بدايات فن الكاريكاتير في الكويت

بدايات فن الكاريكاتير  في الكويت

   احتل عام 1936م موقعًا فاصلًا من تاريخ التعليم بالكويت، ويرصد لنا هذا التاريخ نقلة نوعية في مناهج التعليم وطُرق التدريس، بعد تشكيل مجلس المعارف الذي أسهم في انتقال نظام التعليم شبه النظامي إلى التعليم النظامي في مدرستي المباركية (أُسّست عام 1912م)، والأحمدية (أسّست عام 1921م)، والعمل على تنوّع التعليم وتنظيمه، وتطوير المناهج وتحديثها، وإرسال الطلبة في بعثات إلى مصر ولبنان والعراق، فأضافوا إلى ما كان يُدرس من قبل: الهندسة والحساب، ومبادئ الصحة والعلوم، واللغة الإنجليزية، وكذلك الجغرافيا والتاريخ، ومادة الرسم والأشغال اليدوية، وواكب بعدها استقدام مدرسين من فلسطين، ثم مصر، وعودة الطلبة الكويتيين المبتعثين ومزاولة بعضهم التدريس.

أسهمت قرارات مجلس المعارف في تطوير التعليم، وتركت أثرًا عظيمًا في جيل بأكمله، ذلك الجيل الذي قامت على سواعده البنية الأساسية للنهضة الثقافية التي حدثت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لتمتد شواهدها حتى السبعينيات مع إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
ولعلّ أهم ما يميز فترة التعليم في مدرستي المباركية والأحمدية، هو احتضان المواهب التي بدأت تبرز لدى الطلاب، ورعاية المدرسين لها، وبخاصة مع تنوّع الأنشطة الطلابية التي تقام على مدار العام؛ الرياضية، والكشفية، والمسرحية، والفنية، وغيرها من الأنشطة، تحت إشراف وتوجيه مجلس المعارف الذي كان يدفع بتبنّي تنمية مهارات الطلاب وتنميتها.
وقد شهد عام 1939م حدثًا ثقافيًا لافتًا هو عرض أول مسرحية قدّمها طلبة مدرسة المباركية بعنوان «إسلام عمر»، ووصفت بأنها تؤرّخ لبداية فنّ مسرحي حقيقي، وبعدها بأشهر عدّة قدّمت مسرحية «فتح مصر»، وعلّقت جدارية ملوّنة كخلفية للأداء المسرحي رسمها الطالب أحمد محبوب العامر، وشاركه في رسمها قبل الانتهاء منها - نظرًا لضيق الوقت - الطالب معجب الدوسري، مما يؤكد أن الرسم كان يحظى برعاية في التدريس، ويحتل موقعًا مميزًا في النشاط الطلابي.

أول رسّام كاريكاتير
  في عام 1945م، بعثت دائرة المعارف الكويتية البعثة الطلابية الثالثة إلى مصر، وكانت مكونة من 45 طالبًا، وكان الطالبان أحمد العامر ومعجب الدوسري من ضمن المبتعثين فيها (البعثة الأولى عام 1939م، وكانت مكونة من 4 طلاب، والثانية عام 1943م وكانت مكونة من 17 طالبًا)، وهناك أسس بيت الكويت للطلبة بإشراف عبدالعزيز حسين، كسكن للإشراف على الطلبة المبتعثين، وفي ديسمبر عام 1946، أصدر بيت الكويت مجلة البعثة برئاسة المشرف عبدالعزيز حسين.
يذكر أن مجلة البعثة أتاحت وقتها مجالًا واسعًا للطلبة في الكتابة والتعبير وعرض أنشطتهم الرياضية والثقافية في مصر، إلى جانب نشر الأخبار المحلية التي تأتي من الكويت، وما تمثّله من جسر ثقافي - اجتماعي بين البلدين.
كما منحت «البعثة» أحمد محبوب العامر (1925 - 2015م) الفرصة لممارسة هواية الرسم من خلال فن الكاريكاتير، ويُعدّ أول من عُلقت له لوحات على جدران مدرسة المباركية عام 1936م، حيث رسم لوحة حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح، راعي النهضة التعليمية، بجانب رسم لفوزي القاوقجي، الضابط السوري الذي حارب ضد الاستعمار الفرنسي، والإنجليزي، وقائد ثورة المجاهدين الفلسطينيين عام 1936م.
ويعرف عن العامر أنه فنان بالفطرة، صاحب موهبة، علَّم نفسه بالتدريب من خلال اطّلاعه على الرسم في المجلات، وكذلك على الورق المصور الذي كان يُلصَق على الأقمشة المستوردة من الهند واليابان. كما تميّز في الرسم بالرصاص، وكان دائمًا يحمل مفكرة الجيب وأوراقًا بيضاء وقلمًا أثناء جلوسه في أحد المقاهي الشعبية، فيختار أحد أوجه الحاضرين في المقهى ويشرع في رسمه، وعندما ينتهي من الرسم يقدّمه له هدية.

الكاريكاتير الأول بالكويت والخليج
  في العدد السابع من مجلة البعثة عام 1947م، نشر العامر أول رسم للكاريكاتير عرفته الكويت ومنطقة الخليج، وجاء تشبيهيًا لشخصية أحد زملائه من طلبة البعثة، وقدّمه بشكل متوافق مع نصّ هزلي يصف طباع الشخصية المرسومة تحت عنوان «من هو؟».
وتكرّر الرسم في العدد الثامن من المجلة، وكان ينمّ عن سرعة بديهة الفنان العامر في التقاط الملامح الشخصية عبر تضخيم الرأس وتطويل الرقبة، وقدرته على مواءمة النص مع الشكل المرسوم. 
كما قدّم العامر رسمًا توضيحيًا لنكتة في الصفحة الأخيرة من العدد الثامن من «البعثة»، ومع الأسف لم يستكمل بعثته بسبب عودته القسرية إلى الكويت، فتوقّف عن الرسم في المجلة.
أما علاقة العامر برسم الكاريكاتير فقصته طريفة، حيث قال في حوار تسجيلي أجريته معه: «لم يكن في الكويت في الثلاثينيات أكياس النايلون، وأغلب الناس لم يكن لديهم المال، فكانوا يشترون حاجاتهم يوميًا، وكانت المشتريات من البقالات الموجودة في الأحياء، وأغلبها كانت في سوق الخضرة، والبائعون كانوا يضعون السلع للمشترين داخل أوراق ملفوفة بشكل أسطواني، وهذه الأوراق قصاصات من الصحف الهندية، كانت تجمع مع الصحف المرتجعة وتصدر لمنطقة الخليج بعد الانتهاء من قراءتها في الهند لاستخدامها في التغليف».
وكان العامر يطّلع على قصاصات الصحف الهندية، واكتشف فيها رسمًا للكاريكاتير فأثار إعجابه، ونظرًا لطبيعة شخصيته التي تحمل الكبرياء، فلم يسأل عن طبيعته خشية اكتشاف جهله به.
 وبعد فترة اطّلع العامر على الصحف والمجلات المصرية، ومنها مجلة اللطائف المصورة، وأصبح يشتريها لاهتمامه بالصور، وكذلك مجلة المصور التي تصدر عن دار الهلال، فاكتشف بها رسومًا للكاريكاتير، مثل التي وجدها بقصاصات الصحف الهندية.
ويستذكر العامر رسمًا للكاريكاتير شكّل علامة فارقة في مسيرته الفنية، موضوعه «كيف يُشَكّل الليل والنهار؟»، وكان الرسم يدور حول تلميذ يسأل المدرس: إذا الشمس تؤلّف الليل والنهار، وأن الأرض كروية، ماذا لو حدث في السماء غيوم واختفت الشمس، كيف يحدث الليل والنهار؟
وصادف بعدها في الفصل الدراسي موضوعًا عن دوران الأرض، فانتهز الفرصة لإحراج المدرس، وسأله: إذا كان هناك غيم، فكيف يحدث الليل والنهار؟  فنهره المدرس على سؤاله وصفعه، مما أحرجه أمام الطلبة.وفي اليوم التالي شعر المدرس بأنه قسا على العامر، فقال له: لماذا قلت هذا الكلام؟، فردّ عليه بأنه اطّلع عليه عبر رسم بمجلة، فأجابه المدرس: هذه مزحة، ويُطلق عليها «كاريكاتير». وينهي العامر حديثه: «لقد عرفت الكاريكاتير بصفعة واحدة!».
يُذكر أنه بعد عودة العامر إلى الكويت عام 1947م توقّف عن رسم الكاريكاتير، لكن بعد خمسة عشر عامًا أصدر جريدة الوطن في يونيو عام 1962م، التي تعدّ أول صحيفة أسبوعية تصدر بعد الاستقلال، فرسم الكاريكاتير على الصفحة قبل الأخيرة، وأحيانًا كان ينشر كاريكاتير على الغلاف عندما يستجدّ موقف سياسي أو اجتماعي ساخن، كما كان في بعض الأحيان يرسم الرسوم المصاحبة للمواضيع.
ولعلّ ما كان يميّز العامر في رسم الكاريكاتير بتلك الفترة، هو اختياره رسم شخصية متخيلة باسم «ملا مصلح»، أثارت ضجة كبيرة آنذاك، وتمثّل نقدًا للشخصية المتاجرة بالدين، حيث كان يُسقط من خلال الرسم نقده الهادف الجريء الساخر للسلبيات والمواقف المتناقضة التي تحدث في المجتمع الكويتي، وأيضًا نقده للأحداث السياسية، العربية والعالمية. وفي منتصف الستينيات، تعثّر العامر في انتظام إصدار جريدة الوطن، وأصبحت تصدر نصف سنوية، وفي نهاية عام 1974م انتقل امتياز جريدة الوطن إلى مالك جديد، وبعدها توقّف العامر نهائيًا عن رسم الكاريكاتير.

الرسّام معجب الدوسري
يعتبر الفنان معجب الدوسري (1922 - 1956م) ثاني رسام لفنّ الكاريكاتير في الكويت، وأول فنان تشكيلي درس الفن أكاديميًا.
بدأت موهبته بالرسم وهو في مرحلته الابتدائية، وفي عام 1936م التحق بالمدرسة الأحمدية، وانتقل عام 1938م إلى المدرسة المباركية، فساهم في رسم المناظر المسرحية التي تقام بالمدرسة، وعندما أقيم أول معرض فني بالكويت بمدرسة المباركية في شهر مايو 1943م، كان أبرز الطلاب المشاركين، وبعد تخرّجه في المدرسة المباركية عمل مدرسًا بالمدرسة الشرقية لمادة الرسم لعام واحد، وبعدها سافر إلى مصر ضمن البعثة التعليمية في عام 1945م.
التحق الدوسري بمدرسة الصناعات الزخرفية مدة خمس سنوات، وحصل على الدبلوم، وخلال إقامته في مصر ساهم في نشر الوعي الفني عبر مجلة البعثة التي تصدر عن بيت الكويت بمصر، وكتب أول مقال له عن الفن في العدد الأول (ديسمبر 1946)، واستكمل رسم كاريكاتير لشخصية من الطلبة تحت عمود «مَن هو» منذ العدد العاشر من مجلة البعثة 1947م، بعد عودة زميله أحمد العامر إلى الكويت. 
واستمر الدوسري في الرسم حتى العدد الخامس عام 1948م، كما نشر رسم كاريكاتير لمدرس مع تلميذ تكرّر في أكثر من عدد، مع وضع حوار مختلف في كل عدد. ولعلّ ما يميّز رسم الدوسري عن العامر هو تركيزه في رسم الوجوه فقط، ودقّته في رصد التفاصيل، وخطوطه التي تحمل الرصانة في رسم الملامح، نظرًا لمجال تخصصه الأكاديمي في الرسم.

محاولات أخرى
يذكر أن الدوسري أنجز لوحات زيتية عدة، ورسم المناظر لمسرحية المرأة الغائبة ومجنون ليلى من تمثيل طلاب البعثة في مصر، وعاد إلى الكويت عام 1950م، ولم ينقطع عن نشر مقالات تخصصية عن تاريخ الفن حتى عام 1953م، وانقطع بعدها بسبب المرض الذي أدى إلى وفاته 1965م.
كما كانت هناك محاولات عدة في رسم الكاريكاتير لطلاب آخرين بمجلة البعثة، مثل أحمد زكريا الأنصاري (1931 - 2000م)، الذي التحق بالمرحلة الثانوية في مصر، ثم درس فن العمارة بجامعة الإسكندرية، وشارك في الكتابة بمجلة البعثة، ورسم عملَي كاريكاتير يحملان نقدًا اجتماعيًا، الأول عن البريد صوّر سلحفاة تحمل حقيبة بريد الكويت مع رسم لطائرة، والآخر صوّر الكويت امرأة لديها مال وليس لديها ماء، ولكن ما تميّز به بشكل لافت في مجلة البعثة هو الرسوم التوضيحية التي صاحبت بعض المواضيع، التي تُظهر موهبته في التظليل وقوة الخطوط الموحية.
وفي عام 1954م سافر للدراسة بجامعة أكسفورد، وعرف بعد عودته في الستينيات رسامًا ونحاتًا إلى جانب عمله في العمارة.
أما إبراهيم الشطي (1932 - 2018م)، فشارك برسم في مجلة البعثة في عددي مارس وأبريل عام 1954م تحت باب يكتبه ويرسمه بعنوان «يضايقني»، كان يحمل نقدًا اجتماعيًا لبعض السلوكيات التي تحدث في الكويت، ولكن محاولاته كانت على قدر كبير من الرسم الفطري.

الرسّام أحمد النفيسي
في يناير 1958، عرفت الصحافة الكويتية تجربة غنية بالرصد والتوثيق، وأسلوبًا مختلفًا في فن  الكاريكاتير، وهو الطالب أحمد يوسف النفيسي (1940م)، الذي يعدّ أول رسّام يتم الاتفاق معه للعمل لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، حيث دعاه رئيس تحرير جريدة الشعب، خالد خلف، للرسم، بناء على ترشيح الأستاذ عبدالعزيز نجيب، المدرس بمدرسة المباركية، ثم ثانوية الشويخ، نظرًا لمعرفته الجيدة بطلاب جماعة الرسم التي أشرف عليها مع الدوسري، الذي برزت موهبته بالمعارض التشكيلية التي كانت تقام بالمدرسة، ويذكر أنه نشر رسمًا بمجلة صباح الخير المصرية عندما فتحت صفحة للفنانين الموهوبين من الوطن العربي، عن مؤتمر باندونغ الذي مهّد لتأسيس حركة عدم الانحياز.
ويلاحظ تميز النفيسي في الكاريكاتير السياسي الذي لم يسبقه أحد في تناوله، وحماسته للقضايا العربية التي تشير إليها رسومه في مجلة الشعب، والتي لم تستمر نظرًا لسفره إلى مصر للدراسة وتوقّف بسبب المرض، ثم عاد وذهب لدراسة العمارة في أمريكا، لكنّه قطع دراسته باختياره، وعندما عاد إلى الكويت بداية عام 1963م، دُعي للمشاركة في هيئة تحرير مجلة الطليعة ذات الاتجاه القومي، وصوت المعارضة الوطنية آنذاك. تسببت بعض رسوم النفيسي، التي حملت نقدًا سياسيًا لاذعًا، في تعطيل المجلة أكثر من مرة، ويذكر أنه ذهب للدراسة بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1964م، وفي السبعينيات دخل المعترك السياسي ليصبح عضوًا في البرلمان، وبعدها نشط أكثر في الكتابة بمجلة الطليعة، مما أدى إلى ابتعاده عن رسم الكاريكاتير بشكل مستمر.

أحمد الهلال
نتوقف، في الختام، مع أحمد عبداللطيف الهلال (1945م) الذي درس الرسم بكلية المعلمين عام 1962م لأربع سنوات، وفي عام 1965م انتقل للعمل بجريدة الهدف الأسبوعية بمجال رسم الكاريكاتير، بناء على نصيحة زميله في الكلية طارق عبدالله، الذي كان يعدّ الصفحة الطلابية بالجريدة آنذاك. 
وعرف باسم «الهلالي»، وأحيانًا كان لا يضع اسمه إذا كان الكاريكاتير جريئًا في طرحه، وتميّزت خطوطه بالليونة والوضوح، وتمتّع بحرفية عالية في التعبير عن الفكرة الواحدة بأكثر من رسم، وكان أغلبها يتناول الجانب المحلي السياسي، واستمر في الرسم حتى عام 1968م، لينتقل بعدها إلى مجلة صوت الخليج لفترة قصيرة.
في عام 1970م التحق بسلك التدريس، وبعدها بثلاث سنوات تقدّم للشهادة الثانوية كشرط لالتحاقه للدراسة الجامعية في تخصص المحاسبة، وحصل عليها عام 1980م، وبعدها توجّه للقطاع الخاص، فخسرت الصحافة الكويتية موهبته اللافتة التي لا تتكرر. واستمرت مسيرة فن رسم الكاريكاتير في الكويت كشجرة وارفة تزيّن بثمارها صفحات الجرائد والمجلات بين الحين والآخر بأسماء واعدة حتى هذه اللحظة ■

احمد الانصاري

احمد محبوب العامر

معجب الدوسري

كاريكاتير من رسم معجب الدوسري - مجلة البعثة، نوفمبر 1947م