العودة الروائية والسينمائية للتناغم اليهودي - المسلم في المغرب دراسة ضمن «أجيال من المعارضة»

العودة الروائية والسينمائية للتناغم اليهودي - المسلم في المغرب  دراسة ضمن «أجيال من المعارضة»

في كتاب صدر عن «صحافة جامعة سيراكوس 2020» بعنوان «أجيال من المعارضة» وعنوان فرعي «المثقفون... الإنتاج الثقافي والدولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، وحرره أليكسا فرات ور. شارياه تالغاني، يصدر البروفيسور الباحث إبراهيم القبلي، في الجزء السابع من هذا الكتاب، دراسة تضم حوالي 30 صفحة بعنوان «كسر الإجماع الوطني... العودة الروائية والسينمائية للتناغم اليهودي - المسلم في المغرب».

البروفيسور إبراهيم القبلي أستاذ مساعد في الدراسات العربية والأدب المقارن بجامعة ويليامز الواقعة في ويليامزتاون ماساشوسيتس بالولايات المتحدة الأميركية، حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة بوردو عام 2005 وشهادة الدكتوراه من جامعة برينستون في الأدب المقارن عام 2016. 

تغطي أبحاث القبلي مجالات السياسة اللغوية، وحقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية، والعنف السياسي، وإنشاء الأرشيف، ودراسة الذاكرة، والآداب الأمازيغية / البربرية، والعلوم الإنسانية والبيئية، وله مقالات قيّمة في عدد من المجلات، كما أنه ساهم في كتابة عدد خاص في مجلدين بمجلة دراسات الشمال إفريقيا، بعنوان «العنف وسياسة الجماليات... مغرب ما بعد الاستعمار بلا حدود». 

في هذه الدراسة، يتتبع القبلي مسألة عودة اليهود على مستوى الرواية والفيلم السينمائي.

منهجية الاختيار

يقول القبلي إن منهجية اختيار الروايات والأفلام موضوع الدراسة تحكمت فيه 3 عناصر هي:

1 - إصدارات وأفلام صادرة بعد عام 2000.

2 - موضوع الروايات والأفلام حول موضوع اليهود في المغرب ما بعد الحماية.

3 - إنتاجهم (أفلامًا وروايات) من طرف كتّاب وسينمائيين ازدادوا بعد هجرة اليهود.

هذه العناصر تؤشر إلى راهنية الظاهرة من جهة، وتساعد على تحديد أوجهها المتعددة البين - أجيال ورفض النوستاليجيا كمحرّك أساسي في خلق هذه المنتجات.

ويحدد الكاتب المجال التاريخي لكتابه، ويشرح عملية طرد اليهود من مجال الذاكرة المغربية، وأيضًا استحواذ الدولة على الموضوع، وعدم جعله في متناول الكتّاب والسينمائيين.

لقد كان موضوع اليهود، في مقابل فلسطين، حكرًا على الدولة، والتي راهنت على الإمساك بالملفين معًا. فمن جهة هي الراعية للمصالح الفلسطينية في أرض المغرب، ومن جهة ثانية هي المخول الوحيد للتكلم وحماية اليهود.

سياسة الاستيطيقا

يستشهد القبلي بالباحث جاك رانسيير في كتابه «سياسة الاستيطيقا وتوزيع الحساسية» ويقول إن الأدب والسينما يكونان سباقين عن المجتمع ويكونان مثل العلامة الجينية، حيث المفكر به يتشكل لأول مرة.

عندما يتبنى الروائيون والسينمائيون المواضيع المحظورة والـ «تابو» للعائلات ذات الثنائية الدينية: مسلم - يهودي، حالات الزواج المختلطة والاعتقادات المختلفة، فإن الروايات والأفلام تقلب الطاولة عن «الإجماع الوطني المغربي» الذي تشكّل في لحظات الأزمة بين 48 و67 وطرد اليهودي من الذاكرة الوطنية، وتم اعتباره ذلك الغريب، تلعب الآداب والسينما دورًا مهمًا في خلق المغرب المفكر فيه.

في أصول الإجماع الوطني

لا يمكن للروائي أو السينمائي ألا يستحضر، في كل عمل إبداعي، الصراع العربي/ الإسرائيلي، وهكذا يقول القبلي إن الروايات والأفلام التي اختارها في دراسته تدخل في إطار إعادة إدخال اليهود والحياة اليهودية - الإسلامية للذاكرة الوطنية والثقافية، ويفرّقون جيدًا بين الاعتراف بالماضي اليهودي للمغرب والواجب الأخلاقي بمساندة القضية الفلسطينية من أجل الاستقلال والحرية. وعوضًا عن وضعية أو/ أو، فإن الروايات والأفلام موضوع الدراسة توضح أن الانفتاح وتبني الملامح اليهودية للشخصية المغربية والنضال من أجل الحقوق الوطنية الفلسطينية لا ينفي أحدهما الآخر.

لم يهاجر اليهود فقط من الجغرافيا (هجروا الوطن المغربي) لقد هُجِّروا أيضًا من الذاكرة الوطنية، ولم يعد اليهود موجودين في كتب التاريخ المدرسي منذ 40 سنة خلت، والمغاربة لا يعلمون بالأمر».

عودة اليهود من خلال الرواية

بعد هذا التأصيل العلمي التاريخي والتبيئة السياسية للموضوع، يستهل القبلي دراسته برواية «أسير مبروكة للروائي المغربي الحسن أيت موح، وهي رواية باللغة الفرنسية.

 يعطي أيت موح تلك القدرة الروائية لعودة اليهود لوطنهم الأصل، على الرغم من أن الواقع ممتنع في هذه القضية، وتمضي الرواية في هذا الاتجاه. ورغم فشل المشروع التجاري لبطل الرواية والتر باروخ كينستون، فإنه سيتمكن من تحقيق رغبة أبيه المضمرة في العودة إلى المغرب، وبالتالي فإن الابن سيحقق الرغبة التي كانت تدور بخلد أبيه. هكذا فإن الابن والتر سيكون بمنزلة رسول الذاكرة الوطنية.

إن الأفلام والروايات التي تستحضر اليهود اليوم، تستحضرهم في الحاضر وأساسًا في الماضي، أما في المستقبل، مستقبل المغرب، فإنهم غير موجودين. وما لا يستطيعه أو لا يتحمّله الواقع، تتبناه المخيلة، ويحاول أيت موح تصوّر تلك العودة بمختلف أشكالها.

إعادة تشكيل للضياع التراجيدي للألفة 

  تجسّد «شامة أو شتريت» التأثيرات المستمرة للتشظي للعائلات اليهودية - المسلمة في المغرب. في هذه الرواية الأولى لإبراهيم حريري، ومن خلال مجموعة من القصص لمسلمين ويهود مغاربة، يحاول الكاتب أن يصف الأصوات العميقة - الملزمة بالصمت الآن - للعائلات المزدوجة الديانة، والتي انقسمت وانشطرت على نفسها كنتائج لحرب يونيو. 

لقد استعمل حريري تقنية البحث الصحفي والسرد التاريخي من خلال شخصيتي الراوي من جهة، وشخصية صوفيا مراكشي التي تشتغل في جريدة لوموند، من جهة ثانية. 

تستهل رواية «شامة أو شتريت» أحداثها بلقاء متخيل لبطلة الرواية صوفيا مراكشي بإدمون عمران المالح وشيمون ليفي، وهما شخصيتان حقيقيتان، ومن الوجوه المهمة لليهودية في المغرب، وهما معًا سيؤكدان للصحافية أن الزواج المزدوج اليهودي المسلم من التابوهات المسكوت عنها، وأنهما لا يعرفان شيئًا عن الموضوع.

إن العمل الإثنوغرافي أوضح حالة الارتباك، السرية، النكران والتحفظ التي يُواجَه بها هذا النوع من العائلات.

ومن خلال التخييل، فإن حريري يعطي لهذه العائلات دورًا مركزيًا في أحداث رواية «شامة أو شتريت»، وهكذا تدخل الرواية للعوالم السرية التي يعلم الجميع بوجودها، لكنها محاطة بكثير من التستر، خصوصًا على أشخاص مثل صوفيا مراكشي.

من خلال نص درامي كامل، لكنّه مقنع، ومن خلال مصادفات عشوائية ستتعرف صوفيا على أخ وأخت، أمهما يهودية وأبوهما مسلم كانا قد افترقا كإحدى نتائج حرب يونيو.

الصحافية - الراوية ستكتشف أن إيما بوكبات، طبيبة الأطفال الصهيونية الإسرائيلية ويوسف بوكبة، وهو محام مسلم مغربي، أخوان. من خلال أبحاث الصحافية ستكتشف مؤامرات وخداع دولتي وأيضًا وعود عرقوبية ستعمل على تفريق عائلة كانت سعيدة، فتعمل على تشتيتها بين ثلاث قارات.

كسر الصمت

مع توالي الأحداث، تشرح الرواية كيف أن الدعاية الصهيونية جعلت شامة/ الأم تهرب من الدار البيضاء، تهرب من حياتها السعيدة وتهاجر أو تُهَجَّر بقوة نحو إسرائيل.

إن رحلة شامة / الأم مفروضة من طرف أسيادها الصهاينة، ولم تجر بالطريقة التي كانت تريد، إذ هربت/ هاجرت صحبة ابنتها فاطمة (ذات الأشهر الستة)، التي ستصبح إيما، وستترك يوسف (ذا السنوات الخمس). يكبر الولدان، كلٌّ في بلد، يكبران، وكل واحد منهما سيكوّن شخصيته وأفكاره على النقيض من الآخر، وعلى الرغم منهما ستكون بينهما نقاشات في لقاءات دولية حول القضية الفلسطينية.

بعدما جمعت صوفيا مراكشي ما يكفي من معلومات، واجهت الأم شامة التي صار اسمها شتريت، بعدما تهودت في مهجّرها القسري بإسرائيل، ثم كتبت مقالًا في جريدة لوموند تقول فيه «لا الاسم الذي تحمل هو اسمها الحقيقي، ولا اللقب أيضًا. لا تعرف هل هي مغربية أم إسرائيلية؟ لا تعرف إن كانت مسلمة أم يهودية؟ إيما بوكبات صارت بسرعة فاطمة بوكبة. الحقيقة هو أن هناك كثيرًا من العائلات اليهودية التي غادرت المغرب وقد تركت أقاربها، زوجًا، ولدًا، أبًا وغيره، ولا أحد يجرؤ الآن على الكلام. لنكسر الصمت (ص 68).

في هذا المقال المتخيل دعت صوفيا لتكسير الصمت في المغرب وفي إسرائيل عن هذه التراجيديات العائلية، والرواية تؤسس لعملية كسر الصمت داخل المجال العام لتقوية الذاكرة الوطنية المغربية.

نفض الغبار عن قصة يوسف وفاطمة يوضح أيضًا أن الصراع العربي - الإسرائيلي يتم خوضه أيضًا داخل العائلات المغربية. وكما تقول شيرا أوحيون المغنية والمناضلة الإسرائيلية ذات الأصول المغربية في فيلم «لقد وعدوهم بالبحر»: «بالنسبة لي، المشكلة هي أن الصراع بين العرب واليهود، ليس هناك في البلد، بل إنه في دواخلي، في ثنايا هويتي». 

 سمة أساسية

الحميمية اليهودية - الإسلامية في المغرب سمة أساسية في الرواية السحرية والواقعية في آن لكمال الخمليشي «حارث النسيان». حياة سامي منذ الولادة في قرية صغيرة بالقرب من مدينة الحسيمة.

الخطوط السحرية في الرواية جد مقنعة وجد مبررة، نظرًا لموضوع الرواية. القدرات فوق الطبيعية لسامي ضرورية لسببين؛ الأول يمكّن الرواية من ربط الماضي بالحاضر والمستقبل بسرد قصير، مما يساعد القارئ على النظر للتغييرات التي طرأت في الحياة بين المسلمين واليهود في أرض المغرب. وثانيًا لأن الجرأة للخوض في موضوعة اليهود تلزم الكاتب بوجود قدرات خارقة لمجابهة «الإجماع الوطني». لكن هذه القدرات الخارقة لا يمكنها تحدّي واقع هجرة كل من إلينا وجوزي من المغرب.  

في مدينة بني ملال

التبني من خارج العقيدة أحد الملامح الأساسية للحميمية اليهودية - الإسلامية بالمغرب. إن الإسلام واضح في منعه تبني أطفال المسلمين من طرف غير المسلمين. لكن في «زغاريد الموت» وفي «حارث النسيان»، هناك مثل هذا التبني بدرجات مختلفة.

إن تبني سيمون وإيزا بلولو لسميحة المسلمة في «زغاريد الموت» لعبدالكريم الجويطي، حيث يحكي قصة هذه العائلة في مدينة بني ملال خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب (1912 - 1956) في تحدّ للدين والقانون، مضيفة: الشخصيات المسلمة (العلالي، الأم والجدة)، اليهوديان (شيمون وإيزا وإيسو) وهنو (المولدة) يتآمرون لتحويل أبوّة سميحة من أمها المسلمة العازبة إلى أبويها اليهوديين بالتبني في تحدّ كامل لكل التابوهات الدينية والقانونية. فلا موت خطيب الأم العازبة بسبب الكوليرا، ولا منع الإسلام تبني الأطفال المسلمين من طرف أبوين غير مسلمين استطاع التقليل من الخجل الاجتماعي الذي يخول لبلولو تبنّي طفل ذي أصول مسلمة.

استعمال الذكريات في الماضي اليهودي المسلم

يكتسي استخدام الأمكنة وسيلة مهمة لإعادة ترسيخ المغاربة اليهود في عالمهم السالف. إن المغاربة اليهود الذين تم تغييبهم تدريجيًا بشكل مضاعف من المكان ومن الذاكرة منذ سنة 1948، سيتم دعوتهم للعودة من طرف الرواية من خلال ربطهم بالأمكنة الجغرافية العينية. التفريق بين المسلمين واليهود في التخييل الروائي سيكون غير منتج، وسيمحو التأثير التخييلي للآداب في الحياة اليهودية - الإسلامية في كل أبعاده السوسيوسياسية الثقافية وفي الذاكرة الجمعية المغربية.

هكذا لجأ الروائيون المغاربة المعنيون بهذه الدراسة إلى استخدام شخصيات حقيقية كإدموند عمران المالح وشيمون ليفي، واستخدام أمكنة طبوغرافية حقيقية قروية أو حضرية مثل ورزازات، والدار البيضاء، وتزنيت، والمعاريف، ومبروكة، وأزيلال ومراكش، مما عمق المعطى الحقيقي في هذه الأعمال.

الأفلام السينمائية

يستمر القبلي في تحليله، ويقترح علينا ثلاثة أفلام هي «تنغير جورزاليم» لكمال هشكار، و«لقد وعدوا بالبحر» لكاتي رازان، و«اليهود المغاربة... المصائر الفاشلة» ليونس لغراري.

وبغضّ النظر عن فيلم «تنغير جورزاليم» الذي قوبل برفض جماهيري، فإن الأفلام الثلاثة تحاول استعادة ذكرى المغاربة اليهود، مصائرهم والأسباب التي كانت وراء هجراتهم نحو كل من فرنسا، وإسرائيل، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية.

خاتمة

إن الدراسات الموضوعاتية جدّ مهمة، وهي تظهر أحد الجوانب الأساسية في الكتابة السينمائية والروائية، كما أنها تساعد على انتشار الكاتب من خلال التحليل الموضوعاتي الغائب نسبيًا عن النقد العربي المعاصر. وقد تمكّن القبلي من ضبط الأعمال الروائية والسينمائية التي اشتغل عليها، وحاول ونجح في تتبّع مساراتها الفكرية من خلال التركيز على موضوعة اليهود في المغرب. ولا يفوتنا هنا أن نذكر، كما ذكر القبلي في استهلاله «أن تبني قضية اليهود المغاربة لا يعني بأي حال من الأحوال، التخلي عن تبني القضية العادلة للشعب الفلسطيني، التي كانت - ولا تزال وستبقى - قضية وطنية مغربية لا تقبل المزايدة» ■