توقّعات الأبراج
الحقيقة أنّني لم أعرف لماذا كلّفني رئيس التحرير بكتابة صفحة توقّعات الأبراج شهريًا بالمجلة، أخبرني أنه يبحث عن دمٍ جديد يُشعر القارئ لبرجه بأن «كل حاجة تبدو تمام التمام حتى لو لم يفهم لي شيئًا»! تخميني الأقرب أن خبير الأبراج المنوط به قراءة الطالع وضرب ودع القرّاء، تراجع في اللحظة الأخيرة، لأنّ المرتب لا يليق ببراعته الفلكية! لم تكن مشكلتي في عِلم الأبراج، فالمواقع والكتب، والقنوات واليوتيوب تكفي أيّ عاطل لفتح مركز لتأهيل الشباب فلكيًا.
مشكلتي كانت تكمن في كيفية صياغة الحقيقة دون أن يُفقدها لمستي الخاصة كونها حقيقة و«بحقّ وحقيق»؟ في العدد الأول والثاني، ركّزت اهتمامي الأكبر على برج رئيس التحرير، فتعمّدت تضخيم ذاته الذكورية والصحفية، متجاهلةً كل عيوب برج الجدي، ومحاولةً التركيز على أن رِجَاله جذّابون، شديدو الشبه برشدي أباظة، وبأنهم يتميّزون بالكرم ومنح المكافآت المالية والعينية والغذائية «عَمّال على بطّال»! في العددين الثالث والرابع، وبعد أن اطمأن قلبي لإعجاب «الريّس» بعبقرية توقعاتي، بدأت في الدعم الذاتي لنفسي، ولأنّ طباخ السُم يتذوّقه؛ كتبت عبارات تحفيزية ببرج العقرب من نوعية:
- ستكونين أجمل في الغد؛ لا تتجاهلي الريجيم، فالرشاقة في طريقها إليكِ.
- أطفالِك قد يكونون منحة من الله أو تكفيرًا لذنوب.
في العددين الخامس والسادس قررت إثارة أحاسيس الرجل الذي أخطط للزواج منه فلكيًا، برسائل تنبيه لحواسه، ما بين الاستمالة والتهديد، فكتبت في برج الحوت:
- افتح عينيك، ستمرّ الحلوة القصيرة أمامك اليوم في الرابعة والنصف عصرًا.
- لا تتردد كثيرًا، تقدّم الآن، لديك توافُق عاطفي مع «امرأة العقرب».
في الأعداد السابع والثامن والتاسع، كنت قد تأكدت من خبر زواجه من ابنة خالته، فمارست انتقامًا يدعم تفاصيل طرده خارج مخططاتي العاطفية بعبارات من نوعية:
- ضاعت فرصتك في السعادة الزوجية... يا فاشل يا فاشل.
- زواج الأقارب غير مستحبّ ويسبب الاكتئاب.
- الزواج الثاني، فرصتك القريبة لتصحيح الخطأ.
في ظل انشغالي بالانتقام من برج الحوت، سقطتُ سهوًا في التعبير عن حقيقة برج الجدي، المادية العملية الناطحة للمشاعر، فاستدعاني رئيس التحرير، في وصلة تكدير حول إهانتي لبرج الجدي، وتعمّد إهماله فلكيًا ما يقرب من سبعة أعداد، على الرغم من كونه برج العظماء والزعماء والقادة - قالها وهو يركز على حرف القاف - قبل أن يطلب منّي التنحي عن كتابة صفحة توقّعات الأبراج، والاكتفاء بصفحة المرأة وبريد القراء، بداية من العدد القادم؛ مشيرًا إلى أن الطيور على أشكالها تقع وأن «اللي يمشي وراء الحريم لا يخلو من كيدهن»! أزاح عن كاهلي عبئًا صحفيًا ثقيلًا، كان ختامه العدد العاشر، فرصتي الوحيدة الباقية لتأريخ رسائلي القصيرة للجميع دون الحاجة إلى مواجهتهم. في العدد العاشر اضطررت لتقديم موعد رسالتي المؤجلة مستقبلًا، والتي تتعلق بأمنيتي كأمّ في توجيه نصائح غير مباشرة لصغيري من خلال برجه، فكتبت:
- لصغار برج الدلو، بعد ما يقرب من عشرين عامًا من الآن، ستكون أمُك في الخمسين و«شوية» من عمرِها، لقد تعبت في تربيتك فلا تنسَ ردّ الجميل يا ناكر الجميل! ■