منازلنا آخر قِلاع الورق

منازلنا آخر قِلاع الورق

إذا أغلقت المكتبات ودور النشر التي تعيش على البيع والشراء أبوابها لقلّة الإقبال على المطبوعات الورقية، فذلك يعني أنّ المكتبات المنزلية ستكون هي الملاذ الأخير لكلّ حرف مطبوع على الورق، حيث تمكثُ هناك في رحاب مَن أفسح لها مركز قلبه قبل بيته، لا يشكو من ثِقلها وغبارها ولا يطيق البعاد عنها إلّا للضرورة القصوى.

إن‭ ‬العملية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬إلّا‭ ‬بالعناصر‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الأرباح،‭ ‬أما‭ ‬التاريخ‭ ‬والارتباط‭ ‬العاطفي‭ ‬والحسّي‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬تضفي‭ ‬على‭ ‬االبضاعةب‭ ‬سبب‭ ‬وجودها،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ - ‬أي‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬آليات‭ ‬السوق‭ - ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تفسيرات‭ ‬اختفاء‭ ‬أشياء‭ ‬عاشت‭ ‬لدهور‭ ‬وشركات‭ ‬دامت‭ ‬دهورًا،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أيضًا‭ ‬فهم‭ ‬التدخّل‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬والأفراد‭ ‬المهتمّون،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مبانٍ‭ ‬تاريخية‭ ‬وحِرَف‭ ‬تقليدية‭ ‬ومهارات‭ ‬يدوية‭ ‬ودعم‭ ‬بعض‭ ‬الصناعات‭ ‬المرتبطة‭ ‬ببناء‭ ‬العقول‭ ‬ورفع‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭.‬

مَن‭ ‬يصدّق‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬منتجات‭ ‬التصوير‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬اكوداكب‭ ‬تتعرّض‭ ‬للإفلاس،‭ ‬بعد‭ ‬مسيرة‭ ‬حافلة‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1892م؟‭ ‬ومَن‭ ‬يصدّق‭ ‬أنّها‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬متغيّرات‭ ‬السوق،‭ ‬ولم‭ ‬تستشعر‭ ‬مخاطر‭ ‬المنافسة‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بها،‭ ‬اكوداكب‭ ‬لدى‭ ‬الناس،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬العائلات،‭ ‬تعني‭ ‬الصورة‭ ‬الجماعية‭ ‬واللحظات‭ ‬السعيدة‭ ‬والذكريات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يُراد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تُنسى،‭ ‬تلك‭ ‬مجرد‭ ‬أسباب‭ ‬محفّزة‭ ‬لبقاء‭ ‬منتجات‭ ‬اكوداكب‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭.‬

ولكن‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬ظهرت‭ ‬الكاميرات‭ ‬الرقمية‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لمستخدمها‭ ‬التقاط‭ ‬مئات‭ ‬الصور‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بالقلق‭ ‬من‭ ‬انهاية‭ ‬الفيلمب،‭ ‬ودون‭ ‬الحاجة‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬محل‭ ‬تظهير‭ (‬تحميض‭) ‬الصور،‭ ‬تراجعت‭ ‬مبيعات‭ ‬اكوداكب،‭ ‬ولم‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحًا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2007م،‭ ‬وسبق‭ ‬لهذه‭ ‬الشركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أن‭ ‬قلّلت‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬ظهور‭ ‬منافس‭ ‬جديد‭ ‬لها،‭ ‬وهي‭ ‬شركة‭ ‬فوجي‭ ‬اليابانية،‭ ‬لأنّها‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المستهلك‭ ‬الأمريكي‭ ‬لن‭ ‬يُقبل‭ ‬على‭ ‬البضاعة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬لكنّ‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬العكس‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬سار‭ ‬التصوير‭ ‬الرقمي‭ ‬بشكل‭ ‬متسارع‭ ‬نحو‭ ‬كسب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المستهلكين،‭ ‬تباطأت‭ ‬اكوداكب‭ ‬في‭ ‬حركتها‭ ‬ونظرتها‭ ‬المقيّدة‭ ‬بإرثها‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬لم‭ ‬تعُد‭ ‬تستعمل‭ ‬سوائل‭ ‬التحميض‭ ‬وأوراق‭ ‬الصور‭ ‬اللامعة،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المنافسة،‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬السوق‭.‬

 

منافسة‭ ‬بين‭ ‬الحديث‭ ‬والأحدث‭ ‬

قصة‭ ‬نهاية‭ ‬اكوداكب‭ ‬مثال‭ ‬جدير‭ ‬بالذّكر‭ ‬لكلّ‭ ‬الشركات‭ ‬وأصحاب‭ ‬الصناعات‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تطورات‭ ‬العالَم‭ ‬الرقمي،‭ ‬لأنّ‭ ‬منتجات‭ ‬تلك‭ ‬الشركة‭ ‬العملاقة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تركت‭ ‬بصماتها‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬بقاع‭ ‬الدنيا،‭ ‬لم‭ ‬تشفع‭ ‬لها‭ ‬عندما‭ ‬ظهرت‭ ‬آلة‭ ‬التصوير‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬حقبة‭ ‬التصوير‭ ‬التقليدية،‭ ‬وأطلقت‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬عالَم‭ ‬التصوير‭ ‬لم‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬أولى‭ ‬ضحاياها‭ ‬المحتملين‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬كاميرات‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكيّة،‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭ ‬بين‭ ‬الحديث‭ ‬والأحدث،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬سمة‭ ‬هذا‭ ‬العصر،‭ ‬حيث‭ ‬تقلّصت‭ ‬أعمار‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬تزيح‭ ‬ما‭ ‬سبقها،‭ ‬وخاصة‭ ‬الرّقمية‭ ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬إلى‭ ‬الأشهر‭ ‬إلى‭ ‬الأسابيع‭ ‬وقريبًا‭ ‬إلى‭ ‬الأيام‭.‬

ومثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عالَم‭ ‬التصوير،‭ ‬حصل‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬منتجات‭ ‬أشرطة‭ ‬الكاسيت‭ ‬السمعيّة‭ ‬والمرئية،‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬الصراع‭ ‬بطيئًا،‭ ‬ثم‭ ‬تسارَع‭ ‬بخطوات‭ ‬ضوئية‭ ‬مع‭ ‬تعدُّد‭ ‬الوسائط‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬وتعرض‭ ‬آلاف‭ ‬الخيارات‭ ‬من‭ ‬الأغاني‭ ‬والأفلام‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهنا‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬صناعة‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الكتاب‭ ‬الرقمي‭ ‬وشاشات‭ ‬العرض‭ ‬اللّوحية‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬مكتبة‭ ‬كاملة‭ ‬يمكن‭ ‬حملها‭ ‬والتنقل‭ ‬بها‭ ‬لأيّ‭ ‬مكان‭.‬

ومَن‭ ‬يدري،‭ ‬ربّما‭ ‬يكون‭ ‬مصير‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬مثل‭ ‬شريط‭ ‬الكاسيت‭ ‬المرئي‭ ‬والمسموع‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬التصوير‭ ‬الضوئي،‭ ‬قطعة‭ ‬أثريّة‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬مع‭ ‬الفارق‭ ‬أن‭ ‬القطع‭ ‬الأثرية‭ ‬عمرها‭ ‬بمئات‭ ‬وآلاف‭ ‬السنين،‭ ‬أمّا‭ ‬الأشرطة‭ ‬والأفلام‭ ‬فقد‭ ‬كانتا‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬اللصيقة‭ ‬بالناس،‭ ‬وتملأ‭ ‬أدراجهم‭ ‬وسياراتهم‭.‬

 

الكتاب‭ ‬سلعة‭ ‬معمّرة‭ ‬

لا‭ ‬يزال‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬يكتسب‭ ‬بعض‭ ‬المميزات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬وجوده‭ ‬بصورته‭ ‬التقليدية،‭ ‬ومنبع‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬بقيّة‭ ‬المطبوعات‭ ‬الورقية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬الضغط‭ ‬الرّقمي‭ ‬مثل‭ ‬الصحف‭ ‬اليومية‭ ‬والمجلات‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬العُمر‭ ‬الافتراضي‭ ‬للاستخدام،‭ ‬فالصحيفة‭ - ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الإنترنت‭ - ‬تعيش‭ ‬ليوم‭ ‬واحد‭ ‬لتؤدّي‭ ‬دورها‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الأخبار‭ ‬والآراء‭ ‬والإعلانات‭ ‬التجارية،‭ ‬ولا‭ ‬يُحتفظ‭ ‬بها‭ ‬إلّا‭ ‬لتأدية‭ ‬أغراض‭ ‬تعرفها‭ ‬سيّدة‭ ‬المنزل‭ ‬جيدًا،‭ ‬أمّا‭ ‬الكتاب‭ ‬كحامل‭ ‬للعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬فلا‭ ‬يُشترى‭ ‬إلّا‭ ‬للبقاء‭ ‬أو‭ ‬الإهداء،‭ ‬وقد‭ ‬يورّث‭ ‬لمن‭ ‬يستحقه،‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬التبرّع‭ ‬فيه‭ ‬طلبًا‭ ‬للأجر،‭ ‬لذلك‭ ‬هو‭ ‬يعتبر‭ ‬سلعةً‭ ‬معمّرة‭ ‬قد‭ ‬تدوم‭ ‬للأبد،‭ ‬وتجد‭ ‬مَن‭ ‬يدفع‭ ‬الأموال‭ ‬الطائلة‭ ‬لشرائها‭ ‬أو‭ ‬ترميمها‭.‬

الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬ضغطًا‭ ‬ماديًا‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬النشر،‭ ‬مثل‭ ‬الضغط‭ ‬المادي‭ ‬الذي‭ ‬تسبّبه‭ ‬الصحيفة‭ ‬الورقية‭ ‬اليومية‭ ‬أو‭ ‬المجلة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬لمُلّاكها،‭ ‬لأنّ‭ ‬الكتاب‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وتيرة‭ ‬صدور‭ ‬إجبارية،‭ ‬بعكس‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬التخلّف‭ ‬عن‭ ‬مواعيد‭ ‬صدورها،‭ ‬ولو‭ ‬ليوم‭ ‬واحد،‭ ‬خشيةَ‭ ‬خسارة‭ ‬الإعلانات؛‭ ‬ناهيك‭ ‬بالإخلال‭ ‬بأحد‭ ‬شروط‭ ‬امتياز‭ ‬ترخيصها،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬الكميّة‭ ‬المطبوعة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬لا‭ ‬تقارَن‭ ‬أبدًا‭ ‬مع‭ ‬الكمّ‭ ‬اليومي‭ ‬المطبوع‭ ‬من‭ ‬الصحف‭.‬

إذًا‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬له‭ ‬حجج‭ ‬قويّة‭ ‬لبقاء‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬ولا‭ ‬يتبقّى‭ ‬سوى‭ ‬العامل‭ ‬الأهمّ،‭ ‬وهو‭ ‬إقبال‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نوعها؛‭ ‬ورقيّة‭ ‬أو‭ ‬رقميّة،‭ ‬لأنّ‭ ‬اختفاء‭ ‬الطلب‭ ‬يعني‭ ‬بكلّ‭ ‬بساطة‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬العرض،‭ ‬فهل‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬أحوال‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬مبشّرة‭ ‬حتى‭ ‬نتفاءل‭ ‬بصناعة‭ ‬الكتاب‭ ‬فيه؟‭ ‬لأنّ‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬مثل‭ ‬السلسلة‭ ‬المترابطة‭ ‬عندما‭ ‬تضمر‭ ‬أولى‭ ‬حلقاتها،‭ ‬تنتقل‭ ‬آثارها‭ ‬إلى‭ ‬الحلقة‭ ‬التالية،‭ ‬وهكذا‭.‬

 

القراءة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرجة

المعطيات‭ ‬الموجودة‭ ‬لأوضاع‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬تقول،‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقرير‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬إن‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬يقرأ‭ ‬بمعدل‭ ‬6‭ ‬دقائق‭ ‬سنويًا،‭ ‬بينما‭ ‬يقرأ‭ ‬الأوربي‭ ‬بمعدل‭ ‬200‭ ‬ساعة‭ ‬سنويًا‭! ‬

ذلك‭ ‬التفاوت‭ ‬الصادم‭ ‬لا‭ ‬يكشف‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والأوربيين،‭ ‬لكنّه‭ ‬يقدّم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفسيرات‭ ‬لحالة‭ ‬التدهور‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬وطريقة‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬مشاكل‭ ‬الحاضر‭ ‬والنظرة‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تعُد‭ ‬تحتمل‭ ‬التجارب‭ ‬أو‭ ‬القبول‭ ‬بمستويات‭ ‬تفكير‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الأحداث‭.‬

إذًا‭ ‬فنحن‭ ‬بالأساس‭ ‬كعرب‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرجة‭ ‬مع‭ ‬القراءة،‭ ‬وهي‭ ‬محطة‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬ميدان‭ ‬من‭ ‬ميادين‭ ‬المنافسة،‭ ‬وأيّ‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬صناعة‭ ‬الكتب‭ ‬لا‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬متينة‭ ‬من‭ ‬القرّاء‭ ‬سيفضي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬مشكوك‭ ‬في‭ ‬صحتها،‭ ‬بدليل‭ ‬المصاعب‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬توسّعت‭ ‬في‭ ‬النشر‭ ‬الإلكتروني‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الربحية‭ ‬المنشودة،‭ ‬ولا‭ ‬يفوتني‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬أيضًا‭ ‬أنّ‭ ‬أيّ‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬المقبلة‭ ‬بنهم‭ ‬على‭ ‬القراءة،‭ ‬وتستعد‭ ‬للانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬اللا‭ ‬ورق‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬القياس‭ ‬عليها،‭ ‬لأنّ‭ ‬المقارنة‭ ‬خاطئة‭ ‬من‭ ‬الأساس‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬أتت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬لتُوقف‭ ‬مسيرة‭ ‬قطار‭ ‬مَعارض‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وتنعش‭ ‬تجارة‭ ‬البيع‭ ‬الرقمية‭ ‬للكتب،‭ ‬وخسرت‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستغل‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬إصداراتها‭ ‬الاثنين‭ ‬معًا،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬فإنّ‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬المحليّة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قطر‭ ‬تعتبر‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬موطنها‭ ‬فرصةً‭ ‬كبيرةً‭ ‬لبيع‭ ‬إصداراتها‭ ‬المختلفة‭ ‬لجمهور‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬إلّا‭ ‬للشراء‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬عنوان‭ ‬حديث‭ ‬الشهر‭ ‬يحمل‭ ‬نظرة‭ ‬متشائمة‭ ‬لمستقبل‭ ‬الكتاب،‭ ‬إذا‭ ‬سلّمنا‭ ‬أو‭ ‬استسلمنا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬صناعة‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي‭ ‬ستنتهي‭ ‬قريبًا،‭ ‬لكن‭ ‬أيّهما‭ ‬أفضل؛‭ ‬أن‭ ‬نصمت‭ ‬ليكون‭ ‬مصيرنا‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬اكوداكب،‭ ‬أو‭ ‬نجتهد‭ ‬في‭ ‬التنبيه‭ ‬لما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬آت‭ ‬من‭ ‬عالمَ‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خاليًا‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬ومن‭ ‬وسائل‭ ‬اكتساب‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬نعجز‭ ‬عن‭ ‬توفيرها؟‭ ‬حينها‭ ‬سنبحث‭ ‬عمّا‭ ‬هو‭ ‬متاح‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭ ‬المنزلية‭ ‬وأيّ‭ ‬حصون‭ ‬أخرى‭ ‬خُبّئت‭ ‬فيها‭ ■‬