الورقةُ الأخيرةُ

الورقةُ الأخيرةُ

مَن‭ ‬منّا‭ ‬لا‭ ‬يعاني‭ ‬اليومَ‭ ‬حالةٍ‭ ‬ملازمةٍ‭ ‬من‭ ‬الفقد‭ ‬والافتقاد،‭ ‬ثمّة‭ ‬صورٌ‭ ‬مستجدةٌ‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ ‬والوحدة‭ ‬والعزلة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتصاعدٌ‭ ‬لدور‭ ‬الشّاشات‭ ‬كتعويض‭ ‬افتراضي‭ ‬حتى‭ ‬تكاد‭ ‬تحجب‭ ‬أفق‭ ‬الحياة‭ ‬الواقعية؛‭ ‬ظروف‭ ‬الجائحة‭ ‬بنت‭ ‬كهوفًا‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬لكلٍّ‭ ‬منا،‭ ‬فتقوقع‭ ‬الفرد‭ ‬حول‭ ‬ذاته‭ ‬ومحيطه‭ ‬الضيق‭ ‬والتصق‭ ‬بواقعه‭ ‬اليومي،‭ ‬والتفت‭ ‬إلى‭ ‬تفاصيلَ‭ ‬صغيرةٍ‭ ‬كانت‭ ‬مغيّبةً‭ ‬عنه،‭ ‬وعايش‭ ‬واقعًا‭ ‬عالميًا‭ ‬جديدًا‭ ‬مفروضًا‭ ‬بوجود‭ ‬‮«‬فيروس‮»‬‭ ‬يفتكُ‭ ‬رغم‭ ‬تطور‭ ‬الطب‭ ‬بالحياة‭.‬

  ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمرُّ‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬مرورًا‭ ‬عابرًا؛‭ ‬إنه‭ ‬كالماء‭ ‬الذي‭ ‬يمسُّ‭ ‬الصخر‭ ‬بطراوة‭ ‬لكن‭ ‬يحفر‭ ‬بصمته،‭ ‬ثمّة‭ ‬احتباسٌ‭ ‬حراري‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬الأرض‭ ‬واحتباس‭ ‬عاطفي‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬سكانها؛‭ ‬شكل‭ ‬جديد‭ ‬للحوار‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬أرضنا‭ ‬التي‭ ‬سهونا‭ ‬عن‭ ‬حرائق‭ ‬غاباتها‭ ‬الأكبر‭ ‬عمرًا‭ ‬ومساحة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬رئة‭ ‬الأرض‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬خطر‭ ‬اختناقنا‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬الرئة‭ ‬في‭ ‬أجسامنا‭. ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬التوقف‭ ‬وترميم‭ ‬ما‭ ‬أصاب‭ ‬نفوسنا‭ ‬من‭ ‬عطبٍ‭ ‬بالسعي‭ ‬الصادق‭ ‬لإشراقة‭ ‬الأمل‭ ‬فينا‭.‬

  ‬للكلمةِ‭ ‬تأثيرٌ‭ ‬عميقٌ‭ ‬ينبغي‭ ‬توظيف‭ ‬قوة‭ ‬تأثيره‭ ‬بشكلٍ‭ ‬إيجابي،‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬أفرادًا‭ ‬ومجتمعات‭ ‬لشحذ‭ ‬شغفنا‭ ‬بالآتي،‭ ‬للتمسك‭ ‬بطاقة‭ ‬التغيير‭ ‬والصمود‭ ‬وإبقاء‭ ‬شعلة‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬دواخلنا‭ ‬مضاءة‭. ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خطط‭ ‬علاجية‭ ‬بقدر‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬ثقافة‭ ‬الفرح‭ ‬والامتنان،‭ ‬لصمودنا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ما‭ ‬كابدناه،‭ ‬وامتلاكنا‭ ‬مقوّمات‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬رؤيتنا‭ ‬وتعاطينا‭ ‬مع‭ ‬الوجود‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬للحياة؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬لحياتنا‭ ‬وحياة‭ ‬أبنائنا‭ ‬ومستقبلهم‭ ‬قدسية‭ ‬وأولوية‭. ‬

نحن‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬نكون‭ ‬إلى‭ ‬الداعمين،‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يلاطف‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬فينا‭ ‬من‭ ‬إحساسٍ‭ ‬بجمالية‭ ‬الحياة،‭ ‬وبأننا‭ ‬ثروةٌ‭ ‬لم‭ ‬يهدرها‭ ‬الخوف،‭ ‬بل‭ ‬أبقاها‭ ‬الأمل،‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬إجابة‭ ‬سكينة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬الألم‭ ‬وليسوا‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬تغذّي‭ ‬القلق‭.‬

‭ ‬تحضرُني‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬الورقة‭ ‬الأخيرة‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭. ‬هنري‭ ‬التي‭ ‬وصف‭ ‬فيها‭ ‬كيف‭ ‬أنقذت‭ ‬لوحةٌ‭ ‬حياةَ‭ ‬مريضة‭ ‬ربطت‭ ‬استسلامها‭ ‬بسقوط‭ ‬الورقة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬النّبتة‭ ‬المعرِّشة‭ ‬أمام‭ ‬نافذتها،‭ ‬لتجد‭ ‬أنّها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬غير‭ ‬ورقةٍ‭ ‬مرسومةٍ‭ ‬بإتقانٍ‭ ‬على‭ ‬الجدار‭!‬

فهل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يرسمُ‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬حاضرنا‭ ‬ورقة‭ ‬أخيرة‭ ‬تبعثُ‭ ‬فينا‭ ‬الأمل؟ ■