شطرنج الحياة

شطرنج الحياة

الحياة‭ ‬لعبة؛‭ ‬لا‭ ‬تأخذها‭ ‬بجد،‭ ‬ولكن‭ ‬العبها‭ ‬بجد‭. ‬وأي‭ ‬لعبة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تدريب‭ ‬ومهارات‭ ‬وجدية‭ ‬في‭ ‬اللعب‭. ‬وأقرب‭ ‬رياضة‭ ‬للعبة‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬الشطرنج‭ ‬‮«‬لعبة‭ ‬الملوك‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قريبة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬تمثيل‭ ‬رمزي‭ ‬له‭.‬

تحتاج‭ ‬اللعبة‭ ‬إلى‭ ‬ذكاء‭ ‬وصبر‭ ‬وتأنٍ‭ ‬وتخطيط‭ ‬مستمر‭ ‬وقوة‭ ‬ملاحظة،‭ ‬وتقبُّل‭ ‬الخسارة‭ ‬والفرح‭ ‬بالنصر‭ ‬بذوق‭ ‬دون‭ ‬شماتة‭. ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬تقال‭ ‬لا‭ ‬تسترجع،‭ ‬والفعل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجنب‭ ‬آثاره،‭ ‬فإن‭ ‬قطع‭ ‬الشطرنج‭ ‬تخضع‭ ‬لهذا‭ ‬القانون،‭ ‬فإن‭ ‬تحركت‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬إرجاعها،‭ ‬بل‭ ‬لمس‭ ‬القطعة‭ ‬يستوجب‭ ‬تحريكها‭.‬

الناس‭ ‬مقامات‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وقطع‭ ‬الشطرنج‭ ‬كذلك؛‭ ‬فالبيدق‭ ‬يتحرك‭ ‬حركة‭ ‬واحدة‭ ‬للأمام‭ ‬باستقامة‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الطريق‭ ‬سالكًا،‭ ‬أو‭ ‬قطريًا‭ ‬لقتل‭ ‬الخصم،‭ ‬ولا‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬التراجع،‭ ‬ولكن‭ ‬العجيب‭ ‬أن‭ ‬البيدق‭ ‬هو‭ ‬القطعة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يحق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬طبقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬إذا‭ ‬وصلت‭ ‬خط‭ ‬النهاية،‭ ‬فيحق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬قلعة‭ ‬أو‭ ‬حصان‭ ‬أو‭ ‬فيل‭ ‬أو‭ ‬وزير،‭ ‬وهذه‭ ‬قمة‭ ‬الإنصاف‭ ‬والعدالة‭!!‬

تتنقل‭ ‬القلعة‭ ‬أفقيًا‭ ‬أو‭ ‬عموديًا‭ ‬بحريّة‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬سالكة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الفيل،‭ ‬ولكن‭ ‬قطريًا‭. ‬أما‭ ‬الحصان‭ ‬فيحق‭ ‬له‭ ‬القفز‭ ‬فوق‭ ‬القطع‭ ‬الأخرى‭ ‬صديقة‭ ‬أو‭ ‬عدوّة،‭ ‬وفق‭ ‬حركة‭ ‬محددة،‭ ‬بينما‭ ‬يأخذ‭ ‬الوزير‭ ‬صلاحيات‭ ‬القلعة‭ ‬والفيل‭ ‬معًا‭. ‬الملك‭ ‬على‭ ‬عظيم‭ ‬مكانته‭ ‬وسلطاته،‭ ‬حركته‭ ‬محدودة؛‭ ‬خطوة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتجاه،‭ ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لأن‭ ‬يتحرك‭ ‬أصلًا،‭ ‬إلا‭ ‬إن‭ ‬تعرض‭ ‬لتهديد‭ ‬متوقع‭ ‬أو‭ ‬مباشر،‭ ‬والجميل‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬للخصم‭ ‬قتل‭ ‬الملك‭ ‬غيلة،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يحذّره‭ ‬بقوله‭ ‬‮«‬كش‭ ‬ملك‮»‬،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الملك‭ ‬له‭ ‬ملاذًا‭ ‬آمنًا،‭ ‬أو‭ ‬يتقدم‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬جيشه‭ ‬لحمايته،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬استسلامه‭ ‬إن‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬يده‭.  ‬التضحية‭ ‬بإحدى‭ ‬القطع‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬الوزير‭ ‬ضرورية‭ ‬أحيانًا‭ ‬للفوز‭ ‬وتجنب‭ ‬الخسارة،‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يستدرج‭ ‬اللاعب‭ ‬الذكي‭ ‬خصمه‭ ‬بحركة‭ ‬تبدو‭ ‬ساذجة،‭ ‬ولكنها‭ ‬فخ‭ ‬محكم‭ ‬تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬للفوز‭. ‬واللطيف‭ ‬أن‭ ‬لعبة‭ ‬الشطرنج‭ ‬ليس‭ ‬شرطًا‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬بالفوز‭ ‬أو‭ ‬الخسارة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬التعادل‭ ‬سيد‭ ‬الموقف‭ ‬بحكم‭ ‬الضرورة‭ ‬أو‭ ‬التراضي،‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬الحياة‭ ‬لو‭ ‬ساد‭ ‬فيها‭ ‬التراضي‭ ‬والرضا‭ ‬والقناعة‭ ‬دون‭ ‬إصرار‭ ‬على‭ ‬النصر‭ ‬وكسر‭ ‬الآخر‭!!‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬مباراة‭ ‬الشطرنج‭ ‬يتطلب‭ ‬التمتع‭ ‬بأكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المهارات،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬الفوز‭ ‬استثمار‭ ‬أخطاء‭ ‬الخصم،‭ ‬وهكذا‭ ‬الحياة‭ ‬نخسر‭ ‬كثيرًا‭ ‬بسبب‭ ‬الغفلة‭ ‬وعدم‭ ‬تقدير‭ ‬الأمور‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭. ‬حركة‭ ‬قطع‭ ‬الشطرنج‭ ‬واضحة‭ ‬وفق‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة،‭ ‬ولكل‭ ‬قطعة‭ ‬دورها،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬تجد‭ ‬الصادقين‭ ‬والطيبين‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬بوضوح‭ ‬وبوجه‭ ‬واحد،‭ ‬والأغلبية‭ ‬تحب‭ ‬القفز‭ ‬والمواربة‭ ‬وتعدد‭ ‬الأدوار،‭ ‬فيحار‭ ‬الآخرون‭ ‬معهم،‭ ‬ولا‭ ‬يدرون‭ ‬كيف‭ ‬يعاملونهم‭!!‬

لا‭ ‬نريد‭ ‬للحياة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لعبة‭ ‬شطرنج‭ ‬بصرامتها‭ ‬ومساحتها‭ ‬المحدودة‭ ‬ومعركتها‭ ‬التي‭ ‬لابد‭ ‬منها‭ ‬ورقعتها‭ ‬ذات‭ ‬اللونين‭ ‬فقط،‭ ‬ولكننا‭ ‬نريدها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بوضوحها‭ ‬وشفافيتها‭ ‬ومهاراتها‭ ‬المطلوبة،‭ ‬والروح‭ ‬الرياضية‭ ‬التي‭ ‬تسودها‭!! ‬■