الناقد المصري د. نجيب التلاوي: ما يُقدّم باسم الدراسات النقدية لا علاقة له بالنقد العربي!

الناقد المصري د. نجيب التلاوي:  ما يُقدّم باسم الدراسات النقدية  لا علاقة له بالنقد العربي!

الدكتور محمد نجيب التلاوي أستاذ النقد العربي الحديث، عميد كلية الآداب الأسبق بجامعة المنيا، باحث وناقد تشهد الساحة الثقافية حضوره الفاعل بكثير من المؤتمرات الأدبية، خاصة أنه يمثّل منطقة صعيد مصر، بخصوصيتها الجغرافية المتميزة. أصدر عدّة دراسات نقدية متميزة للمكتبة العربية، منها: «طه حسين والفن القصصي»، و«نحت الرواية... دراسة في فنية الإبداع الروائي»، و«وجهة النظر في رواية الأصوات العربية»، و«القصيدة التشكيلية في الأدب العربي»، و«الاتجاهات النقدية الحديثة والحداثية»، و«تجديد الخطاب النقدي»، و«الصوت والصدى دراسة في تأثير ألف ليلة وليلة في الرواية العربية المعاصرة»، و«شعرية الحرب... الرؤية الفنية والوظيفة الشعرية».
 عمل التلاوي أستاذًا للنقد الحديث في جامعات السعودية وقطر، ممّا أتاح له الاقتراب من الحركة الأدبية في دول الخليج، وحول جهوده النقدية في رصد المشهد الثقافي ومتابعته كان هذا الحوار: 

 

‭ ‬بداية،‭ ‬ما‭ ‬المكونات‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬رصيدك‭ ‬الثقافي؟

‭- ‬تمثلت‭ ‬تلك‭ ‬المكونات‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬إسلامية‭ ‬باكرة‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬والدي،‭ ‬ثم‭ ‬ثقافة‭ ‬عربية‭ ‬تراثية‭ ‬بحكم‭ ‬دراستي‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬وزادت‭ ‬بثقافة‭ ‬معاصرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعتي‭ ‬للحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬والنقدية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬شدّني‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الفكر‭ ‬الحضاري‭ ‬والواقع‭ ‬السياسي،‭ ‬وأصبحتُ‭ ‬أعيش‭ ‬الواقع‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬بكل‭ ‬متغيراته‭ ‬وقفزاته‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬لعب‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬وُلد‭ ‬فيه‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التشكيل‭ ‬الثقافي؟

‭- ‬أثّر‭ ‬المكان‭ ‬بجنــــوب‭ ‬صعيـــد‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬تكويــــن‭ ‬شخصيتــــي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تأثيــــره‭ ‬على‭ ‬تكويــــن‭ ‬ثقافتي،‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬نفســـه‭ ‬لم‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬الصعيد‭ ‬ثقافة،‭ ‬وإنما‭ ‬حمل‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الصعيد‭ ‬ضد‭ ‬الجهل‭ ‬والفقر،‭ ‬كما‭ ‬تمثّل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬‮«‬الأيام‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬روايات‭: ‬‮«‬المعذبون‭ ‬في‭ ‬الأرض‮»‬‭ ‬و«شجرة‭ ‬البؤس‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬دعاء‭ ‬الكروان‮»‬‭.‬

‭ ‬ما‭ ‬خصوصية‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬صعيد‭ ‬مصر؟

‭- ‬صعيد‭ ‬مصـــر‭ ‬فائــــق‭ ‬الخصوصيــــة‭ ‬بتكــــوينه‭ ‬القبلي،‭ ‬وبلهجته،‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده،‭ ‬وهو‭ ‬الأكثر‭ ‬تمسكًا‭ ‬بالقيم‭ ‬الدينية‭ ‬والعادات‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬ذكورية‭ ‬المجتمع‭ ‬الصعيدي،‭ ‬وقد‭ ‬انعكــس‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬مبدعي‭ ‬صعيد‭ ‬مـصر‭ ‬انعكاسًا‭ ‬إيجابيًا،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الثراء‭ ‬اجتذب‭ ‬كُتّابًا‭ ‬آخرين‭ ‬ليسكنوا‭ ‬بأعمالهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬أجواء‭ ‬الصعيد‭ ‬وخصوصية‭ ‬المكان،‭ ‬وكأن‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬تميمة‭ ‬إنجاح‭ ‬لأعمالهم‭ ‬الإبداعية،‭ ‬وصعيد‭ ‬مصر‭ ‬يحتفل‭ ‬بالشعر‭ ‬العمودي‭ ‬احتفالًا‭ ‬خاصًا،‭ ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬تقلّ‭ ‬نزعات‭ ‬التجديد،‭ ‬وهناك‭ ‬التأني‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬التجريب،‭ ‬وكان‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬آخر‭ ‬الأجنــاس‭ ‬الأدبيــــة‭ ‬والفنية‭ ‬ظهـــــورًا‭ ‬فيه،‭ ‬وأكثر‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية‭ ‬جاءت‭ ‬نثرية‭ ‬وباللهجة‭ ‬الصعيدية،‭ ‬وهناك‭ ‬تقــدير‭ ‬كبير‭ ‬للبعد‭ ‬السلوكي‭ ‬والأخلاقــي‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬واسـتجابة‭ ‬المتلقي‭ ‬للأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬قلّت‭ ‬فيها‭ ‬مغامرات‭ ‬التجريب‭.‬

 

الرؤى‭ ‬النقدية‭... ‬وتراسُل‭ ‬الفنون

‭ ‬ما‭ ‬الرؤى‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬خلصت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬كتابكم‭ ‬‮«‬الاتجاهات‭ ‬النقدية‭ ‬الحديثة‭ ‬والحداثية»؟‭ ‬

‭- ‬انقسمت‭ ‬تلك‭ ‬الاتجاهات‭ ‬إلى‭ ‬تقليدية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الاتجاه‭ ‬التاريخي‭/ ‬الاجتماعي‭/ ‬النفسي‮»‬،‭ ‬وجديدة‭ ‬حداثية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬البنيوية‭/ ‬الأسلوبية‭/ ‬التفكيكية‭/‬‭ ‬الموضوعاتية‮»‬،‭ ‬وألاحظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الاتجاهات‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬أهمها‭:‬

أولًا‭: ‬الاتجاهات‭ ‬النقدية‭ ‬التقليدية‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الانحسار؛‭ ‬لأنها‭ ‬وليدة‭ ‬فكر‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وبدأ‭ ‬الفكر‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬تجاوزها‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وسيكون‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التقليدية‭ ‬مجرد‭ ‬عامل‭ ‬مساعد‭ ‬للاتجاهات‭ ‬الحداثية‭ ‬كالبنيوية‭ ‬التكوينية‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬البنيوي،‭ ‬وكمحاولة‭ ‬جاك‭ ‬لاكان‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬النفسي‭ ‬المُنبعث‭ ‬حديثًا‭ ‬مع‭ ‬تقدير‭ ‬عنصر‭ ‬اللغة‭ ‬كحالة‭ ‬شعورية‭.‬

ثانيًا‭: ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬التطبيقي‭ ‬سيتخلى‭ ‬عن‭ ‬الإسهاب‭ ‬والمنبهات‭ ‬الأسلوبية،‭ ‬وسيصبح‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬المعادلات‭ ‬الرياضية‭ ‬باستعراض‭ ‬فكرة‭ ‬النص‭ ‬وشكله‭ ‬الفني‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬قيمة‭ ‬يمتاز‭ ‬بحيدة‭ ‬علمية‭ ‬خالصة‭.‬

ثالثًا‭: ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬ممّا‭ ‬يُقدم‭ ‬باسم‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالنقد‭ ‬في‭ ‬ساحتنا‭ ‬العربية؛‭ ‬لأنها‭ ‬دراسات‭ ‬لا‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬مناهجها‭ ‬النقدية،‭ ‬وتعمد‭ ‬إلى‭ ‬التلخيص‭ ‬أو‭ ‬الإسقاط،‭ ‬وتزيد‭ ‬الأمر‭ ‬إسفافًا‭ ‬بمجاملات‭ ‬فجّة‭ ‬رخيصة‭.‬

رابعًا‭: ‬الاتجاهات‭ ‬النقدية‭ ‬بدأت‭ ‬تُولّد‭ ‬فلسفاتها‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬مثل‭ ‬التفكيكية،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬رائع‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬جاءت‭ ‬نظرية‭ ‬تداخل‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬نتيجة‭ ‬هذه‭ ‬الإرهاصات‭ ‬النقدية؟‭ ‬

‭- ‬تداخل‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬تراسُل‭ ‬الفنون‮»‬‭ ‬والفكرة‭ ‬قديمة،‭ ‬لكن‭ ‬التنفيذ‭ ‬حديث‭ ‬لأسباب،‭ ‬أهمّها‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الفنون‭ ‬الأدبية‭ ‬قد‭ ‬استنفدت‭ ‬طاقات‭ ‬التجديد‭ ‬لعناصر‭ ‬الفن‭ ‬الإبداعية،‭ ‬وكانت‭ ‬رغبة‭ ‬التجديد‭ ‬هي‭ ‬الدافعة‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بآليات‭ ‬فنون‭ ‬أخرى‭ ‬لتطوير‭ ‬جنس‭ ‬أدبي،‭ ‬فالرواية‭ ‬مثلًا‭ ‬تستعين‭ ‬بالقصة‭ ‬القصيرة‭ (‬رواية‭ ‬الحلقة‭ ‬القصصية‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬تستعين‭ ‬بالتهميش‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬أشكال‭ ‬روائية‭ ‬حديثة،‭ ‬إذن‭ ‬أصبح‭ ‬تراسل‭ ‬الفنون‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬مقومات‭ ‬تطويرها‭ ‬وفلسفتها،‭ ‬كالمسرواية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الفنون‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬جذر‭ ‬إبداعي‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭ ‬والمشكلات‭ ‬والقضايا‭ ‬بوسائل‭ ‬جمالية‭ ‬هي‭ ‬العناصر‭ ‬البنائية،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬نظرية‭ ‬الأدب‭ ‬قد‭ ‬أقامت‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية،‭ ‬فهذه‭ ‬الحدود‭ ‬عبر‭ ‬عناصر‭ ‬بنائية،‭ ‬وليست‭ ‬قوانين،‭ ‬ومن‭ ‬ثّم‭ ‬فإن‭ ‬تراسل‭ ‬الفنون‭ ‬وسيلة‭ ‬جيدة‭ ‬لتطوير‭ ‬الفنون‭ ‬القولية‭ ‬وغير‭ ‬القولية،‭ ‬والسنوات‭ ‬القادمة‭ ‬ستشهد‭ ‬تطبيقًا‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تراسُل‭ ‬الفنون‭ ‬وتطورها‭.‬

 

الهوية‭ ‬العربية‭ ‬بين‭ ‬الجودة‭ ‬والتنوّع

‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬كيف‭ ‬يُحافظ‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬هُويتنا‭ ‬العربية؟

‭- ‬يُحافظ‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬هُويتنا‭ ‬بوسائل‭ ‬عديدة،‭ ‬أهمها‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى،‭ ‬ثانيها‭: ‬الارتباط‭ ‬بقضايا‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحُسن‭ ‬التعبير‭ ‬عنها،‭ ‬وثالثها‭: ‬بالتوظيف‭ ‬التراثي‭ ‬في‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية،‭ ‬ورابعها‭: ‬بالاستجابة‭ ‬لجديد‭ ‬الأشكال‭ ‬الفنية‭ ‬لأجناسنا‭ ‬الأدبية،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نتكّلس‭ ‬في‭ ‬حبنا‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬وعشق‭ ‬العرب‭ ‬لفنّ‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬بخاصة،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬حافظ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬هُويته‭ ‬وهُويتنا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أضعف‭ ‬الفترات‭ ‬التاريخية‭ ‬للعرب،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬تحريق‭ ‬المكتبات‭ ‬الكبرى‭ ‬وتوافد‭ ‬تيارات‭ ‬الحقد‭ ‬الحضاري‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬التتار‭ ‬والصليبيين‭ ‬في‭ ‬حملاتهم،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭ ‬بأشكل‭ ‬جديدة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

 

الجودة‭ ‬والتنوع

‭ ‬ما‭ ‬ملامح‭ ‬مُنجز‭ ‬السرد‭ ‬العربي؟

‭- ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬اللافتة‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬المنجز‭ ‬السردي‭ ‬العربي‭ ‬وفنون‭ ‬السرد‭ ‬بشكل‭ ‬مذهل،‭ ‬فخلال‭ ‬مئة‭ ‬عام‭ ‬تنافس‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬أعظم‭ ‬روايات‭ ‬العالم،‭ ‬وكذلك‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مُستغربًا‭ ‬أن‭ ‬يفوز‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بأعماله‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن،‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬الثلاثية،‭ ‬وأتصور‭ ‬أن‭ ‬الاتصال‭ ‬بأوربا‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬فنون‭ ‬السرد‭ ‬العالمي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الأوحد‭ ‬الذي‭ ‬وفّر‭ ‬لنا‭ ‬إبداعًا‭ ‬ينافس‭ ‬أرقى‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية‭ ‬وأعظمها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬السبب‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬امتلكوا‭ ‬رصيدًا‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬العربي‭ ‬المتطور‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬العربي،‭ ‬وهو‭ ‬سرد‭ ‬يمتاز‭ ‬بالجودة‭ ‬والتنوع‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬والأسلوب،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭/ ‬المقامات‮»‬،‭ ‬والقصص‭ ‬الفلسفية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حي‭ ‬بن‭ ‬يقظان‭/ ‬رسالة‭ ‬الغفران‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فنّ‭ ‬الرسالة‭ ‬الذي‭ ‬برع‭ ‬فيه‭ ‬العرب؛‭ ‬بداية‭ ‬برسائل‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الكاتب،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالجاحظ‭ ‬وأبي‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي،‭ ‬وتتويجًا‭ ‬وانتهاء‭ ‬برسائل‭ ‬إخوان‭ ‬الصفا،‭ ‬فسنكتشف‭ ‬أن‭ ‬فنّ‭ ‬الرسائل‭ ‬هو‭ ‬الممثّل‭ ‬لبذور‭ ‬فن‭ ‬المقال،‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬للعرب‭ ‬تحقيق‭ ‬سبق‭ ‬فني‭ ‬عالمي‭ ‬لولا‭ ‬السقوط‭ ‬الكبير‭ ‬لبغداد‭ ‬والانحدار‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬عام‭ ‬656‭ ‬هـ،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬سبقوا‭ ‬فنّ‭ ‬سرديات‭ ‬الآداب‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬فنّ‭ ‬السيرة‭ ‬الغيرية،‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬رسولنا‭ ‬محمد‭ ‬●‭ ‬كان‭ ‬المصدر‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬التشريع،‭ ‬ولذلك‭ ‬تميّز‭ ‬العرب‭ ‬بسلسلة‭ ‬الإبداعات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬فن‭ ‬السيرة‭ ‬كسيرة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬وسيرة‭ ‬ابن‭ ‬هشام‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬المائز‭ ‬للسّرديات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬وقصص‭ ‬العشاق‭ ‬النثرية‭ ‬وأيام‭ ‬العرب‭ ‬والليالي‭ ‬والمقامات‭ ‬وفن‭ ‬السيرة‭ ‬وفن‭ ‬الرسائل،‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬الضخم‭ ‬يعد‭ ‬أساسًا‭ ‬بنائيًا‭ ‬مُهمًا‭ ‬للمبدعين‭ ‬وللمتلقين‭ ‬العرب،‭ ‬وأتصور‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬تميّز‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬السرديات‭ ‬المعاصرة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬والمقال‭ ‬وفن‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬والغيرية‭.‬

 

تكنيك‭ ‬فني‭ ‬وروائي

‭ ‬ما‭ ‬التقنيات‭ ‬الفنية‭ ‬لرواية‭ ‬الأصوات؟

‭- ‬رواية‭ ‬الأصوات‭ ‬تكنيك‭ ‬فني‭ ‬وشكل‭ ‬روائي‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬فن‭ ‬الرواية،‭ ‬وقد‭ ‬تخلق‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬كسر‭ ‬الراوي‭ ‬الأحادي‭ ‬العارف‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬العالمية‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬عندما‭ ‬حاول‭ ‬فلوبير،‭ ‬ثم‭ ‬نجح‭ ‬ديستوفسكي‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬تكنيك‭ ‬رواية‭ ‬الأصوات‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بتعدُّد‭ ‬الرواة،‭ ‬ومن‭ ‬ثّم‭ ‬تعدد‭ ‬الأبطال،‭ ‬وبالتبعية‭ ‬تعدد‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬حول‭ ‬الفكرة‭ ‬الواحدة‭ ‬والمتطور‭ ‬الواحد‭ ‬أو‭ ‬الحدث‭ ‬الروائي‭ ‬الواحد،‭ ‬وتمتاز‭ ‬رواية‭ ‬الأصوات‭ ‬بتجميع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرواة‭ ‬والشخصيات‭ ‬الروائية‭ ‬المتباعدة‭ ‬ثقافيًا‭ ‬وطبقيًّا،‭ ‬لتتيح‭ ‬للقارئ‭ ‬تعددية‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬البطل،‭ ‬وهو‭ ‬تكنيك‭ ‬فني‭ ‬يكسر‭ ‬مركزية‭ ‬الراوي‭ ‬وأحادية‭ ‬البطل،‭ ‬وهذا‭ ‬التكنيك‭ ‬الروائي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الروائي‭ ‬المتمكن‭ ‬الموهوب‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الأنا،‭ ‬والمالك‭ ‬للقدرة‭ ‬الغيرية‭ ‬في‭ ‬التعبير،‭ ‬ويحتاج‭ ‬هذا‭ ‬التكنيك‭ ‬إلى‭ ‬موهوب‭ ‬ومثقف‭ ‬معًا،‭ ‬لكي‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬رواية‭ ‬أصوات،‭ ‬وتعد‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬فقد‭ ‬ظله‮»‬‭ ‬للراحل‭ ‬فتحي‭ ‬غانم‭ ‬أول‭ ‬رواية‭ ‬مصرية‭ ‬استعانت‭ ‬بتكنيك‭ ‬رواية‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬بمصر،‭ ‬ثم‭ ‬تبعه‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬ميرامار‭ ‬بنهاية‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وتوافد‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التكنيك‭ ‬مثل‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬ويوسف‭ ‬القعيد‭ ‬وإبراهيم‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬وسليمان‭ ‬فياض،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التكنيك‭ ‬لم‭ ‬ينتشر،‭ ‬ولم‭ ‬يمثّل‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة؛‭ ‬لأنه‭ ‬صعب‭ ‬المراس‭.‬

‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملك‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬السعودية‭ ‬وقطر‭... ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬خصوصية‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬الخليج؟

‭- ‬إن‭ ‬الأدب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬هو‭ ‬أدب‭ ‬ملتزم‭ ‬وحكم‭ ‬القيمة‭ ‬الأخلاقي‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الإسلامي‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬الإبداعات‭ ‬الأدبية‭ ‬الخليجية،‭ ‬وأن‭ ‬استجابته‭ ‬للأشكال‭ ‬الجديدة‭ ‬استجابة‭ ‬محدودة‭ ‬للغاية،‭ ‬وهناك‭ ‬بعض‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬كالنص‭ ‬المسرحي‭ ‬جاء‭ ‬الإسهام‭ ‬فيها‭ ‬محدودًا‭ ‬للغاية،‭ ‬ويتصدر‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬أوليّات‭ ‬الاهتمام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإبداع‭ ‬والتلقي‭ ‬معًا،‭ ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬الخليجي‭ ‬هو‭ ‬العناية‭ ‬بالشعر‭ ‬النبطي‭ ‬عناية‭ ‬فائقة،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬رائع،‭ ‬وبينما‭ ‬يأتي‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬وفن‭ ‬الرواية‭ ‬وئيد‭ ‬الخطى‭ ‬مكبّل‭ ‬الحركة‭ ‬نلاحظ‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬التسعينيات‭ ‬قفزات‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬بغزو‭ ‬الشعر‭ ‬الحُر،‭ ‬ثم‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬ويأتي‭ ‬شاعر‭ ‬مثل‭ ‬علي‭ ‬الروميني‭ ‬متميزًا‭ ‬مع‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬أما‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬مطلق‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬فهذا‭ ‬موضوع‭ ‬كبير؛‭ ‬لأن‭ ‬منابع‭ ‬الرُواء‭ ‬الثقافي‭ ‬قد‭ ‬تعددت‭ ‬بالبعثات‭ ‬الخارجية،‭ ‬وتحوّل‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬وتطوره،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬انتشار‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬مردود‭ ‬إيجابي‭ ‬واسع‭ ‬المدى‭. ‬

 

نزار‭ ‬والمرأة‭ ‬والقصيدة‭ ‬النثرية

‭ ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬خصوصية‭ ‬ما‭ ‬للأدب‭ ‬النسائي؟

‭- ‬الأدب‭ ‬النسائي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬نسوي‭ ‬عالمي،‭ ‬قد‭ ‬صُدّر‭ ‬إلينا‭ ‬أخيرًا،‭ ‬وتحمّسنا‭ ‬له‭ ‬بفعل‭ ‬صعود‭ ‬سيدات‭ ‬عربيات‭ ‬لمستوى‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية،‭ ‬سندرك‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتصل‭ ‬بالأيديولوجيا‭ ‬السياسية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اتصاله‭ ‬بالتصنيف‭ ‬الفني‭ ‬الخالص،‭ ‬وأن‭ ‬الترويج‭ ‬للمصطلح،‭ ‬كما‭ ‬يتصور‭ ‬البعض،‭ ‬هو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المكتسبات‭ ‬الوهمية‭ ‬للمرأة‭ ‬العربية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يضمر‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬إقرارًا‭ ‬ضمنيًا‭ ‬بالضعف‭ ‬الأنثوي،‭ ‬أما‭ ‬أنا‭ ‬فلا‭ ‬أنظر‭ ‬لهذه‭ ‬القضية‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الفن‭ ‬الأدبي‭ ‬فقط،‭ ‬وأقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ترفضه‭ ‬المرأة‭ ‬قبل‭ ‬الرجل،‭ ‬وثانيًا‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭ ‬مرتبط‭ ‬بقدرة‭ ‬فنية‭ ‬وليس‭ ‬باختلاف‭ ‬جنس،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬جسّد‭ ‬أحاسيس‭ ‬المرأة‭ ‬وقضاياها‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬روائيات‭ ‬عربيات‭ ‬كثيرات‭ ‬مثل‭ ‬دلال‭ ‬خليفة‭ ‬من‭ ‬الخليج،‭ ‬وسلوى‭ ‬بكر‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬تقمص‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شعره،‭ ‬وعبّر‭ ‬عن‭ ‬أحاسيسها‭ ‬ومشاعرها‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬شاعرة‭ ‬عربية،‭ ‬هل‭ ‬توجد‭ ‬شاعرة‭ ‬عربية‭ ‬كتبت‭ ‬معبّرة‭ ‬عن‭ ‬بنات‭ ‬جنسها‭ ‬بقدرة‭ ‬نزار‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬‮«‬طفولة‭ ‬نهد»؟‭! ‬

أنا‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬للماجستير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرواية‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التسعينيات،‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬الباحثة‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬وجود‭ ‬فروق‭ ‬أنثوية‭ ‬أو‭ ‬ذكورية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أننا‭ ‬سنكتفي‭ ‬من‭ ‬‮«‬الرواية‭ ‬النسائية‮»‬‭ ‬بفضل‭ ‬تحديد‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬مصدر‭ ‬الدراسة،‭ ‬كلنا‭ ‬نمتلك‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمشاعر،‭ ‬لكن‭ ‬الموهوبين‭ ‬منّا‭ ‬فقط‭ ‬هم‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عنها،‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬وأقوى‭ ‬تأثيرًا‭ ‬من‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬جنس،‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬مثلًا‭ ‬بتميز‭ ‬الرواية‭ ‬الخليجية‭ ‬واختلافها‭ ‬عن‭ ‬الرواية‭ ‬المغاربية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬فروقًا‭ ‬فنية‭ ‬جوهرية‭ ‬بين‭ ‬رواية‭ ‬روائي،‭ ‬ورواية‭ ‬روائية‭!‬

 

طبيعة‭ ‬مكتسبة

قضية‭ ‬المرأة‭ ‬الآن‭ ‬والأدب‭ ‬النسائي‭ ‬تتفجر‭ ‬بما‭ ‬تختزن‭ ‬من‭ ‬رصيد‭ ‬قبلي‭ ‬يُحقّر‭ ‬المرأة،‭ ‬وكأنهم‭ ‬جاءوا‭ ‬حديثًا‭ ‬ليدافعوا‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬قديمة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬أفلاطون‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬‮«‬إن‭ ‬جنس‭ ‬المرأة‭ ‬خُلق‭ ‬من‭ ‬أنفس‭ ‬الناس‭ ‬الشريرة،‭ ‬ومن‭ ‬أنفس‭ ‬غير‭ ‬العقلاء‮»‬،‭ ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬فإني‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بطبيعة‭ ‬المرأة؛‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬مكتسبة‭ ‬يُشكلّها‭ ‬المجتمع‭ ‬بقوانينه‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬تغيير‭ ‬فهو‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬عادات‭ ‬مكتسبة‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬إنسانية‭ ‬يشترك‭ ‬فيها‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬معًا‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭... ‬هل‭ ‬تطوير‭ ‬للشعرية‭ ‬العربية‭ ‬أم‭ ‬تخريب‭ ‬للمنجز‭ ‬الشعر‭ ‬العربي؟‭ ‬

‭- ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬ومع‭ ‬التجريب،‭ ‬أما‭ ‬الزّبد‭ ‬فيذهب‭ ‬جفاءً‭ ‬وسيبقى‭ ‬ما‭ ‬ينفع‭ ‬الناس،‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬للتطوير‭ ‬والحكم‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬فيها‭ ‬مجازفة‭ ‬كبيرة؛‭ ‬لأن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬بيننا‭ ‬كبيرة‭ ‬ومكتملة‭ ‬بأبعاد‭ ‬تنظيرية‭ ‬مترجمة،‭ ‬لكنّ‭ ‬القناعة‭ ‬بمنتوج‭ ‬النصوص‭ ‬المسماة‭ ‬بقصيدة‭ ‬النثر‭ ‬غير‭ ‬تامة‭ ‬حتى‭ ‬الآن؛‭ ‬لأن‭ ‬التجارب‭ ‬تفتقر‭ ‬حتى‭ ‬للشعرية‭ ‬قبل‭ ‬الشاعرية،‭ ‬أنا‭ ‬متحمس‭ ‬للتجربة،‭ ‬وأنا‭ ‬مرتفع‭ ‬بنفسي‭ ‬فوق‭ ‬المصطلح‭ ‬المترجم‭ ‬والمصطنع‭ (‬قصيدة‭ ‬النثر‭)‬؛‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬شعرًا،‭ ‬فهم‭ ‬متشبثون‭ ‬بالشعر،‭ ‬والأصلح‭ ‬أن‭ ‬يتشبثوا‭ ‬بالشعرية‭ ‬وبمعنى‭ ‬الإبداع‭ ‬الحقيقي،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬مبتكرة‭ ‬وغموض‭ ‬فني‭ ‬جميل‭ ‬وإيقاع‭ ‬أو‭ ‬موسيقى‭ ‬وعمق‭ ‬فكري‭ ‬في‭ ‬الطرح،‭ ‬أما‭ ‬التشبه‭ ‬والتشبث‭ ‬بقالب‭ ‬الشعر،‭ ‬فهذا‭ ‬تمسُّك‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬بجوهر‭ ‬إبداع،‭ ‬مرحبًا‭ ‬بالتجريب،‭ ‬والحقل‭ ‬يتّسع‭ ‬للجميع،‭ ‬لكن‭ ‬سيبقى‭ ‬الأفضل‭ ‬والأجود،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬سيذهب‭ ‬جفاء‭ ‬فهي‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬المسربلة‭ ‬بالاستنساخ،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬قصيدة‭ ‬تفعيلة‭ ‬أو‭ ‬تقليدية،‭ ‬أما‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬تمثّل‭ ‬تطورًا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬للشعرية‭ ‬العربية،‭ ‬فهذا‭ ‬كلام‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة،‭ ‬لأن‭ ‬النثر‭ ‬الفني‭ ‬الصريح‭ ‬كنثر‭ ‬المنفلوطي‭ ‬هو‭ ‬الممثّل‭ ‬للتطور‭ ‬الطبيعي‭ ‬للشعرية‭ ‬العربية،‭ ‬أما‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬فهي‭ ‬هجين‭ ‬قصدي‭ ‬استمد‭ ‬فكرته‭ ‬وأبعاده‭ ‬التنظيرية‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الأوربي،‭ ‬ورأيي‭ ‬بالتحديد‭ ‬أقول‭: ‬إن‭ ‬الشعر‭ ‬الحُر‭ ‬هو‭ ‬الممثل‭ ‬للتطور‭ ‬الطبيعي‭ ‬للشعر‭ ‬العربي‭.‬

 

المستقبل‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفين

‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انحسار‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭... ‬ما‭ ‬مستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية؟

‭- ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬نسيج‭ ‬مركّب‭ ‬ومعقّد‭ ‬الآن،‭ ‬فهو‭ ‬مرتبط‭ ‬بالفعل‭ ‬السياسي‭ ‬وبالتوجه‭ ‬الأيديولوجي،‭ ‬ثم‭ ‬هو‭ ‬ملاحق‭ ‬للمعلوماتية،‭ ‬وهو‭ ‬موزع‭ ‬الولاء‭ ‬بين‭ ‬تراثه‭ ‬وعاداته،‭ ‬وبين‭ ‬ملاحقة‭ ‬التجريب‭ ‬والتخريب‭ ‬والتطوير،‭ ‬فهذه‭ ‬الفترة‭ ‬مُربكة،‭ ‬ومتعلّقة‭ ‬بتحديد‭ ‬هُوية‭ ‬صعبة‭ ‬المنال‭ ‬مع‭ ‬توزيع‭ ‬الولاء‭ ‬للمثقفين‭ ‬العرب،‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬موقف‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فانتظر‭ ‬انحدارًا‭ ‬لمستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وإذا‭ ‬تغيّر‭ ‬المثقفون‭ ‬العرب‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬واقتنعوا‭ ‬بخصوصية‭ ‬ثقافتهم‭ ‬ومعايشة‭ ‬واقعهم،‭ ‬فإن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬ستزدهر‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬يجيد‭ ‬الانتقاد‭ ‬ويحمل‭ ‬تبعية‭ ‬التخلف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬للسياسيين،‭ ‬وهو‭ - ‬المثقف‭ ‬العربي‭ - ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬انعدام‭ ‬الوزن‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الآن،‭ ‬فالمثقفون‭ ‬العرب‭ ‬احترفوا‭ ‬ثقافة‭ ‬التبعية،‭ ‬فماذا‭ ‬تنتظر‭ ‬منهم؟

والغريب‭ ‬أنهم‭ ‬يتبادلون‭ ‬الاتهامات،‭ ‬فالأصوليون‭ ‬يعيبون‭ ‬على‭ ‬دعوات‭ ‬التغريب،‭ ‬والأصوليون‭ ‬مقتنعون‭ ‬بالنموذج‭ ‬الإسلامي‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬لن‭ ‬تنصلح‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬صلح‭ ‬به‭ ‬الأوائل،‭ ‬والعلمانيون‭ ‬يعيبون‭ ‬التقليد‭ ‬على‭ ‬الأصوليين،‭ ‬ويقعون‭ ‬في‭ ‬تبعــية‭ ‬أشــد‭ ‬إيلامًا‭ ‬للنموذج‭ ‬العلماني‭ - ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬العربية‭ - ‬حيث‭ ‬أضافوا‭ ‬لعلمانياتهم‭ ‬حق‭ ‬الانسلاخ‭ ‬من‭ ‬كامل‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الفكر‭ ‬الليبرالي‭ ‬متعلقون‭ ‬بأمنيات‭ ‬نظرية،‭ ‬وهم‭ ‬مستمتعون‭ ‬بالتحليق،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬الهبوط‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬

إن‭ ‬مستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬مستقبل‭ ‬مخيف‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬أما‭ ‬أنه‭ ‬مرتبط‭ ‬بانحسار‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬العربي،‭ ‬فاسمح‭ ‬لي‭ ‬أنني‭ ‬غير‭ ‬متفق‭ ‬مع‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬انحسار‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‮»‬؛‭ ‬لأن‭ ‬مساحة‭ ‬الحرية‭ ‬متصاعدة‭ ‬إيجابيًا‭ ‬للمثقف‭ ‬العربي،‭ ‬لكنّ‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬المحترف‭ ‬للتبعية‭ ‬يتدثر‭ ‬بأمور‭ ‬واهية،‭ ‬ليبرر‭ ‬تواريه‭ ‬وعدم‭ ‬اضطلاعه‭ ‬بدوره‭ ‬المنوط‭ ‬به،‭ ‬فمن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬صاحب‭ ‬فكر،‭ ‬وصاحب‭ ‬الفكر‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يقاتل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فكره‭ ‬وقناعاته،‭ ‬لكن‭ ‬مثقفينا‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬مثقفي‭ ‬الصالونات‭ ‬الراقية‭ ‬والمكاتب‭ ‬المغلقة،‭ ‬اكتفوا‭ ‬بدور‭ ‬الانتقاد،‭ ‬ولم‭ ‬يقدّموا‭ ‬إيجابيات‭ ‬تُذكر؛‭ ‬لأنهم‭ ‬بتبعيتهم‭ ‬يزدادون‭ ‬اختلافًا،‭ ‬وبالسياسة‭ ‬ستزيد‭ ‬الخلافات‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬سيجعل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬تتكلس،‭ ‬ويتقلص‭ ‬دورها‭ ‬بفعل‭ ‬المثقفين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬قبل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬الحكومات‭ ‬الشمولية‭ ‬في‭ ‬تحجيم‭ ‬الحريات‭ ‬■‭ ‬

خليل‭ ‬الجيزواي (‬إلى‭ ‬اليمين) ‬محاوراً‭ ‬د‭. ‬التلاوي