ألبرت بيرشتادت «في جبال سيرا نيفادا»

ألبرت بيرشتادت «في جبال سيرا نيفادا»

للرسام‭ ‬ألبرت‭ ‬بيرشتادت‭ ‬خصوم‭ ‬ينتقدون‭ ‬لوحاته،‭ ‬وآخرون‭ ‬يدافعون‭ ‬عنه،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬آلت‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬سميثونيان،‭ ‬احتلت‭ ‬المكانة‭ ‬المركزية‭ ‬وسط‭ ‬لوحات‭ ‬مناظر‭ ‬الطبيعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بوصفها‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

وُلد‭ ‬بيرشتادت‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬عام‭ ‬1830م،‭ ‬وهاجر‭ ‬وهو‭ ‬طفل‭ ‬مع‭ ‬والديه‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬عاد‭ ‬عام‭ ‬1853م‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬ليدرس‭ ‬الفن‭ ‬مدة‭ ‬4‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬تأثر‭ ‬بالرومنطقيين‭ ‬الألمان،‭ ‬وقد‭ ‬لازمه‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬طوال‭ ‬عمره‭.‬

فعند‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬عام‭ ‬1857م،‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬نهر‭ ‬الهدسون‮»‬‭ ‬شبه‭ ‬المتفرغة‭ ‬لرسم‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭. ‬وقام‭ ‬بعدة‭ ‬رحلات‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬كان‭ ‬يعود‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬مشغله‭ ‬في‭ ‬بوسطن،‭ ‬ولاحقًا‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬فيحوّل‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬تحضيرية‭ ‬إلى‭ ‬لوحات‭ ‬زيتية،‭ ‬وغالبًا‭ ‬بمقاييس‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1867م،‭ ‬سافر‭ ‬بيرشتادت‭ ‬إلى‭ ‬أوربا،‭ ‬حيث‭ ‬جال‭ ‬كمكوك‭ ‬بين‭ ‬عواصمها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سنة‭.‬

وخلال‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬روما،‭ ‬رسم‭ ‬اللوحة‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بصددها،‭ ‬والمستوحاة‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬تحضيري‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أنجزه‭ ‬خلال‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬سيرا‭ ‬نيفادا‭ ‬بكاليفورنيا‭.‬

أول‭ ‬ما‭ ‬يلفتنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬التناقض‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬وعورة‭ ‬الجبال‭ ‬الصخرية‭ ‬الشاهقة‭ ‬والمغطاة‭ ‬بالثلوج،‭ ‬وهدوء‭ ‬الطبيعة‭ ‬والسكينة‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬السفلي،‭ ‬حيث‭ ‬ترتوي‭ ‬الغزلان‭ ‬من‭ ‬بحيرة‭ ‬صفحتها‭ ‬ساكنة‭ ‬تمامًا‭.‬

الغابة،‭ ‬والحيوان،‭ ‬والماء،‭ ‬والثلج،‭ ‬والصخر،‭ ‬والغيوم‭... ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مرسوم‭ ‬بواقعية‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬يتسلل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الغيوم،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬واقعي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وله‭ ‬مهابة‭ ‬تعززها‭ ‬المقاييس‭ ‬الكبيرة‭ (‬عرض‭ ‬اللوحة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمتار‭). ‬وهذه‭ ‬السمات‭ ‬ليست‭ ‬خاصة‭ ‬بهذه‭ ‬اللوحة،‭ ‬بل‭ ‬نكاد‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬لوحات‭ ‬هذا‭ ‬الفنان،‭ ‬حتى‭ ‬لتكاد‭ ‬تكون‭ ‬مع‭ ‬تجاور‭ ‬الألوان‭ ‬الداكنة‭ ‬والأخرى‭ ‬الزاهية‭ ‬توقيعه‭ ‬الخاص‭.‬

واللافت‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يغيب‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬غيرها‭. ‬إنها‭ ‬صورة‭ ‬للطبيعة‭ ‬البكر،‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬العمران‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬لمسة‭ ‬بشرية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬نقادًا‭ ‬كثيرين‭ ‬يرون‭ ‬فيها‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عمّا‭ ‬شهده‭ ‬عصر‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬هوس‭ ‬باستكشاف‭ ‬الغرب‭ ‬المتوحش،‭ ‬ولربما‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬غريزية‭ ‬إنسانية‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬الاستكشاف‭ ‬واستيطان‭ ‬أماكن‭ ‬جديدة‭.‬

كان‭ ‬بيرشتادت‭ ‬مشغوفًا‭ ‬بالترويج‭ ‬لأعماله،‭ ‬فكان‭ ‬يكتب‭ ‬مقالات‭ ‬عنها‭ ‬بأسماء‭ ‬مستعارة،‭ ‬ويبيع‭ ‬بطاقات‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬معارضه‭ ‬بنفسه،‭ ‬وحمل‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬من‭ ‬روما‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬ثم‭ ‬برلين،‭ ‬حيث‭ ‬عرضها،‭ ‬فلقيت‭ ‬استحسانًا‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الضخامة‭ ‬أن‭ ‬أذكى‭ ‬رغبة‭ ‬آلاف‭ ‬الأوربيين‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬أميركا‭. ‬وكذلك‭ ‬عندما‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬أثار‭ ‬حماسة‭ ‬الكثيرين‭ ‬للتوجه‭ ‬غربًا‭ ‬للاستيطان‭ ‬فيها‭. ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬مثل‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬لوحات‭ ‬بيرشتادت،‭ ‬تؤدي‭ ‬دورًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬البيئيين‭ ‬الأمريكيين‭.‬

في‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬بالوراثة‭ ‬إلى‭ ‬الثرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬هيلين‭ ‬هاتنغتون‭ ‬هول،‭ ‬التي‭ ‬نزعتها‭ ‬من‭ ‬إطارها،‭ ‬واستخدمتها‭ ‬في‭ ‬تزيين‭ ‬جدار‭ ‬بقصرها‭ ‬الجديد،‭ ‬وذلك‭ ‬بلصقها‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الجدران‭. ‬وبعد‭ ‬وفاتها،‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أوصت‭ ‬باللوحة‭ ‬لمعهد‭ ‬سميثونيان،‭ ‬واحتاج‭ ‬خبراء‭ ‬المعهد‭ ‬إلى‭ ‬600‭ ‬ساعة‭ ‬عمل‭ ‬لنزع‭ ‬اللوحة‭ ‬عن‭ ‬الجدار‭ ‬وتنظيفها‭ ‬من‭ ‬الأصماغ‭. ‬كما‭ ‬وجد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الإطار‭ ‬الأصلي‭ ‬محطمًا‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬ومرميًا‭ ‬في‭ ‬حظيرة‭ ‬مجاورة،‭ ‬فأعادوا‭ ‬ترميمه،‭ ‬واستقرت‭ ‬اللوحة‭ ‬ضمن‭ ‬إطارها‭ ‬الأصلي‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬المعهد‭ ‬عام‭ ‬1985م،‭ ‬بوصفها‭ ‬القطعة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬جناح‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬العائدة‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬■