من الأرض إلى الفضاء .. أول تجربة علمية كويتية فضائية

من الأرض إلى الفضاء .. أول تجربة علمية كويتية فضائية

المــركــز العلمـــي أحــــد الأذرع الرئيســة لمـؤسســـة الكويت للتقدم العلمي لتقريب المعرفة والعلم بطريقــة ممتعـــة وتـــرفيهيــــة، وذلك لإثـراء حياة الأطفال وعائلاتهـم مـن خـلال توفيـر مساحـة لا مثيـل لها للتعلّم عن طريق اللعب والاستكشاف والتجريب، وتغذية إبداعات الشباب وحثّهم على خوض التجارب العلمية وإطلاق العنان لأفكارهم، من خلال توفير نظام بيئي يركز على تطوير التجارب ذات التأثير، إيمانًا بأهمية العلم ودوره في بناء مستقبل آمن ومستدام. توجهتُ إلى مبنى المركز العلمي في رأس السالمية بالكويت للتعرف أكثر إلى الأنشطة والتجارب الأخيرة التي أطلقها في مجال علوم الفضاء، وكان هذا الاستطلاع. 

«الخيال أهم من المعرفة» هذا ما يقوله ألبرت أينشتاين، فالمعرفة محدودة تقتصر على كل ما نعرفه ونفهمه، بينما يشمل الخيال الكون بأسره. وهو الذي يقود إلى المعرفة. 
وفي الكويت يعدّ المركز العلمي المكان المثالي لإطلاق الخيال والاستكشاف.
إنها زيارتي الثانية للمركز العلمي بعد عشرين عامًا، وليـــس لديّ ســـوى ذكريات جميلة واشتياق لرؤيته مرة أخرى. 
قد يكون ذلك لأني اعتدت طوال حياتي ألّا أستكشف الأماكن أكثر من مرة، لكنّ هذه العودة مختلفة، فقد منحني القائمين على المركز العلمي فرصة رائعة للتجول واستكشافه بتفاصيله الجديدة المميزة، للاطلاع على تجاربه العلمية الأخيرة. وإن كنت من عشاق علوم الفضاء فهذه اللحظات ستعني لك الكثير.

سفينة شراعية
 للمركز العلمي شكل فريد مطلّ على الخليج العربي، ومتوجًا بأسقف شراعية، كأنه سفينة رست على شاطئ الكويت في مشهد يجسّد تراثها البحري، وذلك بمساحة تزيد على 80 ألف متر مربع، جزء منها ردم من البحر، ومن الداخل تُرى جداريات تراثية منسوجة من قطع السيراميك تعكس روعة المعمار الإسلامي، وممرات وأروقة طويلة بألوان مستوحاة من الصحراء الكويتية.
تعود فكرة إنشاء المركز العلمي إلى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدّم العلمي وقتهــا، والتـــي تهــدف إلى حماية المنظومة البيئية من خلال إقامة مؤسسات تهتم بالتعليم والبيئة وتشجع البحث العلمي.
 ومنذ افتتاحه في عام 2000، قدّم المركز العديد من المبادرات العلمية والفضائية لتعزيز العلوم، وينظم فعاليات مختلفة سنويًا، تتضمن عروضًا مميزة وأنشطـــة تعليمـــية لتشجــيع الأطفال والشباب على أن يصبحوا مستكشفين ومبدعين، لا مجرّد متلقيـن للمعرفة.
يضـمّ المركـــــز ثلاثــــة مرافق رئيسة؛ هي الأكواريوم وقاعة الاستكشاف وصالة عرض آي ماكس، وفي الخارج مرفأ السفن القديمة الذي يضمّ البوم الوحيد المتبقي في الكويت من حقبة ما قبل النفط، إضافة إلى عدد من السفن الشراعية القديمة والمصنوعة يدويًا.
بدأت جولتي في قاعة الاكواريوم والتي تعد الأكبر في الشرق الأوسط، وتتضمن ممرات وأنفاقًا وكهوفًا مظلمة، غاية في الروعة، تحاكي ثلاث بيئات رئيسة؛ الصحراء والساحل والبحر، ويتنقل فيها الزائر في رحلة علمية استكشافية ممتعة، وتضم أنواعًا مختلفة من الطيور والحيوانـــات والأحيـــاء البحرية التي تعبّر عن البيئة الكويتية، إضافة إلى مجموعة من الأحواض الضخمة التي تضــم أسمــــاك القرش وسمك اللخم والشّعاب المرجانية وأسماكًا مختلفة.
 ويقوم غواصو المركز بإطعام أسماك القرش وغيرها في عروض حيّة أمام الجماهير، كما يتاح لهواة الغوص مشاركة غواصي المركز في الدخول إلى الأحواض والسباحة مع الأسماك.
خلال وجودي في قاعة الأكواريوم، كانت جميع الحيوانات تتفاعل معي بشكل مؤثّر غير معتاد، في مشهد طريف وحزين في الوقت نفسه.
هرعت البطاريق إلى السياج لتحيّيني، في حين كانت أسماك القرش تتقلّب بشكل مفرط، وتجمّعت أسماك اللخمة من خلف زجاج الأحواض، بانتظار التقاط صورة تذكارية لها، وبدت كأنها سعيدة لرؤية شخص ما. 
قد يكون ذلك بسبب الهدوء الناجم عن إغلاق مبنى المركز واختفاء الزائرين وقتًا طويلًا، للظروف التي فرضتها جائحة كورونا، بعد أن كانت الحيوانات معتادة على الضوضاء والحشود الغفيرة، لذا كانت الحيوانات الأسيرة تحاول أن تمارس سلوكيات غريبة للبحث عن الاهتمام، ومحاولة لفت انتباهي أنا الزائرة الوحيدة في المركز.
انتقلتُ بعد ذلك إلى قاعة الاستكشاف والتي تتضمن أفضل الأدوات التعليمية لجميع الفئات العمرية، وتضمّ العشرات من الأجهزة التفاعلية وورش العمل التي تتطرق إلى مواضيع علمية شائقة لا تخلو من الإثارة في علوم الفلك والفضاء والفيزياء وجسم الإنسان والجينات والتغذية.
وقد ذكر لي مدير العلاقات العامة بالإنابة محمد السنعوسي، خلال مرافقته لي في هذه الجولة، أن «المركز يحاول أن يخلقَ كلّ يوم نشاطًا علميًا مميزًا بطرق غير تقليدية تحثّ الزائرين على الاستكشاف، وذلك من خلال دمج معروضاتنا مع محتوى البرامج التعليمية التي تتوافق مع المناهج الدراسية من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الجامعية. ويتزامن ذلك أيضًا مع تقديم برامج مجتمعية مختلفة تساهم في إكسابهم خبرات متنوعة وصقل مهاراتهم بمختلف وسائل المعرفة الميدانية، لرفع الوعي البيئي لديهم وغرس ثقافة العمل التطوعي في أجواء لا تخلو من المرح والبهجة».
ويضم المركز أيضًا مسرح آي ماكس، الذي يتيح للزوار تجربة مشاهدة فريدة لأحدث الأفلام التعليمية والثقافية باللغتين العربية والإنجليزية، بالتقنية الثلاثية الأبعاد، حيث هناك شاشة عملاقة مجهزة بأحدث التقنيات، بارتفاع 15 مترًا وعرض 20 مترًا. 
وإضافة إلى هذه المرافق الرئيسية، ينظّم المركز أنشطة وفعاليات متعددة وشيقة، منها استضافة المركز للروبوت (صوفيا) ومطوّرها د. ديفيد هانس في محاضرة علمية عن الذكاء الاصطناعي وعالم الروبوتات، وأتيح للزوار فرصة التحدث إليها مباشرة والتفاعل معها، وهي تعد أول كائن غير بشري يملك ذكاءً خارقًا، فهي قادرة على قراءة الوجوه والأحاسيس وفهم الفروق الدقيقة في اللغة. 
واستضاف المركز أيضًا نابغة الفضاء الإماراتية علياء المنصوري، لتقديم محاضرة عن تجربتها الفضائية، التي كانــت تتعلّق بحماية رواد الفضاء من مــوت بعــض الخلايا في الفضاء.
كذلك مكّن المركز الطلاب والمهتمين أيضًا من التحدّث من المركز إلى رواد الفضاء، عبر الاتصال اللاسلكي بمحطة الفضاء الدولية، وذلك لإلهامهم وتزويدهم بالمهارات اللازمة لإعداد وتحقيق رحلة التعلّم الخاصة بهم، وهو الأمر الذي أدى إلى الكشف عن مواهب وتجارب علمية مبتكرة، ومنها ما قدّمه الطالبان ملك وعمر، واللذان التقيت بهما وأخبراني عن تجربتهما الفريدة.

تجربة فضائية 
تستـنــــد العـــديـــد مـــن الابتكــــارات المؤثرة في العصر الحالي إلى التكنولوجيا المتقدمة وإلى عقود من البحث والتطوير، لكنّ هناك أيضًا العديد من الابتكارات والتجارب التي تعدّ مجرد طرق جديدة بسيطة ومدهشة، ومن الممكن أن توفّر عوائد كبيرة على البيئة والاستثمار، نظرًا لبساطتها، لذلك تعد القدرة على الابتكار بشكل منهجي خارج الصندوق مهارة قيّمة للغاية. ولهذا الهدف يستقطب المركز العلمي في الكويت مبادرات الشباب ذات التأثير والجدوى العلمية، ليصبحوا صانعي التغيير، فالعقول الناشئة اليوم هي التي ستدير عالمنا غدًا.
ملك عبدالله وعمر قمورية طالبان من خريجي المدرسة الأمريكية في الكويت، وهما يمتلكان روح المغامرة والاستكشاف، لم يعيشا الواقع كما هو، بل سعيا إلى تغييره وتطويره للأفضل، عبر تجربة علمية بسيطة، وتعدّ معرفة المزيد من خفايا العلوم والفضاء بالنسبة لهما أمرًا ممتعاً، وشغفًا لا ينتهي. 
وقد بدأ كل شيء بمشروع علمي مدرسي وتجربة ضمن مسابقــة أعدهـــا المركـــز خلال فعالية شهر الفضـــاء عـــام 2019، وفازت التجربة واختيرت من لجنة علمية متخصصة لجدوى الفكرة واحتمالية تحقيق نتائج علمية. وكانــت هــــذه المنافــسة التي أتاحها المركز لعدد كبير من الطلبة داخل الكويت من جميع المراحل التعليمية. 
وفي هذا الإطار، قال لي عمر قمورية: «لطالما كنت أهتم بمواضيع البيئة وتلوّثها، لما له من تأثير مباشر على نوعية وجودة حياتنا. لذلك عندما اطّلعت على المسابقة أحسست أنّها الفرصة التي كنت أنتظرها دائمًا لإحداث الفرق في هذا المجال، ومن هنا كانت مشاركتي مع ملك في هذه التجربة، للمساعدة في إيجاد الحل لتخفيف التلوث في عالمنا». وأضافت ملك «كنت مع زميلي عمر نتحدث كثيرًا عن تحسين نظامنا البيئي والمحافظة عليه، واتفقنا على أن نعمل معًا في هذه التجربة». 
وقد حرص الطالبان عمر وملك على اختيار فكرة فريدة لتجربتهما وقاما بالبحث في المجالات العلمية لمعرفة آخر التطورات في الاكتشافات العلمية، وهذا ما ميّزهـــم عـــن أغلـــب المتقدمين للمسابقة، وقرر الطالبان العمل على موضوع له علاقة بتقليل نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وكانت التجربة عن قياس تأثير الجاذبية الصغرى على نمو بكتيريا إي كولاي واستهلاكها لهذا الغاز، وهي ترتكز بشكل أساسي حول بكتيريا تتغذى من خلاله، وبالتالي تخفف منه في الهواء، وهو الأمر الذي يساعد على تخفيف التلوث البيئي.
وتعمل التجربة أيضًا على مقارنة عمل البكتيريا علــــى الأرض وفـــي الفضاء، لمعرفــــة أيـــن يتزايد نشاطها أكثر، وهذا الموضوع ليس مهمًا للكويت فقط، بل للعالم بأسره، «وبما أن الموضوع جديد ولا يزال قيد البحث والدراسة، فإن أي إضافة علمية للموضوع ستكون لها قيمة عالية، وقد تكون مساهمة ملك وعمر في هذا الموضوع العالمي أحد الأسباب في تطوّره وتقدّمه، لنراه يطبّق بشكل فعلي دوليًا من أجل تقليل نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء».
هذا ما ذكره لي المدير العام لشركة الفضاء المداري، عضو مجلس إدارة المركز العلمي، د.بسام الفيلي.
 
وكالة الفضاء الدولية 
ولتحقيق النجاح للتجربة، ذكرت لي المديرة العامة للمركز العلمي، رنا النيباري، أن المركز أجرى العديد من التحضيرات الأولية لنحو عام تقريبًا قبل إرسال التجربة إلى محطة الفضاء الدولية، وبجانب المركز العلمي (صاحب المبادرة)، فتحت جامعة الكويت أبواب مختبرات كلية العلوم الطبية لإجراء التجارب الأولية بإشراف أستاذة علوم الأحياء المجهرية، د. ليلى فالي، التي ذكرت لي «أن العمل مع ملك وعمر كان رائعًا جدًا، ومع عملهما الجاد واجتهادهما، أصبحت فكرتهما عن تجربة الفضاء حقيقة واقعة، بالرغم من الصعوبات التي واجهتنا جميعًا بسبب ظروف جائحة كورونا، ولا يزال أمامنا وقت طويل لنقطعه فيما يتعلّق بوضع اللمسات الأخيرة على النتائج».
 قدّمت إدارة علوم المختبرات الطبية في جامعة الكويت الدعم الكبير لتوفير البيئة المناسبة للطلبة وكل ما يحتاجونه فنيًا لإنجاح هذه التجربة، وبعد الانتهاء من الإعداد والتحضير في نوفمبر الماضي بهذه المختبرات، استكملت التجربة في الفضاء عن طريق روّاد الفضاء الموجودين على متن المحطة الفضائية الدولية لتنفيذها نيابة عن الطلبة.
وتم ذلك بمساعدة شركات عالمية متخصصة في مجال علوم الفضاء، مثل شركة دريم أب التي كانت الوسيط بين القائمين على التجربة ووكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
كما تم بالفعل إطلاق التجربة في 6 ديسمبر الماضي على صاروخ فالكون -9، الذي صمّمته شركة سبيس أكس، من مركز كيندي للفضاء في الولايات المتحدة. 
ويختلف هذا النشاط عن غيره من الأنشطة الطلابية، كما أوضحت لي النيباري، فهو عبارة عن رحلة حقيقية للفضاء استمتع الجميع بمراحلها، بدءًا من اختيار التجربة الفائزة، إلى مرحلة الدراسة والبحث، تليها التجارب الأولية وجمع البيانات في مختـــبــرات جامعــة الكويــــت، وحتـــى الوصول إلى مرحلة الإطلاق، «عملنا يدًا بيد عامًا كاملًا مع عمر وملك، وسرنا بثقة خطوة بخطوة، حتى حققنا الإنجاز في إتمام المهام المطلوبة وفق الجدول الزمني للمهمة الفضائية. وقد تخطينا معهما كل الصعاب والتحديات التي واجهتنا، خصوصًا في ظل الأزمة العالمية (كورونا) التي أربكت العالم، إلا أننا لم نتوقف، واستمررنا فــي العمــل المتواصــل حتــى وصلنــا إلى المرحلة النهائية، ووصول التجربة إلى رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية، والآن عادت التجربة إلى مختبرات جامعة الكويت بانتظار النتائج الأخيرة لها، والتي سنعلنها قريبًا». 
وأضافت النيباري: «لا يخفى على الجميع أنه في ظل جائحة كورونا التي أثرت على العالم أجمع، واجه المركز الكثير من المعوقات والمعرقلات؛ منها صعوبة التواصل بعد إغلاق البلاد، خصوصًا بين المركز والطلبة وكذلك مشرفيهم، إلّا أننا استطعنا التغلب على هذه المشكلة بفضل التكنولوجيا وعبر المنصات الافتراضية، حتى نستطيع أن نتم هذه التجربة.
وليست مشكلة التواصل فقط التي واجهتنا في ظل هذه الأزمة، بل أيضًا إغلاق جميع المختبرات بالكويت في الفترة التي كان لا بدّ للطلبة أن يبدأوا في تحضير التجربة، إلّا أن جامعة الكويت ذللت هذه الصعوبات، وتم أخذ التصاريح اللازمة من الجهات المعنيّة لفتح أبواب مختبرات كلية العلوم الطبية لاستكمال تحضير التجربة».

استكشاف الفضاء
 احتلت علوم الفضاء بالمركز العلمي، في الأعوام الأخيرة، مكانة أعلى ومساحة أكبر ضمن خطتها الاستراتيجيـــة، مـــن خلال عقد المحاضرات العلمية الفضائـــية وفعاليـــة شهــــر الفضاء السنوية لتحفيز الشباب على خوض التجارب العلمية الفضائية.
وقد يعتقد كثيرون أن الفضاء الخارجي ليس له علاقة كبيرة بالحياة على سطح الأرض، لكن في الواقع، ترتبط الأرض ارتباطًا وثيقًا بدراسة الفضاء. وبالرغم من أن دراسة الفضاء مركّزة على الخارج، فإن علماء الفضاء يدرسون الكون بأكمله، والأرض كجزء من هذا الكون، ويحاولون معرفة كيف تتناسب مع الإطار الواسع للأنظمة الشمسية والمجرات. كما أعطت دراسة الفضاء الخارجي للعلماء العديد من الأفكـار حـول كوكبنا لم تكن لتتوافر لدينا لولا ذلك. ويعدّ استكشاف الفضاء أمرًا مدهشًا، وربما يكون أحد أصعب المساعي البشرية وأكثرها تعقيدًا، لأنه وسيلة مغايرة للنظر إلى الكون، ولأنه يجبر المجتمعات على تخطي حدودها والتغلب على التحديات المختلفة للوصول إلى آفاق جديدة.
 وتساهم هذه المعلومات الجديدة المكتسبة بالفضاء في تحسين نوعية الحياة على الأرض. وفي بعض الأحيان تمنحنا التجارب في الفضاء لمدة أشهر بيانات قد تستغرق سنوات لتجميعها على الأرض. وهناك أيضًا أبحاث طبية تُجرى في الفضاء حاليًا يمكنها علاج العديد من الأمراض، ولا يمكن إجراء هذه التجارب على الأرض، وبالفعل يساعد استكشاف الإنسان للفضاء في معالجة الأسئلة الأساسية حول مكاننا في الكون وتاريخ نظامنا الشمسي، وقد أدى ذلك إلى تطوير تقنيات مختلفة تغذي الاقتصاد وتحسّن حياتنا على الأرض، لذلك تتطلع المراكز العلمية ووكالات الفضاء من جميع أنحاء العالم إلى مستقبل استكشاف الفضاء.
ما سبق أكده لي د. بسام الفيلي، الذي أضاف أن «الإنجازات والابتكارات في مجال الفضاء هما حديث الساعة في نطاق العلوم والتكنولوجيا على مستوى العالم، ويعد مجال الفضاء هو المجال الاستراتيجي لأي دولة، وكل الدول المتقدمة دخلت هذا المجال وهي مستمرة في بناء وتطوير قدراتها في الوصول واستخدام الفضاء لخدمة شعوبها، ولم تتراجع. وحتى القطاع الخاص دخل مجال الفضاء، وذلك لعِظَم جدواه التجارية». 
وقد وضعت العديد من الدول العربية مجال الفضاء ضمن خططها الاستراتيجية، واتخذت خطوات جادة في هذا المجال، وذلك بسبب تطور تكنولوجيا الفضاء، مما جعل السفر إلى الفضاء أسهل بكثير وبتكلفة أقل. لذلك ستكون هناك زيادة في عدد الأقمار الاصطناعية العربية، وجار العمل حاليًا على تصميم وتجميع قمر اصطناعي عربي مشترك باسم 813 تحت مظلة «المجموعة العربية للتعاون الفضائي»،التي تضم 14 دولة عربية. والأهم من دخول مجال الفضاء هو بناء القدرات العلمية والتكنولوجية للشباب العربي، حيث يتم، من خلال العمل في هذا المجال، تطوير وابتكار حلول جديدة للتحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية على سطح الأرض. 
فمجال الأقمار الاصطناعية وحده يقدّم الكثير من المعلومات التي من الممكن الاستفادة منها، مثل الرصد والتصوير للأحوال الجوية، والموارد الطبيعية، مثل المياه والمعادن، وكذلك مراقبة البيئة وحمايتها، وحتى تنظيم حركة الملاحة البحرية والسيارات على الطرق البرية، ويخدم كذلك مجالات الاتصالات والإنترنت والإرشاد الملاحي. 
  
الفضاء المداري
وعن دعم شركة الفضاء المداري للمركز العلمي، قال د. الفيلي: «نحن فخورون بدعم المركز في خلق هــذه الفرصـــة لتمكين شبابنا وتعليمهم المهارات، ليساهموا في الجهود المبذولة في تطوير وتقدّم مجال الفضاء من أجل تحسين جودة الحياة على الأرض». 
يُذكر أن «الفضاء المداري» هي شركة حديثة متخصصة في علوم الفضاء، أُسست عام 2018، وتعدّ بوابة للاكتشاف للعلماء الصغار والهواة، توفر وصولًا كاملًا إلى السماء، من خلال تقنية الـ «كيوب سات»، لتمكين الطلبة والمهتمين من استخدام تكنولوجيا الفضاء للوصول إلى المدارات الفضائية حول الأرض عن طريق مشاريع طلابية لمهمات فضائية تعليمية يتم إرسالها فعليًا للفضاء.
وكان تعاون الشركة مع المركز العلمي لتنظيم مسابقة للطلبة والطلبات لإرسال أول تجربة علمية من الكويت للفضاء الخطوة الأولى، حيث كان الهدف هو جذب اهتمام المجتمع، خصوصًا الطلبة والطالبات لمجال الفضاء، وإثبات أنه من الممكن - بسهولة - الدخول في مجال الفضاء والنجاح فيه.

قمر الكويت
تعمل «الفضاء المداري» حاليًا على مشروع إطلاق قمر اصطناعي تعليمي باسم الكويت ليكون أول قمر اصطناعي كويتي يسبح في الفضاء ويدور حول الأرض، وهو مشروع أكبر وأكثر تعقيدًا من الخطوة الأولى، خصوصًا الإجراءات التنظيمية الدولية في مجال الأقمار الاصطناعية، وكذلك عملية تصميم وتجميع الأنظمة المختلفة لضمان عمل القمر الاصطناعي بالشكل المطلوب، وقد تم استكمال هذه الإجراءات من موافقات دولية واختبارات تشغيلية لتقييم أداء الأنظمة المختلفة على القمر الاصطناعي، ونحن بانتظار موعد الإطلاق في شهر يونيو المقبل، وتمت تسميته بـ «قمر الكويت».
وسيقوم قمر الكويت ببثّ إشـاراته لدول العالم خلال دورانه حول الأرض، وتحتوي إشارته على جزء من النشيد الوطني للكويت ورسالة نصية تعرّفه بأنه أول قمر اصطناعي كويتي.
 ومهمة قمر الكويت التعليمية هي إتاحة الفرصة للطلبة من كل أنحاء العالم، من دون مقابل، للتفاعل المباشر مع قمر اصطناعي حقيقي في الفضاء، والتعلّم بشكل عملي وتطبيقي عن تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية. وتمت تسمية هذه المبادرة التعليمية باسم «برمج في الفضاء»، حيث يقوم الطلبة بتصميم وصياغة برمجيات للتحكم في أنظمة القمر الاصطناعي، أو جمع المعلومات عن حالته والبيئة الفضائية من حوله، من خلال المستشعرات التي على متنه. وبعد اختبار برمجيات الطلبة والطالبات، سيتم رفعها على قمر الكويت من خلال المحطة الأرضية، وتنفيذ البرمجيات فعليًا على القمر الاصطناعي أثناء دورانه حول الأرض.
   
مستقبل مستدام
قبل المشاركة في هذه التجربة الفضائية، كان مجال الفضاء حلمًا بعيدًا بالنسبة لملك وعمر، كما هي الحال عند أغلب الطلبة في الدول العربية، أما الآن فهما يمتلكان الخبرة والمعرفة؛ ليس فقط في الترتيب والتجهيز للتجارب العلمية، بل أيضًا للمهمات الفضائية. 
وعادت المديرة العامة،النيباري، لتؤكد أنه «كوننا مركزًا يهتم بالعلوم نسعى دائمًا إلى تبني مثل هذه المبادرات، وذلك إيمانًا منا بأهمية العلوم ودورها في فهم عالمنا وبناء مستقبل مستدام. لذلك نبذل قصارى جهدنا في دعم الطلاب والشباب وتشجيعهم على الخوض في مجال التجارب العلمية وتحصيل الخبرات الأساسية، وأيضًا خلق وتوفير فرص تعليمية وعلمية للشباب في مجال البحث العلمي، والحرص على الاستمرار في تقديمه».
 ويجري العمل حاليًا على مشروع توسعة المركز العلمي، المتوقع الانتهاء منه في عام 2022، ليتمكن من إضافة أحدث المرافق العلمية واستيعاب أعداد الزوار التي تتزايد كل عام، حيث استقبل المركز حتى الآن أكثر من 11 مليون زائر.
لم يعد الابتكار خيارًا، بل أصبح ضرورة للمجتمعات التي تسعى إلى التميز، ويمكن أن تصدر الأفكار الإبداعيـة مـن الأفـراد، لكـن الابتكار غالبًا ما يأتي من خلال المؤسسات والمنظمـات المحتضـنة لتلــــك الأفكـار الإبداعية، والشيء الرائع في العلوم أنها دائمًا في خدمة الإنسان، وتصف ما يحدث من حولنا طوال الوقت في عالم ســــريع التطـــور والتحديث. 
ومن أبرز ما يحتاج إليه الموهوبون، إضافة إلى الدعم والتشجيع والإرشاد، مؤسسات تعليمية وثقافية تحثّ على التفكير والابتكار، ذات بيئة علمية متكاملة، للتمكّن من تحويل الأفكار والآمال إلى حقيقة واقعة، لكي نشهد التغيير الذي نطمح إليه، ومن خلال رعاية هذه المواهب والأفكار الصغيرة قد تنطلق إنجازات عظيمة تفيد البشرية وتعمل على تحسين معيشتها إلى الأفضل. 
الوجهات والأماكن مثل كل شيء آخر تتغير بمرور الوقت، بعضها يمنح عالماً مختلفاً ويفتح آفاقاً جديدة حتى وإن كان المكان يبدو مألوفاً لا يعني ذلك أنه لا يمكنه تقديم تجارب تثير الدهشة. كانت تجربتان مختلفتين لي في المركز العلمي على مدى العشرين عاماً، وحتماً سأعيد تكرارها لجمالها ■

أنشطة وفعاليات لزوار المركز لا تخلو من الإثارة 

رسوم الصغار والكبار بعد عرضها بشكل مثير على جدران المركز

معروضات تفاعلية تعليمية للأطفال

الوشق من الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض

اللخمة

الطالبان عمر قمورية وملك عبدالله

محمد السنعوسي مدير العلاقات العامة بالانابة في المركز العلمي

د. ليلى فالي ود. بسام الفيلي وعمر أثناء التحضير للتجربة

المديرة العامة للمركز العلمي رنا النيباري

اعادة تدوير واستخدام البلاستيك لنشر الوعي البيئي