انتصارات السينما التونسية تونسيات يُبشّرن بسينما عربية جديدة

انتصارات  السينما التونسية تونسيات يُبشّرن بسينما عربية جديدة

 

شهدت صناعة السينما التونسية نجاحات وانتصارات ربما بدت هي الأكثر حضورًا في المشهد السينمائي ببلدان قارة إفريقيا والعالم العربي، وصار الفنانون وصنّاع السينما التونسية يسجّلون الحضور الأكبر في المهرجانات السينمائية داخل منطقتنا العربية وفي بلدان أوربا، فلا يكاد مهرجان كبير في العالم يخلو من الأفلام التونسية، من «كان» إلى القاهرة، ومن تورنتو إلى ولوركانو وفينيسيا.  وكان من اللافت أيضًا أن السينما التونسية أصبحت تُصدر فنانين ومخرجين وتقنيين من الذين صار لهم حضورهم في الأعمال السينمائية العالمية، وذلك بفضل مواكبة السينما التونسية لنظيرتها العالمية، وهي مواكبة كانت نتاج وجود فريق من صنّاع السينما ممن يحملون خلفيات أكاديمية وخبرات تقنية عالية.

حرصت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المهرجات‭ ‬على‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعض‭ ‬الوجوه‭ ‬من‭ ‬السينمائيات‭ ‬التونسيات،‭ ‬اللاتي‭ ‬صرن‭ ‬يصنعن‭ ‬إنجازات‭ ‬تستحق‭ ‬التوقف‭ ‬عندها‭ ‬بالدراسة‭ ‬والتحليل‭.‬

وسجّلت‭ ‬الفنانات‭ ‬المشاركات‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬تلك‭ ‬النهضة‭ ‬السينمائية‭ ‬من‭ ‬التونسيات،‭ ‬حضورًا‭ ‬متميزًا‭ ‬بالصفوف‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬قاعات‭ ‬العروض‭ ‬والندوات‭ ‬السينمائية،‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحافل‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية،‭ ‬وصرن‭ ‬يتنقلن‭ ‬بين‭ ‬فعاليات‭ ‬هنا،‭ ‬ومهرجانات‭ ‬هناك،‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬صانعات‭ ‬الانتصار‭ ‬لصناعة‭ ‬عانت‭ ‬الكثير‭ ‬عربيًا‭ ‬وإفريقيًا،‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬التبشير‭ ‬بأن‭ ‬نهضة‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬ستتحقق‭ ‬بفضل‭ ‬السعي‭ ‬المخلص‭ ‬لكوكبة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬امتلكن‭ ‬أدواتهن‭ ‬الفنية‭ ‬بقوة،‭ ‬وصار‭ ‬لديهن‭ ‬إيمان‭ ‬راسخ‭ ‬بأهمية‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬نهضة‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬ونشر‭ ‬الفكر‭ ‬المستنير‭ ‬الذي‭ ‬تتطلع‭ ‬له‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وصارت‭ ‬منصات‭ ‬سينمائية‭ ‬وكتّاب‭ ‬ونقاد‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬للمرأة‭ ‬التونسية‭ ‬النصيب‭ ‬الأوفر‭ ‬فيما‭ ‬تشهده‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬وطنهن‭ ‬من‭ ‬تطوّر‭ ‬بات‭ ‬يتماشى‭ ‬وما‭ ‬تشهده‭ ‬السينما‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬تغيّرات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموضوعات‭ ‬والتقنيات‭.‬

وقد‭ ‬انتبه‭ - ‬ربما‭ ‬مبكرًا‭ - ‬لمهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية،‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬ببلوغ‭ ‬دورته‭ ‬العاشرة‭ ‬بلا‭ ‬توقّف،‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬حراك‭ ‬فاعل‭ ‬ومتطور‭ ‬داخل‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أوائل‭ ‬المهرجانات‭ ‬السينمائية‭ ‬التي‭ ‬احتفت‭ ‬بما‭ ‬يحققه‭ ‬التونسيون‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬سينمائية‭. ‬

وتبعته‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مهرجانات‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬مهرجان‭ ‬أسوان‭ ‬لسينما‭ ‬المرأة،‭ ‬ومهرجان‭ ‬الجونة‭ ‬السينمائي‭.‬

وفي‭ ‬نسخته‭ ‬الثامنة،‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2019،‭ ‬اختار‭ ‬مهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية،‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬لتكون‭ ‬ضيفة‭ ‬شرف‭ ‬تلك‭ ‬الدورة‭ ‬التي‭ ‬تضمّنت‭ ‬عروضًا‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التونسية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬بجانب‭ ‬تكريم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬السينمائية‭ ‬التونسية،‭ ‬وتنظيم‭ ‬مجموعة‭ ‬ندوات،‭ ‬وإصدار‭ ‬مطبوعات‭ ‬تتناول‭ ‬مجمل‭ ‬المنجز‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬المطبوعات‭ ‬كتاب‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬قراءة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي‮»‬‭ ‬لطارق‭ ‬بن‭ ‬شعبان،‭ ‬وترجمة‭ ‬محمود‭ ‬الجمني،‭ ‬بجانب‭ ‬إقامة‭ ‬معرض‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬أفيشات‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‮»‬‭.‬

 

جيل‭ ‬جديد

في‭ ‬حفل‭ ‬تكريم‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬بمهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية،‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬التكريم‭ ‬‮«‬أن‭ ‬تكريم‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬تكريم‭ ‬مستحق‭ ‬لسينما‭ ‬جادة‭ ‬وعريقة‭ ‬قدّمت‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية‭ ‬والعالمية‭ ‬أعمالًا‭ ‬خالدة‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬وجدان‭ ‬ملايين‭ ‬العرب،‭ ‬واستطاعت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬العشرين‭ ‬الماضية‭ ‬خلق‭ ‬جيلٍ‭ ‬من‭ ‬السينمائيين‭ ‬الشباب،‭ ‬بجانب‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬مهرجان‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائي‭ ‬‮«‬عميد‭ ‬المهرجانات‭ ‬السينمائية‭ ‬الإفريقية‭ ‬والعربية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬نافذة‭ ‬مهمة‭ ‬للفيلم‭ ‬الإفريقي‭ ‬وقبلة‭ ‬لصناع‭ ‬السينما‭ ‬بالقارة‭ ‬السمراء‭.‬

وقبل‭ ‬شهور‭ ‬قلائل‭ ‬من‭ ‬رحيله‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وخلال‭ ‬تسلّمه‭ ‬درع‭ ‬تكريم‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬بمهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية،‭ ‬قدّم‭ ‬المنتج‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي،‭ ‬نجيب‭ ‬عياد،‭ ‬شهادته‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬وفيها‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تونس‭ ‬صارت‭ ‬بلدًا‭ ‬للسينما،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬بلدًا‭ ‬للأفلام‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلي‭ ‬استبدال‭ ‬الكمّ‭ ‬بالكيف،‭ ‬وما‭ ‬طرأ‭ ‬من‭ ‬تطوّر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحتوى‭ ‬والأفكار‭ ‬والتقنيات،‭ ‬وأن‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬حققت‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬نجاحات‭ ‬لافتة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكم‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬التتويج،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬رفعت‭ ‬الحواجز‭ ‬وضاعفت‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬الحرية‮»‬‭. ‬وأكد‭ ‬عياد،‭ ‬في‭ ‬شهادته،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإنتاج‭ ‬‮«‬كمًا‭ ‬وكيفًا‮»‬‭ ‬منحها‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬التألق‭ ‬الدولي،‭ ‬وجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬إشعاعًا‭ ‬وتميّزًا‭.‬

 

أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائية

ارتبطت‭ ‬انتصارات‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬أيضًا‭ ‬بالنجاحات‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬مهرجان‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائية،‭ ‬والذي‭ ‬ترأسته‭ ‬لسنوات‭ ‬المنتجة‭ ‬السينمائية‭ ‬التونسية‭ ‬المعروفة،‭ ‬درة‭ ‬بو‭ ‬شوشة،‭ ‬التي‭ ‬اختيرت‭ ‬رئيسة‭ ‬للجنة‭ ‬تحكيم‭ ‬جوائز‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬أسوان‭ ‬لأفلام‭ ‬المرأة،‭ ‬بنسخته‭ ‬الرابعة،‭ ‬وقد‭ ‬كرّمها‭ ‬مهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬احتفائه‭ ‬بالسينما‭ ‬التونسية‭. ‬

وفي‭ ‬حفل‭ ‬تكريمها‭ ‬بالأقصر،‭ ‬سجلت‭ ‬بوشوشة‭ ‬شهادتها‭ ‬عن‭ ‬مسيرتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي،‭ ‬وهو‭ ‬المجال‭ ‬الذي‭ ‬عملت‭ ‬فيه‭ ‬بالمصادفة‭ ‬بعد‭ ‬مقابلة‭ ‬جمعتها‭ ‬بالمنتج‭ ‬التونسي‭ ‬الراحل،‭ ‬أحمد‭ ‬بهاء‭ ‬عطية،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬شهادتها،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬عطية‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬شجّعها‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬تجربة‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي،‭ ‬لتنتج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬فيلمًا،‭ ‬واعتبرت‭ ‬أن‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬‮«‬مهمة‭ ‬غير‭ ‬عادية‮»‬‭. ‬وبحسب‭ ‬بوشوشة،‭ ‬فإنّ‭ ‬عمل‭ ‬المنتج‭ ‬إبداعي‭ ‬فني‭ ‬وليس‭ ‬مجرّد‭ ‬توفير‭ ‬تمويل‭ ‬مادي‭ ‬للعمل،‭ ‬وأن‭ ‬رسالة‭ ‬الفيلم‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬إنتاجه‭ ‬وطرحه‭ ‬للجمهور‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬بمجال‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وأنها‭ ‬تعمل‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬وتشجيع‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬كافة‭.‬

 

الاحتفاء‭ ‬بتكريم‭ ‬بعض‭ ‬وجود‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬مثل‭ ‬المنتج‭ ‬الراحل‭ ‬نجيب‭ ‬عياد،‭ ‬والمنتجة،‭ ‬درة‭ ‬بوشوشة،‭ ‬وتخصيص‭ ‬برنامج‭ ‬خاص‭ ‬لعروض‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬الأخير‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬كنتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬ومن‭ ‬حضور‭ ‬محلي‭ ‬ودولي،‭ ‬حيث‭ ‬كرّم‭ ‬المرجان‭ ‬اسم‭ ‬المنتج‭ ‬التونسي‭ ‬الراحل‭ ‬بهاء‭ ‬عطية،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬فعاليات‭ ‬النسخة‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬المهرجان‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬نظرًا‭ ‬‮«‬لتاريخه‭ ‬الكبير‭ ‬وعطائه‭ ‬للسينما‭ ‬التونسية‭ ‬والعربية‭ ‬والإفريقية،‭ ‬حيث‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬منتجي‭ ‬إفريقيا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‮»‬‭.‬

‭ ‬

إرث‭ ‬من‭ ‬السينما‭ ‬المعبّرة‭ ‬عن‭ ‬المرأة

امتد‭ ‬حضور‭ ‬السينمائيين‭ ‬التونسيين،‭ ‬في‭ ‬المهرجانات‭ ‬السينمائية‭ ‬إلى‭ ‬أسماء‭ ‬تونسية‭ ‬رحلت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تركت‭ ‬بصمات‭ ‬جليّة‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬في‭ ‬بلادها،‭ ‬حيث‭ ‬اختار‭ ‬مهرجان‭ ‬أسوان‭ ‬لأفلام‭ ‬المرأة‭ ‬إهداء‭ ‬نسخته‭ ‬الخامسة‭ ‬للعام‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬روح‭ ‬المخرجة‭ ‬والوزيرة‭ ‬التونسية‭ ‬الراحلة‭ ‬مفيدة‭ ‬التلاتلي،‭ ‬عرفانًا‭ ‬لما‭ ‬قدّمته‭ ‬من‭ ‬إرث‭ ‬سينمائي‭ ‬عبّر‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬مهرجان‭ ‬أسوان‭ ‬لأفلام‭ ‬المرأة‭ ‬بشأن‭ ‬تكريم‭ ‬التلاتلي‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬برحيلها‭ ‬تفقد‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬والعربية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬رموزها‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬مهمة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬المرأة،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬مشاكلها‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬الفضية‭ ‬بحرفية‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬أفلامها‭ ‬صمت‭ ‬القصور،‭ ‬ونادية‭ ‬وسار،‭ ‬وموسم‭ ‬الرجال‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬أورد‭ ‬مهرجان‭ ‬أسوان‭ ‬لأفلام‭ ‬المرأة‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬السنوي،‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬إنجازه‭ ‬العام‭ ‬الحالي،‭ ‬وحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬صورة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬وتضمّن‭ ‬مشاركة‭ ‬للتونسية‭ ‬إنصاف‭ ‬أوهيبة،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬العربيات‭ ‬المشاركات‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬التقرير،‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭:‬

‮«‬إن‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬مرآة‭ ‬المجتمع‭ ‬وصورة‭ ‬تؤرخ‭ ‬لقضايا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬معيّنة،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الشخصيات‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬السينمائية‭ ‬العربية‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬تونس‭ ‬بوجه‭ ‬خاص،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يأتي‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أفلامًا‭ ‬كثيرة‭ ‬تكتب‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬المظلومة‭ ‬والضحية،‭ ‬ولفتت‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تقدّم‭ ‬نموذج‭ ‬المرأة‭ ‬الناجحة‭ ‬والاقتصار‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬تبرزها‭ ‬خلال‭ ‬أحداثها‭ ‬كضحية‭ ‬فقط،‭ ‬مؤكدة‭ ‬ضرورة‭ ‬قيام‭ ‬الكتّاب‭ ‬الذين‭ ‬يتصدّون‭ ‬للأعمال‭ ‬النسائية‭ ‬أن‭ ‬يقدّموا‭ ‬نماذج‭ ‬ناجحة‭ ‬للمرأة،‭ ‬واعتبرت‭ ‬أن‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬نورا‭ ‬تحلم‮»‬‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬قدّمت‭ ‬نموذجًا‭ ‬جيدًا‭ ‬للمرأة‭ ‬ورصدًا‭ ‬لحياة‭ ‬شخصية‭ ‬حقيقية،‭ ‬ورأت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬يمثّل‭ - ‬وفق‭ ‬قولها‭ - ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭.‬

وبحسب‭ ‬أوهيبة،‭ ‬فإن‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بالسينما‭ ‬التجارية،‭ ‬وأن‭ ‬تركيز‭ ‬صناع‭ ‬السينما‭ ‬منصبّ‭ ‬على‭ ‬أفلام‭ ‬المهرجانات‭.‬

 

حدث‭ ‬تاريخي

وقد‭ ‬كان‭ ‬وصول‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬باع‭ ‬ظهره‮»‬‭ ‬للمخرجة‭ ‬التونسية‭ ‬كوثر‭ ‬بن‭ ‬هنية‭ ‬إلى‭ ‬منافسات‭ ‬الأوسكار‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬الأفلام‭ ‬الأفضل‭ ‬بلغة‭ ‬أجنبية،‭ ‬بمنزلة‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي،‭ ‬الذي‭ ‬منح‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الألق‭ ‬والتفرد‭ ‬والتميّز‭ ‬للمشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي،‭ ‬ووفق‭ ‬بن‭ ‬هنية،‭ ‬فإن‭ ‬مجرد‭ ‬ترشيح‭ ‬فيلمها‭ ‬ضمن‭ ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬يعدّ‭ ‬‮«‬حدثًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‮»‬‭.‬

 

والفيلم‭ ‬الذي‭ ‬أحدث‭ ‬ضجة،‭ ‬وحظي‭ ‬بعروض‭ ‬متتالية‭ ‬في‭ ‬مهرجانات‭ ‬سينمائية‭ ‬عربية‭ ‬ودولية،‭ ‬تتمحور‭ ‬تفاصيله‭ ‬حول‭ ‬شاب‭ ‬سوري‭ ‬تحوّلت‭ ‬حياته‭ ‬إلى‭ ‬مأساة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‭ ‬محبوبته‭ ‬‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬للهرب‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬داخل‭ ‬وطنه‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬الهجرة،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يقبل‭ ‬مرغمًا‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬جسمه‭ ‬لعمل‭ ‬فني‭ ‬تشكيلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيام‭ ‬أحد‭ ‬الفنانين‭ ‬برسم‭ ‬وشم‭ ‬على‭ ‬جسمه،‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬العبور‭ ‬لأوربا،‭ ‬لكنّه‭ ‬يكتشف‭ ‬مجددًا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمه‭ ‬بعد‭.‬

‭ ‬

صور‭ ‬خصبة

في‭ ‬تقديمها‭ ‬لكتاب‭ ‬‮«‬قراءة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي‮»‬،‭ ‬قالت‭ ‬شيراز‭ ‬لعتيري‭ ‬الشريف،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشغل‭ ‬منصب‭ ‬المديرة‭ ‬العامة‭ ‬للمركز‭ ‬الوطني‭ ‬للسينما‭ ‬والصورة‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬إن‭ ‬التجديد‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المؤسساتي‭ ‬والفني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ميّز‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬ظهور‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬صور‭ ‬خصبة،‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬مثّلت‭ ‬نقطة‭ ‬قوة‭ ‬للسينما‭ ‬التونسية،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الجرأة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشكل‭ ‬والمضمون‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬محيط‭ ‬لعبت‭ ‬فيه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدور‭ ‬الدافع‭ ‬والمساند‭. 

ووفق‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬قراءة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي‮»‬،‭ ‬الصادر‭ ‬ضمن‭ ‬مطبوعات‭ ‬مهرجان‭ ‬الأقصر‭ ‬للسينما‭ ‬الإفريقية‭ (‬دورة‭ ‬تكريم‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭)‬،‭ ‬فإنّ‭ ‬الوسائل‭ ‬الرقمية‭ ‬الحديثة،‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬إنتاج‭ ‬سينمائي،‭ ‬أقلّ‭ ‬كلفة،‭ ‬كما‭ ‬رسخت‭ ‬لظاهرة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬وظهور‭ ‬استراتيجيات‭ ‬جديدة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬أساليب‭ ‬الإنتاج‭ ‬التقليدية‭.‬

وظهر‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬المدارس‭ ‬والمعاهد‭ ‬العليا‭ ‬الحكومية‭ ‬والأهلية،‭ ‬التي‭ ‬أتاحت‭ ‬فرصة‭ ‬الدراسة‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬المجالين‭ ‬السمعي‭ ‬والبصري‭.‬

والمتتبع‭ ‬لمسيرة‭ ‬السينما‭ ‬التونسية،‭ ‬يلحظ‭ ‬أن‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬شهدت‭ ‬إصلاحات‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬أفلام‭ ‬جديدة‭ ‬لمخرجين‭ ‬تونسيين‭ ‬كبار‭ ‬تركت‭ ‬أفلامهم‭ ‬تأثيرًا‭ ‬لافتًا،‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬حلو‭ ‬ومرّ‮»‬‭ ‬لطاهر‭ ‬القطاري،‭ ‬وفيلم‭ ‬‮«‬صمت‭ ‬القصور‮»‬‭ ‬لمفيدة‭ ‬التلاتلي،‭ ‬الذي‭ ‬يعدّ‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬أهم‭ ‬الأفلام‭ ‬التونسية،‭ ‬وفيلم‭ ‬‮«‬عرائس‭ ‬الطين‮»‬‭ ‬للنوري‭ ‬بوزيد،‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬من‭ ‬المخرجين‭ ‬المهمين‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬دور‭ ‬الذاكرة‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭.‬

وقد‭ ‬عبّرت‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬صورت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬قاسم‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬مخرجيها،‭ ‬وهو‭ ‬خلق‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬الجيل‭ ‬الأول،‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬خلق‭ ‬جيل‭ ‬ثانٍ‭ ‬من‭ ‬الأفلام،‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الستار‭ ‬الأحمر‮»‬‭ ‬لرجاء‭ ‬العماري،‭ ‬و«خرمة‮»‬‭ ‬للجيلاني‭ ‬السعدي،‭ ‬و«بدوين‭ ‬هاكر‮»‬‭ ‬لنادي‭ ‬الفاني،‭ ‬و«بين‭ ‬الوديان‮»‬‭ ‬لخالد‭ ‬برصاوي،‭ ‬و«أنشودة‭ ‬الألفية‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬الزرن،‭ ‬و«بابا‭ ‬عزيز‮»‬‭ ‬لناصر‭ ‬خمير‭.‬

 

تيمة‭ ‬مشتركة

وتبقى‭ ‬قضية‭ ‬الهجرة،‭ ‬تيمة‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬التونسية،‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬مضت‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬وليس‭ ‬فيلم‭ ‬المخرجة‭ ‬التونسية،‭ ‬كوثر‭ ‬بن‭ ‬هنية‭ ‬‮«‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬باع‭ ‬ظهره‮»‬‭ ‬ببعيد‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التيمة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬فلكها،‭ ‬وقد‭ ‬حقق‭ ‬حضورًا‭ ‬وشهرة‭ ‬ونجاحًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬ربّما‭ ‬عربيًا‭ ‬وليس‭ ‬تونسيًا‭ ‬فقط‭.‬

 

وكوثر‭ ‬بن‭ ‬هنية‭ ‬لها‭ ‬باع‭ ‬ضمن‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬السينمائيين‭ ‬الذين‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬التونسي،‭ ‬واختارت‭ ‬مبكرًا‭ ‬فرادة‭ ‬الاختيار‭ ‬الإخراجي‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬على‭ ‬كفّ‭ ‬عفريت‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2016‭.‬

أما‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬النقاد‭ ‬أنه‭ ‬ظل‭ ‬جنسًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬مهمّشًا‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬فقد‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬التهميش‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة‭ ‬واتساعًا‭ ‬بعد‭ ‬انطلاق‭ ‬ثورة‭ ‬الياسمين‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬■