القراءة واستعارة الكتب
بالمصادفــة، وأنــا أرتب رفوف مكتبتي، وجدت كتاب «مصاحبات... قراءة في الهامش الإبداعي» للكاتبة عالية ممدوح، فبدأت في تصفحه، وكان أن عثر ُت على هذا الخبر الجميل فيه.
تقول الكاتبة عالية ما يلي: «هذه الرواية لم تكن عندي، ولم أســتطع شــراءها من المغرب لعدم ورودها أصًلا،لكنني استعرتها من الصديق الناقد عبدالفتاح كيليطو». الرواية المشار إليها هي رواية «الزمن الآخر» للروائي المصري إدوار الخراط، وهي من بين أشهر روايات هذا الكاتب بعد رواية «رامة والتنين».
وأذكــر أن بعــض طلبــة الســلك الثالث قد اشــتغلوا عليهــا في بحوثهــم الجامعية إبــان صدورها في ذلك الوقــت. لكــن مــايهّمنــي هنا هو فعل اســتعارة الكتب وعملية تداولها بين الكّتاب والمثقفين بشــكل عام ،وهو ما سأتطرق له.
كثيــًرا مــا يســتعير الكاتــب من صديقه كتاًبــا ُ معيًنا يريد الاشــتغال عليه، لكنه حين ينتهــي منه لايرجعه إلى صاحبه. ربما لأ ّن هناك علقة ألفة قد حدثت بينه وبين هذا الكتاب، أو لأنه يعتقد بأنه سيحتاجه في المستقبل القريب، فلا داعَي لإعادته لصاحبه ثم طلبه منه من جديد، أو ربما لظنه بأن صاحبه حين أعطاه له لم يعد في حاجة إليه. وكل هذه المبررات تؤدي إلى نتيجة واحدة هي عدم عودة الكتاب لصاحبه. طبًعا هناك حالات مخالفة، فالكتاب المســتعار يُعاد إلى صاحبه مرفًقا بالشــكر، بل أكثر منذك تتم الإشــارة في الدراســة أو البحث المنجز حوله إلى ذلك، وهو ما قامت به الكاتبة عالية مع الناقد كيليطو. فهذه الإشــارة أوضحــت لنــا أن كيليطــو يمتلــك مكتبــة، وأن هذه المكتبة لا توجــد فيها فقط كتب التــراث العربي أو الكتب التــي اشــتغلت عليــه بمختلــف اللغات، كما تبين ذلــك البيبليوغرافيات الموجودة في نهايــة كتبه، وإنما توجد فيها روايات عربية معاصرة أي ًضا. وهو يظهر مدى حرص هذا الناقد المثابر على متابعة الجديد في الأدب العربي، حتى وإن لم يكتب عنه بالضرورة. أحياًنا-وهذاالأمر رائع جًدا -يتم تبادل الكتب بين الكّتاب بشكل خاص وبين القراء بشكل عام، كتاب بكتاب، وهو ما يسمح بسيرورة المعرفة وتوسيع الحوار حولها، أو أبعد من هذا، فقد تتحول الكتب إلى نوع مــن الهدايــا الجميلــة بين الأصدقاء، لاســيما إذا كانوا من عّشــاق قراءة الكتب بشــكل دائم، وهوأمر ثقافي جميل يجب تشجيعه.
وهناك في المقابل، أولئك المشغوفون بقراءة الكتب والحرص عليها بشكل قوي، حيث لا يمكن لهم أبًدا أن يعيروها لأ ّي أحد تحت أي ذريعة كانت. وتراهم من جراء ذلك يشــترون الكتب باســتمرار؛ ســواء الجديدة منها أو المستعملة.
وبالنســبة لهــذه الأخيــرة، فإنهــم يشــترونها من عنــد بائعي الكتــب القديمة، حيث تصبــح علقتهم معهم متواصلــة باســتمرار، بــل إن البعــض منهــم أصبــح يتحــدث عــن هــذه العلقــة ويشــيد بها فــي صفحته على «فيســبوك»، ويظهر من حين لآخر أغلفة الكتب التي اشــتراها من عندهم، لاســيما حين تكون نادرة الوجود.
وهذا الأمر يعد شك ًل من أشكال الاهتمام بالقراءة والدعوة إليها بطريقة حضارية ■