«سيرة أستاذ جامعي»

«سيرة أستاذ جامعي»

عن منشورات ذات السلاسل بالكويت وفي 197 صفحة من حجم 14 × 21 سم، صدر للدكتور عبدالمالك التميمي، أخيرًا، كتاب حول سيرته الذاتية ومساره العلمي بعنوان «سيرة أستاذ جامعي»، عرض فيه نظرته للحياة وانطباعاته عن مهامه الجامعية ونشاطه العلمي، كما أثار فيه العديد من القضايا الثقافية  والمسائل العلمية، مبديًا رأيه في رسائل جامعية وإشكالات أدبية، مما يجعل الكتاب شهادة عن واقع عاشه المؤلف وتفاعل معه، في شكل انطباعات ذاتية تناولها في 42 موضوعًا محددًا حسب القضايا بأسلوب سلس، وعرض مشوّق، مدرجة ضمن 4 محاور هي الدراسات العليا، والإشراف على الرسائل، والنشاط الأكاديمي، والمؤتمرات وحلقات البحث.

لعلّ‭ ‬تغلّب‭ ‬جانب‭ ‬الانطباعات‭ ‬في‭ ‬‮«‬سيرة‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‮»‬‭ ‬جعلها‭ ‬ليست‭ ‬بالسيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬الخالصة‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بتفاصيل‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الزمني‭ ‬والمكاني،‭ ‬وليست‭ ‬بالمذكرات‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تركّز‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬عايشها‭ ‬صاحبها‭ ‬وتعامل‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الزمني،‭ ‬فهي‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬وتلك،‭ ‬لكونها‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬وإفصاح‭ ‬عن‭ ‬انطباعات‭ ‬ذاتية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬عرض‭ ‬لمواقف‭ ‬يعيشها‭ ‬كل‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬واعٍ‭ ‬بواجبه‭ ‬العلمي‭ ‬ومكانته‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بواقع‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬ومستوى‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا،‭ ‬ومتطلبات‭ ‬الإصلاح‭ ‬الجامعي،‭ ‬وضوابط‭ ‬وإجراءات‭ ‬الامتحانات‭ ‬التي‭ ‬تستوجبها‭ ‬القيم‭ ‬الأكاديمية‭ ‬وتتطلبها‭ ‬السلوكيات‭ ‬العلمية‭. ‬

وقد‭ ‬صيغت‭ ‬تلك‭ ‬السيرة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬عرض‭ ‬لتجارب‭ ‬شخصية‭ ‬وإفصاح‭ ‬عن‭ ‬سلوك‭ ‬إنساني‭ ‬يرسم‭ ‬مواقف‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬إحساس‭ ‬بالمسؤولية،‭ ‬رأى‭ ‬صاحبها‭ ‬أن‭ ‬يسجلها،‭ ‬أملًا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬مسؤولية‭ ‬التدريس‭ ‬بالجامعة‭ ‬والاهتمام‭ ‬بتكوين‭ ‬الأجيال‭ ‬الصاعدة‭.‬

حرص‭ ‬د‭. ‬التميمي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬محطات‭ ‬حياته‭ ‬الشخصية‭ ‬والمهنية،‭ ‬فجاءت‭ ‬تسجيلًا‭ ‬حيًّا،‭ ‬يعكس‭ ‬مواقفه‭ ‬ويعبّر‭ ‬عن‭ ‬آرائه‭ ‬فيما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بمساره‭ ‬العلمي‭ ‬والعملي،‭ ‬وقد‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬للأحداث‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬وقْع‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬وتأثير‭ ‬على‭ ‬مساره‭ ‬العلمي‭ ‬ونشاطه‭ ‬الثقافي،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬نموذجًا‭ ‬لواقع‭ ‬يعيشه‭ ‬ويتعامل‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬مثقف،‭ ‬ولعلّ‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬شجعني‭ ‬على‭ ‬التعريف‭ ‬بهذا‭ ‬الإسهام،‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬ينتفع‭ ‬به‭ ‬القارئ‭ ‬ويزيده‭ ‬خبرة‭ ‬ووعيًا‭ ‬بهموم‭ ‬الثقافة‭ ‬وأمور‭ ‬الحياة‭ ‬ومشاغل‭ ‬البحث‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭.‬

  ‬إن‭ ‬قراءة‭ ‬متفحصة‭ ‬لهذه‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬ومواقف‭ ‬وأفكار‭ ‬صاحبها،‭ ‬تمكننا‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬الخاصة‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نوعيتها‭ ‬وما‭ ‬تميّزت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مواصفات‭ ‬تحدد‭ ‬قيمتها‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والتوثيقية،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬إجمالها‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬نقاط‭:‬

 

وعي‭ ‬ذاتي

‭- ‬أنها‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬ذاتي‭ ‬اتصف‭ ‬به‭ ‬كاتبها‭ ‬وجعله‭ ‬يحدد‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬الساحة‭ ‬العلمية‭ ‬والمتطلبات‭ ‬اللازمة‭ ‬للنهوض‭ ‬بالجامعة،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬لمسته‭ ‬في‭ ‬مؤلفها‭ ‬الذي‭ ‬جمعتني‭ ‬به‭ ‬صداقة‭ ‬علم‭ ‬وعمل‭ ‬لنحو‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬بقسم‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬عرفته‭ ‬فيها‭ ‬صديقًا‭ ‬مخلصًا‭ ‬وزميلًا‭ ‬محترمًا،‭ ‬وقدّرت‭ ‬فيه‭ ‬التزامه‭ ‬بالقيم‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬مهامه‭ ‬التعليمية‭ ‬ووظائفه‭ ‬الإدارية‭ ‬كرئيس‭ ‬للقسم‭ ‬سنوات‭ ‬عدة،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عن‭ ‬الصرامة‭ ‬في‭ ‬التسيير‭ ‬والالتزام‭ ‬بالواجب‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬انتقاد‭ ‬ومضايقات‭.‬

ولا‭ ‬أكتم‭ ‬القارئ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬العلمية‭ ‬تعبير‭ ‬صادق‭ ‬لما‭ ‬عرف‭ ‬عن‭ ‬د‭. ‬التميمي‭ ‬من‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬مصلحة‭ ‬الأستاذ‭ ‬والطالب‭ ‬والجامعة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬إفصاح‭ ‬عن‭ ‬سلوك‭ ‬علمي‭ ‬التزم‭ ‬به،‭ ‬جعله‭ ‬يتجاوز‭ ‬الموقف‭ ‬الشخصي،‭ ‬فلم‭ ‬يحاول‭ ‬ذكر‭ ‬الأشخاص‭ ‬وتقييم‭ ‬أعمالهم،‭ ‬بل‭ ‬ركّز‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬العلمية‭ ‬المعبّرة‭ ‬عن‭ ‬مواقفه‭ ‬العلمية‭ ‬والأدبية‭.‬

‭- ‬أنها‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬استرجاعها‭ ‬للذاكرة،‭ ‬وترصدها‭ ‬للقيم‭ ‬الأدبية،‭ ‬وفي‭ ‬عرضها‭ ‬للمشاغل‭ ‬والإحباطات‭ ‬والمشاكل،‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬المؤلف‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭ ‬وتقييمها‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬أسبابها‭ ‬ومظاهرها‭ ‬بالحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬مما‭ ‬يكسبها‭ ‬قيمة‭ ‬تعليمية‭ ‬ومحتوى‭ ‬أخلاقيًا،‭ ‬ويدرجها‭ ‬ضمن‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المذكرات‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تتلمس‭ ‬نبض‭ ‬الحياة،‭ ‬وتحاول‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬متطلبات‭ ‬أكاديمية‭ ‬وقيم‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬معالجتها‭ ‬للمسائل‭ ‬والقضايا‭ ‬التي‭ ‬تعرضها،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬العرض‭ ‬الأدبي‭ ‬المجرد‭ ‬والخطاب‭ ‬الأبوي‭ ‬الموجّه،‭ ‬مما‭ ‬يكسبها‭ ‬طابعًا‭ ‬موضوعيًا‭ ‬ونظرة‭ ‬إنسانية‭.‬

 

رؤية‭ ‬إبداعية

‭- ‬أنها‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬إبداعية‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬الحسّ‭ ‬التاريخي‭ ‬الوجداني‭ ‬لصاحبها،‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬تفاعلاته‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الوجدان‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬عاشها‭ ‬وفرضت‭ ‬عليه‭ ‬تقييمها‭ ‬بنظرة‭ ‬علمية‭ ‬جعلته‭ ‬يرفض‭ ‬سلوكيات‭ ‬غير‭ ‬صحية،‭ ‬ويطمح‭ ‬إلى‭ ‬بعث‭ ‬حياة‭ ‬علمية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬تعرفه‭ ‬الجامعات‭ ‬الغربية‭. ‬ولعلّ‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬بالذات‭ ‬ورفضًا‭ ‬للواقع‭ ‬وطموحًا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬للجامعة‭ ‬التي‭ ‬يعتبرها‭ ‬المؤلف‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬للحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحركية‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭.‬

‭- ‬أنها‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬مراجعة‭ ‬المرء‭ ‬لمواقفه،‭ ‬واستخلاص‭ ‬لمسيرة‭ ‬التزم‭ ‬فيها‭ ‬صاحبها‭ ‬الصدق،‭ ‬وتجنّب‭ ‬تضخيم‭ ‬الذات‭ ‬وادّعاء‭ ‬ما‭ ‬يبعده‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كما‭ ‬دأب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كتّاب‭ ‬السيرة‭ ‬الشخصية،‭ ‬حتى‭ ‬خُيّل‭ ‬لي‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬هذه‭ ‬السيرة،‭ ‬كأنني‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬مصارحة‭ ‬موضوعية‭ ‬لصاحبها،‭ ‬منطلقها‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬الشخصي‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬ذاتية‭ ‬وخبرة‭ ‬مهنية،‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭ ‬تجاوز‭ ‬عرض‭ ‬الأحداث‭ ‬إلى‭ ‬تلمّس‭ ‬الأسباب‭ ‬والإقرار‭ ‬بالواقع‭ ‬خلال‭ ‬تلمّس‭ ‬الأسباب‭ ‬واقتراح‭ ‬العلاج،‭ ‬علّ‭ ‬هذه‭ ‬الاقتراحات‭ ‬والآراء‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭.‬

 

رهانات‭ ‬وتحديات

‭- ‬أنها‭ ‬مرافعة‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬المرتبط‭ ‬بوطنه‭ ‬والمتبني‭ ‬لقضايا‭ ‬مجتمعه،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الجامعة‭ ‬القاطرة‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬التقدم،‭ ‬ويعتبر‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي‭ ‬أساس‭ ‬النهضة،‭ ‬ويرى‭ ‬في‭ ‬الطلاب‭ ‬الجامعيين‭ ‬أمل‭ ‬المستقبل‭. ‬ولعلّ‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬القصد‭ ‬منها‭ ‬إطلاع‭ ‬شرائح‭ ‬المثقفين‭ ‬والجامعيين‭ ‬على‭ ‬رهانات‭ ‬وتحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمكانة‭ ‬ودور‭ ‬الجامعة‭. ‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يُكسب‭ ‬الجانب‭ ‬المعنوي‭ ‬والمنحى‭ ‬التعليمي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة،‭ ‬وتؤكد‭ ‬رؤية‭ ‬صاحبها‭ ‬أن‭ ‬النشاط‭ ‬العلمي‭ ‬والحراك‭ ‬الثقافي‭ ‬ودور‭ ‬الجامعة‭ ‬مرتبطة‭ ‬كلها‭ ‬بقيم‭ ‬علمية‭ ‬تحدد‭ ‬مكانة‭ ‬المثقف‭ ‬ومنزلة‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬سيرة‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‮»‬،‭ ‬يتضح‭ ‬بحقّ‭ ‬أنها‭ ‬مرافعة‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬وانتصار‭ ‬لآراء‭ ‬وتقييم‭ ‬لمسائل‭ ‬مطروحة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي‭ ‬والحياة‭ ‬الجامعية‭ ‬يجب‭ ‬رصدها‭ ‬كتجربة‭ ‬شخصية‭ ‬مثرية‭ ‬لمسار‭ ‬تعليمي‭ ‬ونشاط‭ ‬ثقافي‭ ‬يتطلب‭ ‬مساءلة‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يفرزها‭ ‬والمسائل‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬واضعها‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يشكّل‭ ‬الهمّ‭ ‬المشترك‭ ‬للأساتذة‭ ‬الجامعيين‭ ‬والمقاربة‭ ‬الجامعية‭ ‬للشأن‭ ‬الثقافي،‭ ‬عرف‭ ‬د‭. ‬التميمي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬كيف‭ ‬يقدّمها‭ ‬كقضايا‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬قارئ‭ ‬لها‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تعرضها،‭ ‬وتدفعه‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭ ‬لتقييمها‭ ‬وتجاوز‭ ‬إحباطاتها‭ ‬لترقية‭ ‬السلوك‭ ‬الثقافي‭ ‬والتعامل‭ ‬العلمي‭ ‬والأدبيات‭ ‬الجامعية،‭ ‬عرف‭ ‬كيف‭ ‬يقدّمها‭ ‬للقارئ‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬تتصل‭ ‬بنشاط‭ ‬المثقف‭ ‬واهتمامات‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬مركّز‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الإطالة‭ ‬المملّة‭ ‬والاختصار‭ ‬المخلّ،‭ ‬مما‭ ‬يبقي‭ ‬القارئ‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بالأفكار‭ ‬الأساسية‭ ‬لكل‭ ‬موضوع‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تعرضها‭ ‬السيرة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬صاحب‭ ‬السيرة‭ ‬يؤدي‭ ‬واجبه‭ ‬بتسجيل‭ ‬تجربته،‭ ‬وقد‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬المفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬مارلو‭ ‬في‭ ‬مقولته‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يُكتب‭ ‬غير‭ ‬المذكرات،‭ ‬لكونها‭ ‬تسجيلًا‭ ‬لتجربة‭ ‬صاحبها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬لأحداث‭ ‬الماضي‮»‬‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬وُفّق‭ ‬إليه‭ ‬د‭. ‬التميمي‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬فقدّم‭ ‬المثل‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬ليست‭ ‬أيامًا‭ ‬يعيشها‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬إنجازات‭ ‬يحققها،‭ ‬ومواقف‭ ‬يعبّر‭ ‬عنها،‭ ‬وخبرة‭ ‬ينقلها‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬فهنيئًا‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الإضافة‭ ‬المثرية‭ ‬التي‭ ‬ترك‭ ‬صاحبها‭ ‬للقارئ‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭ ‬في‭ ‬تسميتها‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭: ‬سيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬شخصية،‭ ‬فهي‭ ‬مواقف‭ ‬ووقائع‭ ‬وذكريات‭ ‬ومذكرات‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬صاحبها‭ ‬لهموم‭ ‬علمية‭ ‬لفترة‭ ‬تجاوزت‭ ‬الثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬ارتبطت‭ ‬فيها‭ ‬القضايا‭ ‬العامة‭ ‬بالحياة‭ ‬الشخصية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تشكّل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الذات،‭ ‬وبُعدًا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬فكانت‭ ‬بحقّ‭ ‬شهادة‭ ‬إنسان‭ ‬مثقف‭ ‬وموقف‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والتطورات‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬بيئته‭ ‬وعاشها‭ ‬مجتمعه‭ ‬■