حقًا لا أريدُ أن أكبُر!

حقًا لا أريدُ أن أكبُر!

كنت أُرتّب كتبي وقصصي المتناثرة، عندما وقعت بين يدي تلك القصة «مروان والجمل»، التي أحضرها لي والدي بعد عودته من السفر، وكانت تدور بشكل «فانتازي» حول رحلة أب وابنه، والأب في نفس عمر ابنه، وخلال الرحلة يخبره الأب أنّه كان يتمنى أن يظل صغيرًا طوال حياته، لكنّه تراجع فقط خوفًا من رفاقه إذا كبروا وظل هو صغيرًا، وسألوه: «لماذا لم تكبر مثلنا»؟

تسللت الابتسامة إلى وجهي وأنا أعيد السؤال لنفسي: «هل عليّ أن أكبر حقاً؟!» أتذكر كلمات أمي لي في بعض الأحيان وهي تمزح معي بأنني يجب أن أكبر وأكتفي من الأحلام.
هل عليّ أن أكبر لأرى الوجه الحقيقي للعالم، لأرى القبح الذي يسكنه، أم لأعتاد سوءه، وما المبهج حقًا في هذا العالم لكي يجعلني أتعامل معه بنضج وكِبر؟! هل عليّ حقًا أن أتابع برامج الـ «شو» كلها، وبرامج الطبخ والمسابقات، والمسلسلات، لأتناقش فيها مع غيري، فأصبح كبيرة وناضجة، ألا يمكنني أن أكتفي بفيلم كارتون مُبهج يجعلني أعتقد - ولو كذبًا - أنني أستطيع أن أحيا في هذا العالم بسعادة؟!
هل عليّ أن أُدرك أن العالم العربي ينهار، وأن ما درسته في كتب التاريخ عن الوحدة العربية هراء، وعليّ أن أُلقيه في سلّة المهملات بلا رجعة، أم عليّ أن أُدركَ أن الدين لم يعد مجالًا للوحدة والتسامح بين الشعوب، بل مادة للقتال والصدام، لكي يُقال عليّ فتاة كبيرة وذات عقل ناضج؟!
هل الكِبر والنضوج أن أتعايش مع اختفاء أبناء جيلي إمّا في السجون والمعتقلات، أو بالهجرة بلا رجعة، وأن أسكت وألّا أنتقد، أن أقول نعم دومًا وأبدًا من دون تفكير، أن أخفض سقف طموحاتي لنكتفي بمن يعطينا النذر اليسير من حقوقنا؟! 
هل أن أكبر معناه أن نقبل أدوارًا معيّنة خلقها لنا المجتمع كلنا منذ الولادة حتى الممات، أدوارًا فرضها علينا فرضًا، لدرجة مَن يقرر الخروج على المسار ليشقّ طريقه بنفسه، يُصبح إنسانًا حالمًا لا يعرف شيئًا عن الحياة، وأضاع سنوات عمره، هل هذا هو النضج؟!
إذا كان هذا هو النضج أو الكبر، فعذرًا لا أريده أيّها العالم، أريد أن أظل تلك الطفلة الحالمة، التي تجري بالشوارع لتستمتع بحبّات المطر كأنها لا تزال في العاشرة من عمرها، إذا غضبت فهي تُنفِّس عن غضبها إمّا بمشاهدة فيلم كارتوني أو بالطهي الذي تعشقه، وتعتبر أن الورد هي الهدية الأمثل في الحياة».
عذرًا أيّها العالَم، لا أريد أن أكبر، لأقبل بالأمر الواقع، أو أنضج بأن أصبح نسخة مشوّهة مثل الآخرين، بل جُلّ ما أريده أن أستمتع بطفولتي إذا كانت ستسمح لي بأن أحلمَ بحياة بها أمل، بوطن حقيقي يحترمني ■