الروائي السعوديّ عبدالعزيز الصقعبي: مختلفٌ في كتاباتي وأستفيد من تجارب الآخرين

الروائي السعوديّ عبدالعزيز الصقعبي:  مختلفٌ في كتاباتي  وأستفيد من تجارب الآخرين

عبدالعزيز بن صالح الصقعبي (مدير تحرير المجلة العربية) كاتب ومثقف وسارد من طراز رفيع، صادق مع نفسه وإبداعهِ، لا يكتبُ بقلمهِ، بل بكاملِ جسدهِ، ويحارُ قراؤهُ فيما يكتبُ أم ينكتَب! وهو يتماهى تمامًا مع سردهِ المتقن، خلاصة همومِ وقضايا أبطاله، حتى يُخيّل أنهُ يكتبُ عن نفسهِ... تتعدد فضاءاتُ السرد لديهِ (قصة قصيرة، رواية، مسرح) ومنطادهُ الأسمى المخمليّ في عوالم السرد الخيالُ... «وليس إلّا الخيال» - بفلسفةِ ابن عربي، وهو المفتون بالسرد - النثر الخرافيّ نافذته على العالم بشمسهِ وأمطارهِ وخُطى أناسهِ النهاريين صُناع الحياة الذين قِبلتهم الحريّة والحُلم والأمل! فضاؤهُ الباذخ في نسماته الكلمات، وهو الصانع الأمهر لفنّ كتابةٍ تبقى... تتداخلُ إيقاعات فنون الكتابة لديه، تتشعبُ في إيحاءاتها وجمالها التعبيري... وكلّ فنٍّ لهُ حالته، ووقتهُ، ولغته ولا يُفضّل فنًّا على الآخر...، ولديه كلّ فنون الكتابة تُكمّل بعضَها، وكلّ فنّ لهُ كيمياؤه في الإجابة عن أسئلتـه الإنسانيــة الحضارية.

عبدالعزيز الصقعبي والإبداع لديه سؤال، والرواية التي يُحبّ لديهِ مشروع طرح الأسئلة، وإجاباتها بلغةٍ فاتنة، جاذبة، الأكثر سريّة للمتعة، حسب تعبير رولان بارت.
كاتب رهانهُ الإبداع - حرية الحريّة! و«ميتافيزياء الكيان الإنساني»!
 يميلُ إلى القراءة/ الحفر... والكتابة/ الحفر في لحظة إصغاء مضنٍ للكلمة/ الحرية... الكلمة/ الإنسان... الكلمة/ الوطن!
 الكاتب والروائي الكبير عبدالعزيز الصقعبي يعني البساطة بكلّ ما في تلقائيتها... وشاعريتها معًا من عبقرية!، يقرأ من أجل المزيد من الحُلمِ... ويكتب كيْ يُجمّل الحياة، بل ليضيف من خلال أوركسترا الكلماتِ لحظات أملٍ وحريةٍ وفرحٍ زاد الإنسان والوطن معًا.
 مجلة العربي، وهي تحاورهُ، تفتحُ صفحاتها للمزيد من حديثهِ الدافئ. 

 أنا مبدعٌ في نسق واحد هوَ السرد


● قصّة قصيرة، وقصيرة جدًا، ومسرح، ورواية، وصحافة... فسيفساء إبداعية باهرة الإيقاع في الفضاء السعودي والعربي... كيفَ كانت الألوان في هذه اللوحة التشكيلية؟ مَن مِنَ كلّ فنون الكتابة قد كهربَ الأصابع، وهزّ أوتار القريحة في بداية قوية مؤثرة؟... حدثني.
- جميل أن تذكر اللوحة التشكيلية، هي حياتنا في الإبداع، وكل مبدع، أو لنقُل كل من هوى الكتابة ومارسها لتصبح إلى حدّ ما حرفة، يرسم لوحة تشكيلية خاصة به عبر ما يقدّمه من نصوص أدبية، التحدي ينبع في إتقان اللوحة وتناسق ألوانها، وعندما أتأمل اللوحة التشكيلية التي شكّلتها مع السنين بألوانها المختلفة، أشعر إلى حدّ ما بالرضا، لعدة أسباب، ربما من أهمها تناسق الألوان بمعنى أنني اكتفيت بالسرد، فلم يكن لي تجارب شعرية مطلقًا، لم أكن ناقدًا أو مفكرًا، بل رأيت أن تميّزي أن أكون مبدعًا في نسق واحد وهو السرد، والذي يشمل القصة بأنواعها والرواية والمسرح، وربما نضيف السيناريو والمقال، القصة القصيرة هي الأساس، وهي عتبة الولوج لمجال الكتابة، لقد شعرت منذ بداياتي بالكتابة بميلي لسماع الحكاية وقولها، وكانت فرصة قراءة حكايات التشويق والمغامرة مثل اللص الظريف مع مجلات الأطفال المصورة في مرحلة متقدمة من العمر، لأجد نفسي منساقًا وراء الخيال قراءة وكتابة.

الهاجس وحدهُ وراء النصّ الإبداعي


● يلاحظ القارئ أنَّ الرواية لها حصةُ الأسد في إنتاجِك الإبداعي... أهي الأقرب إليك؟ ومَن يُجيبُ أكثر عن أسئلتك الإنسانية الحضارية؟ أمْ أنَّ الزمن ملكتهُ المتوّجة بكل تيجان الاهتمام والاحتفاء أبدًا؛ الرواية؟ أم ماذا؟
- بعد تجارب البدايات بالخاطرة وكتابات لا تندرج تحت أي فنّ أدبي، وجدت نفسي في القصة القصيرة، وبدأت فعليًا منذ أوائل الثمانينيات بكتابة القصة القصيرة، ثم المسرحية والرواية، ربما في السنوات الأخيرة، أصبحت الرواية هي الأكثر حضورًا، فيما كانت القصة حاضرة في الثمانينيات الميلادية، وأنا من ذلك الجيل، أنا لا أحاول أن أُقولب نفسي بفنّ من فنون السرد، بل أجعلها حاضرة دائمًا، وفق الحالة الإبداعية، فأحيانًا أجد أن لديّ رغبة ومحفزًا لكتابة نص مسرحي فأكتب، وغالبًا تأتيني فكرة لا تصلح إلّا لنصّ قصصي فأشرع بالكتابة، أما بالنسبة للرواية فعرفت بعد سنوات من الكتابة أنها مشروع يحتاج إلى كثير من الصبر ومزيد من الوقت وأفق معلوماتي، إضافة إلى مغامرة بالطرح، فقررت أن أخضع لذلك المشروع وأكتب الرواية، ربّما مع مرور الزمن واكتساب خبرة حياتية وقرائية، وأيضًا كتابية، القصة القصيرة فنّ جميل، لكن الرواية الآن هي ملكة هذا الزمن المتوجة، كما ذكرت في سؤالك، وحقيقة ليس الأمر كتابة قصة أو رواية، بل الهاجس الذي يسيطر على الكاتب، فينساق خلفه ليكتب نصًا إبداعيًا، قد يكون قصة قصيرة، وذلك يكون دائمًا، وقد يكون نصًا مسرحيًا حين يكون هنالك محفّز لكتابة المسرحية، وقد يتحول ذلك الهاجس إلى مشروع فكري وبحثي ووجودي، فتكون هنالك الرواية حاضرة بكل تأكيد. 

القصّة القصيرة متعة الكاتب والقارئ وهي الأصعب


● كتبتَ القصّة القصيرة، فيلسوف الكاتب الصادق - حسب شارلس مورجان، ولديك عدد من المجموعات القصصية المهمة ابتداء من «لا ليلُكِ ليلي، ولا أنتِ أنا»، وانتهاءً بـ «حارس النهر القديم» ما موقع القصة القصيرة هذه الأيام في السرد السعودي؟ ألا ترى اللهاث على أشُدّه تجاه الرواية سعوديًا وعربيًا؟ هل القصة القصيرة الأصعب - كما يرى ماركيز؟ والرواية مساحة بوحٍ للمزيد؟ أم ماذا؟
-  بكل تأكيد القصة هي الأصعب، وهي حسب رأيي الممتعة للكاتب والقارئ، وتجربتي مع القصة القصيرة مرّت بمراحل، مرحلة البدايات، وثم النضج، وبعد ذلك قررت أن أخوض تجربة الاختلاف بكتابة النص، وكان ذلك بدءًا من مجموعة «يوقد الليل أصواتهم ويملأ أسفارهم بالتعب»، حيث حرصت أن يكون النص الذي أكتبه غير تقليدي، وهذا ما دفعني في منتصف الثمانينيات إلى كتابة القصة القصيرة جدًا، والتي لم يكن لها الحضور الموجود الآن، بل كان هنالك محاولات لكتّاب لا يتجاوز عددهم اثنين أو ثلاثة، بالطبع هذا في السعودية، ولا أزال أحرص أن أكتب نصًا قصصيًا مختلفًا.
وبالنسبة للتوجه، أو كما ذكرت، اللهاث تجاه الرواية سعوديًا وعربيًا، أعتقد أن ذلك يأتي لعدّة أسباب أهمها صخب الجوائز، ودعني هنا أتوقف عند وضع السرد في المملكة العربية السعودية، هنالك حركة جيدة في مجال الكتابة والنشر، هنالك أسماء حصلت على جوائز عربية في مجال الرواية، وهنالك كمّ هائل من الإصدارات في مجال القصة القصيرة، وبكل تأكيد الرواية، لكن مع الأسف هنالك توجّه كبير للقصة القصيرة جدًا دون وعي، ربما أطلق على الـ «ق ق ج» حمار السرد، كما أطلق على الرجز سابقًا حمار الشعر، بالطبع مع الاختلاف، لكن هذا ملاحظ في المشهد السعودي، عدد كبير من الكتّاب اتجهوا لكتابة القصة القصيرة جدًا دون أن يكون لديهم على الأقل محاولات لكتابة القصة الطبيعية، وهذا يؤكد مقولة ماركيز أن القصة القصيرة هي الأصعب، هنالك حركة كبيرة لنشر القصة القصيرة جدًا وأيضًا الرواية، تفتقد المتابعة النقدية الجادة، وذلك يتسبّب في ضياع الجيد بين عدد كبير من الرديء.

الرواية مشروع طرح الأسئلة


● يقولُ هرمن بروخ: «الرواية سؤال العالم بكليته» أهي سؤالك الحائر في عالمٍ بدت الإجابات فيه عسيرة وظامئة؟ أليسَ الإبداع بمجموعهِ سؤالًا؟ كيفَ هي رحلتك الشاقة - العذبة وأنت تصوغ أسئلتك اعتبارًا من روايتك الأولى «رائحة الفحم»، وليس انتهاء برائعتيك «مقامات النساء» و«غفوة ذات ظهيرة»؟
- حين بدأت بكتابة رواية «رائحة الفحم»، وذلك في منتصف الثمانينيات الميلادية، لم تكن هي المحاولة الأولى، بل كانت هنالك بعض المحاولات البدائية لكتابة رواية، تم التخلص منها، فالمسألة ليست مجرد حكاية أو حدّوتة أسردها على الورق، بل خلق مجموعة من الحيوات، بأشكال مختلفة ومتباينة، إن كل شخصية في النص كائن مستقل له آراء ومشاعر مختلفة، وقتها كنت أحاول أن أبحث عن إجابات تحاصرني حول بعض الظواهر الاجتماعية، كنت أطرح الأسئلة بهدوء، وأتحاشى التوسع بطرح بعض التفاصيل، لدرجة أن بعض الشخصيات بالرواية لم تأخذ مساحتها المفترضة بالنص، واستعضت عن ذلك باللغة، كانت تجربة كتابة الرواية صعبة، جعلتني أبتعد قليلًا عن الرواية، وأحتفظ بما أكتبه دون نشره، من عام 1988م حتى 2008م عندما وجدت أنّي امتلكت بعض الجرأة لأعاود كتابة الرواية، حيث تحوّلت كتابة الرواية إلى مشروع بحثي يطرح الأسئلة ويسعى للإجابة عن بعضها ويقدّم المعلومة، وهذا يتضح كثيرًا في رواية «حالة كذب» لأواصل بعد ذلك كتابة الرواية، بعد أن حاولت أنْ أكتسبَ مزيدًا من الخبرة القرائية والحياتية.  

أكتبُ كي أشعرَ لأنّني كائنٌ حيّ


● يقولُ الروائي جابريل غارسيا ماركيز: «أكتبُ كيْ يُحبّني أصدقائي»، وتقول نوال السعداوي: «أكتبُ لأنَّ هذا العالم يغضبني ولا يرضيني»، وغادة السمان ترى «أنها تكتبُ لتنتحر»، وآخرون يرون الكتابة أداة مقاومة للموت والظلمة والبلادة... قُل لماذا يكتب عبدالعزيز الصقعبي؟ وما جدوى الكتابة في عالمٍ مادي لم يعُد رأسماله الإنسان والحلم والإبداع؟ 
- أكتب لكي أشعر بأنني كائن حيّ، من حُسن حظّي أنني منذ الطفولة وأنا محاط بالكتب، بدءًا من مكتبة والدي الصغيرة، ثم كتبي الدراسية، وبعد ذلك تخصصي في المرحلة الجامعية باللغة العربية، وتوج ذلك عملي الطويل في مجال المكتبات والمعلومات مع حصولي على شهادة الماجستير في ذلك التخصص، كان هنالك سؤال يحاصرني، كيف تصبح مختلفًا، كل تلك العوامل التي أشرت إليها كانت تقودني إلى تكوين علاقة بالكتاب، حينها عرفت أن رئة الحياة الحقيقية لي هي الكتاب، وأن الكلمة التي أكتبها أو التي أقرأها هي النفس، هذه الحياة تتّسم بالخلود، ككل الأسماء التي أقرأ أو أسمع أو أشاهد إبداعها، بعضها مات منذ مئات، بل آلاف السنين، ولا يزال خالدًا بإبداعه، وأنا أنشد شيئًا شبيهًا بذلك.

هناك عائق أمام النصّ المسرحي المكتوب في الفصحى


●  كتبتَ المسرحَ ولديك أكثر من عملٍ، كان مادة جاذبة ومثيرة للتلفزيون وأداء كبار الممثلين... قل لي هلْ لدينا مسرح مهتم بقضايانا الإنسانية والمجتمعية والحياتية؟ كيف تفسّر شيوع ورواج المسرح التجاري (الساخر) غير الهادف عربيًا، أهو ما يريدهُ الجمهور فعلًا؟ أم هو نتاج طبيعي لواقع ثقافي هزيل؟ وكيف تفسّر أيضًا ندرة المسرح الجاد؟ هل مات محمد الماغوط ويوسف العاني وغيرهما من المتفانين وإلى الأبد؟ أم ماذا؟ 
-  بدأت المسرح من خلال نص الممثل الواحد المونودراما، «صفعة في المرآة» لحُسن حظّي تم تنفيذه أكثر من مرة داخل المملكة وخارجها، كان ذلك في منتصف الثمانينيات الميلادية، ثم واصلت كتابة المسرحيات غير التجارية، وفي أوائل التسعينيات كانت لديّ تجربة كتابة السيناريو، وُنفّذَ العمل تلفزيونيًا، لكنني مقلّ في كتابة السيناريو لصعوبتهِ، ولحرصي على أن يكون ما يقدّم جيدًا ومختلفًا، الحديث عن المسرح وبالذات في السعودية ذو شجون، هنالك تجارب جيّدة، بالطبع المسرح التجاري الساخر حاضر، ولكن ليس منتشرًا، وهنالك بعض المسرحيين الذين يهمهم المسرح كفنّ راقٍ يهتمّ بالقضايا الإنسانية والمجتمعية والحياتية، وتتضح تلك في كثير من المهرجانات المسرحية، وبالنسبة للجمهور فثمّة جمهور واعٍ يفرّق بين العمل المسرحي، وبين الـ «ستاند أب كوميدي»، أو بمعنى النكات التي يطلقها الممثل للسخرية، على خشبة المسرح، لم أفكر مطلقًا بكتابة مسرحية غير جادة أو تميل إلى التهريج والسخرية من دون وعي لكسب إعجاب العامة، لذا فجميع النصوص المسرحية التي كتبتها كانت أولًا بالفصحى وتناقش قضايا جادة، وكان ذلك عائقًا لتنفيذ بعضها، وعمومًا الحركة المسرحية في السعودية الآن على أعتاب مرحلة جديدة، بعد أن اكتسبت مشروعيتها، وأتمنّى أن يكون ذلك دافعًا لتقديم الجيّد والمتميز. 

تجارب الرواية الرقمية التفاعلية في طور البدايات


● أرى هذه الأيام في عواصمنا العربية ابتداء من القاهرة تركيزًا على رواية «الخيال العلمي» و«الرواية الرقمية» في وقتٍ سادت فيه وانتشرت الرواية الأوتوبوغرافية - السيرة الذاتية التي قال عنها هنري ميللر رواية المستقبل؟ هل الأدب الرقمي استجابة للعصر؟ هلْ يمكن أن يسود؟ ويقدّم ما يطمح له القارئ؟ وهل يضيف لهُ الحديث عنه، وهذه الندوات واللقاءات، أمْ أنّها مجرد قرع أجراس للاهتمام بهذا اللون الأدبي؟
- التنوع في كتابة الرواية أمرٌ جيّد، وقد نضيف إلى الأنواع الثلاثة التي ذكرتها، رواية الخيال العلمي والرواية الرقمية والرواية الأتوبوغرافية، أو بمعنى السيرية الذاتية والغيرية، نوع رابع، وهو الرواية التاريخية، مهم جدًا أن يجد الكاتب نفسه في أحد تلك الأنواع التي لها كتّابها وقراؤها، وأنا لست ممن يقول إن ذلك النوع هو الذي سيكون سائدًا في المستقبل، فمثلًا هنالك ممن لا تستهويهم قراءة روايات الخيال العلمي، وبالنسبة للرواية الرقمية التفاعلية هنالك تجارب عربية لذلك النوع حتى الآن في طور البدايات، لكن أعتقد أن الأغلبية علاقتهم بالرواية بشكلها التقليدي الورقي لا يزال قويًا، وبالنسبة للرواية السيرية، فتتوقف على الكاتب بمعنى أن هنالك عددًا كبيرًا غير روائيين كتبوا سيرَهم الذاتية، وهنالك من كتب سيرًا لآخرين، هل تلك تدخل ضمن العمل الروائي، أعتقد أن للرواية مقوّماتها الخاصة، لذا فكلّ روائي بإمكانه أن يصوغ سيرة ضمن رواية، لكنّ كاتب السيرة لن يكون مطلقًا روائيًا إذا لم يمتلك موهبة كتابة الرواية، ويكون على علم بأدواتها. وأنا هنا لا أقلل من شأن تلك الأنواع، ولكن لا يعنيني مطلقًا البحث عن رواية المستقبل، لأنّ الزمن متغيّر والبقاء للأفضل، وهذا لا يمنع من عقد اللقاءات والمؤتمرات، لأن في ذلك إثراء للرواية وبحثًا عن أوجه الاختلاف والتميز بينها، وهذا يساعد المبدع والقارئ. 
 
أستفيد كثيرًا من جماليات الشعر في كتابتي السردية


● تميّز سردك اللغة الشعرية العالية، حتى في اختيارك للعناوين، كيف يبدو السرد بمجموعه من دون إيقاع مفردة شعرية؟ هل يُمكن التعويل عليه؟ وأنهُ يملك مبررات الوجود؟ ماذا يضيف فضاء القصيدة وطقسها اللغوي للسرد قصة قصيرة ورواية؟
- أنا أحب قراءة الشعر بأنواعه المختلفة، وأحرص على الاستفادة من جماليات الشعر في كتابتي السردية، وهنا أسعى أن أكتب نصًا أدبيًا، ليكون مختلفًا عن طرح خبر صحفي كمثال قد يكون في سياق قصصي، لكنّه يبقى خبرًا دون أن يتّسم بالجمالية الخاصة للنص الأدبي، والتي تجعله مختلفًا عن الكلام الدارج، وأنا هنا لا أتعمّد مطلقًا استخدام النسق الشعري بالكتابة، لكنّ أسعى إلى مرحلة أن يجد القارئ الحسّ الشاعري فيما أكتبه من نصوص قصصية بالذات.
وبالنسبة لعناوين القصص والروايات، فأنا لا أرتجل مطلقًا أيّ عنوان، بل أتوقّف كثيرًا عنده ليكون مختلفًا وملائمًا للعمل السردي، فمثلًا عنوان روايتي الأخيرة «غفوة ذات ظهيرة» ربما لم يفطن أحد، وربما هنالك قلة انتبهوا لأمر أنّه بسبب هذه «الغفوة» كانت تلك الرواية، ولو لم تكن تك الغفوة لما كانت ولما حدث ما حدث، ومجموعتي القصصية «الحكواتي يفقد صوته» لا توجد قصة بذلك العنوان في تلك المجموعة، لكن وردت الكلمة ضمن إحدى القصص، وكان السياق يوحي ذلك، أنا أحرص كثيرًا على أن أكون مختلفًا في كتاباتي القصصية والروائية والمسرحية، لا أريد أن أشبه أحدًا، قد أستفيد من تجارب الآخرين، ولكن أقدّم نفسي من خلال ما أكتب ليراني الناس كما أحب أن أكون، لا أن يراني أحد كصورة مشوّهة لآخرين.

الصحافة الأدبيّة النافذة الأهمّ لنشر الإبداع

● كصحفي ومدير تحرير للمجلة العربية السعودية الواسعة الانتشار.. كيف تقيّم صحافتنا الثقافية؟ البعض يراها مرآة مهشّمة... وهي متهمة أبدًا بأنها صحافة علاقات ومجاملات؟ أهي مواكبة لهذا التفجّر الإبداعي العربي؟ ماذا تقترح لصحافة هادفة؟ 
- الحديث عن الصحافة الأدبية في هذا الوقت مؤلم، أولًا لانحسار الصحافة الورقية، توقّفت مع الأسف كثير من المجلات الأدبية، وتوقّف توزيع كثير من المجلات والصحف  التي واصلت الصدور، بل أصبح توزيع الصحف والمجلات في أماكن محدودة جدًا، أو عن طريق الاشتراكات، هذا في السعودية مع الأسف، حيث لا يوجد أكشاك لبيع الصحف والمجلات كما في بعض دول العالم  ومن ضمنها مصر، لذا فقد قلّت متابعة الصفحات الأدبية، إلّا مَن يحرص أن يتابعها عبر المواقع الإلكترونية، أريد الصحافة الأدبية أن تعود ولو اتسمت بالعلاقات والشللية والمجاملات، المجلات الثقافية إذا لم يكن خلفها داعم، فحتمًا ستتوقف أو توزّع في إطار ضيق جدًا، والمتعة لديّ أنا بالذات هو تصفّح النسخة الورقية، لكن بكل تأكيد أحرص على متابعة بعض المجلات الثقافية عبر الحاسب في حالة عدم توافرها ورقيًا، والمجلة العربية تعي وضع سوء التوزيع والانتشار، لذا فهي تتواصل عبر جميع وسائل الإعلام الجديد، ومن خلال موقعها عبر الشبكة العنكبوتية، لتصل المجلة بأكثر من صيغة إلكترونية لأكبر شريحة، أتمنّى عودة للصحافة الأدبية والمجلات الثقافية، لأنها هي النافذة الأهم لنشر الإبداع وتقديم الأخبار والتعريف بالثقافة والأدب.

الملتقيات الثقافية مهمة للتواصل بين الكتّاب والمبدعين


● كانت لك مشاركاتك المهمة في الملتقيات والمؤتمرات الثقافية والإبداعية والفكرية العربية... ما الذي تضيفه هذه الملتقيات للإبداع والأدب والثقافة؟ وهل يُمكن أن تؤسّس لتواصلٍ جادٍ، وعلاقات بين المبدعين، يُمكن أن يقرأوا بعضًا بسهولة وحميمية وشفافية؟ ماذا عن ذلك؟
- بعيدًا عمّا يطرح في تلك الملتقيات من بحوث وأوراق عمل، الفائدة الحقيقية لتلك الملتقيات والمؤتمرات الثقافية هي التواصل والتعارف بين الكتّاب والأدباء، ربّما لظروف عملي في السنوات السابقة كنت أحرص على حضور المؤتمرات الخاصة بمجال المكتبات والمعلومات بحُكم عملي وتخصصي العلمي، وكان حضوري للملتقيات الخاصة بالإبداع والثقافة محدودًا، بالذات خارج السعودية، لكن كما قلت هي مهمة للتواصل وكسب علاقات بين المثقفين، إضافة إلى تقديم التجارب والشهادات للمبدعين، وهي مهمة جدًا، وكذلك للتواصل بين النقاد والمبدعين، ومع الأسف أنني سيّئ في ذلك، سواء حضوريًا أو عن بُعد، لكن مثلًا وجودي في ملتقى أو مؤتمر بكل تأكيد سيكون مشجعًا لي ولغيري لتقديم نتاجه الإبداعي للآخرين، وهذا ما لاحظته لبعض الزملاء الذين حضروا بعض المؤتمرات المهمة مثل ملتقى الرواية العربية بالقاهرة، حيث جمع المبدعين والمبدعات من الوطن العربي، واكتسبوا علاقات جيدة، إضافة إلى توصيل نتاجهم الإبداعي للآخرين ■