منطقة حرّة للأدمغة العربية

منطقة حرّة للأدمغة العربية

  ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬وفتكه‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأشخاص،‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬البشرية‭ ‬تستعد‭ ‬لحملة‭ ‬تلقيح‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬لتطعيم‭ ‬السكان‭ ‬وجعلهم‭ ‬يكتسبون‭ ‬المناعة‭ ‬اللازمة‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬غير‭ ‬المرئي‭.‬

‭ ‬وكغيرها‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب،‭ ‬عانت‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬للوباء،‭ ‬نقصًا‭ ‬فظيعًا‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاستشفائية،‭ ‬والمعدات‭ ‬الطبية،‭ ‬والأدوية،‭ ‬والأطر‭ ‬الصحية،‭ ‬ووسائل‭ ‬الوقاية‭ ‬وضعف‭ ‬الوعي‭ ‬الصحي‭. ‬

وحاولت‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬صعوباتها‭ ‬وتركيع‭ ‬إكراهاتها‭ ‬بما‭ ‬توافر‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬قدرات،‭ ‬مع‭ ‬اللجوء‭ ‬مرغمة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة،‭ ‬ومنها‭ ‬الصين،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الآلات‭ ‬الطبية‭ ‬والكمامات‭ ‬ووسائل‭ ‬التعقيم،‭ ‬واللقاح‭ ‬الضروري‭ ‬لوقف‭ ‬النزيف‭.‬

وقد‭ ‬اكتشفنا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خبراء‭ ‬وعلماء‭ ‬وأطباء‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭ ‬يشتغلون‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ويحققون‭ ‬نجاحات‭ ‬باهرة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬عديدة‭ ‬ومتنوعة،‭ ‬باعتراف‭ ‬الجميع‭. ‬فتذكّرنا‭ ‬تخلّفنا‭ ‬وهجرة‭ ‬أدمغتنا‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬إبراز‭ ‬المواهب‭ ‬والمهارات،‭ ‬وسعيًا‭ ‬إلى‭ ‬شروط‭ ‬وظروف‭ ‬مناسبة‭ ‬للعيش‭ ‬الكريم‭.‬

  ‬بالفعل،‭ ‬فشبابنا‭ ‬يرحلون‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬لإتمام‭ ‬تكوينهم‭ ‬العلمي،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يعودون‭ ‬إلى‭ ‬بلدانهم‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬تحصيلهم؛‭ ‬وآخرون‭ ‬يهاجرون‭ ‬بعد‭ ‬تخرّجهم‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬مناسبة‭ ‬لطموحاتهم‭ ‬المادية،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬عيش‭ ‬ضامنة‭ ‬للحرية‭ ‬والكرامة‭. ‬وهكذا‭ ‬يستفيد‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬طاقات‭ ‬وإبداعات‭ ‬عربية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تبقى‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬تتحسر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ضاع‭ ‬منها،‭ ‬وتعدم‭ ‬طرق‭ ‬استرجاعه‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭.‬

  ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬دولًا‭ ‬عربية‭ ‬كثيرة‭ ‬تسعى‭ ‬لتطوير‭ ‬اقتصادها،‭ ‬وخلق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬مناطق‭ ‬حرة‭ ‬تمنح‭ ‬فيها‭ ‬تسهيلات‭ ‬متنوعة‭ ‬للمستثمرين‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬وقواعد‭ ‬العمل‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬توفّر‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الحصانة‭ ‬لبرلمانييها‭ ‬طوال‭ ‬مدة‭ ‬انتخابهم،‭ ‬كما‭ ‬تضمن‭ ‬لهم‭ ‬تقاعدًا‭ ‬وامتيازات‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مهمتهم‭ ‬التشريعية؛‭ ‬لكنّها‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلّ‭ ‬لمعضلة‭ ‬هجرة‭ ‬الأدمغة‭. ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬تلجأ‭ ‬باستمرار‭ ‬إلى‭ ‬تدخّل‭ ‬الأجنبي‭ ‬لإيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬لمشاكلها‭ ‬واختراع‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬وتقنيات‭ ‬وتطبيقات‭.‬

  ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬هجرة‭ ‬العقول‭ ‬هو‭ ‬توفير‭ ‬كل‭ ‬متطلبات‭ ‬وانتظارات‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬مرشّح‭ ‬للمغادرة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقناع‭ ‬أدمغتها‭ ‬المهاجرة‭ ‬بالعودة‭ ‬لخدمة‭ ‬أوطانها،‭ ‬وإقناع‭ ‬الخريجين‭ ‬بعدم‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬بإعطاء‭ ‬العلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬والخبراء‭ ‬والمخترعين‭ ‬الأجور‭ ‬والمناصب‭ ‬التي‭ ‬يستحقونها،‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تشجع‭ ‬فعلًا‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتقني‭ ‬وترسخ‭ ‬تقاليده،‭ ‬وتضمن‭ ‬وسائل‭ ‬تحقيقه‭ ‬وتطويره،‭ ‬ومنحهم‭ ‬الحصانة‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬عنهم‭ ‬كلّ‭ ‬تعسف‭ ‬أو‭ ‬ظلم‭ ‬أو‭ ‬تطفّل‭ ‬وتدخّل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬مهامهم،‭ ‬وتوفير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بالاطمئنان‭ ‬والسعادة‭.‬

  ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المنطقة‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬ستعيد‭ ‬لكل‭ ‬أدمغتنا‭ ‬المهاجرة‭ ‬ثقتها‭ ‬ببلدها‭ ‬ومواطنيها،‭ ‬وتجعلها‭ ‬سعيدة‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬وطنها‭ ‬الأصلي،‭ ‬ومطمئنة‭ ‬على‭ ‬حاضرها‭ ‬ومستقبلها‭. ‬وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬حربنا‭ ‬ضد‭ ‬الفيروس‭ ‬التاجي‭ ‬حربًا‭ ‬ضد‭ ‬التخلّف‭ ‬والتبعية‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬فليتنافس‭ ‬المتنافسون‭ ‬■