«الحرب... الصراع وتشكيل الإنسانية»

«الحرب... الصراع وتشكيل الإنسانية»

  القتال جزء من غريزة البقاء الطبيعية، لكنّ الحرب عنف آخر منظم، يأتي مع المجتمعات المنظمة. وقد غيّرت الحروب على مدار الزمن تاريخ البشرية، وقيمها وأفكارها، وأصبحت جزءًا من ذاكرتها، وبعض أعظم كنوزها الثقافية، كما أظهرت أقسى وأروع الجوانب الإنسانية فيها، وفتحت طرقًا إلى المستقبل وأغلقت أخرى. في كتابها «الحرب... الصراع وتشكيل الإنسانية» تطرح أستاذة العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، الكاتبة الكندية مارجريت ماكميلان، العديد من التساؤلات خارج الصندوق، فالحرب لماكميلان ليست انحرافًا، بل هي المحرك الأول نحو التغيير والإبداع. 

ربّما‭ ‬تكون‭ ‬الحروب‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تنظيمًا‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية،‭ ‬وهي‭ ‬ساعدت‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬السِّلم،‭ ‬فالاستعداد‭ ‬للحروب‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬الأموال‭ ‬والموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والمعدات‭ ‬اللازمة‭ ‬ووضع‭ ‬الخطط‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬الحكومات‭ ‬سيطرة‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭. 

أفكار‭ ‬عديدة‭ ‬تطرحها‭ ‬المؤلفة‭ ‬وتناقشها‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬تقدّم‭ ‬فيها‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مستفزة‭ ‬للكثيرين،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬المحرّك‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتطوّر‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬وتقدّمها‭ ‬لا‭ ‬تدميرها‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ظهور‭ ‬الحوسبة‭ ‬والإلكترونيات‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬عسكرية،‭ ‬والشيء‭ ‬نفسه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الروبوتات‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الاختراعات‭ ‬المهمة‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب‭ ‬تجيب‭ ‬المؤلفة‭ ‬عن‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬تطرحها،‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬الحروب،‭ ‬ولمَ‭ ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬أكثر‭ ‬الأنشطة‭ ‬البشرية‭ ‬تنظيمًا،‭ ‬وهل‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬من‭ ‬دونها،‭ ‬ولماذا‭ ‬فشل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬العصور‭ ‬للحد‭ ‬منها،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الموروثات‭ ‬التي‭ ‬تتركها،‭ ‬وكيف‭ ‬تغيّرنا‭ ‬كأفراد‭ ‬وكمجتمعات،‭ ‬ولماذا‭ ‬حجم‭ ‬الصراع‭ ‬وشدته‭ ‬يتصاعد‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬وهل‭ ‬للحروب‭ ‬المدمرة‭ ‬فوائد‭ ‬أيضًا‭.‬

أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬336‭ ‬صفحة،‭ ‬والصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬راندوم‭ ‬هاوس‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬هي‭ ‬القصص‭ ‬والاقتباسات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬استغلتها‭ ‬واستفادت‭ ‬منها‭ ‬ماكميلان‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬فكرتها‭ ‬بكل‭ ‬صفحة‭ ‬تقريبًا‭. ‬

بدأ‭ ‬الكتاب‭ ‬بقصة‭ ‬رجُل‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬جثّته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬الألب،‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬عام،‭ ‬وكان‭ ‬جسمه‭ ‬المغطى‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬بالجليد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬جيدة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنّ‭ ‬ملابسه‭ ‬التي‭ ‬يرتديها‭ ‬من‭ ‬الجلد‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تغطّي‭ ‬جسده‭. ‬وتكهن‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬مات‭ ‬وحيدًا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضلّ‭ ‬طريقه،‭ ‬لكنّ‭ ‬التحليل‭ ‬المكثف‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬آثار‭ ‬سهم‭ ‬في‭ ‬كتفه‭ ‬وكدمات‭ ‬في‭ ‬جمجمته،‭ ‬وتبيّن‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬قُتل،‭ ‬وربما‭ ‬قاتل‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬دم‭ ‬على‭ ‬سكينه،‭ ‬توضح‭ ‬الكاتبة‭ ‬بهذه‭ ‬القصة‭ ‬كيف‭ ‬أثّرت‭ ‬حاجة‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الخلق‭ ‬إلى‭ ‬القتال‭ ‬لحماية‭ ‬نفسه‭.‬

 

‭ ‬تأثير‭ ‬خطير

خاضت‭ ‬المجتمعات،‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬العصور،‭ ‬أنواعًا‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬وتتغير‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬وتتكيف‭ ‬بتغيّر‭ ‬المجتمعات،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬فتكًا‭ ‬وتأثيرًا‭.  ‬تتحدث‭ ‬ماكميلان‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬تضمين‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬دراستنا‭ ‬للتاريخ‭ ‬البشري‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭. ‬ويجب‭ ‬علينا‭ ‬فهم‭ ‬مدى‭ ‬تشابك‭ ‬الحرب‭ ‬والمجتمع‭ ‬البشري،‭ ‬وأن‭ ‬نحدّد‭ ‬من‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬أو‭ ‬يسببه،‭ ‬لأنّ‭ ‬تأثير‭ ‬الحروب‭ ‬كبير‭ ‬وخطير‭ ‬جدًا،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬تركها‭ ‬يعني‭ ‬تجاهل‭ ‬إحدى‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬مثل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬لكنّ‭ ‬غالبية‭ ‬الجامعات‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬ماكميلان،‭ ‬تتجاهل‭ ‬دراسة‭ ‬الحروب‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد،‭ ‬ربما‭ ‬لأنّها‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬مجرد‭ ‬البحث‭ ‬والتفكير‭ ‬فيها‭ ‬يعني‭ ‬الموافقة‭ ‬عليها‭.  ‬ويشتكي‭ ‬المؤرخون‭ ‬الدوليون‭ ‬والدبلوماسيون‭ ‬والعسكريون‭ ‬من‭ ‬قلّة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذه‭ ‬الدراسات‭. ‬

تذكر‭ ‬ماكميلان‭ ‬حادثة‭ ‬وقعت‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬التاريخ‭ ‬بإحدى‭ ‬الجامعات،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬لديها‭ ‬زيارة‭ ‬من‭ ‬مستشار‭ ‬تعليمي‭ ‬لمساعدتها‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬دوراتها‭ ‬للطلاب‭. ‬وعندما‭ ‬أخبرته‭ ‬أنها‭ ‬تضع‭ ‬خططًا‭ ‬لدورة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬والمجتمع‮»‬،‭ ‬بدا‭ ‬عليه‭ ‬الخوف‭ ‬والدهشة‭. 

تعدد‭ ‬ماكميلان‭ ‬إيجابيات‭ ‬الحروب‭ ‬العديدة،‭ ‬فهي‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬جعلت‭ ‬الحكام‭ ‬والأنظمة‭ ‬أكثر‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬وساعدت‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬المرأة‭ ‬وتمكينها،‭ ‬وتحسين‭ ‬التعليم‭ ‬وتطور‭ ‬الطب،‭ ‬وفتحت‭ ‬آفاقًا‭ ‬جديدة‭ ‬للفنانين‭ ‬والرسامين،‭ ‬مثل‭ ‬التكعيبيين،‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بطرق‭ ‬جديدة‭. ‬

وتنظر‭ ‬الكاتبة‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬بها‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وكيف‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬والأيديولوجيات،‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬عبر‭ ‬الماضي‭. ‬

تقول‭ ‬ماكميلان‭ ‬إنّ‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬الحروب‭ ‬أيضًا‭ ‬أنها‭ ‬فرضت‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبها‭ ‬تغيّر‭ ‬مجرى‭ ‬الحياة‭ ‬للأفضل‭.‬

 

أشكال‭ ‬متنوعة

تتطرق‭ ‬الكاتبة‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬النُّصب‭ ‬التذكارية‭ ‬المتنوعة‭ ‬للحروب‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬المدن‭ ‬المهمة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬تشمل‭ ‬مواقع‭ ‬أصلية‭ ‬لمعسكرات‭ ‬الاعتقال‭ ‬ومراكز‭ ‬التعذيب،‭ ‬ومواقع‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬والقبور‭ ‬الجماعية،‭ ‬والآثار‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬للنظم‭ ‬القمعية،‭ ‬ونصب‭ ‬أخرى‭ ‬تم‭ ‬تشييدها‭ ‬لتحمل‭ ‬أسماء‭ ‬الضحايا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المتاحف‭ ‬وأيضًا‭ ‬أشكال‭ ‬أخرى‭ ‬متنوعة‭ ‬للتعبير‭ ‬الثقافي‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تخليد‭ ‬ذكريات‭ ‬الحروب‭.   ‬أكثر‭ ‬الأجزاء‭ ‬المثيرة‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬الذي‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬9‭ ‬فصول،‭ ‬هو‭ ‬الجزء‭ ‬الذي‭ ‬تناقش‭ ‬فيه‭ ‬ماكميلان‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الفن،‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬اليوم‭ ‬إرثًا‭ ‬أدبيًا‭ ‬مهمًا‭ ‬كملحمتي‭ ‬الإلياذة‭ ‬والأوديسا‭ ‬للشاعر‭ ‬اليوناني‭ ‬هوميروس،‭ ‬كذلك‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬حروب‭ ‬طروادة‭ ‬والحروب‭ ‬الصليبية‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬الكاتبة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬للشعراء‭ ‬والرواة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬واتجاههم‭ ‬إلى‭ ‬مناهضة‭ ‬الحروب‭ ‬المدمرة،‭ ‬مثل‭ ‬ألبير‭ ‬كامو،‭ ‬وروبر‭ ‬مرل،‭ ‬وبيكيت،‭ ‬وسارتر،‭ ‬ورومن‭ ‬غاري‭ ‬وميلر،‭ ‬الذين‭ ‬وصفوا‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬بالفوضوية‭ ‬والوحشية‭.‬

‭ ‬وبعض‭ ‬الأدباء‭ ‬الذين‭ ‬عايشوا‭ ‬الحروب‭ ‬كالروائي‭ ‬الروسي‭ ‬ميخائيل‭ ‬شولوخوف،‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬روسيا‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬صحفيًا،‭ ‬ودوّن‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وما‭ ‬تبعها‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية‭.‬

‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬آرنست‭ ‬هيمنجواي‭ ‬كتب‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬مآسي‭ ‬الحروب‭ ‬وتعدّ‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬ما‭ ‬كتب،‭ ‬حيث‭ ‬شارك‭ ‬هيمنجواي‭ ‬في‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬وأصيب‭ ‬أثناء‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأولى‮»‬‭ ‬إصابات‭ ‬خطيرة،‭ ‬فدوّن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬من‭ ‬مآسٍ‭ ‬في‭ ‬روايتي‭ ‬‮«‬وداع‭ ‬السلاح‮»‬‭ ‬و«لمن‭ ‬تُقرع‭ ‬الأجراس‮»‬‭.‬

 

مظهر‭ ‬غريب

‭ ‬أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬ماكميلان‭ ‬أيضًا‭ ‬ويلفريد‭ ‬أوين‭ (‬أحد‭ ‬الشعراء‭ ‬المهمّين‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭)‬،‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬والدته،‭ ‬حاول‭ ‬ويلفريد،‭ ‬أن‭ ‬يصف‭ ‬‮«‬المظهر‭ ‬الغريب‭ ‬جدًا‮»‬‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬زملائه‭ ‬الجنود‭ ‬البريطانيين‭ ‬الذين‭ ‬رآهم‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬بفرنسا‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬وهي‭ ‬نظرة‭ ‬مرعبة‭ ‬غير‭ ‬مفهومة،‭ ‬والتي‭ ‬لن‭ ‬يراها‭ ‬أيّ‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬نظرة‭ ‬رجل‭ ‬معصوب‭ ‬العينين،‭ ‬فاقد‭ ‬لأيّ‭ ‬تعبير‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬يوصف‭. 

ترى‭ ‬ماكميلان‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬‮«‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬قاسية،‭ ‬لكنّ‭ ‬العالم‭ ‬الحديث‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬أكثر‭ ‬دموية‭ ‬بشكل‭ ‬يفوق‭ ‬الوصف‮»‬‭. ‬وأعطت‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدول‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تصنيع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفتّاكة‭ ‬على‭ ‬نطاقات‭ ‬أكبر،‭ ‬وتم‭ ‬تطويع‭ ‬كل‭ ‬اختراع‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬عسكري،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الكثيرون‭ ‬معجبون‭ ‬بقصص‭ ‬الجنود‭ ‬البواسل‭ ‬والمآثر‭ ‬الجريئة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

‭ ‬تمتلئ‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات‭ ‬بالكتب‭ ‬والمجلدات‭ ‬التي‭ ‬تدوّن‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله،‭ ‬ويتهافت‭ ‬منتجو‭ ‬الأفلام‭ ‬والمسلسلات‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬توثّق‭ ‬تلك‭ ‬الحروب،‭ ‬باعتبارها‭ ‬موضوعًا‭ ‬شائقًا‭ ‬ومؤثرًا‭ ‬لا‭ ‬يملّه‭ ‬المشاهدون،‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬نابليون‭ ‬وحملاته‭ ‬والحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬ومن‭ ‬الأفلام‭ ‬الخيالية‭ ‬مثل‭ ‬حروب‭ ‬النجوم،‭ ‬أو‭ ‬ملك‭ ‬الخواتم،‭ ‬أو‭ ‬غيرهما،‭ ‬وهي‭ ‬دائمًا‭ ‬تحقق‭ ‬إيرادات‭ ‬عالية‭ ‬ونسب‭ ‬مشاهدة‭ ‬مرتفعة‭. ‬

العديد‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬تذكرها‭ ‬ماكميلان‭ ‬في‭ ‬كتابها،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬مروعة،‭ ‬لكنّها‭ ‬مغرية‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما،‭ ‬مخيفة،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬مُرحّب‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭. ‬وهناك‭ ‬مَن‭ ‬يخشى‭ ‬الحروب‭ ‬ويشعر‭ ‬بالرعب‭ ‬من‭ ‬بشاعتها،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يُفتن‭ ‬بها،‭ ‬وبشجاعة‭ ‬الجنود،‭ ‬حتى‭ ‬أنّ‭ ‬البعض‭ ‬معجب‭ ‬بها‭ ‬باعتبارها‭ ‬تمنح‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها‭ ‬رخصة‭ ‬لقتل‭ ‬الآخرين‭!‬

‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬كتابها‭ ‬تطرح‭ ‬ماكميلان‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم،‭ ‬وهو‭: ‬كيف‭ ‬نقلل‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬ونبني‭ ‬سلامًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬نحافظ‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬ونطورها،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نستعين‭ ‬بهذه‭ ‬الحروب‭ ‬المدمرة؟‭ ‬■