬حكاية‭ ‬شعب‮»‬‭ (‬الصّادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الآفاق‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬ط‭ ‬2،‭ ‬1983‭)‬،‭ ‬والّذي‭ ‬قال‭ ‬فاروق‭ ‬سعد‭ ‬في‭ ‬مقدّمته‭: ‬إنّ‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬مطالبة‭ ‬رجال‭ ‬الدّولة‭ ‬بالحزم‭ ‬وحسن‭ ‬التّدبير‭. ‬والتّاريخ‭ ‬الثّاني‭ ‬هو‭ ‬المرجّح‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخذنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬رأيًا‭ ‬آخر‭ ‬يقول‭ ‬بأنّ‭ ‬إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬قد‭ ‬سجّلها‭ ‬عام‭ ‬1925،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬1932‭ ‬بكثير‭.‬

أمّا‭ ‬مطلع‭ ‬تسجيل‭ ‬بيضا‭ ‬فهو‭ ‬كالآتي‭:‬

عندك‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

بزنود‭ ‬قويّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

صافيين‭ ‬النّيّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

أبدًا‭ ‬ما‭ ‬تخاف‭ ‬يا‭ ‬ريّس

 

العبارات‭ ‬في‭ ‬التّسجيلين‭ ‬عامّة‭ ‬ورمزيّة،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّه‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الأوراق‭ ‬القديمة،‭ ‬يُستدلّ‭ ‬أنّ‭ ‬كلًا‭ ‬من‭ ‬التّسجيلين‭ ‬يتّجه‭ ‬عكس‭ ‬الاتّجاه‭ ‬الآخر،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الأخوان‭ ‬فليفل‭ ‬هما‭ ‬من‭ ‬كلّفا‭ ‬تعديل‭ ‬النّص‭ ‬الأوّل‭ ‬تلبيةً‭ ‬لرغبة‭ ‬شركة‭ ‬بيضافون،‭ ‬ولهدف‭ ‬سياسي‭ ‬ربّما‭.‬

وننتقل‭ ‬إلى‭ ‬التّسجيل‭ ‬الثّالث‭ ‬الذي‭ ‬تمّ‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬وكان‭ ‬بصوت‭ ‬وديع‭ ‬الصّافي،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬نصّ‭ ‬كتبه‭ ‬ميشال‭ ‬طعمة،‭ ‬ولحن‭ ‬صاغه‭ ‬عبدالوهّاب،‭ ‬ومطلعه‭:‬

عندك‭ ‬بحريّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

سمر‭ ‬وشرقيّة‭ ‬يا‭ ‬ريّس

والبحر‭ ‬كويّس‭ ‬يا‭ ‬ريّس

وصّلني‭ ‬حبيبي‭ ‬يا‭ ‬ريّس

 

صحيح‭ ‬أنّ‭ ‬في‭ ‬المطلع‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬التّشابه‭ ‬مع‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬التّسجيلين‭ ‬السّابقين،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬بقية‭ ‬الأغصان‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا،‭ ‬هذا‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬موّال‭ ‬العتابا‭:‬

حبيب‭ ‬القلب‭ ‬نادانا‭ ‬فرحنا

نزرع‭ ‬ورد‭ ‬ونحضّر‭ ‬فرحنا

إذا‭ ‬بيتمّ‭ ‬بالملقى‭ ‬فرحنا

لَـ‭ ‬رُشّ‭ ‬الورد‭ ‬عَ‭ ‬دروب‭ ‬الحبابْ

وقد‭ ‬قيل‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬أنّ‭ ‬اللّحن‭ ‬ليس‭ ‬لعبدالوهّاب،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تسرّع‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬في‭ ‬شيء‭. ‬وما‭ ‬اعتماد‭ ‬المطلع‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الملحّن‭ ‬سوى‭ ‬الرّغبة‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬منشأ‭ ‬الأغنية،‭ ‬وارتباطها‭ ‬بالتّراثين‭ ‬اللّبناني‭ ‬والمصري‭ ‬معًا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬في‭ ‬مقطوعته‭ ‬الموسيقيّة‭ ‬‮«‬ليالي‭ ‬لبنان‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬ألمح‭ ‬إلى‭ ‬اللّحن‭ ‬الفولكلوري‭ ‬اللّبناني‭ ‬‮«‬أم‭ ‬الزّلوف‮»‬‭.‬

 

يا‭ ‬ريتني‭ ‬طير‭ ‬لَـ‭ ‬طير‭ ‬حواليك

هذه‭ ‬الأغنية‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬يحيى‭ ‬اللّبابيدي‭ ‬نظمًا‭ ‬ولحنًا‭. ‬تضمّنت‭ ‬في‭ ‬نصّها‭ ‬الأصلي‭ ‬عبارات‭ ‬عاطفيّة‭ ‬نافرة‭: ‬الفراش،‭ ‬العبّ‭ (‬بمعنى‭ ‬الصّدر‭)‬،‭ ‬العلكة،‭ ‬الخدّ‭... ‬سجّلها‭ ‬إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬1933،‭ ‬وعرفت‭ ‬انتشارًا‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬فور‭ ‬صدورها،‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬أسرعت‭ ‬في‭ ‬منعها‭ (‬روبير‭ ‬صفدي‭: ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الموسيقى‭ ‬العربيّة‮»‬،‭ ‬دار‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬بيروت‭ ‬2004‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬جرى‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تصديرها‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭. ‬ويقال‭ ‬إنّ‭ ‬إدارة‭ ‬شركة‭ ‬بيضافون‭ ‬كانت‭ ‬ميّالة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تُضمّن‭ ‬الأغاني‭ ‬الّتي‭ ‬تتولّى‭ ‬تسجيلها‭ ‬عبارات‭ ‬عاطفيّة‭ ‬درجَت‭ ‬عليها‭ ‬ألسنة‭ ‬النّاس،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ضمان‭ ‬انتشارها‭ ‬ونجاحها‭ ‬المادّي‭. ‬

‭ ‬ومن‭ ‬المرجّح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الشّركة‭ ‬نفسها‭ ‬قد‭ ‬أشارت‭ ‬على‭ ‬فريد‭ ‬الأطرش‭ ‬بإعادة‭ ‬تسجيل‭ ‬الأغنية‭ ‬عام‭ ‬1937،‭ ‬مع‭ ‬تبديل‭ ‬في‭ ‬كلماتها،‭ ‬بعدما‭ ‬أنِست‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬صياغتها‭ ‬اللّحنيّة،‭ ‬ممّا‭ ‬شكّل‭ ‬نجاحًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬للشّركة‭ ‬وللمطرب‭ ‬الصّاعد‭ ‬آنذاك‭. ‬

‭ ‬يشار‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬قد‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬بال‭ ‬المتابعين‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬اللّاحقة‭ ‬اسم‭ ‬المنشد‭ ‬الأوّل‭ ‬للأغنية‭ (‬إيليّا‭ ‬بيضا‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬أيضًا‭ ‬اسم‭ ‬واضعها‭ (‬يحيى‭ ‬اللّبابيدي‭)‬،‭ ‬وصار‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬أنّ‭ ‬الأطرش‭ ‬هو‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬شدا‭ ‬بها،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬أنّه‭ ‬هو‭ ‬ملحّنها‭ ‬أيضًا‭.‬

 

ختام

إيليّا‭ ‬بيضا‭ ‬مطرب‭ ‬جميل‭ ‬الصّوت،‭ ‬رزين‭ ‬الأداء،‭ ‬لم‭ ‬يمل‭ ‬إلى‭ ‬الاستعراض‭ ‬الغنائي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬عجلة‭ ‬من‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬تسجيلاته‭. ‬وهو‭ ‬يذكّر‭ ‬كثيرًا‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬ابن‭ ‬الرّومي‭ ‬عن‭ ‬محبوبته‭ ‬المغنّية‭ ‬وحيد‭:‬

تتغنّى‭ ‬كأنّها‭ ‬لا‭ ‬تغنّي

من‭ ‬سكون‭ ‬الأوصال‭ ‬وهي‭ ‬تجيدُ

 

لديه‭ ‬الثّقة‭ ‬الكاملة‭ ‬والواضحة‭ ‬بصوته،‭ ‬مطمئنّ‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المستمع‭ ‬يرتاح‭ ‬إليه،‭ ‬ويتجاوب‭ ‬مع‭ ‬أنفاسه،‭ ‬إن‭ ‬أطال‭ ‬يطيل،‭ ‬وإن‭ ‬قصّر‭ ‬واختصر‭ ‬يقصّر‭ ‬ويختصر‭. ‬المرافقة‭ ‬الموسيقيّة‭ ‬لغنائه‭ ‬كانت‭ ‬هادئة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭. ‬

‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬غنائه‭ ‬استقرار‭ ‬شامل،‭ ‬لديه‭ ‬ولدى‭ ‬المستمع‭. ‬تعلو‭ ‬الصّدور‭ ‬مع‭ ‬إطلالة‭ ‬صوته،‭ ‬وتهبط‭ ‬عند‭ ‬انتشاره‭ ‬وتوزّعه‭ ‬في‭ ‬الأرجاء‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أقيم‭ ‬مقارنة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬كيان‭ ‬موسيقيّ‭ ‬ما،‭ ‬فليس‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصّعيد‭ ‬سوى‭ ‬الفنّان‭ ‬محمّد‭ ‬عبده‭ ‬صالح‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬الرّقيق‭ ‬مع‭ ‬أوتار‭ ‬قانونه‭. ‬

‭ ‬عبده‭ ‬ذاك‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ ‬أصابعه،‭ ‬ولا‭ ‬يتراجع‭ ‬زخمه،‭ ‬وتتواصل‭ ‬أنغامه‭ ‬غزيرة‭ ‬موصولة،‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬ولا‭ ‬تستريح،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يشعر‭ ‬من‭ ‬يتأمّله‭ ‬ويراقب‭ ‬حركاته،‭ ‬بأنّه‭ ‬يتأنّى‭ ‬ويتلهّى‭ ‬ويتثنّى،‭ ‬أو‭ ‬كأنّ‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬خلفه‭ ‬يلاحقه،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬أمامه‭ ‬ينتظره،‭ ‬أو‭ ‬كأنه‭ ‬في‭ ‬مناجاة‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬النّفوس،‭ ‬وبمنأى‭ ‬عن‭ ‬النّاس‭ ‬جميعًا‭ ‬■