«التفسير الإبداعى للأحلام» كيف تستفيد من حلمك؟

«التفسير الإبداعى للأحلام» كيف تستفيد من حلمك؟

   شغل الإنسان بالأحلام من قديم الزمان، فالحلم ظاهرة من أقدم الظواهر النفسية، ومن أحدثها في الوقت نفسه، فقد شغل بها الإنسان البدائي باعتبارها جزءًا غامضًا من مكونات طاقته الروحية، واستثارته بغموضها، فسعى لاستجلائها وفقًا لمعطياته الثقافية التي وقفت به عند تخوم الخرافات والأساطير، كما ارتبطت لديه بعلم السِّحر، ومازال الإنسان مهمومًا بأحلامه معنيًا بتفسيرها، فعمرها من عمر الإنسان نفسه، كما أن تفسيرها قديم بقِدَمه، بل إنّ تفسيرها يمتدّ مكانيًا ويتلوّن وفق الأفق الحضاري الذي يعيش فيه.

تعدّ الأحلام للإنسان القديم مصدرًا من المصادر المهمة التي تشكّل نظرتهم لأنفسهم وللحياة من حولهم، فكل ما يعتمل في الحياة من اضطرابات ينعكس في أحلامهم، وعليه، فقد أصبح للحلم فاعلية قصوى في حياتهم وتوجيه أفعالهم وعمليات الإباحة والتحريم، وقد تجنّب كثير من العلماء في الماضي دراسة الأحلام، لأنّها تجربة ذاتية أولًا، ولارتباطها بالسحر والخرافات من ناحية أخرى.
وكان تفسير الحلم، عبر العصور، ذا بعد حضاري وثقافي، فكل إنسان يستعين بموروثه الثقافي والاجتماعي في استقراء حلمه وفكّ رموزه، في ثقافتنا العربية مازال ابن سيرين والنابلسي وغيرهما من المعبّرين ذوي حضور راسخ وأثر فاعل، وبالمثل يقف سفر فرويد الجليل (تفسير الأحلام) على رأس الكتب التي قدّمت نظرية مثيرة في تفسير الأحلام بمنهجه الشهير في التحليل النفسي الذي فتح الباب واسعًا لعالم الوعي واللاوعي والرغبات المكبوتة وصور الإشباع والتعويض والتنفيس، ومن بعده تتابعت المناهج المختلفة في دراسة الأحلام.
وفي هذا الإطار، يأخذنا ستانلي كربنر، وجوزيف ديلارد الباحثان بمجالي البارسيكلوجي والصحة الشاملة، ضمن أعضاء جمعية دراسة الأحلام بكاليفورنيا؛ لاستكشاف أبعاد جديدة في هذا العالم المجهول.
ومن خلال هذا الكتاب، الذي ترجم إلى «العربية» بعنوان التفسير الإبداعي للأحلام؛ يدعم العالمان الفرضية القائلة بأن الأحلام يمكنها الكشف عن الحالات الطبية التي لم يتسنّ تشخيصها من قبل، والتنبؤ بالأحداث قبل وقوعها، فالكتاب محاولة للخروج من الأطر التقليدية لتفسير الأحلام من خلال أسئلة جوهرية تتعلّق بعالم الأحلام من مثل: هل يمكن للمرء أن يجد في حلمه ما يفيده في حياته، وكيف يمكن له أن يتجاوز الأفق التفسيري المسيطر على قراءتنا لأحلامنا؟ هل تمثّل الأحلام إحدى قدرات الإنسان الإبداعية؟ وكيف يمكنه أن يستخدمها؟ وكيف يمكن أن يستفيد الإنسان من أحلامه؟ مثل هذه الأسئلة يطرحها الكتاب ويناقشها، مستعينًا بعشرات الأمثلة وغيرها مما يلحّ على الإنسان بمجرد استيقاظه من نومه، ويناقشها الباحثان في اثني عشر فصلًا، منها الفصول التالية: «عن الأحلام التي تحيّرنا»، و«عن الأحلام والقدر»، و«الرمز المعبّر»، و«أسلوب الحلم يعكس أسلوب الحياة»، و«كيف تحلّ مشاكلك وأنت نائم»؟
 ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن في محاولته أن يجترح طريقًا مغايرًا لقراءة الحلم باعتباره أداة مساعدة يمكنها أن تعين الإنسان في حياته، وعليه جاء صوت المؤلفين عاليًا: إننا نرغب في مساعدتك على استكشاف أحلامك واستخدامها وتفعيل دورها الخفي في إثراء حياتك؛ لأنّها بالفعل أداة قوية بين يديك، ومن شأنها أن تساعدك.
ويعتقد المؤلفان أن المغامرات الليلية يمكنها أن تقدّم لك حلولًا مبتكرة لكثير من المشكلات، ومن ثمّ يمكنها أن تحسّن حياتك الشخصية والمهنية.
 
الحلم أداة إبداع فعالة
  يرى مؤلفا الكتاب أن الأحلام تعد أداة قوية بين يدي كل إنسان يمكنها أن تعينه في حلّ كثير من المشكلات الحياتية الطارئة، فالمغامرات الليلية التي تقوم بها يمكنها أن تعلّمك وسائل حل المشكلات بطريقة إبداعية، وعلى الرغم من أن الحدود الفاصلة بين الصور والرموز تتداخل أحيانًا، فإنه توجد بعض الاختلافات، وتعدّ الصور عبارة عن تمثيل ذهني للمواد أو للأشخاص. 
لكنّهما - من ناحية أخرى - يحذّران من الثبات عند تفسير واحد للحلم، فمن أهمّ نصائح الكتاب ضرورة عدم قبول تفسير واحد عندما يكون صاحب الحلم بصدد اتخاذ قرار مهم صباح اليوم التالي، إضافة إلى ضرورة العناية القصوى بإعطاء أهمية كبيرة للأجزاء الأكثر خيالًا وغرائبية وشذوذًا. ويقدّم الكاتبان كثيرًا من الأمثلة والروايات التاريخية والمعاصرة لأحلام له دورها في تشكيل واقع أصحابها أو تغييره، كما يستحثّان كلّ من يدّعي أنه لا يفيد من أحلامه أو لا يتذكرها أو يمنحها اهتمامًا أن يدخل في تجارب تعينه على استعادة الأحلام وتفاصيلها وفكّ شفراتها وتحفيز ذاكرته  لتذكّر تفاصيل أحلامه وأحداثها، وتحسين قدراتهم على الاحتفاظ بالذكريات بالحصول على نوم كافٍ، خصوصًا أن الصور العصبية تظهر أن مناطق الدماغ التي تنشط خلال النوم هي نفسها المتعلقة بمهمة جديدة، مما يشير إلى إمكانات الحلم في تثبيت المعلومات الجديدة.
 ومن طريف هذا الكتاب أنه يشرح كيف يمكننا دراسة الأحلام لمعرفة المزيد عن أنفسنا والأشخاص الآخرين في حياتنا وللمساعدة في المشكلات العملية والعاطفية، كما يقدّم نصائح عملية مثيرة حول كيفية تذكّر الأحلام واستخدامها في تنمية القدرات الإبداعية؛ ذلك أن الحلم هو الرابط الخفي للبشرية بالإبداع.

الأحلام من منظور جديد
  رصد الكتاب الأدوار الثقافية للأحلام عبر التاريخ حتى يومنا هذا، لكن من منظور ثقافتهما الغربية، فقدّم مسحًا لتاريخ نظريات تفسير الأحلام التي نراها ليلًا ونحن نيام، منذ كانت تعد زيارات لعوالم روحانية غامضة أو ذات أبعاد خفية، إلى القيام بتفسيرها عبر بناء نماذج للمعالجة الإدراكية أثناء النوم باستخدام تكنولوجيا الكمبيوتر، وعمليات مسوحات الدماغ.
 كذلك قام المؤلفان بجمع مادة شديدة الثراء فيما يتصل بالعلاقة بين الحلم والقدرة على الإبداع، وأسلوب حل المشكلات أثناء النوم، بل إن تطبيقاتهما في مجال دراسة الأحلام توسعت بتقديم مقترحات لتطبيق نظريتهما على مجالات التعليم، والعمليات التجارية، وسوق العمل، بصورة تعيد للحلم دوره الفاعل في حياة الإنسان المعاصر بعيدًا عن الأفكار التقليدية السائدة، حتى أنهما قدّما تطبيقات متعددة لإمكانية تحسين حياتنا بإعادة تجديد رؤيتنا لأحلامنا الليلية، ولأنّ الحلم هو في الأساس تفكير دماغنا في حالة فسيولوجية عصبية أخرى؛ فمن المحتمل أن يحلّ بعض المشكلات العالقة بعقولنا في حالة اليقظة، وتتميز هذه الحالة العصبية الفيسيولوجية بالنشاط المرتفع في مناطق الدماغ المرتبطة بالصور، لذا فإنّ المشكلات التي تتطلب تخيلًا حيًا. يمكن أن يكون الحلم عاملًا مساعدًا في طرح حلول ناجعة لها.
   استفد من أحلامك، واكتشفها بوصفها أداة قوية تساعد على حلّ المشكلات، ووسيلة للارتقاء بالشخصية، هذا ما ينصح به مؤلفا الكتاب، فقد تحدد الأحلام المشكلة عبر قراءتها على نحو خاص، وتقدّم لك الحلول بطريقة إبداعية، فالأصل في الإبداع أنه يحدث في الحلم، أما الاستثناء فهو الإبداع في حال اليقظة، والغريب أنّ كثيرًا من أفكار الباحثين تتلاقى مع أفكار معبّري الأحلام العرب من أمثال ابن سيرين، بل إن وشائج القربى بينهما أكبر منها بما طرحه فرويد في منهجه السيكولوجي، خاصة العلاقة بين الصورة والرمز، ودرجات الترميز والاختلاف والاتفاق فيما بينهما يقظة ومنامًا، فكثيرًا من نجد أن الصورة في الواقع تشير إلى شيء ما، لكنّها ترمز في المنام لشيء آخر، وهو ما يظهر جليًا في أدبيات تفسير الأحلام التراثية، في الوقت الذي لا يتفق مع فرويد الذي ربط الأحلام بالرغبات المكبوتة.

حين يبدع الحلم حلًا
  يضرب لنا الكتاب عشرات الأمثلة حول الأحلام ودورها في حياتنا، ويؤكد  أن الانشغال بالمشكلة قد ينجم عنه حلّ لها عن طريق الحلم، منها على سبيل المثال ما حدث مع إلياس هاو، مخترع إبرة ماكينة الخياطة في الحلم، فقد كان مكان ثقب الإبرة في المنتصف، حتى رأى في نومه حلمًا لملك يهدده وحراس يحملون الرماح، فلاحظ في حلمه وجود فتحات على شكل العين في رؤوس الرماح التي كان يحملها حرّاس الملك، فوصل إلى مبتغاه بجعل فتحة الإبرة بالقرب من السنّ المدببة، وهكذا توصل إلى اختراعه من رؤياه لرماح الحراس، كذا حكاية مندليف مع الجدول الدوري.
 فبعد محاولات عديدة غير ناجحة في تصنيف العناصر الكيميائية رأى في حلمه جدولًا يتم فيه تحديد الأماكن التي ينبغي أن توجد فيها جميع العناصر، وكتب ذلك في ورقة بمجرد استيقاظه من النوم، فإذا جميع العناصر التي كتبها من الحلم تأخذ موضعها الصحيح في جدوله الشهير طبقًا للتركيب الذري لتلك العناصر، إلى غير ذلك من أمثلة مثيرة تكشف أن الانشغال العميق بمسألة ما دون حل، من شأنه أن يتيح الفرصة لعملية استبصار أثناء النوم.
   في النهاية يقدّم كتاب «التفسير الإبداعي للأحلام» متعة معرفية ثريّة، في تناوله لشيء نمارسه جميعًا برتابة معتادة دون أن نكتشف أسراره، وبرؤية حداثية علمية التناول تعتمد على استقراء تاريخي مدقق، فيجيب الكتاب عن العديد من التساؤلات الملحّة حول الأحلام التي لم تبُح بعد بكل أسرارها.
   يبقى أن هذا الكتاب صدر حديثًا عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة تحت عنوان التفسير الإبداعي للأحلام، ومن تأليف العالِمين ستانلي كربنر وجوزيف ديلارد، وترجمة أيمن عزام، ومراجعة د. رضوى إبراهيم ■