خطَرات في العشق مع العقاد وجبران

خطَرات في العشق  مع العقاد وجبران

تاريخ العلاقة بين الرجل والمرأة قديم، ولعله ابتدأ مطلع البشرية مع آدم وحواء، وما عمارة الشعوب وتكاثرها إلا دليل على هذه العلاقة بينهما، وحديثنا عن غراميات عباس محمود العقاد طريق إلى معرفة علاقته بميّ زيادة، التي حظيت، كما سنرى فيما بعد، بحبّه وتقديره، وقد نقلت الحضارات البشرية خلال عقود بعيدة ألوانًا مختلفة من الحب الذي جمع بين حبيبين، وأظهر قوة العلاقة بينهما، وصورًا من الغزل الذي جاء منحوتًا أو محفوظًا على أوراق البردي أو على كتاب، وفي ملاحم الأمم كـ «الشهنامة» الفارسية و«المهابهارتا» الهندية و«الإلياذة» الرومانية، وغيرها من كتب الملاحم وصف للمرأة، حيث جُعلت غاية الرجل وأمنياته وهواه.

 

لعل‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬هذه‭ ‬الميادين‭ ‬كلها‭ ‬هو‭ ‬الغزل‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬عواطف‭ ‬المحبين‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬والمفكرين،‭ ‬وقد‭ ‬عرف‭ ‬العقاد‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬شبابه،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭:‬

عرفت‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬أشكاله

وصاحبت‭ ‬بعد‭ ‬الجمالِ‭ ‬الجمال

فحب‭ ‬المصور‭ ‬تمثاله‭ ‬

عرفت‭ ‬وحب‭ ‬الشباب‭ ‬الخيال

‭***‬

وحب‭ ‬التي‭ ‬علّمتني‭ ‬الهوى

وحبّ‭ ‬التي‭ ‬أنا‭ ‬علّمتها

ومن‭ ‬أستمد‭ ‬لديها‭ ‬القوى

ومن‭ ‬أنا‭ ‬بالقوى‭ ‬أمددتها

‭ (‬غراميات‭ ‬العقاد‭ - ‬صفحة‭ ‬17‭)‬

ولعلّ‭ ‬ولع‭ ‬العقاد‭ ‬بالجمال‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬منعه‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬رغم‭ ‬محبته‭ ‬المفرطة‭ ‬لميّ‭ ‬وحديثه‭ ‬الطافح‭ ‬عنها،‭ ‬فهو‭ ‬مشغوف‭ ‬بتحليل‭ ‬عناصر‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬فتاة‭ ‬أعجبته،‭ ‬ولاحت‭ ‬له،‭ ‬يصف‭ ‬مي‭ ‬قائلًا‭: ‬مستديرة‭ ‬الوجه‭ ‬زجّاء‭ ‬الحاجبين‭ ‬وطفاء‭ ‬الأهداب‭ ‬دعجاء‭ ‬العينين‭ ‬يتألق‭ ‬الذكاء‭ ‬في‭ ‬بريقهما‭. ‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬يخلص‭ ‬العقاد‭ ‬لفتاة‭ ‬سمراء‭ ‬أحبها،‭ ‬اكتشف‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تخلص‭ ‬له‭:‬

هيا‭ ‬اسأليني‭ ‬واسمعي

منّي‭ ‬الجواب‭ ‬بلا‭ ‬هراء

أوفيت‭ ‬لي؟‭ ‬كلا،‭ ‬ولكن؛

هل‭ ‬وفيت‭ ‬لك‭ ‬الجزاء؟

 

العقاد‭ ‬والسمراء

لقد‭ ‬استعاد‭ ‬العقاد‭ ‬بحب‭ ‬السمراء‭ ‬حياته‭ ‬الأولى،‭ ‬وحلّ‭ ‬بقلبه‭ ‬التفاؤل،‭ ‬وشرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الفم‭ ‬الرقيق‭ ‬أفاويق‭ ‬الشباب،‭ ‬وغدا‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬سارة‭ ‬أو‭ ‬فتاة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬إلا‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬الأقاصيص،‭ ‬ويصوّر‭ ‬العقاد‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬صادفته‭ ‬انسحاقًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭:‬

‭ ‬‭ ‬بُنَّيةُ‭ ‬ما‭ ‬صنعت‭ ‬جزاك‭ ‬ربي

بحب‭ ‬في‭ ‬مشيبك‭ ‬مثل‭ ‬حبي

لقد‭ ‬غيرتني‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬انّي‭ ‬

أرى‭ ‬قلبي‭ ‬إذن‭ ‬لجلت‭ ‬قلبي

 

ويستغرق‭ ‬في‭ ‬مزايا‭ ‬تلك‭ ‬السمراء‭ ‬قائلًا‭: ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬السمراء‭ ‬أنثى‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬الرقة‭ ‬والعذوبة‭ ‬والجاذبية‭ ‬الطاغية،‭ ‬تتهاوى‭ ‬طراوة‭ ‬وتذوب‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬نعومة‭: ‬

ثناياها‭ ‬ثناياها‭ ‬

وهل‭ ‬ذقت‭ ‬ثناياها؟

وعيناها‭ ‬ويا‭ ‬للقلب‭ ‬

كم‭ ‬تسبيه‭ ‬عيناها‭!‬

وتلك‭ ‬الوجنة‭ ‬الخمـ

ريّة‭ ‬السكران‭ ‬رائيها

أفي‭ ‬جنّة‭ ‬رضوان

تفاح‭ ‬يُحاكيها؟

 

ويسترسل‭ ‬في‭ ‬أبيات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬قصائد‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬ولعه‭ ‬الغريب‭ ‬بهذه‭ ‬السمراء‭ ‬والجمال‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬

وتفيض‭ ‬دواوين‭ ‬العقاد‭ ‬بجمال‭ ‬المرأة‭ ‬وفتنتها‭:‬

‭ ‬وحبيبة‭ ‬منهن‭ ‬تحسبها‭ ‬

في‭ ‬الماء‭ ‬صورة‭ ‬كوكب‭ ‬يَسري

كالجمر‭ ‬خدّاها‭ ‬إذا‭ ‬سبحت

في‭ ‬الماء‭ ‬زاد‭ ‬توهّج‭ ‬الجمر

 

ويرى‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬الحلال‭ ‬هو‭ ‬الجمال‭ ‬والحرام‭ ‬هو‭ ‬القبح،‭ ‬لذلك‭ ‬برأيه‭ ‬الحلال‭ ‬خير‭ ‬والحرام‭ ‬شر‭.‬

شرعك‭ ‬الحسن‭ ‬فما‭ ‬لا‭ ‬يحسن

فهو‭ ‬يحلو‭ ‬وإن‭ ‬حلَّ‭ ‬المُدام

ليس‭ ‬في‭ ‬الحق‭ ‬أثام‭ ‬بيَّن‭ ‬

غير‭ ‬مسخ‭ ‬الحسن‭ ‬أو‭ ‬نقص‭ ‬التمام

 

غراميات‭ ‬العقاد

يذكر‭ ‬عامر‭ ‬العقاد،‭ ‬مُعِدُّ‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬غراميات‭ ‬العقاد‮»‬،‭ ‬بعض‭ ‬آرائه،‭ ‬فهو‭ ‬يروق‭ ‬في‭ ‬المرأة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مرحة‭ ‬بغير‭ ‬تكلّف‭ ‬ولا‭ ‬مبالغة،‭ ‬وأن‭ ‬تتزيّن‭ ‬بما‭ ‬يغري‭ ‬مَن‭ ‬يبصرها،‭ ‬ويعتبر‭ ‬العقاد‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬حنان‭ ‬الأبوّة‭ ‬ومن‭ ‬مودة‭ ‬الصديق‭ ‬ومن‭ ‬يقظة‭ ‬الساهر‭ ‬وضلال‭ ‬الحالم‭ ‬الصدق‭ ‬والوهم‭ ‬ومن‭ ‬الغرور‭ ‬والهوان‭ ‬ومن‭ ‬اللذة‭ ‬والعذاب‭. ‬

ودواوين‭ ‬العقاد‭ ‬مليئة‭ ‬بأثر‭ ‬المرأة‭ ‬وجمالها،‭ ‬فهو‭ ‬القائل‭: ‬

وحبيبة‭ ‬منهن‭ ‬تحسبها‭ ‬

في‭ ‬الماء‭ ‬صورة‭ ‬كوكب‭ ‬يَسري

كالجمر‭ ‬خداها‭ ‬إذا‭ ‬سبحت

في‭ ‬الماء‭ ‬زاد‭ ‬توهُّج‭ ‬الجمر

فضية‭ ‬الوصال‭ ‬مفرعة‭ ‬

في‭ ‬الحسن‭ ‬من‭ ‬فرع‭ ‬إلى‭ ‬فرع

 

ويتمنى‭ ‬العقاد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬ألف‭ ‬قلب‭ ‬حتى‭ ‬يستوعب‭ ‬جمال‭ ‬فتاته،‭ ‬ولا‭ ‬يترك‭ ‬لها‭ ‬فرصة‭ ‬مع‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬العشاق‭: ‬

يا‭ ‬ليت‭ ‬لي‭ ‬ألف‭ ‬قلب‭ ‬

تغنيك‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬قلب

وليت‭ ‬لي‭ ‬ألف‭ ‬عين‭ ‬

تراك‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬صوب

 

ويقيم‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬‮«‬وحي‭ ‬الأربعين‮»‬‭ ‬مزايا‭ ‬الشفاه‭ ‬قائلًا‭: ‬

 

لمسنا‭ ‬شفاها‭ ‬ففاضت‭ ‬سنا‭ ‬

وجُرنا‭ ‬على‭ ‬جائر‭ ‬فاعتدل

ومنها‭ ‬تذوقون‭ ‬طعم‭ ‬الحيا‭ ‬ة

وهل‭ ‬طعمها‭ ‬غير‭ ‬طعم‭ ‬القُبل؟

تسمّونها‭ ‬قبلة‭ ‬واسمها

رحيق‭ ‬الخلود‭ ‬وريّا‭ ‬الأمل

 

العقاد‭ ‬ومي

في‭ ‬ذلك‭ ‬الجو‭ ‬الشعري‭ ‬العابق‭ ‬بالغزل‭ ‬والشّعر‭ ‬والعشق‭ ‬والحب،‭ ‬كانت‭ ‬مي‭ ‬زيادة‭ ‬محطّ‭ ‬أنظار‭ ‬الجميع‭ ‬ورغبتهم‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬منها،‭ ‬واجتمع‭ ‬إليها‭ ‬معظم‭ ‬أدباء‭ ‬وملوك‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬ومنهم‭ ‬لطفي‭ ‬السيد‭ ‬وعبدالعزيز‭ ‬فهـــمي‭ ‬وشبلي‭ ‬شميّل‭ ‬وسليمان‭ ‬البستاني‭ ‬وخليل‭ ‬مطران‭ ‬وأنطوان‭ ‬الجميل‭ ‬وداوود‭ ‬بركات‭ ‬ومصطفى‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬ومصطفى‭ ‬صادق‭ ‬الرافعي‭ ‬ويعقوب‭ ‬صرّوف،‭ ‬يتنقلون‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬زهرة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنّه‭ - ‬أي‭ ‬العقاد‭ - ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬ويعرف‭ ‬بحبّه‭ ‬لميّ‭ ‬زيادة‭ ‬يقول‭ ‬جوابًا‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬أحدهم‭: ‬لقد‭ ‬أحببت‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬امرأتين؛‭ ‬سارة‭ ‬وميّ،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يسرد‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مي‭ ‬بقوله‭: ‬كانت‭ ‬مثقفة‭ ‬قوية‭ ‬الحجة‭ ‬تناقش‭ ‬وتهتم‭ ‬بتحرير‭ ‬المرأة‭ ‬وإعطائها‭ ‬حقوقها‭ ‬السياسية،‭ ‬وكان‭ ‬اهتمامها‭ ‬موزعًا‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والأنوثة‭. ‬

وأكثر‭ ‬حالات‭ ‬البوح‭ ‬كانت‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬العقاد‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬سارع‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬محبوبته‭ ‬مي،‭ ‬متشوقًا‭ ‬إلى‭ ‬رؤيتها‭ ‬باثًا‭ ‬أشواقه‭ ‬الحميمة‭ ‬وحبّه‭. ‬

ومع‭ ‬الأيام‭ ‬تقارب‭ ‬القلبان،‭ ‬قلب‭ ‬العقاد‭ ‬وقلب‭ ‬مي،‭ ‬فأخذت‭ ‬تخصه‭ ‬ببعض‭ ‬دقائق‭ ‬حياتها‭ ‬وأسرارها‭: ‬سأطلعك‭ ‬على‭ ‬ضعفي‭ ‬واحتياجي‭ ‬إلى‭ ‬المعونة‭ ‬أنا‭ ‬التي‭ ‬تتخيل‭ ‬فيك‭ ‬قوة‭ ‬الأبطال‭ ‬ومناعة‭ ‬الصناديد،‭ ‬وسأبيّن‭ ‬لك‭ ‬افتقاري‭ ‬إلى‭ ‬العطف‭ ‬والحنان،‭ ‬وإذا‭ ‬أسيء‭ ‬التصرف‭ ‬وارتكب‭ ‬ذنبًا‭ ‬ما،‭ ‬سأسير‭ ‬إليك‭ ‬متواضعة‭ ‬راجفة‭ ‬بانتظار‭ ‬التعنيف‭ ‬والعقوبة،‭ ‬وقد‭ ‬أتعمّد‭ ‬الخطأ‭ ‬لأفوز‭ ‬بسخطك‭ ‬عليّ،‭ ‬سأتوب‭ ‬على‭ ‬يدك‭ ‬وأمتثل‭ ‬لأمرك،‭ ‬في‭ ‬حضورك‭ ‬سأتحول‭ ‬عنك‭ ‬إلى‭ ‬نفسي‭ ‬لأفكر‭ ‬فيك،‭ ‬وفي‭ ‬غيابك‭ ‬سأتحول‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭ ‬إليك‭ ‬لأفكر‭ ‬فيك‭. ‬

ويكتب‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬حديثًا‭ ‬ينضح‭ ‬بالحب‭ ‬والهوى‭:‬

 

يا‭ ‬بنت‭ ‬لبنان‭ ‬أقريك‭ ‬التحيّة‭ ‬من

هضاب‭ ‬لبنان‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬والشُّهب

أمسيت‭ ‬ضيفك‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أرضي‭ ‬بها‭ ‬

وشي‭ ‬الضباب،‭ ‬برود‭ ‬الحسن‭ ‬والطّرب

أرى‭ ‬مثالك‭ ‬فيها‭ ‬حيثما‭ ‬طمعت

عيني،‭ ‬وأخلو‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرتقب

 

صراع‭ ‬العقاد‭ ‬وجبران

كانت‭ ‬سن‭ ‬العقاد‭ ‬عندما‭ ‬عرف‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬صالون‭ ‬مي‭ ‬سبعًا‭ ‬وعشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬وكانت‭ ‬مي‭ ‬في‭ ‬الحادية‭ ‬والعشرين،‭ ‬وقد‭ ‬ذاع‭ ‬صيت‭ ‬كليهما‭ ‬بين‭ ‬الأدباء‭ ‬والجيل‭ ‬المثقّف،‭ ‬ولم‭ ‬يتركا‭ ‬مناسبة‭ ‬إلا‭ ‬وتراسلا‭ ‬بشأنها،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬عندما‭ ‬راسلته‭ ‬مستفسرة‭ ‬عن‭ ‬صحته‭ ‬إثر‭ ‬مرض‭ ‬أصابه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أسوان،‭ ‬ناقلة‭ ‬إليه‭ ‬تمنياتها‭ ‬بشفائه،‭ ‬وأخبار‭ ‬ندوتها‭ ‬وصالونها،‭ ‬وردَّ‭ ‬عليها‭ ‬برسالة‭ ‬ذكر‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬الطبيب‭ ‬الألماني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يزور‭ ‬أسوان،‭ ‬وكيف‭ ‬طمأنه‭ ‬على‭ ‬صحته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ساورته‭ ‬شكوك‭ ‬بإصابته‭ ‬بمرض‭ ‬صدري،‭ ‬وخلال‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬أسوان‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬القاهرة‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬جلسات‭ ‬محبوبته‭ ‬يتلقى‭ ‬رسالة‭ ‬مشبعة‭ ‬بالعاطفة‭ ‬والمحبة‭.‬

إن‭ ‬تناسيتمـا‭ ‬وداد‭ ‬أناس‭ ‬

فاجعلاني‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬مَن‭ ‬تذكراني

ربّ‭ ‬ليل‭ ‬كأنه‭ ‬الصبح‭ ‬في‭ ‬الحُسن‭ ‬

وإن‭ ‬كان‭ ‬أسود‭ ‬الطيلساني

قد‭ ‬ركضنا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬اللهو‭ ‬لمّا‭ ‬

وقف‭ ‬النجم‭ ‬وقفةَ‭ ‬الحيرانِ

ويرسل‭ ‬إليها‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أسوان‭ ‬نسخــــة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الفصول،‭ ‬وفيــه‭ ‬نقد‭ ‬لما‭ ‬تضمنه‭ ‬كتاب‭ ‬المواكب‭ ‬لجبران‭ ‬مــــن‭ ‬أخطاء‭ ‬لغوية‭ ‬وانحراف‭ ‬عن‭ ‬الفطرة‭ ‬والطبيعة‭ ‬الشاعرة‭ ‬والخيال‭ ‬السليم،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬لجبران‭ ‬مكانة‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬مي،‭ ‬فلم‭ ‬تتحمل‭ ‬هذا‭ ‬النقد‭ ‬وآلمتها‭ ‬شدة‭ ‬العقاد‭ ‬عليها،‭ ‬داعيًا‭ ‬جبران‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسلك‭ ‬باب‭ ‬الشعر‭ ‬المنثور،‭ ‬وإلى‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬الرمزية،‭ ‬لأنها‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة،‭ ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬أفسح‭ ‬مجالًا‭ ‬لآرائه‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬سليقته‭ ‬وقدرته‭ ‬اللغـــوية‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬الشعر‭ ‬الموزون،‭ ‬هذا‭ ‬لو‭ ‬أقلَّ‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬الرمزية‭. ‬

فإنها‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬إيهام‭ ‬الكهّان‭ ‬الأقدمين‭ ‬لا‭ ‬يقبلها‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة‭ ‬إلا‭ ‬اتباع‭ ‬الكهان‭ ‬فيما‭ ‬تصرّم‭ ‬من‭ ‬العصور،‭ ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬يوحي‭ ‬بالصراع‭ ‬بينهما‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬مي‭ ‬زيادة‭. ‬

صراع‭ ‬بين‭ ‬محبين‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬مي،‭ ‬لعله‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬كانت‭ ‬حائرة‭ ‬بينهما،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬جبران،‭ ‬والعقاد‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬علاقته‭ ‬بميّ‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يتورع‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يقابلها‭ ‬بأية‭ ‬فتاة،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬سارة‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬عقد‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬سارة‭ ‬ومي،‭ ‬ولعل‭ ‬مي‭ ‬كانت‭ ‬الأثيرة‭ ‬لديه‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يماثلها‭ ‬في‭ ‬الجمال‭. ‬

كان‭ ‬العقاد‭ ‬ومي‭ ‬يتناولان‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتناوله‭ ‬العاشقون‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬التمثيل‭ ‬ولا‭ ‬يزيدان،‭ ‬كانا‭ ‬أشبه‭ ‬بالنجمين‭ ‬السَّيارين‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الواحدة،‭ ‬لا‭ ‬يزالان‭ ‬يحومان‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬واحد،‭ ‬لكنهما‭ ‬يحذّران‭ ‬التقارب‭. ‬

 

العقاد‭ ‬وسارة

ويقلب‭ ‬الدهر‭ ‬للإنسان‭ ‬أحيانًا‭ ‬ظهر‭ ‬المِجن،‭ ‬فينقله‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬إلى‭ ‬الحزن،‭ ‬ومن‭ ‬الهناء‭ ‬إلى‭ ‬الشقاء،‭ ‬فيموت‭ ‬والدا‭ ‬مي‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬وتنتقل‭ ‬حياتها‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬ومرارة،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬مرتشين‭ ‬أوقعوها‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬غش‭ ‬ووثائق‭ ‬مزورة‭ ‬بالرهن،‭ ‬وضرورة‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة،‭ ‬مما‭ ‬أوقعها‭ ‬في‭ ‬الحزن‭ ‬والألم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمدّ‭ ‬لها‭ ‬أحد‭ ‬يد‭ ‬الحاجة‭ ‬أو‭ ‬المساعدة،‭ ‬وحادثت‭ ‬ميّ‭ ‬العقاد‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الديْنِ‭ ‬المزعوم،‭ ‬الذي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬أمامه،‭ ‬فكلّف‭ ‬محاميًا‭ ‬يتولّى‭ ‬أمورها،‭ ‬وزاد‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬بلةً‭ ‬أن‭ ‬عادت‭ ‬امرأة‭ ‬أخرى‭ ‬تلوح‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬العقاد،‭ ‬هي‭ ‬محبوبته‭ ‬التي‭ ‬سجل‭ ‬علاقته‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬قصته‭ ‬الخالدة‭ ‬‮«‬سارة‮»‬،‭ ‬ولما‭ ‬شعرت‭ ‬ميّ‭ ‬بأن‭ ‬النساء‭ ‬تحوّلن‭ ‬عنده‭ ‬إلى‭ ‬امرأة‭ ‬لها‭ ‬شأن‭ ‬غير‭ ‬شؤون‭ ‬أخواتها‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬حواء‭ ‬زارته‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرّة‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬بصحيفة‭ ‬البلاغ،‭ ‬وهي‭ ‬الزيارة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭. ‬

أخذ‭ ‬حبّ‭ ‬العقاد‭ ‬لميّ‭ ‬يتوارى‭ ‬مع‭ ‬الأيام،‭ ‬وانتقل‭ ‬مع‭ ‬العقاد‭ ‬من‭ ‬مي‭ ‬إلى‭ ‬سارة‭ ‬إلى‭ ‬ماريانا‭ ‬وأليس‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬سارة‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬حياة‭ ‬العقاد‭ ‬سرورًا‭ ‬ومرحًا،‭ ‬وتمتّع‭ ‬إلى‭ ‬جوارها‭ ‬بسعادة‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬أحد‭ ‬عنها،‭ ‬يخلو‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬إنسان‭ ‬غيرهما،‭ ‬فتقوم‭ ‬بترتيبه‭ ‬وتنظيمه،‭ ‬وتعدّ‭ ‬الطعام‭ ‬بنفسها‭ ‬ويقضي‭ ‬أسعد‭ ‬أيام‭ ‬حياته‭ ‬حين‭ ‬يلتقيان‭ ‬معًا‭. ‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فرغم‭ ‬الحب‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يكنّه‭ ‬العقاد‭ ‬لميّ،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يقدِم‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬ولم‭ ‬يفكر‭ ‬فيه‭ ‬أصلًا‭. ‬

إن‭ ‬المتفحص‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬العقاد‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عزبًا‭ ‬مدة‭ ‬حياته،‭ ‬ترك‭ ‬لعنانه‭ ‬هواه‭ ‬يقطف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬وردة‭ ‬عبير‭ ‬وشمة،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬قلب‭ ‬خفقة،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬عين‭ ‬غمزة‭ ‬ولمزة،‭ ‬ولعل‭ ‬حديثه‭ ‬لتلميذه‭ ‬طاهر‭ ‬الجيلاوي‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬في‭ ‬صحبة‭ ‬العقاد‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬له،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سأله‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الزواج،‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يأباه،‭ ‬لكنّه‭ ‬أبى‭ ‬أن‭ ‬يشاركه‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬ولا‭ ‬يطيق‭ ‬هذه‭ ‬المشاركة‭.‬

أو‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يردد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أن‭ ‬انشغاله‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬جعله‭ ‬لا‭ ‬يطمئن‭ ‬إلى‭ ‬الزواج،‭ ‬مع‭ ‬تهديده‭ ‬دائمًا‭ ‬بالاعتقال‭ ‬والسجن‭ ‬وكارثة‭ ‬في‭ ‬الرزق‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬حملاته‭ ‬على‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬العهود‭ ‬الماضية‭ (‬غراميات‭ ‬العقاد‭). ‬

 

الحب‭ ‬الحقيقي

بدأ‭ ‬حب‭ ‬العقاد‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬مبكرة،‭ ‬وأجمل‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬نظره‭ ‬آنذاك‭ ‬فتاة‭ ‬أوربية‭ ‬رآها‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬وحول‭ ‬خصرها‭ ‬النحيف‭ ‬حزام‭ ‬صغير،‭ ‬وذاك‭ ‬من‭ ‬جموح‭ ‬الطفولة‭ ‬أو‭ ‬الفتوة،‭ ‬لكنّ‭ ‬الحب‭ ‬الحقيقي‭ ‬لدى‭ ‬العقاد‭ ‬كان‭ ‬لميّ‭ ‬زيادة،‭ ‬وكان‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬اكتماله‭ ‬فتوّته‭ ‬وشبابه،‭ ‬فجلا‭ ‬اسمه‭ ‬عالم‭ ‬الصحافة‭ ‬ومي‭ ‬أديبة‭ ‬راقية‭. ‬

وأظن‭ ‬أن‭ ‬حب‭ ‬العقاد‭ ‬لميّ‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬راسل‭ ‬فيه‭ ‬جبران‭ ‬مي‭ ‬أيضًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العقاد‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬مي‭ ‬وجبران‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬لكن‭ ‬ربما‭ ‬يقتل‭ ‬الحب‭ ‬المسافات‭ ‬ويصبح‭ ‬القريب‭ ‬بعيدًا‭ ‬والبعيد‭ ‬قريبًا،‭ ‬لكنّ‭ ‬حظها‭ ‬من‭ ‬كليهما‭ ‬كان‭ ‬صيحة‭ ‬في‭ ‬واد‭.‬

كانت‭ ‬هموم‭ ‬مي‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسعها‭ ‬جسمها‭ ‬الصغير،‭ ‬حب‭ ‬ملتبس‭ ‬عبر‭ ‬قارتين،‭ ‬أحدهما‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬مخلصًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بعيدًا‭ ‬بُعد‭ ‬السماء‭ ‬عن‭ ‬الأرض،‭ ‬والآخر‭ ‬ضائع‭ ‬بين‭ ‬سين‭ ‬وجيم‭ ‬وفي‭ ‬ضياع،‭ ‬متنقلًا‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬زهرة‭ ‬لأخرى‭. ‬

كانت‭ ‬مي‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬عشـــرة‭ ‬وجبران‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬عشرة،‭ ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬استعرت‭ ‬العلاقات‭ ‬العاطفيـــة‭ ‬بينهمــــا،‭ ‬برغم‭ ‬البعد‭ ‬الشاسع،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬وهي‭ ‬بمصر،‭ ‬كانت‭ ‬تحاول‭ ‬استضافته‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يستجب،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬بينهما‭ ‬كان‭ ‬جافًا،‭ ‬يتبين‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسائل‭ ‬المتبادلة‭ ‬بينهما،‭ ‬ولو‭ ‬تتبّعنا‭ ‬سياق‭ ‬الرسائل‭ ‬لرأينا‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬تقــريعًا‭ ‬أو‭ ‬لومًا،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬إشارات‭ ‬تُظهر‭ ‬أنها‭ ‬تخاف‭ ‬الحب،‭ ‬وهو‭ ‬كان‭ ‬بينهما‭ ‬جافًا‭ ‬جارحًا،‭ ‬بل‭ ‬مستغربًا،‭ ‬يقول‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬منه‭ ‬إليها‭: ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سكوتي‭ ‬بالأمس‭ ‬سوى‭ ‬سكوت‭ ‬الحيرة‭ ‬والالتباس،‭ ‬لقد‭ ‬جلست‭ ‬مرات‭ ‬لأحدّثـــك‭ ‬وأعاتبك،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬مي،‭ ‬لأننـــي‭ ‬أحسســــت‭ ‬أنك‭ ‬تريدين‭ ‬قطع‭ ‬الأسلاك‭ ‬الخفية‭ ‬التي‭ ‬تغزلها‭ ‬يد‭ ‬الغيب‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬جبران‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬أكاليل‭ ‬الزهر‭ ‬على‭ ‬قبر‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬أحبّها‭ ‬قلبه،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬نغمة‭ ‬شجية‭ ‬بين‭ ‬شفتي‭ ‬الحياة،‭ ‬كان‭ ‬العقاد‭ ‬يتنقل‭ ‬من‭ ‬حبيبة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬تاركًا‭ ‬ميّ‭ ‬إلى‭ ‬المجهول‭ ‬■