الكويت في الخمسينيات .. يستحضر العصر الذهبي للدولة

الكويت في الخمسينيات .. يستحضر العصر الذهبي للدولة

     عن دار ذات السلاسل في الكويت، صدر حديثًا كتاب «الكويت في الخمسينيات»، الذي يكتسب أهميته في جانبين؛ الأول أنه يرصد إنجازات العقد الذهبي في تاريخ الكويت، والجانب الآخر أن كاتبه صاحب حرفة خاصة تجمع بين فن الكتابة ومهارة التأريخ، كما أنه واحد من خبراء علم المعلومات، ومن أهمّ مؤسسي مراكزها الصحفية، وفي هذين الجانبين يقول الوزير الكويتي الأسبق للشؤون الخارجية، سليمان ماجد الشاهين، في تقديمه للكتاب: «إن عقد الخمسينيات هو العقد الذي حمل الأهمية والمكانة التي يستحقها تاريخنا الكويتي، وهو عقد مرحلة قدر للكويت اختيارها منطلقًا لاستكمال حداثتها المادية إن صحّ التعبير، والتي تتماشى مع التحول العالمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية».

 يضيف الشاهين: إن التحول الاقتصادي البحري من الغوص والسفر والنقل البحري بين الموانئ الآسيوية في الهند وما جاورها شرقًا، إلى السواحل الشرقية لإفريقيا غربًا، فضلًا عن الطرق البرية غربًا وشمالًا، كل تلك الأنشطة الاقتصادية ومراحلها انحسرت أمام انطلاق المرحلة الاقتصادية في التحول إلى صناعة النفط إنتاجًا وتسويقًا أو تصنيعًا، مما أتاح للكويت والكويتيين تحقيق الطموحات والرؤى والأفكار التي راودت أحلام القيادات والمفكرين والمصلحين من أبناء شعبنا منذ أوائل القرن الماضي، وتحويلها إلى واقع يعتمد على الإرادة الوطنية، والاستفادة القصوى من الخبرات العربية والدولية في بناء الدولة وفق متطلبات العالم من حولنا، مدعمة بالجداول والأرقام والإحصاءات».
ويضيف الوزير الشاهين: لعل الأخ حمزة عليان بمواكبته اليومية في عالم الصحافة والتأليف يضعه مع الصفوة التي تقرأ وترصد وتقترح بالرأي والقلم، فهذا الكتاب الذي بين أيدينا هو الحادي والعشرون لعليان من المؤلفات التي أصدرها، والتي غطّت الحياة الثقافية والسياسية والإعلامية في الكويت بالذات، عبر تاريخها السابق على الخمسينيات، مستعرضًا الرحّالين الذي مرّوا بالكويت منذ بدايات القرن الماضي، فضلًا عن بعض المقيمين فيها ممن تركوا بصماتهم المذكورة والمشكورة.
لقد أشار الوزير الشاهين إلى رصيد كبير للمؤلف حمزة عليان تمثّل في 21 مؤلفًا، هنا نتذكر مقولتي أن «التاريخ يُصنع من الوثائق» وأن «ما لم يدوّن لم يحدث»، وقياسًا بذلك يمكن القول إن الأستاذ عليان أوفى بوعود طالما انتظرناها ممن يُؤتمون على الكتابة وعلى التأريخ، ومن ينسى فضله في توثيق تراجم شخصيات ضمّتها سلسلة كتب «وجوه من الكويت» التي بلغت حتى الوقت الحالي 22 كتابًا، واحدًا منها يخصّ «وجوه خليجية»، ومَن لا يقدّر إسهامه المهم في إنجاز موسوعتين واحدة عن الثقافة الكويتية والأخيرة عن أعلام الكويت؟
 كما أن بعضًا من كتبه وثّقت وتناولت مسائل لم تنَل حظّها الكافي من الاهتمام، ولعلّنا نذكر هنا كتاباته عن «اليهود» و«المسيحيين»، وقد أولى عددًا من الموضوعات ذات البعد التنموي والأمن الوطني اهتمامًا ليس بقليل، كقراءاته في أزمات المياه وغيرها، أما تقاريره المنشورة في الصحف فتأتي دومًا شائقة فيها من الجهد البحثي الكثير، بقدر ما فيها من رشاقة الأسلوب، مع التحليل والمقارنات، فتثير دومًا التساؤلات والشغف وتنبّه إلى مكامن الأزمات.

مراحل بناء الدولة
يضمّ كتاب «الكويت في الخمسينيات» ستة فصول، تناول أوّلها تاريخ الدولة الحديثة، وأورد العديد من المجالس الأولى منها المجالس التي  أسست  خلال السنوات من 1938 إلى 1949، ومرحلة تنظيم الدوائر بعد تشكيل اللجنة التنفيذية العليا، كما تناول قصة صدور العملة الكويتية واستبدال الروبية الهندية بالدينار الكويتي، والذي خرج إلى العلَن في عام 1961، وكانت قيمته معادلة لقيمة الجنيه الإسترليني تقريبًا، ونصّ قانون النقد الكويتي الخاص بها، على أن تكون تغطية النقد الجديد من الذهب بنسبة 50 في المئة، وأن تكون بقية الغطاء أوراقًا وسندات بعملات أجنبية مختلفة سهلة التحويل إلى ذهب، أو التحويل بالأسواق الحرة دون قيود.
وذكر الكاتب في هذا الفصل أن الكويت التي لم يكن عدد سكانها في عام 1954 يزيد على 205 آلاف نسمة لم تنجرف في استثمارات العوائد الكبيرة من النفط وراء الهيمنة العسكرية أو غيرها إنما كان إيمانها بالمعرفة والتنمية مفتاح العلاقات، ووجهت كل مواردها على مشروعات الإنشاء والتعمير والمشروعات ذات العائد المثمر على الاقتصاد ككل، واستثمرت جزءًا منها في الخارج كي تكون من مصادرها في الأوقات الصعبة.
وتحت عنوان «الأحمدي مدينة عصرية أوربية»، حدثنا هذا الفصل عن قصة الأحمدي، وهي مدينة النفط في الكويت، والتي عرفت منذ بداياتها بنواديها المكيفة ومستشفياتها ومدارسها وحمامات السباحة وملاعب التنس والغولف، التي خدمت 30 ألف نسمة، واشتهرت بخضرتها، وقد تم تشييد أول طريق معبّد بالأسفلت يربطها بمدينة الكويت عام 1948، وضمت المدينة خليطًا من السكان والموظفين والخبراء والمهندسين، من أبناء الكويت والإنجليز والهنود والعرب، وكانت مثالًا للكويت الكبرى في زمانها.

مظاهر الدولة الحديثة
في هذا الفصل تابع الكاتب الحديث عن مظاهر الدولة الحديثة، فذكر أن إنشاء ميناء الشويخ كان علامة فارقة في تاريخ النقل البحري، ووثّق كذلك مراحل توسعته، كما ذكر أن ورشة الإعمار والبناء الكبرى التي شهدتها البلاد آنذاك شملت تطوير خدمات البريد وانتهاء حقبة المرحلة البريطانية، وإعلان صدور طوابع داخلية تحمل صورة الأمير.
 كما تناول قصة التعليم في الكويت بدءًا من تأسيس أول مدرسة نظامية في الكويت بتبرّعات من التجار والأهالي سنة 1911 إلى مراحل نهضة التعليم في الخمسينيات، وإنشاء الكلية الصناعية وإرسال البعثات الطلابية من البنات، وإتاحة التعليم المجاني، قبل أن يتناول أهم ملامح الخدمات الصحية في الخمسينيات، وقد وضع الكاتب جداول تشير إلى تطوّر عدد الأطباء في الخمسينيات والستينيات وأعداد الممرضات والممرضين وتطوّر المنشآت الصحية، قبل أن يعرج على جهد الكويت الرائع والرائد في تحلية المياه وأعمال توليد الكهرباء، وصولًا إلى نشاط البلدية والتنظيم العمراني، وصدور أول قانون للإيجار، وإنشاء ديوان شؤون الموظفين وديوان المحاسبة ودائرة الشؤون ونشاط الإسكان والخروج من حيّز السور والامتداد العمراني.

الخمسينيات منارة ثقافية وتنويرية
تحت هذا العنوان، تحدث الكاتب في الفصل الثاني عن مشاهد تضجّ بالحيوية في بدايات البث الإذاعي ووضع نواة الإعلام الحكومي عام 1954 من خلال اللجنة التنفيذية العليا وإصدار الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» وأول أسرة تحرير لها، وكذلك إنشاء دائرة المطبوعات والنشر وافتتاح مطبعة الحكومة، وتأسيس أول معمل من نوعه آنذاك للتصوير والحفر، والذي مكّن المطبعة من عدم الاعتماد على القاهرة وبيروت لصنع قوالب «الكليشيهات».
 وذكر الكاتب أن الأدوات التي وصلت لا تتعدى آلة واحدة للتصوير وحوضًا واحدًا للحفر وطاولات مزودة بمنفاخ يدوي للطبع، أما تسخين الزنك فكان يتم على اللهب (وابور الجاز)، وقد وفرت مطبعة الحكومة خدمات ممتازة لتلبية احتياجات الدوائر الحكومية من المطبوعات، بدلًا من استيرادها من الخارج.
في هذا الفصل أيضًا تحدث الكاتب عن المخاض الحقيقي لولادة الصحافة المدنية في الكويت، وذكر أن الصحافة في الخمسينيات اتسمت بأن معظمها أسبوعية باستثناء تجربتين؛ هما «الشعب» 1958 لصاحبها خالد خلف، و«البشير» 1961، مشيرًا إلى أن الإصدارات الصحفية في الخمسينيات حتى الاستقلال عام 1961 بلغت أكثر من 30 إصدارًا، كما أورد بيانًا بتواريخ صدور الصحف من عام 1950 - 1960، أما في معرض حديثه عن منارة الثقافة العربية (مجلة العربي)، فقد عرض باختصار قصة التأسيس مدعمة بافتتاحية أول عدد لرئيس تحريرها وقتذاك، د. أحمد زكي، وقد جاءت مقطوعة أدبية ثريّة ومدهشة.
كما أورد هذا القسم جوانب أخرى للمشهد الثقافي في الخمسينيات، فتحدث عن أول متحف وطني، والذي كان في قصر الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ومن ثم بدء عمليات التنقيب عن الآثار عام 1957، كما لم يغب عن المشهد إنشاء مكتبة المعارف، وكيف بدأت بالاستعانة بموجّه لتنظيم فهارس المكتبة بنظام ديوي العشري العالمي، وتحوّلها إلى ملتقى لأصحاب الفكر والأدب، ومن ثم افتتاح فرعها الجديد بمنطقة المرقاب، ثم افتتاح مكتبة عامة في بيت المعارف بشارع عمان سنة 1953، ليبلغ عدد المكتبات المفتوحة للجمهور ثلاثًا؛ واحدة في الشارع الجديد، والثانية في شارع دسمان، والثالثة هي المكتبة المركزية في سكة عنزة، وفي إحصائية مختصرة يبيّن الكتاب أنه في عام 1957 كان هناك 15.445 كتابًا، وعدد المرتادين للقراءة 27.600 شخصًا، ارتفع عام 1960 إلى 26.504 كتابًا و41.743 قارئًا.

الوجه العربي والدور الإنمائي
في قسم آخر، تناول الكتاب الوجه العربي لكويت الخمسينيات، وأشار إلى أهم حدثين عرفتهما هذه الأرض كانا على التوالي: احتضانها لأول مؤتمر عربي لاتحاد الصحفيين العرب عام 1965، والثاني استضافتها المؤتمر العام لأدباء العرب عام 1958، وكان إضاءة ثقافية أعطت زخمًا وتأصيلًا للوجه العربي، وقدّم هذا القسم لمحة عن أصحاب كفاءات وخبرة من الشخوص العربية؛ ومنهم زكي طليمات ودوره في المسرح بالكويت، وأحمد زكي ومنارة «العربي»، وعبدالرزاق السنهوري واضع القوانين وأحد أعلام الفقه والقانون في الوطن العربي، والخبير الدستوري عثمان خليل، والشاعر الكبير بدر شاكر السياب، وغسان كنفاني أول من كتب عن شعراء المقاومة في فلسطين المحتلة، وعالِم الدين العراقي السيد محمد بحر العلوم، ومحمد عبدالرحمن عبدالرؤوف القدوة، المعروف بياسر عرفات، الذي عمل مهندسًا في وزارة الأشغال بالكويت قبل تكوين حركة فتح الفلسطينية ورئاسته لمنظمة التحرير، وصلاح خلف (أبو إياد)، وسليم الحص، وخالد مشعل، ورئيس تحرير مجلة العربي الأسبق أحمد بهاء الدين، والمفكّر الكبير د. فؤاد زكريا، وأديب المؤرخين شاكر مصطفى، والخبير الاقتصادي المصري د. حازم الببلاوي، وأشهر رسامي الكاريكاتير ناجي العلي.
 وغير هؤلاء تحدّث الكتاب عن العديد من الشخصيات التي عاشت أو عملت في الكويت وتبوأت مراكز في بلادها، مثل الرحّالة الشامي مرتضى بن علي علوان، والرحالة اليماني أحمد محمد الشرماني، وعبدالمسيح الأنطاكي، وألبرت طانيوس وفؤاد عبده مؤلفَي كتاب «الكويت بلد الأحرار»، ود. زكي نجيب محمود، والملكة رانيا، والمطربة ماجدة الرومي... وغيرهم الكثير. وفي جانب آخر، تطرّق الكتاب إلى نشاط الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي في الخمسينيات والستينيات، وإنشاء اللجنة الكويتية الدائمة لمساعدات الخليج ■

غلاف الكتاب

بيوت الكويت القديمة في الخمسينيات وتبدو ساحة الصفا وأبراج المياه

طائرة تتزود بالوقود في مطار الكويت القديم عام 1959