شطرنج الحياة
الحياة لعبة؛ لا تأخذها بجد، ولكن العبها بجد. وأي لعبة تحتاج إلى تدريب ومهارات وجدية في اللعب. وأقرب رياضة للعبة الحياة هي الشطرنج «لعبة الملوك»، وهي قريبة جدًا من الواقع، وما هي إلا تمثيل رمزي له.
تحتاج اللعبة إلى ذكاء وصبر وتأنٍ وتخطيط مستمر وقوة ملاحظة، وتقبُّل الخسارة والفرح بالنصر بذوق دون شماتة. وكما أن الكلمة التي تقال لا تسترجع، والفعل لا يمكن تجنب آثاره، فإن قطع الشطرنج تخضع لهذا القانون، فإن تحركت لا يجوز إرجاعها، بل لمس القطعة يستوجب تحريكها.
الناس مقامات في الحياة، وقطع الشطرنج كذلك؛ فالبيدق يتحرك حركة واحدة للأمام باستقامة إن كان الطريق سالكًا، أو قطريًا لقتل الخصم، ولا يحق له التراجع، ولكن العجيب أن البيدق هو القطعة الوحيدة التي يحق لها أن تنتقل من طبقة إلى أخرى إذا وصلت خط النهاية، فيحق له أن يتحول إلى قلعة أو حصان أو فيل أو وزير، وهذه قمة الإنصاف والعدالة!!
تتنقل القلعة أفقيًا أو عموديًا بحريّة في طرق سالكة، وكذلك الفيل، ولكن قطريًا. أما الحصان فيحق له القفز فوق القطع الأخرى صديقة أو عدوّة، وفق حركة محددة، بينما يأخذ الوزير صلاحيات القلعة والفيل معًا. الملك على عظيم مكانته وسلطاته، حركته محدودة؛ خطوة واحدة فقط في أي اتجاه، ولا داعي لأن يتحرك أصلًا، إلا إن تعرض لتهديد متوقع أو مباشر، والجميل أنه لا يحق للخصم قتل الملك غيلة، فلا بد أن يحذّره بقوله «كش ملك»، فإما أن يجد الملك له ملاذًا آمنًا، أو يتقدم أحد أفراد جيشه لحمايته، أو أن يعلن استسلامه إن سقط في يده. التضحية بإحدى القطع ولو كانت الوزير ضرورية أحيانًا للفوز وتجنب الخسارة، وكثيرًا ما يستدرج اللاعب الذكي خصمه بحركة تبدو ساذجة، ولكنها فخ محكم تمهد الطريق للفوز. واللطيف أن لعبة الشطرنج ليس شرطًا أن تنتهي بالفوز أو الخسارة، بل قد يكون التعادل سيد الموقف بحكم الضرورة أو التراضي، وما أجمل الحياة لو ساد فيها التراضي والرضا والقناعة دون إصرار على النصر وكسر الآخر!!
صحيح أن النصر في مباراة الشطرنج يتطلب التمتع بأكبر قدر من المهارات، ولكن من أهم عوامل الفوز استثمار أخطاء الخصم، وهكذا الحياة نخسر كثيرًا بسبب الغفلة وعدم تقدير الأمور بشكل جيد. حركة قطع الشطرنج واضحة وفق قوانين صارمة، ولكل قطعة دورها، ولكن في الحياة، تجد الصادقين والطيبين وحدهم من يعيشون بوضوح وبوجه واحد، والأغلبية تحب القفز والمواربة وتعدد الأدوار، فيحار الآخرون معهم، ولا يدرون كيف يعاملونهم!!
لا نريد للحياة أن تكون لعبة شطرنج بصرامتها ومساحتها المحدودة ومعركتها التي لابد منها ورقعتها ذات اللونين فقط، ولكننا نريدها أن تكون بوضوحها وشفافيتها ومهاراتها المطلوبة، والروح الرياضية التي تسودها!! ■