العُلا قوة ناعمة في مهرجان شتاء طنطورة
في عام 2004، أطلق الكاتب جوزيف ناي كتابه «القوة الناعمة... وسائل النجاح في السياسة الدولية»، تحدث فيه عن أهمية القوة الناعمة للدول التي تسعى لمزيد من النجاح في سياستها الخارجية. مفهوم القوة الناعمة أطلقه ناي في تسعينيات القرن الماضي، وعنى به قدرة الدولة على التأثير والإقناع والجذب وتحقيق الأهداف والنتائج المرغوبة، سواء كان في داخلها أو خارجها من خلال الثقافة والقيم. وبعيدًا عن السياسة، وقريبًا جدًا من القوة الناعمة التي عرفها ناي، قوة الجاذبية، وتحديدًا أكثر عند الثقافة والفنون والتراث والأدب، ستكون لنا وقفة حيث العلا، المدينة التي علت وسمت بما تنضح فيه من كنز قيمي ومعرفي هائل وقوة بشرية لا تعرف المستحيل، المدينة الواقعة ضمن استراتيجية طويلة الأجل، تهدف إلى جعلها أكبر متحف مفتوح للتراث والثقافة.
العلا المدينة التي توهجت في بردها القارص بالسنة الثانية لمهرجان شتاء طنطورة في 19 ديسمبر 2019 إلى 7 مارس الجاري، تحظى بدعم مادي ومعنوي من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وتحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومتابعة دقيقة من ولي العهد رئيس مجلس إدارتها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ورغبة صادقة وجهود مخلصة من سواعد أبناء المملكة جميعًا.
بين ثنايا الاستطلاع، نعلن الكشف عن وجهة سياحية خليجية عربية وعالمية، ثقافية ورياضية وترفيهية، مصقولة بالقيم الإسلامية والمبادئ الإنسانية، ومرتكزة على جهود شبابية سعودية، مدعومة من القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية، التي أحسنت وأجادت ترجمة رؤية «السعودية 2030»، بتفعيل جزء من خطط العمل الشاملة والمتكاملة التي أعلنت في 25 أبريل 2016، لتصور للعالم المملكة ما بعد النفط... وفي العلا لمحة عنها.
«نرحب بكم في أجواء مدينة العلا»، عبارة ترحيبية أطلقها طيار الرحلة الجوية التابعة للخطوط السعودية، التي أقلتنا من الرياض إلى مدينة العلا، بمدة زمنية بلغت الساعة والعشرين دقيقة، وأذنت تلك العبارة للنغمات الموسيقية أن تنطلق من آلة العود، لتعزف الأنامل مقتطفات لأغنيات جميلة لعمالقة الفن العربي، صدحت بها حنجرة الشاب السعودي مجدي بن مروان، مطرب من فئة ذوي الهمم، لم تغب الابتسامة عن محياه، وهو ينثر أجواء البهجة بين المسافرين. وما إن لامست عجلات الطائرة أرض مطار الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز بالعلا، إذا بالمياه ترشّ الطائرة من الجهتين، وذلك يعدّ تحية تقليدية وعرفًا دوليًا للترحيب بالرحلة الأولى التي افتتحت موسم شتاء طنطورة 2019-2020، واشتملت على عدد من الصحفيين والشخصيات الإعلامية المؤثرة في كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في الخليج والوطن العربي والعالم.
لقد حرصت الجهة المنظمة على نقل صورة حيّة نابضة عن المهرجان للعالم أجمع، من خلال الصحافة الورقية والإلكترونية، ومن خلال وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة، التقليدية والحديثة، التي كانت مفعّلة الأثر والتأثير طوال الرحلة، فهناك طاقم إعلامي رافق الركاب منذ نزوله من الطائرة حتى الدخول إلى مطار العلا، الذي عمته التسهيلات غير الاعتيادية، حيث السهولة في استخراج حقائبك، والحفاوة في الاستقبال ممّن كلّفوا بمهمة مرافقة الضيوف، والنظام والترتيب الذي تزامن مع كل خطوة باتجاه محل الإقامة. كان المطار أشبه بخلية النحل التي تعمل بدقة متقنة وثبات تحكمه الخبرة، تناغم ممتع مستلهم من نغمات موسيقية انطلقت من عازف لآلة القانون، ومذاقات التمر الحلوة التي عانقت رائحة القهوة العربية، وتلذذ بها الواصلون.
كل ذلك كان مقدمًا من أيدي شباب من الجنسين، الذكور والإناث، ويحمل معظمهم الجنسية السعودية، ما يجعلك تفخر بطاقة العمل الراغبة في الإنجاز والنجاح. النظام كان سيد العمل، فما إن تستمتع بهذه الأجواء حتى تجد أحدهم يقودك إلى طاولة مستطيلة اصطف خلفها مجموعة من الشباب يسلّمون كل ضيف من ضيوف العلا بطاقة تحمل «باركود» للتعريف به، لتمكينه من دخول الفعاليات والأماكن التراثية مجانًا.
أرض جديدة
نورة الرويتع، أول طاقة سعودية نلتقي بها، أقلّتنا إلى مكان إقامتنا، وفاضت علينا بمعلوماتها حينما زاغت أبصارنا وبصائرنا على مناظر أخرجتنا عن حدود الزمان والمكان، وكأننا في أرض جديدة تمتلئ بالنتوءات الصخرية، فهي تارة كبيرة كالجبال الشاهقة، وتارة أخرى تكاد تكون مرتفعات لا أكثر، تخترقها رمال حُمر، وأحيانًا طرق إسمنتية معبّدة تمر عليها سيارات عابرة. عندما لمحنا غياب العمران عن ناظرنا - باستثناء المطار - هلّت الأسئلة على المرشدة، التي استهلت بالتعريف عن المنطقة من حيث مكانها الجغرافي، وأهميتها التاريخية وعلاقتها بمهرجان شتاء طنطورة.
«إن روّاد العلا وزائريها هم النخبة»، كان لهذه الجملة التي وردت في حديث الرويتع وقع على مسامعنا، دفعنا إلى التحري عن فحواها، والبحث عن الأسباب التي ستجذب «النخبة» إلى مكان شبه صحراوي مثل «العلا».
طوال الطريق كانت المرتفعات ترافقنا، تشكلت بإبداع، وبدت أحيانًا مجسمات منحوتة، ذات قمم دائرية ومربعة الشكل، وأحيانًا أخرى لا يمكن إلا أن تراها جبالًا فقط. كما أطلت علينا بساتين مكتنزة بالنخيل والأشجار التي تدلت منها محاصيلها اليانعة، تلتها مساحات من الأراضي الجرداء الخاوية، التي توحي إليك كأنّ ما من أحد مر بها.
بعد مرور 35 دقيقة تقريبًا من انطلاقتنا توقفنا عند لافتة كتب عليها «منتجع ومطعم شادن»، وعندها عسكر مجموعة من رجال الأمن، طلبوا بطاقة الباركود، وسمحوا لنا بتجاوز البوابة. أخذت السيارة تشق طريقها بالارتفاع تدريجيًا مع مهارة بالغة من قائدها، على طريق معبد بين مرتفعات صخرية وبين رمال اختلطت بحصوات صغيرة قاسية. توقفت السيارة وعرفتنا الرويتع
بشادن محل الإقامة. في الواقع لم نكن نرى سوى جبال احتضنت رواق خيمة دائرية على مستوى مرتفع مما نحن عليه، كتب عليها الاستقبال، عند مدخلها وضع جهاز أمني للكشف عن المعادن، وفي طرفيها جلسات خشبية تزينت بحشوات من قماش السدو، بالمنتصف ارتكزت طاولة للضيافة حيث التمر والقهوة العربية، وعصائر مختلفة الأنواع. وخلف طاولة مستطيلة كانت في مقدمة الخيمة تقف ثلاث فتيات شابات، ارتدين العباءة السوداء، إحداهن رحبت بنا، والثانية قامت بإجراءات الدخول، والثالثة استعرضت الخدمات التي يقدمها منتجع شادن لضيوفه، ومن ضمنها السيارات المتوافرة على مدار اليوم للتنقل من الغرف إلى أي مكان نود الذهاب إليه، الغرف التي لم نرَ لها وجودًا حتى ذلك الوقت.
الزائر لـ «العلا»، الذي لم يعتد المبيت بالخيام، لا يهدأ له بال حتى يرى بعينيه مقره ومستقره، فللمكان هيبة فرضتها ضخامة الجبال وخواء الصحراء.
وبالسيارة ذاتها انطلقنا مرة أخرى، وأخذنا بالارتفاع قليلًا، وإذا بمجموعة من الخيام التي صفت بترتيب متناهٍ، حيث يصعب عليك رؤية الخيمة التالية ما لم تبتعد بخطواتك عن خيمتك. ويبدو أن المنتجع اتخذ من شادن وصفًا بليغًا لاتساقه وتناسق غرفه، التي بدت بظاهرها خيمة مربعة لها باب خشبي متين، إلا أن داخلها كان كغرفة لا تقل عن أي غرف في فنادق الخمس نجوم، أرضيتها خشبية صلبة، مزودة بأحدث التقنيات التكنولوجية من تلفاز، وإنارة، ومدفأة، إضافة إلى خدمة الـ «واي فاي»، وحمّام بمياه ساخنة وفيرة. صممت الغرف بحيث تطلّ مباشرة من الجهة المقابلة لمدخلها على جلسات خارجية تتيح للنزلاء الاستمتاع بمنظر الجبال، خصوصًا في الليل، حيث تنير الأضواء الخافتة المكان والجبال وتعكس ظلالها أشكالًا جميلة.
وفي إطار جدول منسق أعده العاملون في الهيئة الملكية، أرفقت معنا مرشدة أخرى، تدعى رفا البدراني، وهي شعلة أنارت يومًا كاملًا لنا بالعلا، قدمت أيضًا شرحًا وافيًا عن الأماكن التي حددتْ لنا زيارتها، من بينها المطاعم التي لا تلتقطها عين زائر المكان للمرة الأولى، و»مسرح المرايا»، المكان الذي صدح به أعلام الفن والموسيقى بالعالم في مهرجان طنطورة الأول، وهو تحفة معمارية اكتست بالبساطة والإبهار في الوقت ذاته، ولحُسن الحظ كان على طريق المطعم المقصود للغداء، إلا أنه سيكون مغلقًا خلال فترة إقامتنا لإعداده وتجهيزه للحفلات التي ستنطلق منه خلال هذا الموسم، وقد منع الاقتراب منه وتصويره.
إن اختيار موقع لإقامة وتصميم مبنى اعتيادي أمر بالغ الأهمية، فكيف إذا كان موقعه في مدينة ذات جغرافيا وتاريخ كمدينة العلا، لذا وجبت الإشارة إلى الدقة والمهارة في اختيار مواقع المباني في المنطقة، بحيث لا تنتهك جماليات بيئة العلا ولا تمسّ خصوصية مهرجان شتاء طنطورة الفريد من نوعه شكلًا ومضمونًا، بل وتسهم في تجسيد متعة الحاضر على أرض تشربت بعبق التاريخ.
هيبة عشار وانسجام المعمار
«إن فكرة إقامة مسرح جدرانه من المرايا ولدت من حرصهم على عدم منافسة المبنى الذي سيبنونه لأي من الآثار والصخور القائمة في الموقع التاريخي، الذي سيحتضن فعاليات المهرجان»، بتلك العبارة أوجز مدير مشروع المسرح، المهندس المعماري ماسيمو فوغلياني، الفكرة التي انطلق منها لإقامة مسرح في العلا. إن منطقة وادي عشار، وتحديدًا عند سفح حرة عويرض البركانية، منطقة بقدر ما تحمله من ضخامة وهيبة تفرض على المتعاونين معها الانسجام والمواكبة، وعليه كان مسرح المرايا الذي رسم تصميمه الفنان الإيطالي فلوريان بوجي، على شكل المكعب الذي تغطي كل جهاته المرايا، حتى يخيل لمن
يراه أنه جزء لا يتجزأ مما يشاهده من مرتفعات وطبيعة خلّابة من حوله، وكأن المسرح بضخامته يقف خاضعًا لجمال الأرض وعظمة المكان، تاركًا خارجه صخرتين نحتتهما الطبيعة، مكونةً رأسين بشريين وكأنهما يستقبلان ضيوفه، ومن لمحة جانبية ترى تفاصيل الوجه واضحة المعالم.
المسرح يضم صالة عرض، وغرف استراحة للفنانين وغرفًا خاصة لاستعدادات الفرق الموسيقية التي تسبق الحفلات، وأخرى لاستقبال الضيوف، وفيه منطقة خصصت لكبار الشخصيات، إلى جانب المسرح الذي تتّسع مساحته لـ 500 شخص، ومزود بأحدث النظم الصوتية لتقديم العروض المسرحية والأوبرالية بشكل احترافي.
في السنة الأولى للمهرجان، وتحديدًا في ديسمبر 2018، كان الافتتاح بليلة صدح فيها كبار مطربي العالم العربي، انطلقت بصوت فنان العرب محمد عبده، وتلته الفنانة ماجدة الرومي، وباستخدام أحدث تقنيات العرض الرقمي والمؤثرات البصرية طلّت سيدة الغناء العربي أم كلثوم بالصوت والصورة. وخلال مدة المهرجان احتضن المسرح نغمات كبار الموسيقيين من مختلف دول العالم، من أمثال العربي المصري عمر خيرت، والإيطالي أندريا بوتشيلي، واليوناني ياني، والفرنسي رينو كابيسون، والصيني لانغ لانغ.
وافتتح المسرح في الموسم الثاني بعد إدخال تحسينات هيكلية هائلة، جعلت منه مسرحًا دائمًا على مدار العام، باعتباره مركزًا ثقافيًا إقليميًا وعالميًا، وصرحًا عملاقًا يتناسب مع نوعية ضيوفه وإبداعهم الفني. فقد انطلقت أولى حفلاته مع المطربة العائدة في العلا عزيزة جلال، ومع انطلاق عام 2020، وعلى مسرح المرايا استحضرت أهم الأعمال الموسيقية الخالدة للموسيقار الكبير لودفيج فان بيتهوفن في ذكرى مرور 250 سنة على ميلاده، الذي يوافق 17 ديسمبر 1770، وعلى مدى يومي 2 و3 يناير قدّم فنانون عالميون، من أمثال خوسيه كاريراس عرضًا تكريميًا لأعماله ووصلات من سيمفونياته الخالدة، حظيت بإقبال واستحسان واسع من زوار العلا هواة الموسيقى العالمية. وتلبية لزوار المهرجان تكررت بعض الأسماء التي نالت حضورًا كبيرًا في الموسم الأول، من أمثال إندريا بوتشيللي وعمر خيرت وياني. بينما يظل الجديد حاضرًا، حيث انطلق عرض مسرحي متكامل من فرقة كركلا الاستعراضية، مستوحى من العلا، بعنوان جميل بثينة، وذلك مواكبة لاحتفالات شعوب العالم بيوم الحب كما يعرف في 14 فبراير.
تخللت أيام المهرجان حفلات لعديد من الأسماء الفنية العربية الطربية، مثل المطربة كارول سماحة، وماجد المهندس. وسط الأسماء العالمية تتوهج البصمة السعودية سواء كانوا فنانين شدوا على المرايا، أو منظمين استقبلوا زواره، أو مهندسين أتقنوا بنيانه، ومنهم المهندس الشاب مدير المشاريع الإنشائية طلال الماس، الذي اجتهد مع فريق عمله، وأبدع مشروعًا آخر في موسم العلا الثاني وتجسد منتجع كرافانات العلا.
عشار، أحد المنتجات التي تستقبل ضيوف العلا، تميز بتصميمه المعماري الذي اتخذ من الخيام شكلها، ومن ألوانه التي تماهت مع التدرجات اللونية لصحراء العلا وأشعة الشمس الساطعة لسمائها الصافية، لدرجة أنك قد تغفل عن وجوده ما لم تدقق في النظر. ومع غروب الشمس تتفنن إضاءة الأرضية الخارجية لخيامه في إظهار إبداع الطبيعة وجمال الهندسة، فتأخذ ناظريك إلى حيث لا تدري.
عشار، أعشار، العشار، أو العشر، اسم تعددت طرق نطقه، لذا سألنا قائد السيارة وهو من أبناء العلا، وأجاب بأنها أعشار، وما هي إلا نبتة تظهر بالعلا، عندما تقطع تخرج منها مادة بيضاء، ويقال إنها تعمل على التئام الجروح وتداوي القروح، لكنّها إن مست العين أفقدتها النظر، وإن بلغت الفم كنت في خطر. أهل العلا احتكروا أعشار، التي هي نبتة شجيرية توجد في معظم البيئات الصحراوية دون تدخّل الإنسان، ويصل ارتفاعها أحيانًا إلى 5 أمتار، وفيها عصارة لبنية أشار إليها المختصون على أنها بالفعل قاتلة ومضرة إذا بالغ الإنسان في تناولها، كما أن لديها استخدامات طبيّة هائلة وتدخل أيضًا في صناعة متعددة، مثل الخيوط والأقمشة.
مذاقات عالمية وإطلالة صحراوية
ومن نبتة أعشار إلى مطعم منتجع عشار، فعلى ارتفاع بسيط استقرت أروقة خيمة كبيرة على أرض خشبية ثابتة مطلة على بحر من الرمال الناعمة ومقابلة لجبال ارتكزت وكأنها مصدات للرياح، ومن حيث جلست ترى النقوش على سفوحها الحُمر. وقد لا تكتفي بالتقاط الصور الفوتوغرافية للاحتفاظ بذاكرتك على روعة المنظر، لكنّك بالطبع ستكتفي وتشبع مما يقدمه المطعم من أصناف متنوعة للمأكولات العالمية ومذاقها ذي الجودة العالية.
ففي ظل بساطة المكان وعراقته، لك أن تستمتع بأشهى المأكولات الأوربية أو حتى المكسيكية، وكأنك تلتهمها في موطنها، ولا عجب من ذلك إن علمت أن عشار هو واحد من مجموعة مطاعم عالمية حرصت على أن يكون لها فرع في العلا، بذات الجودة إن لم تتفوق عليها.
أنابيلا، فرع لمطعم شهير في عاصمة الضباب لندن، حرص منظّمو المهرجان على إقامة فرع له في العلا، نظرًا لإقبال الكثيرين عليه، لما يقدّمه من أطعمة شهية وأصناف متنوعة. وحظينا بأن نكون أول ضيوفه لتناول العشاء مع نخبة من الإعلاميين والصحافيين، ويبدو أننا كنا أيضًا أول من شاهد روعة الديكور الذي غلب عليه اللون الأخضر، وتمثّل في شجيرات متناسقة وزّعت بعناية في المطعم، بينما انتثرت الألوان المشعة على الأثاث والحوائط وأدوات الطعام وزينة الطاولة، والأزهار الملونة أيضًا، حيث نسقت بمهارة تشعرك بأن وسط حديقة غنّاء أو واحة يانعة.
إن اهتمام المنظمين بجودة ونوعية الأطعمة المقدم لضيوف المهرجان، نابع من حرصها البالغ على توفير كل المذاقات العالمية لزوّار المهرجان، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد تضمن مهرجان شتاء طنطورة هذا العام تجارب للطهي قدّمها هواة الطبخ من العلا ومن مختلف مدن المملكة، خصص جانب منها لإعداد الأطعمة التقليدية التي تشكل جزءًا من ثقافة وعادات وتقاليد أهالي العلا، وذلك تحت إشراف طهاة عالميين حاصلين على تصنيف درجة ميشلان، أتاحت لزوار المهرجان من مختلف دول العالم تجربة تناول الأطعمة الشعبية النابعة من المطبخ السعودي.
ولأن المأكولات الأمريكية تحظى بإقبال واسع من معظم الفئات العمرية، فقد توافرت عربات لمطاعم أمريكية عالمية مختصة بتقديمها، وبأسعار مناسبة ووجود على مدار اليوم. وقد أحسن المنظمون اختيار المكان المناسب لصفّ العربات، فكانت مقابلة لـ «الصخرة»، أو جبل الفيل، وهو أحد إبداعات الطبيعة التي توسّمت بها العلا، حيث يوجد حجر ضخم ثابت له تجويف يظهر لكل من يراه على هيئة فيل بخرطوم طويل أيضًا.
وبين الصخرة والعربات مساحة رملية واسعة تنظم فيها أنشطة متنوعة طوال فترة المهرجان، ومنها سباق الخيل واستعراض جمالها، هذا إضافة إلى الجلسات المريحة التي وزعت في المنطقة، والتي تسمح لك بتناول وجبتك والاستمتاع بمنظر خلاب قد لا يتكرر ولا تحظى به في مكان آخر، فليل العلا لا مثيل له، خاصة حين تسمح لك السماء بالتأمل، فترى نجومًا تومض لا حصر لها، وكأنها عكست كل حبة من حبات الرمل الذي كسا الأرض من حولك.
وخير رياضة تمارسها ليلًا عند جبل الفيل هي التأمل بخلق الخالق وعظمة إبداعه، فحلول الليل في مدينة العلا بأسرها لا مثيل له، يشعّ أجواء الهدوء والسكينة في النفس، ولذلك فقد أنشئ نادي يوغا مصغّر في منتجع عشار، حيث أكثر مناطق العلا هدوءًا وجمالًا، وهناك توجه أيضًا لإقامتها في أماكن أخرى، بهدف التأمل والاسترخاء.
وقد حرص منظمو المهرجان على توفير كل المطاعم ذات المذاقات المستساغة، وانتقاء أجودها وأكثرها قبولًا وشهرة، بدءًا من المطاعم الفاخرة وانتهاء إلى أبسطها مع عناية شديدة بنظافة المكان، ولذاذة الطعم. ففي مدينة الملاهي (الونترلاند) حيث توجد الأسر والأطفال بكثرة، وضعت عربات لتلك المطاعم الشهيرة. ولأن مدينة الملاهي وجهة مدرجة في جدول زيارات ضيوف العلا، لأنها تناسب كل الفئات العمرية، لما فيها من مسارات لممارسة المشي، وجلسات مضيئة للعائلات، فقد استغل جانب منها لتقديم عرض ضوئي حول قصة الشتاء وطنطورة، وذلك عند الساعة 8 مساء، حيث تسطع ألوان الضوء في ظلمة السماء وكأنها تعانق لمعة النجوم لتكتب في ختامه «مهرجان شتاء طنطورة».
ومن بين أضواء العرض، وعلى مسافة من الجمهور، ووسط أجواء شديدة البرودة التقينا السيدة تهاني المحمود، وهي باحثة دكتوراه في فنون ما قبل التاريخ، وتحمل مسمى «متخصص أول في إدارة الآثار والفنون والثقافة والطبيعة» في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، التي وقفت ضمن مجموعة من الشباب والشابات العاملين في الهيئة من محافظة العلا ومن خارجها.
إن تشبيه عملهم بخليّة النحل أمر لا يفيهم حقهم، لأن عملهم الدؤوب والمتواصل كان ممتزجًا بابتسامة علت محيّاهم ورغبة بتقديم الفائدة والمعلومة لكل ضيوف العلا طوال اليوم. وبأريحية بالغة استقبلت المحمود استفساراتنا، وكان الحديث معها يفرض تساؤلًا عن الشباب السعوديين الذي وجدوا في كل مكان بالعلا مبدعين ومتقنين لمهامهم، فذكرت الدور الرائد للهيئة الملكية لمحافظة العلا، التي «تعمل على العديد من المشاريع والمبادرات التي تتعلق بتمكين وتطوير قدرات شباب وبنات العلا الذين يتميزون بصفات رائعة على مستوى الترحيب بالزوار والإرشاد السياحي، إضافة إلى برامج الابتعاث التي تستهدف توفير كفاءات عالية المستوى في تخصصات السياحة والآثار والفنون والزراعة وغيرها من أبناء وبنات العلا».
وتعقيبًا على إعجابنا بإدماج ذوي الهمم في أنشطة المهرجان، ذكرت المحمود أن هناك تنسيقًا مع الجهات المعنية لإتاحة الفرصة لشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة لزيارة العلا، خاصة أن أغلب المواقع مهيأة لهم بمداخل وممرات سهلة.
إن التميّز طال كل الجوانب في مهرجان شتاء طنطورة، وقد اجتهد القائمون عليه بالتركيز على كل ما يمكن للزائر القيام به في منطقة شبه صحراوية ومليئة بالمرتفعات الصخرية، وما أجمل تفعيل عنصر المغامرة والاستكشاف في هذه الأجواء الساحرة. لذا كانت لنا تجربة السفاري في السيارات ذات الدفع الرباعي وسط أراضي العلا.
وعن ذلك أكدت المحمود أن «هناك العديد من المسارات التي تأخذ المغامرين في نزهات صحراوية جبلية مختلفة المستويات من حيث الصعوبة والمسافة، وغيرها من الأمور التي يعيها عشاق المغامرة، الذين كانت لهم فرصة المشاركة في شهر فبراير بفعالية إيكوتريل الصديقة للبيئة، واطّلعوا على معالم العلا من خلال الجري على مسار محدد طوله 80 كم، إضافة إلى رياضة التسلق والحبل الانزلاقي والعربات الصحراوية وغيرها. إن طبيعة العلا تشجع على المزيد من الرياضات المختلفة التي يحبّها المغامرون، والتي ستضاف في المواسم القادمة بلا شك».
في المدينة القديمة... مسجد وسوق وطنطورة
سادت برودة الأجواء بعد تواري الشمس خلف الغيوم عند انتصاف اليوم، فكان العزم إلى المدينة القديمة، وسوق وادي القرى، فهي المنطقة الحضرية التي استقر بها أهالي العلا خلال القرن السادس للهجرة، ويمكن للزائر لها أن يشاهد المباني الأثرية بتصاميمها البسيطة وما تبقّى منها من معالم سعت الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى المحافظة عليها، وتحويلها إلى قرية سياحية تراثية ووجهة مهمة لضيوف مهرجان طنطورة، لما فيها من أماكن قيمة، وأهمها مسجد العظام، وهو أحد المساجد التاريخية بمحافظة العلا.
ويقول أهالي العلا إن المسجد شاهد على مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنطقة وصلاته فيها، في طريقه الى إحدى غزواته. وينسب اسم المسجد إلى العظام التي استشهَدَ بها صحابة رسول الله لتحديد القبلة والموضع الذي صلى به النبي عليه الصلاة والسلام، وعليه بني المسجد وأطلق عليه اسم مسجد العظام.
وقد خصص شارع طويل من شوارع البلدة القديمة، الذي يضم مسجد العظام، ليكون سوقًا تراثيًا، يسير الجميع فيه على أقدامهم.
ورصّت على جانبيه دكاكين طينية صغيرة، شُرعت أبوابها الخشبية على مصاريعها، وعرضت بها سلع للبيع من صنع الأسر المنتجة، تنوعت بين الأشغال اليدوية كالمنسوجات من خيوط الصوف، واللوحات الفنية التي أبدع فيها الرسامون في تصوير العلا. واحتلت السيدات المنتجات معظم الدكاكين، كن يتحدثن بفخر عن إنتاجهن، وما حظين به من دعم ومساندة من المنظمين للمهرجان، ليس فقط لتوجدن بسوق وادي القرى التراثي، بل لتحسين مهاراتهن فيما تخصصن به. ففي أحد الدكاكين وقفت 3 فتيات فاحت منهن روائح زكية، إذ كن يستعرضن أنواعًا فاخرة من الصابون المصنّع بأيديهن من مواد طبيعية عضوية مناسبة لكل أنواع البشرة.
وحول مدى إتقانهن لصناعته، قالت إحداهن إن الهيئة الملكية ألحقتهن بدورات تدريب لتحسين وتطوير قدراتهن في تصنيع الصابون، وذلك لعرض منتجاتهن بالأسواق في العلا وخارجها.
«تعالوا... شاهدوا الزي الشعبي لنا»، كلمات بسيطة بصوت هادئ دعتنا به إحداهن للاطلاع على زيّ شعبي لنساء العلا، كانت قد ارتدته وغطى سائر جسمها من رأسها حتى قدميها، مرصعًا بإكسسوار من الفضة كالحزام والعقد والتاج الذي يزيّن مقدمة الرأس. وبين الدكاكين المتواضعة بالحجم والغنية بالمضمون، أطل علينا رجل أسمر يرتدي الزي التقليدي، ناهز الستين من عمره، مرددًا: حيّاكم الله... هنا تاريخ العلا، اسمه عبدالرحمن بن حميد الملقّب بـ «أبو رائد»، دعانا وزوجته إلى متحف متواضع حرص على إقامته، وهو عبارة عن دكانين استغلهما لعرض النوادر من الأشياء القيمة، كالكتب التي شهدت نهضة التعليم في مدينة العلا، والأدوات البسيطة التي كان المعلمون يستعينون بها كالفلقة، والطلبة كالحقيبة الجلدية.
وقد ذكر لنا أبو رائد أن مدينة العلا من المناطق التي التحقت مبكرًا برَكب التعليم، وشهدت إقبالًا كبيرًا من أهاليها، فكانت فصولها التعليمية للمرحلة الابتدائية مختلطة وغلبت عليها الفتيات.
واصطحبتنا زوجته أم رائد إلى ركن العروس، الذي زيّنت جدرانه بالفساتين ذات الألوان المبهجة، التي اتخذت أسماء خاصة بها، مثل ثوب كورته، والمجوعب، وهو ثوب واسع يوضع فوق الملابس. كما بسطت قطعة دائرية مميزة على الحائط واكتشفنا أنها لحاف أو شرشف سرير للعروسين، ويطلق عليه الداير، وسمّي بذلك لأنه يفترض أن يدور حول غرفتهما. وقد أبدعت الأيادي في صناعة القش وتطويعه ليكون سفرة طعام وسلالًا وحقائب كانت ولا تزال رائجة في المنطقة العربية ككل. عندما هممنا بمغادرة متحف أبو رائد، أصر على أن نوجد بالغد لمشاهدة احتفال طنطورة بدخول «المربعانية»، وسألنا: هل عرفتم طنطورة؟ هل رأيتموها؟ إنها أمامنا.
إن حديث أهالي العلا عن طنطورة، نابع من تعلّقهم وحبهم الملموس للأرض، وعادة ما يسبقه سرد عن إنتاجها الوفير من الفواكه، وبالأخص الحمضيات، والأنواع المختلفة من الخضراوات.
وعليه، فإن سكان المدينة القديمة ـــ العلا ـــ احتاجوا إلى مَن يعرّفهم بدخول فصول السنة ومغادرتها، احتاجوا إلى من يشير لهم إلى بدء الشتاء. ولأنه فصل يحمل لأهالي العلا الخير الكثير، فإن حلوله يعني الاستبشار والفرح، فكان الاحتفال بطنطورة، وهي مزولة شمسية هرمية الشكل نصبت على سطح أحد الأبنية الأثرية في جنوب المدينة القديمة، واليوم هي مقابلة تقريبًا لمتحف أبو رائد في سوق وادي القرى.
في ليلة 21 من ديسمبر من كل عام تتعامد أشعة الشمس على قمة هرم طنطورة، وتعلن حلول الشتاء بأقصر أيامه وأطول لياليه. فيستبشر المزارعون بموسم الأمطار التي تروي حقولهم وتزيد من إنتاجها. هذا إضافة إلى أن طنطورة بمنزلة الساعة الشمسية التي يستدل من خلالها على أوقات اليوم.
في سوق وادي القرى يتاح لك فرصة مخالطة أهالي العلا، على اختلاف مستوياتهم التعليمية وطبقاتهم الاجتماعية، ومن الغريب أن يقبل أهاليها على ضيوفهم بهذا القدر من الحفاوة في الترحيب، وكان للمحمود تعليق معبّر في هذا الشأن: «أهالي العلا كما أعرفهم من فترة ليست بالقصيرة، يتميزون بالأخلاق الرفيعة والقلوب الطيبة والأنفس المرحبة، يغمرون الزائر بالحب والكرم، بيوتهم ومزارعهم مفتوحة للجميع، ومنذ آلاف السنين هذه الأرض مهوى للأرواح ومستراح للأجساد المرهقة من السفر، فالعلا واحة غنّاء تقع على طريق التجارة الذي يشقّ قلب العالم القديم، تمرّ بها القوافل والأفواج البشرية وتجد عند أهلها الصدق والأمانة والترحيب والأمان، لذلك فأهالي العلا مرحّبون بالفطرة ومستعدون لاستقبال الضيوف بمختلف أطيافهم ومشاربهم»... وقد صدقت.
الحامض والحلا عند حجرة نورة ومذاق العلا
تقترن الأهمية المناخية لطنطورة باستعراض فوائدها على أراضي العلا، وسترى ذلك بالفعل في المزارع المتناثرة بين جبال حمراء شاهقة ومساحات ترابية خالية، إنها بمنزلة الواحات التي تبعث الأمل في الحياة مهما قست ظروفها. ودعمًا من أهالي العلا للمهرجان وبمساعدة من الهيئة الملكية خصصت بعض المزارع لفتح أبوابها للضيوف، ويقوم عليها نخبة من الشباب السعوديين الملمين بأركانها وإنتاجها، وما تمتاز به عن غيرها.
تعود مزرعة حجرة نورة، إلى أسرة الأميرة نور بنت عادل الفقير، التي ورثتها عن عائلتها، واجتهدت برعايتها حتى تشرّب أبناؤها حب الزراعة وواصلوا العناية بها. وهي مكوّنة من 3 أجزاء؛ جزء مخصص للاستراحة، به منطقة استقبال الضيوف والترحيب بهم، ومقهى تقليدي يقدم المشروبات الدافئة والمياه المعدنية، ومخبز التنور، وفيه أشهى الخبز وألذه. وفي منتصف المزرعة مساحة حوطت بأشجار متنوعة، منها النخيل وأشجار البرتقال والموز، وتتوسطها حظيرة طيور، وتحديدًا الطواويس والنعام، والتي أضفت بحركاتها الرشيقة وألوان ريشها البراق جمالًا يحاكي ما نقرأ عنه في كتب الأساطير.
عند كل ركن تجد إحدى الشابات التي تقدم لك معلومة عن شجرة قريبة أو ثمرة غريبة، ومنها ثمرة يقال إنّها نوع من أنواع البرتقال بحجم حبّة البلح، وبلون البرتقال، ورائحته الزكية ومذاقه السكّري. ومن الضيافة في المزرعة أن تأخذ سلّة صغيرة خلال تجوالك لتضع بها الثمار التي قطفتها، وما اشتهته نفسك من كل صنف ونوع. وعند كل نبتة وضعت لافتة صغيرة تعريفية عن فوائدها للإنسان.
زائر المزرعة والمتجول بين محاصيلها يشتمُّ عبقها النافذ، الذي يؤكد أنها منتجات عضوية لم تمسسها أيّ مواد كيماوية، خاصة أن هناك اهتمامًا بالغًا بنظافتها وترتيبها. ويتضح ذلك أكثر بالقسم الثالث من المزرعة، الذي خصص لحظائر الماشية والأبقار، ففيها تشاهد الأماكن المخصصة لمرعاها، واحتياجاتها الأساسية من الماء والعشب والحبوب. وبالرغم من أعدادها الكبيرة، فإن الزائر يلاحظ نظافة محيطها ونقاء هوائها، وتحظى بعض الفصائل النادرة والماشية التي تحمل الأجنة في أحشائها برعاية مضاعفة ومتتالية. في الجهة المقابلة للحظائر خصصت أرض واسعة لزراعة العشب، لضمان وجوده بكميات وفيرة لماشية المزرعة. وفي هذا الجزء من المزرعة تحظى بتجربة إطعام الحيوانات بيدك، وهو الجزء الذي يستهوي الكبار والصغار. عند انتهاء جولتك يعتني العاملون بالمزرعة بمحصولك الذي جمعته من الفواكه والخضراوات، وذلك بتغليفه بأكياس ورقية صديقة للبيئة وتحافظ على جودة الثمار مدة أطول.
ومن المزارع التي تولّتها الهيئة الملكية بالرعاية، التي فتحت أبوابها لضيوف العلا، مزرعة مذاق العلا، لصاحبها د. حامد بن أحمد الشويكان، المختص بعلوم الصيدلة، والأكاديمي بجامعة الملك سعود. كان امتلاك مزرعة بالعلا حلمًا يراود د. الشويكان، إلى أن حققه في عام 1996، وقد استغلها خير استغلال، وسخّر كل ما فيها لضيوف العلا.
إن الزائر للمزرعة، يلاحظ تميّزها بالتصميم الهندسي الفريد من نوعه، حيث تسبق دخولك لها قاعة استقبال عرضت فيها نماذج لما ستراه لاحقًا في المزرعة، وجاءت حوائط القاعة من زجاج شفّاف، أما ديكوراتها فصنعت من الخشب السميك. داخل الاستقبال أطلت علينا الشابة هلا الشويكان (ابنة صاحب المزرعة)، واسترسلت بالحديث الذي ينمّ عن دراية وعلم بالغين عن منتجاتهم وخدماتهم التي يقدّمونها للمزرعة ولضيوف العلا.
ولا عجب في ذلك، فقد ساهم كل فرد من أفراد أسرة د. الشويكان بالعمل في المزرعة، سواء كان ذلك بالزراعة أو بالحصاد أو حتى بإرشاد الضيوف. رافقتنا هلا بجولة ممتعة حول المزرعة، وقدّمت شرحًا وافيًا، خاصة عما تفردت به عن غيرها، حيث توجّه والدها لزراعة أشجار القطن واللبان والمورينغا، تلك الشجرة التي أصرّ على وجودها وجني ثمارها لما فيها من فوائد علاجية جمة لصحة الإنسان.
ورغم الشكل الطولي لمزرعة مذاق العلا، والذي يحتضن عددًا من المرتفعات الصخرية، فقد استغل كل جزء منها الاستغلال الأنسب، فأثناء سيرك ترتفع بك الأرض إلى مستوى أعلى مما كنتَ عليه، وقد يشعر البعض بالتعب، لذا وزعت كراسي خشبية صنعت من جذوع أشجار المزرعة، واتخذت أشكالًا فنية تحاكي الطبيعة، بحيث قلص فيها تدخّل الإنسان، والجميل أنها احتفظت بلون الشجر ومتانته. كما بنيت استراحات خشبية أيضا عند «جامن»، وهو المكان الذي يمكنك فيه تحويل ما قطفته من ثمار إلى عصير طازج.
ولأن د. الشويكان يعمل مستشارًا في الجمعية السعودية للحفاظ على التراث، فقد أرفق في مزرعته مكانًا أطلق عليه «مركز الإبداع» وجعله للحرفيين من أبناء العلا، ففيه يستعرضون مهاراتهم في الصناعات التقليدية والتراثية للزوار، ويقدمون دروسًا في فن التصنيع للراغبين في التعلم. وأثناء وجودنا في مركز الإبداع التقينا إحدى سيدات العلا الحرفيات التي استقرت بركنها رغم برودة الصباح، وحرصت على التعريف بحرفة حياكة الصوف لضيوف المزرعة.
وقبل اتخاذك طريق العودة تجد متجرًا تعرض فيه هدايا تذكارية بسيطة صنعت في العلا، بأسعار متواضعة، بهدف تشجيع ودعم الأسر المنتجة في العلا على عرض منتجاتهم وبيعها.
الأجواء الصحية والكساء الأخضر في المزارع ينسيانك السمة الصحراوية للعلا، بل ويجعلانك راغبًا بمشاهدتها على مدار العام وليس فقط في مهرجان شتاء طنطورة، وعن ذلك قالت المحمود: «العلا واحة رحبة في قلب الصحراء، لكنها غنية بالمزارع والغطاء النباتي، والمحميات الطبيعية بين التشكيلات الصخرية المذهلة التي تحافظ على درجة الحرارة خلال الصيف مقبولة ومناسبة لبعض الأنشطة والمغامرات، لذلك تعتبر بعض المواقع مهيأة لاستقبال العالَم طوال العام». وذلك يتفق مع رؤية القيادة السياسية بتحويل العلا إلى وجهة عالمية للتراث.
في مزرعتين فقط من مزارع العلا تجد ما يبهج النفس، فكيف إن احتوت جولتلك عددًا أكثر، حيث الإنتاج الزراعي الوفير؟ وهو ما جعلنا نتساءل عن إمكان تفعيل السياحة العلاجية أو الصحية في المستقبل، والتي توفر للزوار منتجات غذائية عضوية طوال فترة زيارتهم، وحين عرضنا ذلك على المحمود لم تستبعد الأمر، خاصة أن هناك بعثات دراسية للحصول على درجات علمية في تخصصات زراعية دقيقة، مؤكدة أنه «لا شيء مستحيل، العلا مكان لتحقيق الأحلام والطموحات العالية في مساعي تحقيق رؤية المملكة 2030».
أعجوبة ثامنة أم بترا جديدة؟!
إذا كانت المتاحف تعتبر ذاكرة الشعوب، فلنا أن نعتبر أن العلا متحف كبير ذاكرته لا تزال تستفيق وتتذكر، إن ما تجسّد أمامنا كان تفعيلًا لصوت يسمع وصورة تنقل حضارة شعوب عاشت في شمال غرب الجزيرة العربية، أنتجت وأبدعت وورّثت لأبنائها كنزًا لا يقدر بثمن، وكانوا خير من كشف جماله وبريقه. إن عظمة آثار العلا وضخامتها لن تكون ذات صيت دون جهد وعناية وشغف أبنائها، ممن انتصبوا عند كل مَعلَم وصرح ومجسّم، وقدموا عرضًا متناغمًا ومتسلسلًا عنه، نابعًا عن دراسة مستفيضة وإلمام شامل ومتكامل، بحيث تنتفي الأسئلة ولا يبقى لها مكان. بدأت حملات التنقيب عن الآثار في العلا عام 2004، ولم تتوقف، وتذكر المحمود أن مئات الأبحاث والدراسات المنشورة عنها تناولت بعض المكتشفات والمناطق بالتحليل العلمي والتأريخ، واللافت في الأمر أنها «أعادت عمر الإنسان في العلا للعصر الحجري القديم قبل 200 ألف عام، إضافة إلى أن الوجود البشري لم ينقطع عن المنطقة طوال 10 آلاف سنة متواصلة، هذا العمق الحضاري يجعل دراسة الآثار في العلا عملية معقّدة تكتنز العديد من الأسرار، وهذا ما تعمل عليه الأقسام المختصة بالآثار في الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالتعاون مع الجامعات السعودية والعالمية والفرق المختصة من أنحاء العالم».
ويبدو أن الوجود البشري في العلا أصيل بما تركه من حضارة وما يعطيه من ولاء للأرض.
عاطف البلوي، أحد أبناء العلا، وهو شاب جامعي عاد أخيرًا من إحدى البعثات التدريبية والتأهيلية للانضمام إلى رَكب القائمين على المهرجان، لزيادة حصيلته المعرفية وقدراته الإعلامية للتواصل مع ضيوفه، سرعان ما تجد نفسك مسترسلًا في الحديث معه ومنجذبًا للنهل من معلوماته بشأن تاريخ حضارة استحضرت بسواعد الأحفاد.
كانت وجهتنا إلى مدائن صالح، ولأن الطريق إليها يمر بسكّة قطار الحجاز، وإحدى محطاته محطة مدائن صالح، فقد استوجب إطلاعنا عليها، خاصة أنها كانت تفتتح للمرة الأولى لضيوف شتاء طنطورة 2019 - 2020، وعندها صفت حافلات الزوار الذين جاءوا من مختلف دول العالم، منتشرين في ساحة مطلة على سكّة القطار، برفقتهم يقف المرشدون الذين التزموا بالزي الوطني السعودي وأحسنوا الحديث مع الضيوف باختلاف لغاتهم.
تتكون المحطة من 16 مبنى وزعت على جانبي السكة، معظمها كان مغلقًا ولم نتمكّن من الدخول إليه، ومنها ما اتُّخذ ورشًا لإصلاح قاطرات ومحركات القطار، ومنها الذي جهّز ليكون مساكن للموظفين واستراحات ودورات مياه للمسافرين، إلى جانب تزويد المحطة بخزان للمياه.
وفي لمحة تاريخية عن المكان، يذكر أنها افتتحت عام 1908 وفق رغبة السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، بهدف تسهيل نقل حجاج بين الله الحرام منه وإليه، وخاصة ممن يسكنون الأقاليم التابعة للدولة العثمانية، لما في ذلك من إحكام للسيطرة عليها وربطها ببعضها البعض، وقد تحقق لها ذلك حيث تيسّر نقل حجاج الشام وآسيا والأناضول خلال 5 أيام، في حين أنها كانت تستغرق أشهر على الدواب وطرق النقل البدائية. إلا أن اليُسر لم يدم بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وتوجّه القوى العسكرية المناهضة للدولة العثمانية لتدمير السكة تحسبًا لدورها المحتمل في الدعم اللوجستي للجيوش التركية وإطالة أمد مقاومتها وصمودها.
الحِجْر أو مدائن صالح، أول موقع أثري بالسعودية يسجل في عام 2008 ضمن مواقع التراث العالمي، وحداثة تسجيله لا تعني مطلقًا حداثة استكشافه بقدر ما تفسّر لنا ضخامة تاريخه وقدمه، بل وصعوبة حصرها، إذ لا تزال عمليات التنقيب والبعثات الاستكشافية من داخل المملكة وخارجها قائمة ومتواصلة، فالمكان مرتبط بحركة الإنسان وتنقلاته لكونه يقع على طريق التجارة القديم (طريق التوابل والبخور)، الذي كان يأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية مرورًا بالحِجْر (مدائن صالح)، ومن ثم يتفرع إلى الشام والبتراء ومصر، وآخر إلى تيماء وتُدمر وبلاد الرافدين.
وعليه فإن الدراسات التاريخية تشير إلى أن الدور الحضاري للحجر، وهو الاسم الذي كان يُطلق عليها قبل الإسلام، يعود إلى ما قبل الميلاد، وتزامن ازدهارها مع ازدهار الدولة النبطية، واستمرت حتى القرن الرابع الميلادي، ويذكر أنها كانت العاصمة الثانية للأنباط بعد البتراء ومركزًا لدفن الموتى وممارسة الحياة الدينية.
والملاحظ أن مدائن صالح أو الحِجْر هي تجاويف واجهات مراكز دينية ومقابر بنيت على صخور حجرية. ومن هذه الأماكن التي زرناها:
جبل إثلب، أو الديوان، وفيه صخرتان كبيرتان يخيّل للرائي أنهما متلاصقتان ما لم يفرّقهما سطوع أشعة الشمس واندفاع الرياح بممر صغير يطلق عليه السيق. وحين تواجه السيق يكون جهة اليمين ما يسمّى الديوان، وهو قاعة مربعة الشكل من ثلاثة حوائط، وقيل لنا إن الحائط الرابع الذي يحتوي على المدخل قد تلف، وكان له من الخارج درجات توصل إلى الداخل، ومحاط بعامودين وبعض المصطبات الحجرية على حوائطه. كان لهذا الديوان والجبل عمومًا أهمية دينية، ويعتقد أنه كان معبدًا، لذا اعتبر من المناطق المقدسة عند الأنباط، ويتميز ببرودة أجوائه التي وصفها القائمون عليه بأنها باردة شتاء وذات نسمات عليلة صيفًا، فواجهتها الشمالية تحول دون دخول أشعة الشمس إليها. والملاحظ أن التصميم الهندسي للديوان يقارب شكل التصاميم المعمارية في البتراء، وذلك يثبت أن العلا امتداد حضاري لها... المكان عموما يشعرك بأجواء من السكينة والاسترخاء.
وعند الجهة الغربية من إثلب يقع قصر البنت، وهو صخرة ضخمة طولية نحتت بها واجهة لقصر رسم بأعلى مدخله شكل مثلّث داخله يوجد ثعبانان كحارسين للقبر، وفي كثير من النقشات نجد تأثير الفن اليوناني على حضارة وعمارة الأنباط في الحجر والبتراء، ويذكر أن النحت في الجبال كان من الأعلى إلى الأسفل، لكنّ بناءه لم يكتمل وتوقّف فجأة. ويروي لنا المرشد عاطف البلوي قصصًا أسطورية متداولة حول قصر البنت، ولطالما سمعناها في طفولتنا، وإحداها حول الفتاة التي تسكن القصر وحبسها والدها لعشقها شابًا فقيرًا، فكانت تمدّ له ضفيرتها الطويلة لتسلّقها، وحين اكتشف أمرهما قُتلا، ولم يتم إكمال القصر.
وتتراوح أعداد القبور بين 29 و31، ولكل جثة غرفة واحدة، في حين نجد بجدران المقابر فتحات كبيرة، وفسّر سبب وجودها بأنها كانت ذات أهمية بالغة لاستخدامها في تمرير ممتلكات المتوفى التي يوصي بإرفاقها معه، وذلك تأثير الحضارة الفرعونية على الأنباط، واعتقادهم هم أيضًا بفكرة البعث بعد الخلود.
وبين هذه القبور المنحوتة، فإن قبر حيان بن كوزا هو أكبرها وأشهرها، وعليه فقد سمّي بالقصر الفريد، له واجهة شمالية ضخمة تظهر فيها الدقة البالغة في النحت، وقد نقشت عليه رسوم تعود إلى الحضارات الفرعونية والأشورية والهلنستية، تميّز في تصميمه، فالقصر الفريد دون غيره من القبور فيه أربعة أعمدة في واجهته، وفي ذلك إشارة إلى المكانة الاجتماعية للمتوفى. ويذكر أن القصر الفريد مصنّف ضمن قائمة التراث العالمي منظمة اليونسكو.
الحضارة اللحيانية في مملكة دادان
وجبل عكمة
إن أكثر ما يشد الزائر لـ «العلا»، هو ذلك الكمّ الهائل من المعلومات التاريخية، حيث الأسماء الجديدة والغريبة على مسامعنا، التي دفعت غير ذوي الاختصاص إلى البحث وإثارة التساؤلات. لذا خصص لنا يوم كامل للتعرف إلى مملكة ددن أو دادان، ومنذ لحظة وصولنا أغدق علينا أحفاد مملكة دادان المعلومات القيمة، وكأنهم مَن صنعوا تلك الأحداث، إن استحضار الكم الهائل للمعلومات التاريخية واتّساقها مع كل سؤال نسأله للمرشدين المرافقين لنا هو مدعاة للفخر بقدرات الطاقة الشبابية، الموجودين طوال أيام المهرجان، بل وكانوا هم أيضًا فخورين بالاكتشافات الأثرية التي تمّت على أيدي بعثة متخصصة من جامعة الملك سعود.
إن المنطقة الأثرية كبيرة جدًا، وتتكون من جبال ومرتفعات، تدعى جبال الخريبة، ولها لون أحمر مائل إلى السواد أحيانًا، ممتدة عرضيًا وكأنها سور عظيم يحجب أسرار مملكة دادان. وتبرز رسومات عدة على واجهة الجبال، إلا أنّ شكل الأسود يتصدرها، حتى أنه أطلق عليها مقابر الأسود، ويمكن معاينتها جيدًا بالمنظار الذي يوفّره طاقم المرشدين للزوار، ونقشت الأسود دلالة على القوة وحماية القبور التي احتوتها الجبال. ويذكر أن الاستيطان البشري في دادان كان متأثرًا جدًا بالمناطق الحضارية المجاورة في مصر وبلاد الرافدين، فالأسود كنقش ورسوم كانت شائعة عندها.
وإضافة إلى المقابر المنحوتة على ارتفاعات مختلفة في سفوح جبال دادان، فقد عثرت البعثات الاستكشافية على العديد من القطع الأثرية كأجزاء من أوانٍ فخارية وتماثيل بشرية وألواح لنقوش كتابية.
ومن آثار دادان اختيرت قطع وأرفقت لتكون من ضمن معرض جوال بعنوان «روائع المملكة عبر العصور»، ليحط بين كل فترة وأخرى في أحد أشهر المتاحف العالمية. وحول ذلك بينت المحمود حرص المملكة على هذه المشاركات، وإعارة بعض القطع الأثرية لتحطّ في متاحف عالمية، بهدف «إتاحة الفرصة للتعرف على أهمية العلا أثريًا وجذب المهتمين لها ومتابعة آخر المكتشفات فيها».
ومن أهم المكتشفات في دادان «محلب الناقة»، وهو عبارة عن بئر أو حوض يقع ضمن تصميم مكتشف لمعبد آلهة يُدعى «ذو الغيبة»، ويقال إن مياهه كانت مستخدمة للتطهير من الذنوب كمعتقد لطقس ديني كان سائدًا آنذاك. ولأن المكان بالكامل كان لا يزال تحت التنقيب، فقد كان سيرنا والمرور بين أجزائه حذرًا جدًا، وقد زودنا المرشدون ببعض المعلومات حول حجمه، فقد بلغ قطره 370 سم وعمقه 220 سم، ويذكر أن درجات نحتت من جداره بهدف تسهيل الحركة بداخله.
على بعد ثلاثة كيلومترات شمال غرب العلا، يقع جبل عكمة، بمنطقة مرتفعة صخرية ينحدر منها واد ضيق، سفوح جباله تبيح لنا بكثير من الخبايا والأسرار، فبين النقوش والرسوم يبرز لنا هذه المرة نوع من الآلات الموسيقية، هي السمسمية، التي تظهر بكثرة في الحضارة الفرعونية، وقيل لنا إن هناك أيضًا طبولًا ومزامير نقشت على واجهات أخرى للجبل، وفي ذلك دلالة على احتواء حضارة اللحيين على الموسيقى والترفيه الفني.
كما نقشت على جدرانها كتابات لكلمات صنفت إلى لغة مملكة لحيان، وهي اللغة العربية الشمالية، وقد حفرت بتقنية الكتابة البارزة، والكتابة الغائرة، والكتابة اللحيانية والمتمثلة بالكتابة بالنقر، وعكست المجتمع اللحياني بكل أوضاعه الحياتية، وأهمها الشقّ الديني، فشهدت الصخور على تقديم القرابين، والوفاء بالنذور، وغيرها من الطقوس التي مارسها البشر منذ بدء الخليقة.
إن ما تضمنه جبل عكمة من رسوم وكتابات تجعله مرجعًا تاريخيًا للباحث في آثار العلا، لعددها الكبير الذي احتوته، وسهل نقشه عليها طبيعة التكوينات الحجرية الرملية للجبال، إلا أنّ ذلك لا يعني أن عوامل المناخ من رياح وأمطار وحرارة على مدى قرون لم تلقِ بأثرها على جبل عكمة وآثار العلا، بل طالتها وأحدثت بدورها تغييراتها، والتي رافقت أيضًا تعاقب الإنسان ومروره عليها وحرصه على تدوين ما يشير إلى أنه كان هنا يومًا ما، وما هو إلا شاهد على عظمة المنطقة وصلابتها.
في الختام... تكتمل الصورة
انقضت استضافة «العربي» في العلا، لكنّ العمل والإنجاز لا يعرفان النهاية، فبعد فترة وجيزة عدنا إلى المطار الذي استقبلنا من الرياض، لكنّه كان بحلّة جديدة، ومرافق بشكل مختلف وحلة جديدة، أضيفت إليه مرافق كصالات استقبال كبار الزوار، والمقاهي ومتاجر الهدايا التذكارية، إلا أنه تجمّل بسواعد أبنائه من الجنسين ممن أحسنوا العمل وأجادوا الصنعة، فكانوا قوة لا تُضاهى ولا تقهر.
في 7 مارس الجاري يُسدل الستار على أطول مهرجانات المنطقة وأغناها بالمحتوى الثقافي، مهرجان شتاء طنطورة، في حين يباشر القائمون على المهرجان العمل على الافتتاح الرسمي للمهرجان، والمزمع في أكتوبر المقبل، وفي الحقيقة فإن «التحضيرات بدأت فعليًا لمهرجان شتاء طنطورة الثالث، بمفاجآت عديدة، منها ما سيكون امتدادًا وتطويرًا لما أقبل عليه الزوار في المواسم السابقة، ومنها ما سيُكشف عنه لاحقًا عند اكتمال الصورة»، كما ذكرت المحمود.
انطوت ثلاث ليالٍ ساحرة بسُرعة الحلم، قضيناها بين شواهد الطبيعة البكر والحضارة الناطقة والجهد البشري المبدع، وحظينا فيها بتجربة السياحة الفاخرة عالية المستوى في أجمل المناطق الصحراوية بالعالم.
غادرنا ونحن نكرر ما قاله نابليون: «لا تحكم شعبًا إلا بأن تريه المستقبل»، وقد شاهدنا بريقًا يخطف الأنفاس من المملكة 2030 وسياحة لا مثيل لها، وقوة ناعمة لا تخبو، فإذا أردت أن تصنع شيئًا جيدًا فاصنعه بنفسك، فقد صنع أبناء المملكة مستقبلهم ■
* نظرًا إلى استمرار فعاليات المهرجان بعد انقضاء مدة الاستضافة، فقد زوّدنا الزملاء بالهيئة الملكية لمحافظة العلا بتغطية فوتوغرافية عنها