انطباعات حول مجموعة «الحذاء المخملي»

انطباعات حول مجموعة «الحذاء المخملي»

برزت في السنوات الخمس الأخيرة بالبحرين مجموعة من كّتاب القصة القصيرة الشباب من الجنسين، سعوا ولا يزالون يسعون إلـى تطوير مواهبهم وصقلها عبر الانـخـراط في المؤسسات الأدبية، ومنها أسرة الأدباء والكّتاب، والمشاركة في أنشطتها بكثافة، مما يبشر بجيل جديد من القصاصين والروائيين البحرينيين. وقــــد تعّزز هذا الاهتمـــام بإنشاء نادي القصة فـــي «الأســـرة»، الذي تحّول اسمه لاحًقا إلى ملتقى القصة، ويشرف عليه حالًيا القاص والشاعر محمد بوحسن، حيث تم تنظيم العديد من الورشات والاجتماعات لمناقشة نتاجات المواهب القصصية وإقامة الأمسيات القصصية والـنـدوات والـحـوارات مع الأدبــاء الشباب، سواء داخل الأسرة أو عبر الفضاء الإلكتروني، إضافة إلى إنشاء مجموعة هاتفية ُتعنى بهذه المواهب وتنشر أعمالهم وتناقشها.

أســفر هــذا المخاض عن تشــّجع بعــض هؤلاء الشــباب ومبادرتهــم بإصــدار مجموعــات قصصية خاصــة بهم،حتى أن عدًدا منهم أصدر مجموعتين أو مجموعــة وروايــة خــال هــذه الفتــرة القصيــرة نسبًيا.

دينــا بوخمســين قاّصــة بحرينية شــابة واعدة، أصدرت أخيــًرا مجموعة قصصية بعنوان “الحذاء المخملــي” ، وذلــك عــن الــدار العربية للعلــوم، وهو كتابهــا الثانــي بعــد أن أصــدرت، قبل فتــرة وجيزة، كتاب خواطر اســمه “شــذرات من الحياة”، وتسعى بوخمســين بشــكل حثيــث إلــى صقــل موهبتهــا بالاشتراك في الندوات والأمسيات القصصية وحضور الدورات الأدبية وورشات العمل في القصة وكتابة الشــعر ،وقد فازت قصتها“السواد لا يليق” بالمركــز الخامــس فــي مســابقة القصــة القصيــرة لمنتدى منارات الأدب والإبداع في سبتمبر 2020م. وتتألــفمجموعــةالحــذاءالمخملــيمــن22 قصــةقصيــرة تتراوح أطوالها بيــن صفحتين وأربع صفحــات، ممــا يعــزز الاتجــاه الســائد هــذه الأ ّيام بصغر حجم القصة.

وقالــت المؤلفــة فــي مقدمــة الكتــاب «إن هــذه القصــص واقعية بحتة تمّس واقعنا الاجتماعي أغلبهــا، كمــا أنني عايشــت الكثير من شــخصياتها وشهدت أحداثها بما اشتملت عليه من صراع وآلام ولحظــات جميلــة، لــذا كانــت كتاباتــي عــن محــض تجربــةأضفــت إليها نســيًجا من خيالــي الذي كان حصيلــة لقراءاتــي لمختلــف الروايــات والقصــص وكتب الأشعار، وكذلك كتب تطوير الذات».

وهــذا القــول أو التصريــح يؤكــد أن الأديــب، شــاعًرا كان أم قاًصــا ،هــو ابن مجتمعــه،يعكس مايــدور فيه من أحداث ،يفرح لأفراحه ويتألم لآلامه، ويتأثــر بماحوله من وقائع ويصوغها في إطار فني مبد ًعا قصة جميلة أو قصيدة رائعة. ومن عناوين القصص: وتجري الحياة، والحذاء المخملــي،والغربة،والمواجهــة،والميناء،والنظارة الشمســية، والنجمــة، والتجربــة، ورحلــة المليــون، والشــغف،وفيروزيــة،والأحــلام المؤجلــة،والظــل، ونيســان، وردت الأمانة، والســواد لا يليــق. وغالبية هــذه العناوين بســيطة ومباشــرة، وتتكــون من كلمة واحــدة أو كلمتيــن وتعكــس مضمــون القصص التي تتحدث عنها. فــي قصــة الحــذاء المخملــي التــي حملــت المجموعــة اســمها تســتذكر البطلــة ســمّية ذات الحاديةوالعشرين ربيًعا ،وهي جالسة في المقهى ، فتــرة عصيبــة مــّرتبهــا ،حيــث تمت خطبتهــا إلى شــاب يكبرهــا بعشــرة أعــوام بُحكــم صلــة القرابة البعيــدة نوًعــا ما بعائلتها ،فتبني الفتاة جســوًرا من الأحلام والآمال معه، وتتنبأ بغد جميل ينتظرها.

بيــد أن الأمــور تجــري بمــا لا تشــتهي الســفن، فتفاجــأ ســمّية بقلّــة زياراتــه لهــا و نــدرة اتصالاتــه الهاتفية وعدم اهتمامه بها: «مضت الأيام والشهور، وقلّــت زياراته، وبالأحرى قّل تردده على البلاد، فلم يعد يأتي إلا كل شــهرين أو ثاثة أشهر، معل ًا ذلك بانشــغاله فــي العمل، ولم يقتصر الأمــر على ذلك، بــل إن مكالماتــه الهاتفيــة قلّت هي الأخــرى، وهذا مــا زاد مــن فتور عاقتهما... فتســاءلت عن ســبب ذلــك؟ أهــي غير مهيأة لتلك العاقة؟! هل فعلت ما أغضبه؟ لكّنها لم تجد إجابة لتساؤلاتها».

وتــزدادالأمور ســوًء او تمضي الشــهور،وعلاقة ســمّية بأحمــد تــزداد فتــوًرا،فأضحت بــلا ملامح  وبــلا وجود وبلا كيان، وتأتي النهاية المتوقعة لتلك الخطوبة، ويتم الانفصال بين الشــابين، لكّن البطلة تلملم جراحها وتكمل المسيرة بتفاؤل. «لــم يكــن بالأمر الســهل علــ ىســمّية أن تواجه تلــك الحيــاة الأخــرى، لكنها كانت مؤمنــة بقدر الله تعالى وقضائه، وسرعان ما لملمت جراحها، وكانت تــردد في قرارة نفســها: إنها تجربــة ومضت، يجب أن أســتمد منها القوة والعزيمة، وأكمل طريقي في الحياة، والقادم أجمل». وفــي قصــة «الســواد لا يليــق»، التي فــازت في مســابقة القصــة القصيــرة لمنتــدى منــارات الأدب والإبداع،كما أســلفنا،نــرى البطل المحّطم والنادم علــى ســلوكه المعيب بإدمان المخــدرات في موقف عصيب، وهو موت أبيه الذي طالما نصحه وأرشده ليصبح كياًنا شــامًخا ورجًا،ويبلغ من العّزة شــأًنا كبيراً ... لكن هيهات.

«منتشــًيا بها كطفل يحتضن لعبته،في لحظاته يختلــي بهــا، كل نفثــة مــن نفثاتهــا ســنوات تركــت بصماتهــاعلــى جبينه.خاضًعا لها تحــت جبروتها، تحــت ظلهــا يطلب الــدفء والحنان فــي كنفها، هي معبــودة َمــن ضعفــت حيلتــه، اتخذها وســيلة لتفريغ همومــه،لجــأ إليهــا كالضعيف الذي يحتمــي بها من تبعثُــره وتخبطــه في اتجاه ربمــا لا يرتقي إلى مكانته الاجتماعية».

ويتمادى الابن في غّيه ويغادرالمنزل، ويبتعد عن أبيه وعائلته فترة طويلة، وشــيًئا فشيًئا يشعر بالندم، ويزداد حزنه وتتواصل لحظات تقريع الضمير والنظر إلى الوراء واســتعادة ســنوات الطفولة، ويتوصل نداء الأب له: «لا زال النداء ذاته يأتيه، لكنه اليوم مختلف مــن عالم آخر، مــن الأعالي، حيث اللاوعي من عالم الأحــلام، ليوقــف بذلك أيام العــذاب ولحظات كادت تســقطه أعمــق الســقوط. كفــاك اهتياًجا !مــابالك مكلــل بالســواد، فالســواد لا يليق بك؟! هــ ّلا طويتني أم أنا طويتك ؟كفاك عتاًبا...توقف...توقف...».

ومــن القصــص الحديثــة فــي المجموعــة قصــة علامــة اســتفهام، التــي تتنــاول حديــث الســاعة والموضــوع المرعــب للجميــع، وهــو وبــاء كورونــا، فتســتثمر بطلــة القصــة (الأم) خضوعهــا للحجــر المنزلي مدة عشــرة أيام في تغيير ســلوكيات أبنائها وزوجهــا المهمليــن والاتكالييــن الــذي يعتمــدون كلّية عليها، وتدفعهم إلى التعاون الإيجابي والمشاركة في أعمال البيت من طبخ وتنظيف وغســل الأواني، وكما يقول المثل « ُر ّب ضارة نافعة». «كنت أتسلّل بين ساعة وأخرى لأطمئن على سير الأمور، وكأني مدير شركة يراقب موظفيه ُخفية، دون أن يشعرهم بوجوده. فأمشي على أطراف أصابعي؛  لأتفقد المطبخ، وماذا يجري فيه، هههه.

أرى زوجــي بالمريلــة، وعلى رأســه القّبعة التي يرتديهــا الطهــاة عادًة، منتصًبا أمام المغســلة، وهو يغســل بعــض الأوانــي؛ اســتعداًدا للطهــو ،ويدنــدن بأغنيــة لا أفهمهــا. بعدها تســللت إلى الصالة، وأنا ألصق ظهري بالجدار؛ لأرى مايحدث؛ حيث ابنتي أميرة تتولى عمليةالتنظيف والكنس،وأبنائي أمير وأحمــد يســاعدانها. أظّنهــم رأونــي،لكّننــي هربت بسرعة، حتى ظنوا أنني شبح» ■