«الرياح الأربعة» هناك الكثير لنتعلّمه من الماضي

«الرياح الأربعة» هناك الكثير لنتعلّمه من الماضي

«الرياح الأربعة»، رواية جديدة صدرت هذا العام للكاتبة الأمريكية كريستين هانا، تعيدنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي في تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، مليئة بالتفاصيل التاريخية التي تغطي تلك الفترة المعروفة باسم «الكساد الكبير»، الكارثة الاقتصادية التي هددت كل شيء في الولايات المتحدة، وكانت لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية التي غيّرت حياة الكثير من الأمريكيين. وقد نسجت هانا كل هذا التاريخ في روايتها من خلال عائلة زراعية أمريكية عاشت هذه المعاناة، وأُجبرت على أن تكون لاجئة في بلدها.

بدأت‭ ‬الكارثة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالظهور‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬1929،‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬بسنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬ومع‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وإفلاس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعامل‭ ‬والمصانع‭ ‬وانخفاض‭ ‬الأجور‭ ‬وتسريح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العمال،‭ ‬فقد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬مليون‭ ‬أمريكي‭ ‬عملهم‭.‬

وقرر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الزراعي‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الساحل‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬جديدة‭ ‬وعمل‭ ‬وحياة‭ ‬أفضل‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬جفاف‭ ‬أغلب‭ ‬المناطق‭ ‬الزراعية‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬أمريكا‭ ‬وخلق‭ ‬كارثة‭ ‬بيئية‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل،‭ ‬حيث‭ ‬أدت‭ ‬الظروف‭ ‬الجافة‭ ‬المطولة‭ ‬وهجرة‭ ‬المزارعين‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تغيّر‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬الجغرافية،‭ ‬تسبّب‭ ‬في‭ ‬رياح‭ ‬شديدة‭ ‬وعواصف‭ ‬ترابية‭ ‬طويلة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭. ‬

بدأ‭ ‬الناس‭ ‬والماشية‭ ‬يمرضون‭ ‬من‭ ‬استنشاق‭ ‬الغبار،‭ ‬وأصيب‭ ‬أغلب‭ ‬السكان‭ ‬بالالتهاب‭ ‬الرئوي‭ ‬الشديد‭ ‬الخطورة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المهاجرين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬يقدر‭ ‬بالملايين،‭ ‬كلهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته،‭ ‬وانتهى‭ ‬بهم‭ ‬الأمر‭ ‬ليصبحوا‭ ‬لاجئين‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيهم‭ ‬ببلدهم،‭ ‬مجبرين‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬مخيمات،‭ ‬والتسول،‭ ‬وإن‭ ‬عثروا‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬كبار‭ ‬المزارعين‭ ‬والتجار‭ ‬الذين‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أنهم‭ ‬يستطيعون‭ ‬معاملة‭ ‬عمالهم‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يريدونها،‭ ‬لأنّ‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬غيرهم‭ ‬ينتظرون‭ ‬على‭ ‬الطريق‭. ‬

 

‭ ‬معاناة‭ ‬إلسا‭ ‬

تطرّقت‭ ‬هانا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬روايتها‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أجزاء‭ ‬وجسّدتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معاناة‭ ‬إلسا‭ ‬وعائلتها،‭ ‬وهجرتهم‭ ‬من‭ ‬الوسط‭ ‬الزراعي‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وكيف‭ ‬حوّلت‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬إلسا‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬هشّة‭ ‬إلى‭ ‬امرأة‭ ‬شجاعة‭ ‬مناضلة‭. ‬

الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬يبدأ‭ ‬عام‭ ‬1921‭ ‬ويتناول‭ ‬طفولة‭ ‬إلسا‭ ‬القاسية‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬فتاة‭ ‬ضعيفة،‭ ‬غير‭ ‬محبوبة،‭ ‬يصفها‭ ‬الجميع‭ ‬بأنها‭ ‬غير‭ ‬جديرة‭ ‬بالاهتمام‭. ‬تهرب‭ ‬من‭ ‬قسوة‭ ‬عائلتها‭ ‬ومن‭ ‬حدود‭ ‬منزلها،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الإثارة‭ ‬والاهتمام،‭ ‬وتقابل‭ ‬رالف‭ ‬مارتينيلي،‭ ‬وهو‭ ‬شاب‭ ‬إيطالي‭ ‬يعمل‭ ‬مزارعًا،‭ ‬وعندما‭ ‬تحمل‭ ‬منه‭ ‬يتبرأ‭ ‬والداها‭ ‬منها،‭ ‬ثم‭ ‬تقرر‭ ‬تغيير‭ ‬اتجاه‭ ‬حياتها‭ ‬والزواج‭ ‬منه،‭ ‬وهي‭ ‬بالكاد‭ ‬تعرفه‭. ‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تنتقل‭ ‬إلسا‭ ‬إلى‭ ‬مزرعة‭ ‬عائلة‭ ‬رالف،‭ ‬وتنجب‭ ‬طفلها‭ ‬الثاني،‭ ‬وتصبح‭ ‬زوجة‭ ‬مزارع‭ ‬بسيط،‭ ‬وتتخلى‭ ‬عن‭ ‬حلمها‭ ‬بتكملة‭ ‬تعليمها‭ ‬والدراسة‭ ‬الجامعية‭. ‬

ويبدأ‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1934،‭ ‬ويصوّر‭ ‬تفاقم‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬إلسا‭ ‬ورالف،‭ ‬والسنوات‭ ‬الأولى‭ ‬للكارثة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬يحتضر؛‭ ‬زواج‭ ‬إلسا،‭ ‬المزرعة،‭ ‬والمحاصيل،‭ ‬سوء‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية‭ ‬والجفاف‭ ‬والعواصف‭ ‬الترابية‭ ‬المتكررة‭ ‬اجتاحت‭ ‬الأراضي‭ ‬وجففت‭ ‬المنطقة‭ ‬بأكملها‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬ودمّرت‭ ‬المزارع‭ ‬واحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭.‬

كل‭ ‬يوم‭ ‬هو‭ ‬معركة‭ ‬يائسة‭ ‬لإلسا‭ ‬ضد‭ ‬الطبيعة‭ ‬ومعركة‭ ‬لإبقاء‭ ‬أطفالها‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭.  ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬مثل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المزارعين‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬أحد‭ ‬خيارين؛‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مزرعتها،‭ ‬أو‭ ‬تركها‭ ‬وراءها‭ ‬والذهاب‭ ‬غربًا‭ ‬إلى‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬لها‭ ‬ولأبنائها‭. ‬

يبدأ‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1935،‭ ‬تبلغ‭ ‬لورا‭ (‬ابنة‭ ‬إلسا‭) ‬12‭ ‬عامًا،‭ ‬وأنتوني‭ ‬7‭ ‬أعوام،‭ ‬يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬علاقة‭ ‬الأم‭ ‬بأبنائها‭. ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬الجفاف‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المزرعة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إلسا‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالأرض،‭ ‬وتعمل‭ ‬بلا‭ ‬كلل‭ ‬وتحاول‭ ‬الصمود‭ ‬هي‭ ‬وعائلة‭ ‬زوجها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلّى‭ ‬عنها‭ ‬زوجها‭. ‬لكنّ‭ ‬حيواناتهم‭ ‬تنفَق‭ ‬والإمدادات‭ ‬تنفد،‭ ‬بعد‭ ‬عاصفة‭ ‬ترابية‭ ‬استمرت‭ ‬أسبوعًا،‭ ‬ثم‭ ‬يصاب‭ ‬ابن‭ ‬إلسا‭ ‬بمرض‭ ‬شديد‭ ‬بسبب‭ ‬استنشاق‭ ‬الغبار،‭ ‬وينصحها‭ ‬الأطباء‭ ‬بضرورة‭ ‬المغادرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بقائه‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬لذا‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬تغادر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬روز‭ ‬وتوني،‭ ‬والدَي‭ ‬زوجها‭ ‬اللذين‭ ‬فضّلا‭ ‬البقاء‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬حكومية‭ ‬لزراعة‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الخطة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التربة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭.‬

تغادر‭ ‬إلسا،‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬مع‭ ‬أطفالها‭ ‬إلى‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬عملًا‭ ‬ثابتًا‭ ‬هناك‭. ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬يدور‭ ‬جدال‭ ‬مستمر‭ ‬بين‭ ‬الأم‭ ‬وابنتها‭ ‬يسمح‭ ‬هذا‭ ‬السجال‭ ‬بتعميق‭ ‬علاقتهما‭. ‬

وفور‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬تضطر‭ ‬إلسا‭ ‬وابناها‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬للمهاجرين،‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬الطعام‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المساعدة‭. ‬وهناك‭ ‬تتعرف‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬المأساة‭ ‬نفسها‭. ‬وتقيم‭ ‬صداقة‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬العائلات،‭ ‬ومنها‭ ‬جان‭ (‬الحامل‭) ‬وجيب‭ ‬ديوي‭.‬

تحصل‭ ‬إلسا،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬مزرعة‭ ‬لقطف‭ ‬القطن،‭ ‬لكن‭ ‬بأجر‭ ‬منخفض‭ ‬للغاية‭. ‬ثم‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قرارًا‭ ‬صائبًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬صعبًا‭ ‬للغاية‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬كانت‭ ‬البلدة‭ ‬شديدة‭ ‬الحزبية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ومنقسمة،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والعداء‭ ‬بين‭ ‬الأغنياء‭ ‬والفقراء‭. ‬

 

الجزء‭ ‬الرابع

يبدأ‭ ‬الجزء‭ ‬الرابع‭ ‬والأخير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1936‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬التي‭ ‬تغرق‭ ‬بالفقراء‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬أمسّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬والطعام،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬معايير‭ ‬أمان‭ ‬أو‭ ‬لوائح‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬للأجور‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬يتمتّع‭ ‬أصحاب‭ ‬المزارع‭ ‬الكبيرة‭ ‬بحريّة‭ ‬معاملة‭ ‬عمالهم‭ ‬بوحشية‭ ‬كما‭ ‬يريدون‭. ‬ويكتشف‭ ‬المهاجرون‭ ‬كذب‭ ‬حكومتهم،‭ ‬وإهمالها‭ ‬لهم‭.‬

يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬تزداد‭ ‬المعاناة‭ ‬والغضب‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬ضد‭ ‬مزارعي‭ ‬القطن‭ ‬من‭ ‬المعاملة‭ ‬السيئة‭ ‬والتفرقة‭ ‬والظلم‭ ‬وإجبار‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬عبيدًا‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المزارعين‭ ‬الكبار،‭ ‬وشعورهم‭ ‬باليأس،‭ ‬لأنّه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديهم‭ ‬مكان‭ ‬يذهبون‭ ‬إليه‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يلجأون‭ ‬إليه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬احتجاجات‭ ‬عنيفة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬كان‭ ‬السكان‭ ‬الأصليون‭ ‬قلقين‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬أسلوب‭ ‬حياتهم‭ ‬وعدم‭ ‬الأمان،‭ ‬بسبب‭ ‬ازدياد‭ ‬الجرائم‭ ‬والسرقات‭ ‬والمرض‭ ‬الذي‭ ‬ألقوا‭ ‬باللوم‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬المهاجرين‭. ‬

وقالت‭ ‬إحدى‭ ‬المهاجرات‭ ‬لإلسا‭ ‬في‭ ‬المخيم‭: ‬‮«‬هل‭ ‬نحن‭ ‬بأمريكا‭ ‬في‭ ‬وطننا،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬لنا؟‭ ‬يتم‭ ‬استبعاد‭ ‬الأطفال‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬المدارس،‭ ‬وترفض‭ ‬المستشفيات‭ ‬معالجة‭ ‬العمال،‭ ‬ويتم‭ ‬اعتراض‭ ‬أي‭ ‬مقاومة‭ ‬سلمية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الشرطة‮»‬‭. 

يتفاقم‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬المخيم‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬جين‭ ‬في‭ ‬المخاض،‭ ‬ورفض‭ ‬المستشفى‭ ‬قبول‭ ‬المهاجرين‭ ‬مثلها،‭ ‬ويولد‭ ‬الطفل‭ ‬ميتًا،‭ ‬وبوفاته‭ ‬تشتعل‭ ‬الثورة‭ ‬الكبرى‭ ‬والمقاومة‭ ‬والإضراب‭.‬

وخلال‭ ‬الإضراب‭ ‬تُدفع‭ ‬إلسا‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬الرصاص،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تموت،‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬جاك‭ ‬اصطحاب‭ ‬طفليها‭ ‬والعودة‭ ‬بهما‭ ‬إلى‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬تكساس‭. ‬وتعود‭ ‬ابنتها‭ ‬لورا‭ ‬إلى‭ ‬تكساس،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬
الـ‭ ‬18‭ ‬تقرر‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬حلم‭ ‬والدتها‭. ‬

 

بُعد‭ ‬حكائي

استلهمت‭ ‬الرواية‭ ‬الوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬بعدًا‭ ‬حكائيًا‭ ‬صورته‭ ‬هانا‭ ‬بشكل‭ ‬سردي‭ ‬مذهل‭ ‬يحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬الشديدة‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬القارئ‭ ‬غير‭ ‬الأمريكي‭ ‬فرصة‭ ‬للتعرف‭ ‬إلى‭ ‬الأحداث‭ ‬بطريقة‭ ‬مؤثرة‭ ‬ترسخ‭ ‬في‭ ‬الأذهان،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬الرواية‭. ‬

النص‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القراءات‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬بالماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬والمستقبل‭. ‬وتفتح‭ ‬الرواية،‭ ‬أيضًا،‭ ‬أسئلة‭ ‬متعددة‭ ‬وأبعادًا‭ ‬متنوعة‭ ‬وتفاصيل‭ ‬مثيرة‭ ‬عن‭ ‬موجات‭ ‬اللاجئين‭ ‬والمهاجرين‭ ‬وما‭ ‬يتعرّضون‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بالعالم‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬فقط‭.‬

تقول‭ ‬هانا‭ ‬عن‭ ‬روايتها‭ ‬وعن‭ ‬اختيارها‭ ‬لإلسا‭ ‬بطلة‭ ‬لقصتها‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الكساد‭ ‬الكبير‭ ‬استمر‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلًا،‭ ‬ولم‭ ‬يتحدث‭ ‬أحد‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬وماذا‭ ‬كانت‭ ‬تفعل‭ ‬النساء‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬انتهى‭ ‬بهنّ‭ ‬المطاف‭ ‬بتحمُّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬وحدهن‭. ‬بحثت‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬تتناول‭ ‬قوة‭ ‬المرأة،‭ ‬لكنّني‭ ‬لم‭ ‬أقرأ‭ ‬تلك‭ ‬القصص‭ ‬أبدًا،‭ ‬لأنّ‭ ‬تاريخنا‭ ‬الأمريكي‭ ‬كتبه‭ ‬الذكور‭ ‬عن‭ ‬الذكور‭ ‬فقط‮»‬‭. ‬

تبدو‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬أيضًا‭ ‬وثيقة‭ ‬الصلة‭ ‬بالأحداث‭ ‬الحالية‭ ‬وانتشار‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كريستين‭ ‬هانا‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬قبل‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء،‭ ‬وقبل‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬أحداث،‭ ‬وفساد‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬والعزلة،‭ ‬وخوف‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬مستقبلهم‭. ‬

تقول‭ ‬هانا‭ ‬‮«‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬لنتعلّمه‭ ‬من‭ ‬الماضي‭. ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يتمّ‭ ‬تذكير‭ ‬كل‭ ‬جيل‭ ‬بأننا‭ ‬مررنا‭ ‬بأوقات‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وأننا‭ ‬نجونا‭ ‬وتخطينا‭ ‬الكوارث‭ ‬وتغلّبنا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الانقسامات‮»‬‭ ‬■