مئوية لبنان الكبير والإرث الطوابعي
استُحدثت الخدمات البريدية في لبنان ونظّمت في العهد العثماني، وأصبحت تُعرف بـ«لبنان الكبير»، في المدن والنواحي التي انضوت لاحقًا في إطار دولة لبنان الكبير؛ وإن اختلفت التقسيمات الإدارية في حينه بين ولايات الشام وبيروت وطرابلس وجبل لبنان. وقد حلّ عام 2020 بويلات على لبنان، لكنّه حمل أيضًا الذكرى المئوية الأولى على تأسيسه، ونستقرئ في هذا المقال المناسبة توازيًا مع تجلّياتها في الإرث الطوابعي اللبناني. مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وما تلاها بين الأعوام 1918 و1923 ظلت مكاتب ودوائر البريد تعمل كما كانت في العهد العثماني، بموظفيها وأوراق إدارتها وأختامها. وقد ذكرت المصادر أن أكثر من 230 مكتب بريد ورثتها السلطة التي تولّت إدارة شؤون البلاد، وصولًا لقيام دولة لبنان الكبير، لكن تغييرًا جذريًا ما طرأ على الطوابع المستعملة في تلك الفترة.
ففي عام 1918، دخلت القوات البريطانية بيروت، فنقل البريد عبر الخط العسكري البريطاني من أكتوبر 1918 إلى سبتمبر 1920 وكانت «إدارة العدو المحتلة» التابعة للجيش البريطاني في فلسطين قد أصدرت طابعًا خاصًا لاستخدامه في جميع الأراضي التي احتلها الجيش البريطاني، والتي كان لبنان من ضمنها. وحُددت قيمة الطابع بـ «قرش صاغ مصري»، وكُتبت عليه كلمتا «خالص الأجرة»؛ أيّ أن القيمة مدفوعة مُسبقًا، أما أحرف E.E.F الأوائلية، فيُراد بها «الفرقة البريطانية في قوات الحملة المصرية».
ومع دخول القوات العسكرية الفرنسية إلى لبنان في 1919 بقيادة الجنرال غور، استعملت طوابع فرنسية تعود للأعوام 1900 و1907، بعد توشيحها بـ T.E.O أي «أرض العدو المحتلة»، وسعِّرت بالعملة المصرية، وطبعت في مطابع جدعون.
وفي مؤتمر سان ريمو المنعقد في 1920، تقرر فرض نظام الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، وأصدر المفوض السامي الجنرال غورو القرارات التنظيمية لقيام دولة لبنان الكبير، لكن صكوك الانتداب لم توضع على لبنان إلا في 1922، وبذلك فقد استعملت الطوابع الفرنسية في الفترة الواقعة بين 1920 و1922، بعد أن وشّحت بـ «O.M.F. Syrie» أي «الاحتلال العسكري الفرنسي». وقد سُعّرت أولًا بالعملة المصرية (فبراير 1920)، ومن ثم بالقرش السوري (مايو 1920)، وتم طبعها بمطابع جدعون في بيروت.
نشر ميثاق الانتداب وطبّق رسميًا في 29 سبتمبر 1923، فبدأ استعمال الطوابع الفرنسية المختلفة الموشّحة بـ «Syrie Grand-Liban» حتى نهاية ديسمبر 1923، والتي طبعت بمطبعة الكبوشيين في بيروت. وعرفت هذه المجموعة عند الهواة بـ «سورية ولبنان»، وتألفت من 26 طابعًا مقسمة إلى 17 طابع بريد عاديًا، و4 طوابع بريد جوي، و5 طوابع تغريم.
وفي الفترة الواقعة بين يناير ويونيو من عام 1924 وشّح 21 طابعًا فرنسيًا مختلفًا بـ «Grand-Liban»؛ منها 4 طوابع صدرت بمناسبة أولمبياد باريس 1924. أما بقية الطوابع فتعود لإصدارات الأعوام من 1900 إلى 1922 كما صدرت مجموعة من 4 طوابع للبريد الجوي، و5 طوابع للتغريم.
وفي الأول من يوليو، وشّحت الطوابع الفرنسية باللغتين الفرنسية والعربية بـ «Grand -Liban» و«لبنان الكبير»، وذلك عملًا بالمادة السادسة من صك الانتداب التي نصّت على «أن اللغتين الفرنسية والعربية تعتبران رسميتين في سورية ولبنان». ومجموع هذه الطوابع 28 طابعًا، يضاف إليها 4 «جوي» و5 «تغريم».
في 21 فبراير 1925 صدرت للمرة الأولى طوابع بريدية تحمل اسم «بريد لبنان الكبير» GRAND LIBAN، ومثلت هذه المجموعة المؤلفة من 13 طابعًا (يضاف إليها 5 طوابع تغريم) مناظرَ لمناطق لبنانية مختلفة وللأرزة. ويُستنتج من القراءة السياسية لهذا القرار، المتصل بالشأن البريدي شكلًا، أن الإدارة الرسمية سعت ابتداءً من عام 1925، إلى ترسيخ مفهوم «دولة لبنان الكبير» وكيانيتها في نفوس اللبنانيين. وبات هذا الإطار الجديد الحاضن والضامن للمناطق والفئات اللبنانية كافة، والذي شكل كيانًا سياسيًا ووحدة جغرافية.
حملت هذه المجموعة صورًا لبنانية هي الأرزة وتسع مناطق لبنانية، أربعة طوابع تضمنت رسومات لبيت الدين ودير القمر والمختارة وزحلة؛ وهي بلدات كانت تتبع نظام المتصرفية في جبل لبنان سابقًا. وتمثّل الساحل اللبناني بستة طوابع تحمل رسومات لبيروت وطرابلس وصيدا وصور. أما الداخل، فقد تمثّل بطابعين لمدينة بعلبك. وهذه المناطق الخمس ومتصرفية جبل لبنان هي التي باتت تشكّل «دولة لبنان الكبير».
رسم المجموعة الفنان الفرنسي جوزيف دي لانزيير، وتم طبعها في مطابع Helio Vaugirard في باريس. ويسجل له إبداعاته الكامنة في تصميم الإطار وتشكيله. فقد أسس لهوية فنية لازمت الطابع اللبناني لفترة امتدت إلى السنين الأولى من خمسينيات القرن الماضي.
وقد تضمّن هذا الإطار وحدات زخرفية شرقية المعالم تتمتع خطوطها بانسيابية ونمطية لتقدّم تشكيلًا بصريًا متجانسًا، وهي أعطت الطابع اللبناني هويته الخاصة به. وظهر التشكيل الحروفي الذي ابتدعه الفنان في اسم «لبنان الكبير» باللغتين العربية في أسفل الطابع، والفرنسية في أعلاه، لأول مرة على الطابع، ولازمه لحين بزوغ اسم الجمهورية اللبنانية.
وفي هذا الإصدار ظهرت الأرزة، لأول مرة، بفارق زمني يقارب الخمس سنوات، عن مثيلتها التي توسطت علم لبنان الكبير.
لم تعرف الأدبيات السياسية اللبنانية مصطلح «الجمهورية اللبنانية» إلا ابتداءً من عام 1926 ففي 1926 أعلن الدستور اللبناني وانتخب شارل دباس رئيسًا للجمهورية بالإجماع. وبناءً على أحكام الدستور الجديد، وشّحت الطوابع السابقة بـ «République Libanaise» لأول مرة في الأول من يوليو 1927؛ وباللغتين الفرنسية والعربية لاحقًا «République Libanaise»، «الجمهورية اللبنانية»، في مايو - ديسمبر من عام 1928.
في 1930 صدرت طوابع «مؤتمر الحرير بيروت 1930» وحملت رسمة موحدة لـ «الشرنقة والفراشة وورقة التوت». ويقال إن هذه المجموعة طبعت في مطبعة جدعون. وتكمن أهمية هذه المجموعة في أنها أول إصدار صمم للجمهورية اللبنانية ■