السـينما العربية 20 عامًا من التجدّد والاختلاف

السـينما العربية  20 عامًا من التجدّد والاختلاف

حققت السينما العربية في السنوات الأخيرة قفزة كبيرة وبروزًا واضحًا، خاصة في بعض الأفلام التي خرجت على المألوف في السينما السائدة، وعبّرت عن قضايا الواقع والمسكوت عنه اجتماعيًا، بلغة سينمائية مختلفة، مما أبهر لجان التحكيم في المهرجانات العالمية، فمنحوها الجوائز والإشادات، فضلًا عن الإقبال الجماهيري لهذه الأفلام، ومنها الفيلمان المغربيان «ولولة الروح»، و«ميكا»، والفيلم السوداني «ستموت في العشرين»، والفيلم اللبناني «كفرناحوم»، والفيلم السعودي «وجدة»، والأفلام المصرية: «يوم الدين»، و«ورد مسموم»، و«اشتباك»، و«ليل خارجي»، و«حظر تجول»...، وغيرها.  ولا يغفل الفيلم الكويتي «إن بارادوكس» من تأليف وإخراج حمد الصراف، وتم ترشيحه للمنافسة على جوائز جمعية نقاد السينما العالمية في لوس أنجلوس المعروفة بالـ «جولدن جلوب»، ونال تنويه لجنة التحكيم بمهرجان الدار البيضاء.

في الأفلام الروائية القصيرة، استطاع العديد من الأفلام العربية أن يلفت الأنظار، مثل فيلم «أيقظني» للمخرجة السعودية ريم البيات، ويمزج بين الشعر والصورة البصرية في تجربة سينمائية لم يتم التطرق لها من قبل، وحاز جائزة أفضل إخراج من مهرجان مدريد السينمائي الدولي، ومهرجان ميلان السينمائي الدولي عام 2017. 
لذلك، فإنّ الأفلام في كل من مصر، والكويت، والسعودية، ولبنان، والمغرب... وغيرها، تؤكد تطور السينما العربية بشكل كبير.
بدت السينما خلال الـ 20 عامًا الماضية، أكثر نضوجًا وخروجًا على المعتاد، وثمّة تغيرات عديدة، جعلتها أكثر تجددًا واختلافًا مع ما سبقها، سواء في البناء الفني، أو الثيمات المطروحة، فأفلام من نوعية «عين شمس»، و«آخر أيام المدينة»، و«علي معزة وإبراهيم»، على سبيل المثال، ما كانت ستولد قبل أن ندخل إلى الألفية الثالثة، وظهور السينما المستقلة، ووجود مجموعة من المخرجين ممن يتميزون بفكرٍ سينمائيٍ مختلف.
ويمكن أن نتأمل الإنتاج السينمائي العربي، خصوصًا في مصر خلال السنوات الماضية، لنرصد أبرز الظواهر الفنية التي اتسمت بها السينما وميّزتها عن مثيلتها في الحقب الماضية. 
استطاعت السينما أن تتجدد برغم الظروف والأحداث التي وقعت في السنوات العشر الأخيرة، سواء أحداث الربيع العربي، ونشوب ثورة يناير في القاهرة، وتأثيرها المباشر على السينما، ثم انتشار فيروس كورونا المستجد في عامي 2019، و2020، وتأثيره السلبي على مختلف مناحي الحياة، ومنها مجال الإنتاج السينمائي، الذي مُنيَ بخسائر فادحة إثر توقّف الإنتاج وغلق دور العرض تارة، وعزوف المشاهدين عن ارتياد قاعات السينما تارة أخرى، حتى أن بعض الأفلام التي أصرّ صنّاعها على مواصلة تصويرها وعرضها؛ لاقت فشلًا ذريعًا بسبب هذه الظروف، ومنها فيلم «محمد حسين» بطولة محمد سعد، وإخراج محمد علي، وعُرض في عام  2019، فقد تمّ رفعه من دور العرض لضعف إيراداته، وفي العام نفسه حقق فيلم «صندوق الدنيا» للمخرج عماد البهات إيرادات متدنية وصلت إلى بضع مئات من الجنيهات.

سمات فريدة
في ديسمبر 2020 حقق فيلم «فيروس» للمخرج أسامة عمر (صفر) إيرادات، وهي المرة الأولى في تاريخ السينما الروائية...، وغيرها من الخسائر التي مُنيت بها السينما في الآونة الأخيرة؛ إلّا أن ثمّة نتاجات سينمائية ظهرت من حين لآخر خلال الـ20 سنة، وتميزت بسمات فنية فريدة تتجاوز السائد والمنمّط، لاسيّما الأفلام الروائية الطويلة.   
والسينما أحد الإبداعات الفنية التي عُرفت بتطورها المستمر، وسبرها لأغوار جديدة، وشهد القرن الماضي عديدًا من الظواهر والسمات، مثل ظهور أفلام الحرب في السبعينيات بعد حرب أكتوبر المجيدة، وهيمنة سينما المقاولات في حقبة الثمانينيات، وصعود نجوم الكوميديا الجدد أواخر التسعينيات... بينما حفلت السينما في الـ 20 سنة الماضية بسمات فنية مختلفة، وظواهر جديدة، اختلف بعضها تمامًا مع ما أنتجته طوال تاريخها، بما يشكّل علامات ناتئة، يمكن التوقف عندها وتناولها على النحو التالي:
 
بروز السينما المستقلة
يعدّ صعود السينما المستقلة، وتحقيقها العديد من الجوائز العالمية، من أبرز ظواهر السينما العربية في الألفية الثالثة، إذ قدّمت مجموعة من الأفلام الجادة التي تعبّر عن سينما مختلفة عن السائد، فهي أكثر نضجًا من كثير من الأفلام التجارية، وتطرح أبعادًا فكرية وموضوعية عبر لغة سينمائية راقية، ولا تعدّ - في الوقت نفسه - بديلًا للسينما السائدة؛ بقدر ما تحقق إضافة جوهرية على مستوى الطرح ورؤية التعبير. 
قدّمت السينما المستقلة خلال السنوات العشر الماضية عديدًا من النجوم الشباب في التمثيل، والإخراج، والتصوير، والديكور؛ مما يجعلها منفذًا لجيل جديد من الفنانين، وجدوا فيها طريقًا مناسبة للتعبير عن طموحاتهم وأحلامهم في سينما يرتضونها، فهي تقدّم شكلًا جديدًا يتمرّد على تقاليد السينما السائدة، لاسيما أنها تعتمد على الإنتاج بميزانيات ضعيفة، وتخرج على هيمنة شركة الإنتاج والتوزيع الكبرى التي تفرض شروطا معيّنة.
وقد بدأت العروض الجماهيرية لأفلام السينما المستقلة في دور العرض منذ عام 2010، مع أفلام «هليوبوليس» من إخراج أحمد عبدالله، و«بصرة» من إخراج أحمد رشوان، لتصل إلى الجمهور بعد أن كانت تتوقّف على العرض في المهرجانات، وتوالت بعدها الأعمال، مثل «ميكروفون» للمخرج أحمد عبدالله في 2011، و«آخر أيام المدينة»، للمخرج تامر السعيد، و«باب الوداع» للمخرج كريم حنفي عام 2014، و«علي معزة وإبراهيم» للمخرج شريف البنداري، و«أخضر يابس» للمخرج محمد حماد عام 2016.
وحقق العديد من الأفلام، لاسيما في السنوات الأخيرة، نجاحًا وحضورًا جماهيريًا مقبولًا، ونال عديدًا من الجوائز في المهرجانات العالمية، مثل «يوم الدين» (2018) للمخرج أبوبكر شوقي، و«ورد مسموم» (2018) للمخرج أحمد فوزي صالح، و«ليل خارجي» (2018) للمخرج أحمد عبدالله، و«لما بنتولد» (2019) للمخرج تامر عزت، وتم ترشيح فيلم «سعاد» للمخرجة آيتن أمين لمسابقة الأوسكار، لولا التوقف بسبب وباء كورونا المستجد. 

بداية السينما المستقلة
يربط البعض ظهور السينما المستقلة بتقنية التصوير بالكاميرا الديجيتال، حيث تزامن ظهورها بهذه التقنية، بينما تتجاوز ذلك إلى طرح الأفكار والتعبير عنها بطرائق مختلفة، وتناول القضايا الإنسانية والاجتماعية بلغة سينمائية مختلفة، إلى جانب عدم الاعتماد على النجم الواحد، أو الإنتاج المكلف الذي تعتمده شركات الإنتاج التي تطبق أسلوبًا معيّنًا يدرّ مزيدًا من الأرباح. 
ويُرجع البعض بداية السينما المستقلة في مصر إلى فيلم «حبّة سكر» للمخرج أكرم فريد، عام 1989 ويعد البداية الأولى لهذا الاتجاه، وعلى الرغم من ظهور بعض الأعمال القليلة والمتناثرة، مثل فيلم «عين شمس» (2009) للمخرج إبراهيم البطوط، والذي حقق جوائز أفضل فيلم في مهرجان تاورمينا بإيطاليا، وأفضل فيلم في مهرجان روتردام للأفلام العربية، والتانيت الخاص من أيام قرطاج؛ فإنّ السنوات الأخيرة شهدت صعودًا متسارعًا لأفلام السينما المستقلة، وقد عُرض أغلبها في المهرجانات العالمية، وحققت كثيرًا من الجوائز، مثل «يوم الدين» الذي حاز جائزة النقاد من مهرجان «كان» السينمائي الدولي، وأعقبتها جوائز أخرى من مهرجانات بأمريكا، وإسبانيا، وفيلادلفيا، وتونس، والجونة، والقاهرة، كما مثّل مصر في مسابقة أوسكار عن فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وفيلم «ورد مسموم» الذي حقق 17 جائزة من مهرجانات عالمية.
نجحت السينما المستقلة في تقديم عديد من الأفلام المميزة، وعلى المستوى العربي جاء الفيلم المغربي «ميكا» (2020) للمخرج المغربي إسماعيل فروخي مفاجأة للجميع عند عرضه في الدورة الرابعة لمهرجان الجونة السينمائي، ويروي قصة طفل يعيش في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة مكناس، مع أبوين مريضين وفي حالة اجتماعية متدنيّة، فيذهب إلى كازابلانكا، ويتناول الفيلم مصير الطفل أمام صعوبات الواقع الذي يعيشه منذ النشأة في مكناس، وفي حياته الجديدة في كازابلانكا.

الرمز... والصورة
لم يكن التطور الذي شهدته السينما في السنوات الأخيرة مرتبطًا بما حققته السينما المستقلة فحسب، فقد تمكّن بعض المخرجين، بعيدًا عن السينما المستقلة، من الاتكاء على البُعد الرمزي، فجاء توظيف الرمز للتعبير عن مستوى آخر للتلقي، بغية إضفاء أكثر من خطاب داخل الفيلم، فجاءت أفلام «الساحر» (2001)، من إخراج رضوان الكاشف، و«رسائل البحر» (2010)، من إخراج داود عبدالسيد، و«بتوقيت القاهرة» (2015)، من إخراج أمير رمسيس، و«اشتباك» (2016)، للمخرج محمد دياب... وغيرها، معبّرة عن بنى رمزية معادلة للطرح الموضوعي، ومضيفة فضاءات أخرى أكثر زخمًا. 
يلاحظ أن السينما في هذه الفترة اهتمت على نحو خاص بالخيال وسحر الصورة، وبدا ذلك جليًا في أفلام مثل «الكنز» الذي استحضر التاريخ، وعبّر في مشاهد بديعة عن أنماط الحياة في مراحل تاريخية سحيقة، و«الفيل الأزرق» الذي ارتكز على الخيال في إبداع صور ساحرة عن الحلم والعوالم الأخرى، وأيضًا فيلم «الجزيرة» الذي اهتم بجزيرة صغيرة في صعيد مصر، تنتشر بها زراعة المخدرات، فجاءت الصور والمشاهد معبّرة إلى حد كبير عن الجنوب وصراعاته. 

نهايات مختلفة
من السمات البارزة أيضًا، تجاوز البنى الفنية التقليدية واستحداث بنى أخرى مغايرة، واستطاع المخرجون صناعة أفلام غير مألوفة، تأخذ المشاهد إلى نهاية الفيلم، ثمّ تدهشه بنهاية أخرى مفارقة، مثل فيلم «الفرح» (2009) للمخرج سامح عبدالعزيز، حيث اختلف البناء مع السينما التقليدية، وجاءت النهاية مختلفة مع توقّعات المشاهد، بل إن الفيلم حمل نهايتين متناقضتين، برغم أنه يسير وفق بناء تقليدي للأحداث، كما برزت الأفلام الرومانسية، مثل «فتاة المصنع»، و«شقة مصر الجديدة» من إخراج محمد خان، و«قصة حب»، و«توأم روحي» من إخراج عثمان أبو لبن، والأخير هو آخر أفلام الراحلة رجاء الجداوي، عرض عام 2020، وجاءت هذه الأفلام وفق رؤى معاصرة في الصورة والتكوين والثيمة الفنية. 
وتميّز كثير من الأفلام باختلافها مع البناء التقليدي في السينما السائدة، مثل أفلام «هيبتا» (2016) من إخراج هادي الباجوري، و«صندوق الدنيا» (2020) من إخراج عماد البهات، فتعتمد هذه الأفلام على بنى جديدة غير معتادة، فيبدأ فيلم «عين شمس» بعم رمضان سائق التاكسي (رمضان خاطر)، الذي تتمحور الأحداث من خلاله، وتبدأ الشخصيات في الظهور، مع تقديم بصوت الراوي، وتنطلق الأحداث إلى النهاية التي هي نقطة البداية، من خلال الاسترجاع «فلاش باك». وتختلف هذه الطريقة عن مثيلتها في السينما الكلاسيكية، التي تكون فيها الأحداث من وجهة نظر البطل/ الراوي فحسب، بينما في «عين شمس» يقدّم الراوي الشخصيات ويتركها تعبّر عن أفكارها وتلقى مصيرها دون تدخّل.
 
بناء فني غير مسبوق
يجزّئ فيلم «هيبتا» الشخصية المحورية إلى عدة شخصيات، وتؤدي كل شخصية مرحلة زمنية من حياتها، فتكون الشخصيات التي أداها كل من الطفل عبدالله عزمي، وأحمد مالك، وعمرو يوسف، وأحمد داود، مراحل حياتية من عمر الراوي (ماجد الكدواني)، وهو بناء فني غير مسبوق في السينما المصرية.
أما فيلم «صندوق الدنيا»، فإن طريقة البناء السردي مختلفة تمامًا، حيث يعتمد على حكايات تتمحور حول طفل، وشاعر، وفتاة تعمل في عيادة طبية، وامرأة، ومع تطوّر الأحداث نجد أن الحكايات تتقاطع وترتبط فيما بينها، وأنها متصلة بطريقة ما وليست منفصلة كما توهمنا. هذه الطرائق في السرد الفيلمي تدعو المشاهد إلى الحضور الذهني، فلا تعتمد على إشباعه بصريًا فحسب. 
وقد شهدت العشرون عامًا الماضية استثمار نجاح الأفلام بعمل أجزاء أخرى وصلت إلى ثلاثة أجزاء في بعضها، مثل فيلم «عمر وسلمى» من بطولة تامر حسني، الذي تم عمل أجزائه الثلاثة بمخرجين مختلفين، فكان الأول عام 2007 للمخرج أكرم فريد، والثاني عام 2009، للمخرج أحمد البدري، والثالث عام 2012 للمخرج محمد سامي، وذلك على الرغم من أن الموضوع، والأفكار، والمعالجة، لا تستدعي ذلك.

 قصة حقيقية
يعدّ فيلم «الجزيرة» بجزأيه في عامي (2007، و2014) للمخرج شريف عرفة، إضافة للسينما المصرية، فقد تناول الأول قصة حقيقية لجزيرة في الصعيد يسيطر عليها تجار المخدرات، ويرصد الصراع بين رجال الشرطة وتجار المخدرات، وينتهي بسقوط الجزيرة والقبض على زعيمها منصور الحفني، وفي الجزء الثاني نجد تجدّد واتساع الرؤية الفنية باتجاه الجماعات المتشددة وآثارها السلبية على المجتمع، فتناول كيف تعمل هذه الجماعات من أجل مصالحها فقط، في وقت ترفع شعارات دينية من أجل التأثير على البسطاء، وجاء الفيلم في أعقاب أحداث الربيع العربي التي مرّت بها مصر بداية من عام 2011. كذلك فيلم «الفيل الأزرق» من إخراج مروان حامد، وبطولة كريم عبدالعزيز، وعرض عام 2014، ثم الجزء الثاني عام 2019، ويتم الإعداد لعمل الجزء الثالث، وهو فيلم رعب يميل إلى التشويق وجماليات الصورة. 
ومن الأفلام التي جاءت في جزأين، فيلم «أولاد رزق» من إخراج طارق العريان، وبطولة مجموعة من الفنانين، وعرض عام 2015، محققًا نجاحًا كبيرًا، وجاء الجزء الثاني عام 2019، دون أن يضيف جديدًا، ويتناول الصراع بين تجار المخدرات ومجموعة من الشباب وضابط شرطة فاسد، ويعتبر فيلم «الكنز» للمخرج شريف عرفة أهم الأفلام التي جاءت في جزأين، وعُرض في 2017 و2019، وشارك في بطولته محمد سعد، ومحمد رمضان، وهند صبري، ويتناول العلاقة بين الشعب، والسلطة، ورجال الدين، في ثلاثة عصور مختلفة هي العصر الفرعوني، وعصر المماليك، ومرحلة ما قبل ثورة 1952، ويستحضر التراث الشعبي من خلال سيرة علي الزيبق، والفيلم أحد أهم أفلام السينما المصرية في السنوات الأخيرة.   

الطفل... شخصية محورية
من اللافت للنظر في سينما الألفية الثالثة، على الصعيد العربي، وجود شخصية الطفل في بعض الأفلام كشخصية محورية، تروى الأحداث من خلالها، باعتبار (ذات) الطفل مركزًا للأحداث، ومن ذلك الفيلم المصري «لا مؤاخذة»، واللبناني «كفرناحوم»، والمغربي «ميكا»، ولا غرو في أن تتفق الأفلام الثلاثة على أن يكون العبء الذي يواجهه الطفل/ البطل خلال الأحداث، هو همّ اجتماعي، ومادي، يتسبب في الانتقال إلى بيئة أخرى غير البيئة المعتادة، وهو ما يرتبط - في الأفلام الثلاثة - بالأحوال المتردية للوالدين، وأثرها على الأسرة، فقد عانى «عبدالله بيتر» في الفيلم الأول، وانتقل إلى مدرسة حكومية ليست كالمدرسة الدولية التي اعتادها، وغادر «زين» في الفيلم الثاني أسرته بسبب تدني مستوى المعيشة، وللظروف نفسها ترك «ميكا» في الفيلم الثالث المدينة كلها بحثًا عن حياة أرحب. وهناك الفيلم الأردني «ذيب» (2014) من تأليف وإخراج ناجي أبو نوار، ورُشح لجائزة الأوسكار، ويتمحور حول الطفل «ذيب» الذي يعاني في الصحراء. 
منذ أوائل التسعينيات الماضية، عانت مصر تفشي ظاهرة الإرهاب، وتناولت بعض الأفلام هذه الظاهرة وأثرها الاجتماعي، وكشفت عن الأثر السيئ للإرهاب على المجتمع، كما في فيلم «الإرهابي» (1994)، و«طيور الظلام» (1995) من إخراج شريف عرفة، و«الآخر» (1999) من إخراج يوسف شاهين؛ بينما لم تتوقف السينما في الألفية الثالثة عند تناول خطر الإرهاب على المجتمع فحسب، لكنها ناقشت الأسباب الموضوعية التي أدت بشخصياتٍ يفترض أنها كانت سويّة، إلى مستنقع الفكر الظلامي، فقد عبّر فيلما «دم الغزال» (2005) من إخراج يسري نصرالله، و«عمارة يعقوبيان» (2006) من إخراج مروان حامد، عن تطور شخصية الإرهابي والظروف الاجتماعية التي قادته إلى ذلك.
كما تناولت السينما في الألفية الثالثة نظرة المجتمع إلى إشكالية الدين بقدر كبير من التنوع وبطرائق مختلفة عمّا سبق، ووفق رؤى فكرية وغير مباشرة، فبعض الأفلام عملت على تمركز الطفل كمحور للأحداث، كما في «بحبّ السيما» (2004)، من إخراج أسامة فوزي، و«لا مؤاخذة» (2014) من إخراج عمرو سلامة، كما اختلفت رؤية الطرح في فيلم «مولانا» (2016) من إخراج مجدي أحمد علي، مع كل ما سبق، فجاء التناول شارحًا لشكل العلاقة مع السلطة، وكيف تتم صناعة الداعية، أما فيلم «شيخ جاكسون» (2017) من إخراج عمرو سلامة، فقد عبّر عن الصراع النفسي لشخصية تعيش بين ماضٍ مفعم بالحياة، وحاضر يعيش الموت.  
 
السينما وقضايا المرأة
مع مطلع الألفية الثالثة بدت السينما العربية أكثر اهتمامًا بقضايا المرأة، حيث ظهرت خلال الفترة (2001 - 2020) مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة، بدأت بـ «مذكرات مراهقة»، و«السلّم والتعبان»، و«الساحر» في عام 2001، واختتمت بأفلام «صندوق الدنيا»، و«بنات ثانوي»، و«حظر تجوّل» في عام 2020، وبين العامين ظهر عديد من الأفلام التي تمحورت حول قضايا المرأة وتطلّعاتها، واستطاعت أن تجد طريقها إلى قلب المشاهد ووعيه ، وأن تصنع حالة من البهجة والفرح في نفوس محبي الفن السابع، على الرغم مما أثارته من تساؤلات مُوجِعة، من هذه الأفلام: «أسوار القمر»، و«قبل زحمة الصيف» و«نوارة»، و«678»، و«ورد مسموم»... وغيرها.
   تميزت الأفلام التي ظهرت في الـ 20 عامًا الماضية، بسمات مختلفة وغير مسبوقة، فحملت جل الأفلام ردود أفعال جادة ومتباينة للمرأة، كما في أفلام «الساحر» (2001) للمخرج رضوان الكاشف، الذي عبّر عن صورة من صور الأب المستبد، وفيلم «هي فوضى» (2007) من إخراج يوسف شاهين وخالد يوسف، وفيه واجهت المرأة تسلّط الرجل المتمثل في أمين الشرطة، وكذلك أفلام «بَحبّ السيما»، و«سهر الليالي»، و«عن العشق والهوى»...، وغيرها. 
وجاءت أفلام «أسرار البنات»، و«واحد - صفر»، و«678»، و«يوم للستات»، أكثر جرأة على مناقشة المسكوت عنه في العلاقة بالآخر/ الرجل، فناقشت قدرة المرأة على المواجهة، وعبّرت عن صورة المرأة القوية القادرة على مواجهة التحدي، وإثبات الذات، وكانت في أغلب الأفلام هي المحرك الأساس للتطور الدرامي. وحمل فيلم «احكي يا شهر زاد» (2009) من إخراج يسري نصرالله، على سبيل المثال، ردود أفعال متباينة للمرأة إزاء ما تواجهه في الواقع من نماذج سلبية تحطّ من قدرها، وأن تكشف زيف هذه النماذج وفسادها الأخلاقي. 
   لم تتوقف السينما خلال الـ 20 عامًا الماضية عن التجديد، والكشف، والإضافة، عبر طرائق إبداعية تخرج على السائد والمألوف، لتضيف إلى ذاكرة الفن السابع أفلامًا أكثر دهشة وإمتاعًا، من خلال طرقها لأبواب مختلفة، سواء على مستوى الثيمات الفنية، أو على مستوى البناء، أو التشكيل البصري، إلى غيرها من الطرائق الفنية التي أفرزتها المخيلة الإبداعية للمخرجين طوال السنوات الماضية ■

علي صبحي في مشهد من فيلم علي معزة وإبراهيم