خالد حسيني العدّاء والشموس الساطعة!

خالد حسيني العدّاء والشموس الساطعة!

من يقرأ الرواية الأولى للكاتب الأمريكي من أصل أفغاني خالد حسيني «عدّاء الطائرة الورقية» سيشعر بمتعة كبيرة يتشارك فيها مع 140 مليون قارئ حول العالم قرأوا هذه الرواية مترجمة إلى لغات مختلفة، وهي الرواية التي قالت عنها إيزابيل الليندي «كل المواضيع المهمة في الحياة هي تركيبة هذه الرواية الاستثنائية: الحب، الشرف، الذنب، الخوف، التوبة... هذه الرواية من القوة إلى حد أنه لوقت طويل سيبدو كل ما قرأته سطحيًا).
ومَن يقرأ الرواية الثانية للكاتب «ألف شمس ساطعة»، سيعرف أنه ازداد تمكّنًا من فنه، وقدرة على العطاء الإبداعي، ولم يخذل قارئه الذي ظن أنه لا ارتقاء فوق ما وصل إليه الكاتب في الرواية الأولى (فقط في حال التساؤل إن كانت ألف شمس مشرقة بجودة عداء الطائرة الورقية، ها هو الجواب: لا... إنها أفضل) وفقًا لـ «الواشنطن بوست».

 

لكنّ‭ ‬تجربتي‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الروايتين‭ ‬أعطتني‭ ‬متعة‭ ‬وفائدة‭ ‬مضاعفة،‭ ‬إذ‭ ‬قرأتهما‭ ‬بالتتالي،‭ ‬فرأيت‭ ‬أنهما‭ ‬رواية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جزأين،‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬حكاية‭ ‬واحدة‭ ‬تروى‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬طبقية،‭ ‬رواية‭ ‬أفغانستان‭ ‬والشيوعيين‭ ‬والإسلاميين‭ ‬والأمريكان،‭ ‬وشياطين‭ ‬الإنس‭!‬

خالد‭ ‬حسيني،‭ ‬طبيب‭ ‬وكاتب‭ ‬أفغاني‭ - ‬أمريكي‭. ‬وُلِد‭ ‬في‭ ‬كابول‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬وانتقل‭ ‬مع‭ ‬عائلته‭ ‬إلى‭ ‬طهران‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬العائلة‭ ‬إلى‭ ‬كابول‭ ‬عام‭ ‬1973‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1976‭ ‬حصل‭ ‬والده‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬العائلة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬بسبب‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬ساور‭. ‬انتقلت‭ ‬العائلة‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬حقّ‭ ‬اللجوء‭ ‬السياسي‭ ‬عام‭ ‬1980،‭ ‬واستقرت‭ ‬في‭ ‬سان‭ ‬خوسيه،‭ ‬كاليفورنيا‭. ‬حصل‭ ‬حسيني‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الأحياء‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬ودخل‭ ‬كلية‭ ‬الطب،‭ ‬ونال‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬ومارس‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬وهو‭ ‬حاليًا‭ ‬مبعوث‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬للمفوضية‭ ‬العليا‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭. ‬أنشأ‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬خالد‭ ‬حسيني‮»‬،‭ ‬وعمل‭ ‬جاهدًا‭ ‬لتوفير‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬

محاولة‭ ‬تلخيص‭ ‬حكاية‭ ‬أو‭ ‬حدوتة‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬الروايتين‭ ‬تظلمهما‭ ‬ظلمًا‭ ‬مبينًا،‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬بين‭ ‬يديك‭ ‬سوى‭ ‬حكايات‭ ‬تقليدية‭ ‬شاهدت‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬الأفلام‭ ‬العربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ميلودراما‭ ‬ومن‭ ‬مفاجآت‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬وغير‭ ‬معقولة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬حسيني‭ ‬نفسه‭ ‬يبرر‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المصادفات‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬السارد‭ ‬داخل‭ ‬الرواية‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬كالمجتمع‭ ‬الأفغاني،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬القارئ‭ ‬الغربي‭ ‬يتوقعه‭ ‬أو‭ ‬يستسيغه‭.‬

 

عُقدة‭ ‬الذنب

في‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬عدّاء‭ ‬الطائرة‭ ‬الورقية‮»‬‭ ‬نرى‭ ‬الشاب‭ ‬أمير،‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كاتبًا،‭ ‬لكنّ‭ ‬ماضيه‭ ‬يطارده‭ ‬بعُقدة‭ ‬ذنب‭ ‬كبيرة،‭ ‬عندما‭ ‬تخلّى‭ ‬عن‭ ‬رفيق‭ ‬طفولته‭ ‬حسان،‭ ‬خادمه‭ ‬وابن‭ ‬خادم‭ ‬أبيه،‭ ‬فاعتدى‭ ‬عليه‭ ‬أحد‭ ‬أولاد‭ ‬الشارع،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬حركة‭ ‬طالبان،‭ ‬لكنّه‭ ‬يغامر‭ ‬لينقذ‭ ‬ابن‭ ‬حسان‭ ‬ويأخذه‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬حين‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬حسان‭ ‬أخوه‭ ‬من‭ ‬الأب،‭ ‬الأخ‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬خطيئة‭ ‬اعتداء‭ ‬الأب‭ ‬على‭ ‬زوجة‭ ‬الخادم‭!‬

وفي‭ ‬الرواية‭ ‬الثانية‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬شمس‭ ‬ساطعة‮»‬‭ ‬نتابع‭ ‬قصة‭ ‬مريم،‭ ‬ابنة‭ ‬السفاح‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬من‭ ‬خطيئة‭ ‬اعتداء‭ ‬الإقطاعي‭ ‬جليل‭ ‬على‭ ‬خادمته،‭ ‬وكيف‭ ‬تزوجت‭ ‬رجلًا‭ ‬يكبرها،‭ ‬ثم‭ ‬تزوج‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬هي‭ ‬ليلى،‭ ‬والعداء‭ ‬بين‭ ‬مريم‭ ‬وليلى‭ ‬الذي‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬علاقة‭ ‬معقّدة‭ ‬من‭ ‬الصداقة‭ ‬والأمومة‭ ‬والبنوة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬مريم‭ ‬تقتل‭ ‬زوجهما‭ ‬رشيد‭ ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬يخنق‭ ‬ليلى‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭.‬

المشاعر‭ ‬المتوهجة،‭ ‬والعميقة،‭ ‬والمعقدة،‭ ‬والصداقة‭ ‬النادرة‭ ‬غير‭ ‬التقليدية،‭ ‬التي‭ ‬بلا‭ ‬حدود،‭ ‬والتي‭ ‬يشوبها‭ ‬بعض‭ ‬الغيرة‭ ‬وأحيانًا‭ ‬الكراهية،‭ ‬لكنّها‭ ‬تصمد‭ ‬كأقوى‭ ‬ما‭ ‬تصمد‭ ‬مشاعر‭ ‬إنسان،‭ ‬وتأثيرات‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬واستخدام‭ ‬السلطة‭ ‬ممثّلة‭ ‬في‭ ‬الملكية‭ ‬والإقطاعيين‭ ‬والرأسماليين،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الشيوعيين،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الإسلاميين،‭ ‬واستخدام‭ ‬السلطة‭ ‬بأشكالها‭ ‬المختلفة‭ ‬لقهر‭ ‬البشر،‭ ‬وبث‭ ‬الكراهية،‭ ‬واليأس‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والتمسّك‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬نفس،‭ ‬والخوف‭ ‬المرعب‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والأمل،‭ ‬وعدم‭ ‬التفريط‭ ‬فيهما‭ ‬تحت‭ ‬أيّ‭ ‬ظرف،‭ ‬وطريقة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بلُغة‭ ‬بسيطة‭ ‬موحية‭ ‬تشبه‭ ‬البرّيمة‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬عميقًا‭ ‬داخل‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬وفي‭ ‬أشد‭ ‬مناطقها‭ ‬إظلامًا،‭ ‬وبتقنيات‭ ‬سردية‭ ‬تمسك‭ ‬بتلابيب‭ ‬القارئ،‭ ‬فلا‭ ‬يفقد‭ ‬شغفه‭ ‬بمواصلة‭ ‬القراءة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬تقنيتي‭ ‬الاستباق‭ ‬والاسترجاع‭... ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬هاتين‭ ‬الروايتين‭ ‬قوتهما‭.‬

 

وجهات‭ ‬نظر‭ ‬مختلفة

من‭ ‬يقرأ‭ ‬الروايتين‭ ‬معًا‭ ‬سيتأكد‭ ‬أن‭ ‬حسيني‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يقدّم‭ ‬شهادته‭ ‬الروائية‭ ‬على‭ ‬تقلّبات‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬طبقات‭ ‬مختلفة،‭ ‬فالرواية‭ ‬الأولى‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬أمير،‭ ‬ابن‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الغني‭ ‬المرتبط‭ ‬بالنظام‭ ‬الملكي،‭ ‬والرواية‭ ‬الثانية‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬مريم‭ ‬ابنة‭ ‬الخادمة،‭ ‬وليلى‭ ‬ابنة‭ ‬المدرس،‭ ‬فكأنه‭ ‬يقدّم‭ ‬شهادات‭ ‬الطبقات‭ ‬العليا‭ ‬والمتوسطة‭ ‬والدنيا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬

لن‭ ‬أنسى‭ ‬مشاهد‭ ‬الرجم‭ ‬تحت‭ ‬حُكم‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬بالاستاد‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى،‭ ‬ولا‭ ‬مشهد‭ ‬إعدام‭ ‬مريم‭ ‬في‭ ‬الاستاد‭ ‬أيضًا‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الثانية،‭ ‬وكنت‭ ‬طوال‭ ‬قراءتي‭ ‬لهذا‭ ‬المشهد‭ ‬أتخيّل‭ ‬أن‭ ‬أمير‭ ‬يجلس‭ ‬بين‭ ‬الجمهور،‭ ‬يشاهد‭ ‬إعدام‭ ‬مريم،‭ ‬ويشعر‭ ‬بالحنق‭ ‬والعجز،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬لها‭ ‬شيئًا،‭ ‬ولأنه‭ ‬تخلّى‭ ‬عنها‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬ما‭ ‬كما‭ ‬تخلّى‭ ‬عن‭ ‬حسان‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

والملجأ‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬به‭ ‬أمير‭ ‬الطفل‭ ‬سوهراب‭ ‬بن‭ ‬حسان،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬بمديره‭ ‬ذاته‭ ‬تقريبًا‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬فيه‭ ‬ليلى‭ ‬ابنتها‭ ‬عزيزة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ (‬ابنة‭ ‬سفاح‭) ‬أنجبتها‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬طفولتها‭ ‬طارق‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬عشق‭ ‬وفراق‭ ‬وخوف،‭ ‬وتزوجها‭ ‬رشيد،‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬ليس‭ ‬منه،‭ ‬وأمرها‭ ‬أن‭ ‬تضعها‭ ‬في‭ ‬الملجأ،‭ ‬وربما‭ ‬لأنهما‭ ‬متشابهتان‭ ‬كان‭ ‬تعلّق‭ ‬مريم‭ ‬وعزيزة‭ ‬ببعضهما‭ ‬البعض‭ ‬حتى‭ ‬وكأن‭ ‬مريم‭ ‬هي‭ ‬أم‭ ‬عزيزة‭ ‬لا‭ ‬ليلى‭.‬

 

ملاحظة‭ ‬واضحة

لا‭ ‬بُدّ‭ ‬أنهم‭ ‬التقوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشارع،‭ ‬أو‭ ‬هربوا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشيوعي،‭ ‬أو‭ ‬تفادوا‭ ‬بصعوبة‭ ‬بالغة‭ ‬كلاشنيكوف‭ ‬هذا‭ ‬الطالباني‭... ‬هكذا‭ ‬كنت‭ ‬أقول‭ ‬لنفسي،‭ ‬وأنا‭ ‬أتخيّل‭ ‬أمير‭ ‬يقابل‭ ‬مريم‭ ‬وليلى‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬يتوقف‭ ‬ليتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬فكل‭ ‬مَن‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬الأفغاني‭ ‬متشابهون،‭ ‬وكلهم‭ ‬يقعون‭ ‬تحت‭ ‬قهر‭ ‬سلطة‭ ‬غاشمة‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬مسماها‭.‬

النظام‭ ‬الصارم‭ ‬للطبقات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأفغاني‭ ‬كان‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الثانية،‭ ‬الباشتون‭ ‬الأغلبية،‭ ‬الهازرا‭ ‬الشيعة‭ ‬الخدم،‭ ‬البدو،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬اختلاط‭ ‬هذه‭ ‬الطبقات‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر،‭ ‬العشق،‭ ‬الخطيئة،‭ ‬الصداقة‭ ‬المغلّفة‭ ‬بالمحبة‭ ‬الشديدة‭ ‬وبذل‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬حسان،‭ ‬وبالغيرة‭ ‬والتعالي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أمير‭.‬

‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬يقصد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬كل‭ ‬أولاد‭ ‬وبنات‭ ‬السفاح‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬أحداث‭ ‬روايتيه‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد،‭ ‬إلى‭ (‬الأفكار‭ ‬الشيطانية‭)‬،‭ ‬والعقائد‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تشويهها‭ ‬لتكون‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬تحت‭ ‬مسمّى‭ ‬الشرعية،‭ ‬والسلطة‭ ‬اللقيطة‭ ‬التي‭ ‬تحتمي‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬السوفييت،‭ ‬ومرات‭ ‬في‭ ‬السلاح‭ ‬الغاشم‭ ‬الذي‭ ‬يقتل‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إدانة‭ ‬حسيني‭ ‬قوية‭ ‬للدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعقّد‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الروايتين‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬وكأنه‭ ‬‮«‬هوليوودي‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬ما،‭ ‬دور‭ ‬المنقذ،‭ ‬أو‭ ‬دور‭ ‬المنتقم‭ ‬لتفجير‭ ‬برجَي‭ ‬مركز‭ ‬التجارة‭ ‬العالمي،‭ ‬أمير‭ ‬نفسه‭ ‬السارد‭ ‬قام‭ ‬بمغامرات‭ ‬لإنقاذ‭ ‬سوهراب،‭ ‬وهو‭ ‬أفغاني‭/ ‬أمريكي،‭ ‬وليس‭ ‬أفغانيًا‭ ‬فقط،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬الكاتب‭ ‬يتوجه‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالأساس،‭ ‬وربما‭ ‬لأن‭ ‬تجربة‭ ‬الكاتب‭ ‬تعطيه‭ ‬الإحساس‭ ‬بأن‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬الأقل‭ ‬شرًّا‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬الأخرى،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬آخر،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬واضحة‭ ‬بجلاء‭ ‬في‭ ‬الروايتين‭ ‬وبالذات‭ ‬الأولى‭.‬

 

عالَم‭ ‬غريب

العادات،‭ ‬والتقاليد،‭ ‬والملابس،‭ ‬والألعاب،‭ ‬والأطعمة،‭ ‬والاحتفالات،‭ ‬وطقوس‭ ‬الزواج‭ ‬والموت‭ ‬والولادة،‭ ‬وغيرها‭ ‬مما‭ ‬صوّره‭ ‬حسيني‭ ‬في‭ ‬روايتيه‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬عوامل‭ ‬جذب‭ ‬القارئ‭ ‬الغربي‭ ‬لروايته،‭ ‬حيث‭ ‬يستكشف‭ ‬عالمًا‭ ‬غريبًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬سوى‭ ‬القتل‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬أولًا‭ ‬جهادًا‭ ‬لتحرير‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬السوفييت‭ ‬بمباركة‭ ‬ودعم‭ ‬غربي،‭ ‬وثانيًا‭ ‬لحكم‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬محدودة‭ ‬للدين‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يهمّ‭ ‬الغرب‭ ‬كثيرًا‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬يتأثر‭ ‬سلبيًا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬فتحول‭ ‬ملائكة‭ ‬الأمس‭ ‬الذين‭ ‬شارك‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬صناعتهم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأشرار‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬تجب‭ ‬إبادتهم‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬أدهش‭ ‬القارئ‭ ‬الغربي،‭ ‬لا‭ ‬يدهش‭ ‬قارئًا‭ ‬عربيًا‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه،‭ ‬لأن‭ ‬ثقافته‭ ‬ومعتقداته‭ ‬وبعض‭ ‬تجربته؛‭ ‬قريبة‭ ‬لما‭ ‬تحكيه‭ ‬الرواية،‭ ‬ويصبح‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالرواية‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬الغريب،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنّه‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬نفسه‭ ‬بالذات،‭ ‬بل‭ ‬يراها‭ ‬بشكل‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الرعب،‭ ‬عندما‭ ‬ينظر‭ ‬حوله‭ ‬فيجد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬شياطين‭ ‬الإنس‮»‬‭ ‬ليسوا‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬روايات‭ ‬خالد‭ ‬حسيني‭ ‬فقط‭! ‬■