الذكاء الاصطناعي في سوق العمل

الذكاء الاصطناعي  في سوق العمل

وفقًا لأستاذة إدارة المعلومات بجامعة تايوان الوطنية مينغ هوي هوانغ، وأستاذ إدارة الأعمال بجامعة ميريلاند الأمريكية رولاند روست، سيواصل الذكاء الاصطناعي اقتحام سوق العمل بصورة متزايدة، وذلك من خلال أجيال مختلفة تتميز بذكاءات أربعة: جيل الذكاء الميكانيكي، وجيل الذكاء التحليلي، وجيل الذكاء التحليلي، وجيل الذكاء الحدسي، وجيل الذكاء التقمصي القادر على التعاطف، ووضع نفسه مكان الآخرين.
ولمساعدة الشركات على اتخاذ القرارات الملائمة والاختيار الأمثل بين الإنسان والآلة لأداء المهمات والأعمال، وضع الباحثان المذكوران نظرية وخريطة طريق لزحف الذكاء الاصطناعي على الوظائف، وذكرا أن الإحلال سيبدأ على مستوى المهمة، حيث يتكون كل عمل من مهمات يمكن أن يقوم «الاصطناعي» ببعضها.

مع‭ ‬تقدّم‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وبعد‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬يتنافس‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬الشاغرة‭ - ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الأداء‭ ‬بصورة‭ ‬أفضل‭ ‬وأقل‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬التكاليف‭ ‬الملموسة‭ ‬وغير‭ ‬الملموسة‭ - ‬ستصبح‭ ‬الآلات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬معظم‭ ‬المهمات‭ ‬أو‭ ‬جميعها،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬إمكان‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الوظائف‭ ‬واستبدالها‭ ‬بروبوتات‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والفنادق‭ ‬والمطاعم‭ ‬ومراكز‭ ‬خدمة‭ ‬العملاء‭ ‬وسوى‭ ‬ذلك‭.‬

 

آلة‭ ‬مبدعة

يعني‭ ‬الذكاء‭ ‬الميكانيكي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الآداء‭ ‬الآلي‭ ‬الروتيني،‭ ‬وإنجاز‭ ‬المهمات‭ ‬المتكررة‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مهارات‭ ‬إبداعية‭ ‬متقدمة‭. ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬موظف‭ ‬مركز‭ ‬الاتصالات،‭ ‬ولهذا‭ ‬يمكن‭ ‬للروبوت‭ ‬المزوّد‭ ‬بالتعليمات‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بالعمل‭ ‬بصورة‭ ‬تتطور‭ ‬مع‭ ‬تطوّر‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬فيتفوق‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬كمحرك‭ ‬البحث‭ ‬على‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬إيجاد‭ ‬الصفحة‭ ‬الأقرب‭ ‬للمطلوب‭ ‬بسرعة‭ ‬وبلا‭ ‬تعب‭ ‬أو‭ ‬ملل‭.‬

بينما‭ ‬يستطيع‭ ‬الذكاء‭ ‬التحليلي‭ ‬معالجة‭ ‬المعلومات‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬لمشكلة‭ ‬ما،‭ ‬والتعلّم‭ ‬منها،‭ ‬ويمكنه‭ ‬استخدام‭ ‬التفكير‭ ‬المنطقي‭ ‬والمهارات‭ ‬الرياضية‭ ‬ومهارات‭ ‬أخرى‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكتسبها‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬تدريب‭ ‬وسنوات‭ ‬من‭ ‬التخصص‭ ‬والخبرة،‭ ‬كالعاملين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالحواسيب‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والبيانات‭ ‬والرياضيات‭ ‬والمحاسبة‭ ‬والتحليل‭ ‬المالي‭. ‬

ويتطلب‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬أداء‭ ‬معقدًا‭ ‬ومتسقًا،‭ ‬وقد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تغيرات‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬والتعلّم‭ ‬منها‭.‬

في‭ ‬مرتبة‭ ‬أعلى،‭ ‬يأتي‭ ‬الذكاء‭ ‬الحدسي،‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬بصورة‭ ‬مبدعة‭ ‬والتوافق‭ ‬بفاعلية‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الجديدة،‭ ‬ويمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬حكمة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬تفكير‭ ‬كلي‭ ‬ومبني‭ ‬على‭ ‬خبرات‭ ‬ومهارات‭ ‬فنية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفكير‭ ‬متقدم‭ ‬واستبصار‭ ‬وحل‭ ‬مشكلات‭ ‬مبدع‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬مديرو‭ ‬التسويق‭ ‬والمحامون‭ ‬والأطباء‭ ‬ومديرو‭ ‬المبيعات‭ ‬وسواهم‭ ‬ممن‭ ‬يتمتعون‭ ‬بهذا‭ ‬الذكاء‭.‬

ويعتبر‭ ‬الفهم‭ ‬مفتاحاً‭ ‬لتحديد‭ ‬مواصفات‭ ‬حدس‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يميّزه‭ ‬عن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬التحليلي،‭ ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬مؤثرًا‭ ‬ومصممًا‭ ‬للعمل‭ ‬بمرونة‭ ‬أكبر‭ ‬وبشكل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬أداء‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهو‭ ‬مبني‭ ‬ليحاكي‭ ‬مدىً‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬الإدراك‭ ‬الإنساني،‭ ‬ويتعلم‭ ‬بطريقة‭ ‬تشبه‭ ‬تعلّم‭ ‬الطفل،‭ ‬لكن‭ ‬بمعدل‭ ‬أسرع‭.‬

وهكذا‭ ‬قد‭ ‬يتلاشى‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬ذكاء‭ ‬الآلة‭ ‬وذكاء‭ ‬الإنسان،‭ ‬كأن‭ ‬تستطيع‭ ‬آلة‭ ‬قراءة‭ ‬صفحات‭ ‬عديدة‭ ‬وفهم‭ ‬النصوص‭ ‬وترجمتها،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬طرح‭ ‬أسئلة‭ ‬على‭ ‬الآلة‭ ‬وتلقي‭ ‬إجابات‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬نتحدث‭ ‬مع‭ ‬شخص‭. ‬وقد‭ ‬يتضمن‭ ‬وعيًا‭ ‬وإحساسًا‭ ‬وملامح‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬الذكاء‭ ‬البشري،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬لن‭ ‬يرتكب‭ ‬الأخطاء‭ ‬نفسها‭ ‬بسهولة،‭ ‬لأنه‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬الخبرة،‭ ‬ومن‭ ‬تطبيقاته‭ ‬شخصنة‭ ‬ترتيبات‭ ‬السفر،‭ ‬وسبل‭ ‬التسلية،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬حدسًا‭ ‬لتقديم‭ ‬خدمة‭ ‬أفضل‭.‬

 

 

الروبوت‭ ‬صوفيا

من‭ ‬مميزات‭ ‬الذكاء‭ ‬التعاطفي‭ (‬التقمصي‭)‬،‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تبيّن‭ ‬وفهم‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين‭ ‬والاستجابة‭ ‬بصورة‭ ‬عاطفية‭ ‬مناسبة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬ويتضمن‭ ‬مهارات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وعلاقات‭ ‬تساعد‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أكثر‭ ‬حساسية‭ ‬وأكثر‭ ‬مراعاة‭ ‬لمشاعر‭ ‬الآخرين،‭ ‬والعمل‭ ‬بصورة‭ ‬لطيفة‭ ‬مع‭ ‬الناس‭. ‬

ويتضح‭ ‬في‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬وبناء‭ ‬العلاقات‭ ‬والقيادة‭ ‬والمناصرة‭ ‬والتفاوض‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬والحياة،‭ ‬والعمل‭ ‬ضمن‭ ‬فريق،‭ ‬والتنوّع‭ ‬الثقافي‭. ‬ويفيد‭ ‬مَن‭ ‬يعملون‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬كالسياسيين،‭ ‬والمفاوضين‭ ‬والمعالجين‭ ‬النفسيين‭ ‬وسواهم‭.‬

ويصف‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬آلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشعر،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تتصرف‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تشعر‭ ‬وتتخذ‭ ‬قرارات‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬النقاش‭ ‬دائرًا‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬شعور‭ ‬الحاسوب‭ - ‬حيث‭ ‬يعتقد‭ ‬فريق‭ ‬أن‭ ‬مشاعر‭ ‬الإنسان‭ ‬أمر‭ ‬حيوي‭ ‬بيولوجي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬محاكاته‭ - ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬فريق‭ ‬آخر‭ ‬إمكانية‭ ‬برمجة‭ ‬الآلة‭ ‬لتحاكي‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويضربون‭ ‬مثلًا‭ ‬بالروبوت‭ ‬صوفيا‭ ‬شبيهة‭ ‬الإنسان‭ ‬شكلًا‭ ‬وتصرفًا‭.‬

ويرى‭ ‬الباحثان‭ ‬أن‭ ‬الاستخدام‭ ‬الأمثل‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الخدمة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬استراتيجية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المعنيين‭ ‬لتحديد‭ ‬توقيت‭ ‬تنبيهه‭ ‬وكيفيته،‭ ‬وإعداد‭ ‬الموظفين‭ ‬وإكسابهم‭ ‬مهارات‭ ‬جديدة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يخسروا‭ ‬فرصهم‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

 

حساب‭ ‬الضريبة

لتوضيح‭ ‬كيفية‭ ‬استبدال‭ ‬العمالة‭ ‬البشرية‭ ‬بعمالة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصصناعي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الخدمات،‭ ‬بدءًا‭ ‬بالمستوى‭ ‬الميكانيكي‭ ‬حتى‭ ‬المتقدم،‭ ‬يمكن‭ ‬ضرب‭ ‬مثل‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬اتصالات،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬عمل‭ ‬الإحلال‭ ‬الميكانيكي‭ ‬بالاستجابة‭ ‬لقضايا‭ ‬العملاء‭ ‬البسيطة،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬الذكاء‭ ‬التحليلي‭ ‬ليحلل‭ ‬مشكلات‭ ‬العملاء،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يفهم‭ ‬الذكاء‭ ‬الحدسي‭ ‬سبب‭ ‬شكوى‭ ‬العملاء‭ ‬فهمًا‭ ‬سياقيًا،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الذكاء‭ ‬التقمّصي‭ ‬ليتعاطف‭ ‬مع‭ ‬العملاء‭ ‬ويمتص‭ ‬غضبهم،‭ ‬وفي‭ ‬مثال‭ ‬آخر،‭ ‬يبدأ‭ ‬الذكاء‭ ‬الميكانيكي‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬حساب‭ ‬الضريبة‭ ‬بإعداد‭ ‬الملف‭ ‬الضريبي‭ ‬السنوي‭ ‬الروتيني،‭ ‬ثم‭ ‬يتبين‭ ‬قوانين‭ ‬الضريبة‭ ‬المطبّقة‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬العميل‭ ‬بصورة‭ ‬تحليلية،‭ ‬ويحاول‭ ‬فهم‭ ‬مصادر‭ ‬الضريبة‭ ‬المرتفعة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬لتخفيضها‭ ‬بصورة‭ ‬مبدعة‭ ‬باستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الحدسي،‭ ‬ويتعاصف‭ ‬مع‭ ‬العملاء‭ ‬الذين‭ ‬يدفعون‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭.‬

 

مختبر‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬الرقمية

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬يستبق‭ ‬الباحثون‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬وإيجابية‭ ‬للتقدم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬فيطرحون‭ ‬رؤى‭ ‬ويُجرون‭ ‬أبحاثًا‭ ‬علمية،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬أستاذ‭ ‬فلسفة‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬المعلومات‭ ‬الإيطالي،‭ ‬لوجيانو‭ ‬فلوريدي،‭ ‬الذي‭ ‬يترأس‭ ‬مختبر‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬الرقمية‭ ‬بمعهد‭ ‬الإنترنت‭ ‬التابع‭ ‬لجامعة‭ ‬أوكسفورد‭. ‬ويرى‭ ‬أنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬اللحاق‭ ‬بالثورة‭ ‬الخضراء‭ ‬لرعاية‭ ‬العالم‭ ‬وتعميق‭ ‬فهم‭ ‬الإنسان‭ ‬لنفسه‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬قدراته‭ ‬وجلب‭ ‬المنفعة‭ ‬للجميع،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الآلة‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الربحية‭ ‬المادية‭ ‬فحسب‭.‬

ويلفت‭ ‬فلوريدي‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬مهمة‭ ‬تأتي‭ ‬مع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتحقق‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬‮«‬مَن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصبح‮»‬،‭ ‬كأن‭ ‬تحرر‭ ‬الآلة‭ ‬الإنسان‭ ‬ليتفرّغ‭ ‬لأنشطة‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬هوايات‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الخطورة‭ ‬تأتي‭ - ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ - ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسبب‭ ‬اضطراب‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وطبيعة‭ ‬التوظيف‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الفردي‭ ‬والمجتمعي‭.‬

 

دخل‭ ‬أساسي‭ ‬للجميع

ما‭ ‬يزيد‭ ‬الوضع‭ ‬تعقيدًا،‭ ‬ارتباط‭ ‬العمل‭ ‬وقيمة‭ ‬الأجر‭ ‬بالهوية‭ ‬وتقدير‭ ‬الذات‭ ‬والمكانة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لدى‭ ‬البعض،‭ ‬ولمواجهة‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬تدابير‭ ‬مبدعة‭ ‬وناجعة‭ ‬كالمطالبة‭ ‬بدخل‭ ‬أساسي‭ ‬شامل‭ - ‬يفترض‭ ‬حصول‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬على‭ ‬مخصص‭ ‬مالي‭ ‬دوري‭ ‬غير‭ ‬مشروط،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬دخله‭ ‬أو‭ ‬وضعه‭ ‬الوظيفي‭ - ‬حيث‭ ‬يتجادل‭ ‬المناصرون‭ ‬والمعارضون،‭ ‬وترصد‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬المؤيدة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬ميزانيات‭ ‬لتمويل‭ ‬دراسات‭ ‬الجدوى‭ ‬وإجراء‭ ‬التجارب‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يشتد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬الحماية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لمتضرري‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭.‬

وقبل‭ ‬الجائحة،‭ ‬أُسست‭ ‬شبكة‭ ‬متخصصة‭ ‬لدعم‭ ‬الفكرة،‭ ‬كشبكة‭ ‬الدخل‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وشبكة‭ ‬BIEN‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬مؤتمرات‭ ‬سنوية‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬يحضرها‭ ‬أكاديميون‭ ‬ونشطاء‭. ‬كما‭ ‬شهد‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬تأسيس‭ ‬معهد‭ ‬فريديبيرغ‭ ‬لدراسات‭ ‬الدخل‭ ‬الأساسي‭ ‬FRIBIS،‭ ‬بجامعة‭ ‬فريديبيرغ‭ ‬بألمانيا،‭ ‬لفحص‭ ‬ودراسة‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الوجوه،‭ ‬ومتابعة‭ ‬المشروعات‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬تطبيقًا‭ ‬علميًا‭.‬

 

فرص‭ ‬أخرى‭ ‬ومخاطر

فرص‭ ‬أخرى‭ ‬يكشف‭ ‬عنها‭ ‬فلوريدي‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفعل‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬مضاعفة‭ ‬إمكانات‭ ‬البشر،‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬مخاطر‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬كاستخدام‭ ‬السيارات‭ ‬الذاتية‭ ‬القيادة‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬المجتمع،‭ ‬يقدّم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فرصًا‭ ‬لتحسين‭ ‬القدرات؛‭ ‬سواء‭ ‬بعلاج‭ ‬الأمراض،‭ ‬وتعظيم‭ ‬طاقة‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات‭ ‬واللوجستيات،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬القدرة‭ ‬الجمعية‭ ‬بصورة‭ ‬راديكالية،‭ ‬ويحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬الطموحة‭.‬

ومن‭ ‬الفرص‭ ‬الأخرى‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالترابط‭ ‬الاجتماعي‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتفاعل‭ ‬مع‭ ‬بعضنا‭ ‬ومع‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تلاشي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬

وبمقدرة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬البيانات‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التنسيق‭ ‬المعقدة‭ ‬ودعم‭ ‬التعاون،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬التضافر‭ ‬العالمي‭ ‬لحل‭ ‬مشكلات‭ ‬تغيّر‭ ‬المناخ‭.‬

ويؤكد‭ ‬فلوريدي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ - ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬المهارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والذكاء‭ ‬البشري‭ - ‬أو‭ ‬إساءة‭ ‬استخدامه،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬العزوف‭ ‬عنه‭ ‬بسبب‭ ‬الخوف‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬قصور‭ ‬معرفته،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نتكبّد‭ ‬كلفة‭ ‬عالية‭ ‬■