سمات العروبة والوطنية في قصائد خليل عكاش

سمات العروبة والوطنية  في قصائد خليل عكاش

تكاد تكون العروبة «كمفهوم وسلوك وشعور داخلي» إحساسًا بالتآخي والتواصل والمشاركة في السراء والضراء بين أبناء الأمة الواحدة، وتتجلى هذه القيم بما يظهره أبناء العروبة لبعضهم، من المودة والإحـــســـاس بالـــتمــــاهي، ووحـــــدة الموقف، خاصة في الأزمات التي تعيشها الأمة العربية مجتمعة، وقد تجلت هذه الأحاسيس مجتمعة في ما مر على البلاد العربية من محن وشدائد، وفي طليعة هذه القضايا قضية فلسطين والصراع العربي ــ الصهيوني، الذي لا يكاد يترنح من آن لآخر، نتيجة تساهل بعض الدول العربية في هذا الأمر، علاوة على مواقف العرب في ما بينهم، وما يتصدون ويتعرضون له، مما يستدعي موقفًا عربيًا موحدًا، ينم عن أهمية التواصل لتذويب الخلافات والتركيز على المصالح المشتركة بين الدول العربية، ضمن الحفاظ على خصوصية كل دولة في قضايا خاصة، شرط ألا تضر بمصلحة الأمة، وتعتبر مؤتمرات القمة التي تعقد من آن لآخر، بعد دعوات لها، من أهم الفرص لتحقيق هذا التواصل والتلاحم الأخوي، الذي يحفظ مصالح الأمة لكي تبقى يقظة مخلصة أمينة على قضاياها الحياتية الخاصة.

 

تتجلّى‭ ‬العروبة‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬اللبناني‭ ‬خليل‭ ‬عكاش‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والقضايا‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة،‭ ‬ومن‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬وتبادل‭ ‬منافع‭ ‬وعلاقات‭ ‬تجارية‭ ‬وعلمية،‭ ‬وسواها‭. ‬وهو‭ ‬يلحّ‭ ‬عليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬السّند‭ ‬الحقيقي‭ ‬لفلسطين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أزمات‭. ‬وهو‭ ‬هنا‭ ‬يستصرخ‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬جمعاء،‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬أمرها‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬ووحدة‭ ‬الموقف‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬والأرض‭ ‬المغتصبة‭: ‬

ما‭ ‬للعروبة‭ ‬لا‭ ‬ترسو‭ ‬مراكبها‭ ‬

وبين‭ ‬شطآنها‭ ‬تتولّد‭ ‬الجزر؟

ويحث‭ ‬المهاجرين‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الأمة‭ ‬جمعاء،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬ذلك‭:‬

يتيه‭ ‬بعض‭ ‬بنيها‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬فإن‭ ‬

حان‭ ‬الرجوع‭ ‬أتى‭ ‬ينعاهم‭ ‬الخبر

ظنّ‭ ‬الطغاة‭ ‬بأن‭ ‬النصر‭ ‬موعدهم‭   

ما‭ ‬للطغاة‭ ‬سوى‭ ‬القبر‭ ‬الذي‭ ‬حفروا

وأن‭ ‬أرضًـــــا‭ ‬تغــــــذّيهــــا‭ ‬طـــلائعـــها

وأصبح‭ ‬يرنو‭ ‬إلى‭ ‬أحرارها‭ ‬الظفر‭ ‬

 

‭ ‬ثم‭ ‬يعتب‭ ‬الشاعر‭ ‬على‭ ‬العرب،‭ ‬لأن‭ ‬منهم‭ ‬مَن‭ ‬تقاعس‭ ‬عن‭ ‬نصرة‭ ‬الجنوب‭ ‬إبان‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عليه‭: ‬

ها‭ ‬إني‭ ‬أمتشق‭ ‬السيف‭ ‬المسلول‭ ‬من‭ ‬العتب

يا‭ ‬مَن‭ ‬تطلع‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬التعب

فانقل‭ ‬وجعي‭ ‬المحموم‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬العرب‭ ‬

ودائماً‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬عامل‭ ‬نصر‭ ‬ونجاح‭:‬

قالوا‭ ‬نأت‭ ‬مصر‭ ‬قل‭ ‬لا‭ ‬فهي‭ ‬حائرة‭ ‬

وسوف‭ ‬تبقى‭ ‬لمصر‭ ‬القلب‭ ‬والكبدا

مصر‭ ‬العروبة‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬عروبتها‭  

‭ ‬ولا‭ ‬تبدّل‭ ‬ميثاقًا‭ ‬ومعتقدا‭ ‬

وإن‭ ‬أصاب‭ ‬الفرات‭ ‬السَّم‭ ‬مدَّ‭ ‬له‭ ‬

يدُ‭ ‬العناية‭ ‬من‭ ‬إخوانه‭ ‬برَدَى

فأمة‭ ‬العُرب‭ ‬جاءت‭ ‬للبقاء‭ ‬فلا‭ ‬

يموت‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬شعب‭ ‬إذا‭ ‬اتّحدا‭ ‬

ويجمع‭ ‬الشاعر‭ ‬عكاش‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬واحدة،‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬الموحد‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وتضامنًا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتعرّض‭ ‬له‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬تعديات‭ ‬متواصلة‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬وشعبه،‭ ‬وتجلّى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بدعم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للبنان،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬بالسلام،‭ ‬أو‭ ‬بالدفاع‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمحافل‭ ‬الدولية‭: ‬

والموت‭ ‬يختال‭ ‬فوق‭ ‬الدخان،‭ ‬فقامت‭ ‬حقول‭ ‬الغمام،

كما‭ ‬صور‭ ‬قامت‭ ‬وصيدون‭ ‬رغم‭ ‬الحطام،

وبيروت‭ ‬ليست‭ ‬كؤوسًا‭ ‬من‭ ‬الخمر

وليست‭ ‬هوى‭ ‬الشاطئ‭ ‬المستباح

فعند‭ ‬اشتداد‭ ‬الرياح،‭ ‬فلسطين

تعلو‭ ‬جهات‭ ‬السماء

وبيروت‭ ‬خفّاقة‭ ‬في‭ ‬بهيّ‭ ‬اللواء‭ ‬

ومن‭ ‬الشاطئ‭ ‬الآخر‭ ‬تعلو‭ ‬حواري‭ ‬الحصاد

على‭ ‬معير‭ ‬الريح‭ ‬والموت‭ ‬يختال‭ ‬موت‭ ‬الدخان

فقامت‭ ‬حقول‭ ‬الغمام

كما‭ ‬صور‭ ‬قامت‭ ‬وصيدون

رغم‭ ‬الحطام‭ ‬

ودائمًا‭ ‬بيروت‭ ‬هي‭ ‬البوصلة‭ ‬وعاصمة‭ ‬الشّجى‭ ‬والعين‭ ‬اليقظى‭ ‬على‭ ‬أحزان‭ ‬الوطن‭:‬

بيروت‭ ‬لك‭ ‬الأشواق‭ ‬ترافقني

أفتش‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ضلوعي‭ ‬عنكِ

كأني‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬القلق‭ ‬الأبدي

أفتش‭ ‬عن‭ ‬فردوس‭ ‬الأحلام

كل‭ ‬الطرقات‭ ‬محاصرة‭ ‬بالحيرة‭ ‬والأوهام

وكل‭ ‬جهات‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬بيروت

‭ (‬لست‭ ‬وحيداً‭ ...)‬

ويمعن‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬بيروت‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ملاذًا‭ ‬للجنوبيين‭ ‬أثناء‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭:‬

بيروت‭ ‬تصلّي‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬شواطئها

لا‭ ‬تعجب‭ ‬إن‭ ‬قرأت‭ ‬مدن‭ ‬الدنيا

في‭ ‬دفتر‭ ‬هذا‭ ‬الضوء‭ ‬الطالع‭ ‬من‭ ‬بيروت

ومن‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬إلى‭ ‬الحجير‭ ‬ووادي‭ ‬الأسرار‭ ‬حيث‭ ‬تكبر‭ ‬فيه‭ ‬الأسرار‭:‬

وحجير‭ ‬الله‭ ‬وديع،‭ ‬وحجير‭ ‬الله‭ ‬يثور‭ ‬على‭ ‬الظلام

فأخذ‭ ‬غضب‭ ‬الأحرار

متى‭ ‬يعرى‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬ثوب‭ ‬العار‭ ‬

والوادي‭ ‬يقظ‭ ‬يكمن‭ ‬للعدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬حيث‭ ‬الأرواح‭ ‬النائمة‭ ‬واليقظة‭:‬

الذئب‭ ‬على‭ ‬الأبواب

كلمات‭ ‬ينقلها‭ ‬الوادي‭ ‬وترددها‭ ‬الأشجار

إن‭ ‬جاء‭ ‬الذئب‭ ‬تهب‭ ‬الريح

أرواح‭ ‬الأجداد‭ ‬تحوم‭ ‬هنا

وتصدر‭ ‬الأرواح‭ ‬الأخطار‭ ‬

واحترسوا‭ ‬من‭ ‬غدر‭ ‬الذئب

فإن‭ ‬الذئب‭ ‬على‭ ‬الأبواب

هكذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اليقظة‭ ‬والوعي‭ ‬تامّين‭ ‬لإفشال‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬صهيونية‭ ‬للاعتداء‭ (‬الست‭ ‬وحيداًب‭ ‬ص‭ ‬104‭).‬

ويشير‭ ‬الشاعر‭ ‬عكاش‭ ‬إلى‭ ‬تواصل‭ ‬النضال‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭ ‬من‭ ‬الأجداد‭ ‬إلى‭ ‬الأبناء،‭ ‬سمة‭ ‬تجمع‭ ‬بينهما‭ ‬وتؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬مواجهة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يستهتر‭ ‬بقضايا‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬وحقوقها‭ ‬ويستعمر‭ ‬ثرواتها‭ ‬ووجودها‭:‬

إن‭ ‬التراب‭ ‬الذي‭ ‬غذّاه‭ ‬من‭ ‬دمهم

أجدادنا‭ ‬الأمس‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬نغذّيه

في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يلاقينا‭ ‬على‭ ‬أمل

وفي‭ ‬رحاب‭ ‬المدى‭ ‬الأبهى‭ ‬نلاقيه

ويصرّ‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تواصل‭ ‬العرب‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬قدرهم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬مطلقًا‭:‬

وإن‭ ‬شعباً‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬المجد‭ ‬أمنية

يكفيه‭ ‬أن‭ ‬صان‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬يكفيه

العُرب‭ ‬أهل‭ ‬وإن‭ ‬زلّت‭ ‬بهم‭ ‬قدم

لا‭ ‬يهنأ‭ ‬النسر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أعاليه

والروح‭ ‬هائمة‭ ‬في‭ ‬أهلها‭ ‬ولها‭ ‬

فما‭ ‬أجلَّ‭ ‬الذي‭ ‬للشرق‭ ‬تعطيه

 

ويشيد‭ ‬الشاعر‭ ‬بالأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تربّوا‭ ‬على‭ ‬النضال‭ ‬ورفض‭ ‬المستعمر‭ ‬الغاصب،‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬فعله‭ ‬الجنوبيون‭ ‬عامة‭ ‬بالعدو‭ ‬الغاشم،‭ ‬لقد‭ ‬أجبروه‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬اغتصبها‭ ‬لفترة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يسرحُ‭ ‬ويمرحُ‭ ‬على‭ ‬هواه،‭ ‬فجاءته‭ ‬طير‭ ‬الأبابيل‭ ‬وحجارة‭ ‬السجيل‭ ‬وزنود‭ ‬الأبطال‭ ‬لتطرده‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يصول‭ ‬على‭ ‬هواه،‭ ‬فجاءه‭ ‬من‭ ‬يسقيه‭ ‬المر‭ ‬ويزرع‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬الرعب‭:‬

الطفل‭ ‬يرمي‭ ‬على‭ ‬الباغي‭ ‬الحجارة

أم‭ ‬طير‭ ‬الأبابيل‭ ‬بالسجّيل‭ ‬ترميه؟

بالأمس‭ ‬كان‭ ‬يصول‭ ‬المعتدي‭ ‬فرحًا

واليوم‭ ‬يلقى‭ ‬المنايا‭ ‬في‭ ‬تعدّيه‭ ‬

ويستعيد‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬امن‭ ‬كروم‭ ‬النصرب،‭ ‬مجزرة‭ ‬قانا‭ ‬التي‭ ‬أحرقها‭ ‬العدو‭ ‬بقنابله‭ ‬ونيرانه،‭ ‬حتى‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ ‬وتدمير‭ ‬المنازل‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬ساكنيها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬انبعثت‭ ‬من‭ ‬الرماد‭ ‬كطائر‭ ‬الفينيق،‭ ‬واستعادت‭ ‬نضارتها‭ ‬قابضة‭ ‬على‭ ‬الجراح،‭ ‬لقد‭ ‬تعوَد‭ ‬الجنوبيون‭ ‬على‭ ‬النضال‭ ‬والصبر‭.‬

ويلحّ‭ ‬الشاعر‭ ‬على‭ ‬عزيمة‭ ‬الجنوبيين‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬ردّ‭ ‬الصاع‭ ‬صاعين‭ ‬على‭ ‬العدو،‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬بالصبر‭ ‬والمؤازرة‭ ‬والنصر‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬سنة‭ ‬2006م،‭ ‬ذكرى‭ ‬يوم‭ ‬النصر‭ ‬والتحرير‭: ‬

نمضي‭ ‬إلى‭ ‬موتنا‭ ‬والوجهُ‭ ‬مبتسم

وكيف‭ ‬يُهزَم‭ ‬من‭ ‬للموت‭ ‬يبتسم؟

قل‭ ‬للغزاة‭ ‬أنا‭ ‬السيف‭ ‬الجريح‭ ‬ويا

ويلَ‭ ‬الغزاة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬السيفُ‭ ‬ينتقم‭ ‬

والجنوبي‭ ‬بطبعه‭ ‬مقاوم‭ ‬دائمًا،‭ ‬يقاوم‭ ‬الصقيع‭ ‬والعواصف،‭ ‬يقاوم‭ ‬بالسيف‭ ‬والقلم،‭ ‬بالملاحم‭ ‬والنضال،‭ ‬وتشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حجارة‭ ‬العنفوان‭: ‬

مقاومون‭ ‬وهذا‭ ‬السيف‭ ‬والقلم

إلا‭ ‬نُعــــــد‭ ‬إذا‭ ‬مـــا‭ ‬عٌّــــــــــدَّتِ‭ ‬الأممُ

على‭ ‬الجراح‭ ‬كتبنا‭ ‬المجد‭ ‬ملحمةً

فشعشعت‭ ‬من‭ ‬لآلي‭ ‬جُرحنا‭ ‬الظُّلَم

للجرح‭ ‬ضوء‭ ‬عشقنا‭ ‬الاقتداء‭ ‬به

وللحجارة‭ ‬صوت‭ ‬راعدٌ‭ ‬وفمُ‭ ‬

وتفيض‭ ‬شاعرية‭ ‬عكاش‭ ‬إثر‭ ‬انتصار‭ ‬حرب‭ ‬تموز‭ (‬يوليو‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬حقق‭ ‬فيها‭ ‬المقاومون‭ ‬نصرًا‭ ‬مؤزرًا،‭ ‬ومنعوا‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحتل‭ ‬شبرًا‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬لبنان،‭ ‬فيقول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬عنوانها‭ ‬امن‭ ‬ليل‭ ‬الغيابب‭:‬

النصر‭ ‬وعد‭ ‬والوفاء‭ ‬قرار

في‭ ‬الخالدين‭ ‬تقصَّر‭ ‬الأشعار

رواد‭ ‬حقّ‭ ‬يبذلون‭ ‬لأجله

ما‭ ‬يبذل‭ ‬العشاق‭ ‬والأحرار

هذي‭ ‬بيارقهم‭ ‬على‭ ‬هام‭ ‬الذُّرى

وجباههم‭ ‬بين‭ ‬الجباه‭ ‬منار

جند‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬اشتروا‭ ‬بدمائهم

شرف‭ ‬السباق‭ ‬فكبّر‭ ‬الإكبار

ظلّت‭ ‬قوافلهم‭ ‬فطلّت‭ ‬أنجمٌ

وأنقذ‭ ‬من‭ ‬ليل‭ ‬الغبار‭ ‬نهار

حفروا‭ ‬على‭ ‬شمس‭ ‬المنى‭ ‬أسماءهم

فتوهجت‭ ‬في‭ ‬المنتهى‭ ‬الأقمار

يمشون‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬الفخار‭ ‬إلى‭ ‬العلى

تيهًا‭ ‬فيفترش‭ ‬الجفون‭ ‬فخار

 

وتتواصل‭ ‬الروح‭ ‬القومية‭ ‬من‭ ‬الأجداد‭ ‬إلى‭ ‬الآباء‭ ‬إلى‭ ‬الأحفاد،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬املعب‭ ‬النسورب‭: ‬

ملعب‭ ‬النسر‭ ‬ضجّ‭ ‬في‭ ‬أحزانه

ما‭ ‬أعزّ‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬عصيانه‭ ‬

بذل‭ ‬الأجدادُ‭ ‬المُنى‭ ‬في‭ ‬هواه

وتفانى‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬عمرانه‭ ‬

كيف‭ ‬يرضى‭ ‬الأخ‭ ‬الرّدى‭ ‬لأخيه

فيطيع‭ ‬الأعزاء‭ ‬في‭ ‬خذلانه؟‭ ‬

ويعتز‭ ‬الشاعر‭ ‬عكاش‭ ‬بأهله‭ ‬وهو‭ ‬يعني‭ ‬بذلك‭ ‬سكان‭ ‬وطنه‭ ‬وأمته‭ ‬العربية،‭ ‬حاثًا‭ ‬إياهم‭ ‬على‭ ‬التماسك‭ ‬ووحدة‭ ‬القلوب‭:‬

وأين‭ ‬أهل‭ ‬إذ‭ ‬ناديتهم‭ ‬وثبت

‭ ‬جراحهم‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الغيم‭ ‬والحُجُب؟‭ ‬

أهلي‭ ‬ارتوى‭ ‬الدهر‭ ‬دهرًا‭ ‬من‭ ‬منابعهم

ولم‭ ‬ينل‭ ‬من‭ ‬هواهم‭ ‬شدة‭ ‬الأرب‭   ‭ ‬

وتجيش‭ ‬في‭ ‬الشاعر‭ ‬الروح‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬بعنوان‭ ‬البنان‭ ‬لا‭ ‬ينحني‭ ‬إلا‭ ‬لخالقهب،‭ ‬معتبرًا‭ ‬دول‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬دولة‭ ‬واحدة،‭ ‬يتأثر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يصيب‭ ‬الآخر،‭ ‬فيفرح‭ ‬لفرحه‭ ‬ويحزن‭ ‬لحزنه،‭ ‬مثال‭ ‬قوله‭:‬

بيروت‭ ‬والشام‭ ‬أسرار‭ ‬مخلّدة‭ ‬

ولا‭ ‬يضيرهما‭ ‬التفريق‭ ‬في‭ ‬الجسدِ‭  

وتطيب‭ ‬الأخوّة‭ ‬العربية‭ ‬عندما‭ ‬يجمع‭ ‬الشاعر‭ ‬النيل‭ ‬وبردى،‭ ‬أي‭ ‬مصر‭ ‬والشام،‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬موقفهما‭ ‬ضمن‭ ‬لوحة‭ ‬فنية‭ ‬تجمع‭ ‬النيل‭ ‬وبردى‭ ‬في‭ ‬نضال‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أنهار‭ ‬وجبال‭ ‬ووديان‭ ‬خلال‭ ‬النضال‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هولاكو‭ ‬المغولي‭: ‬

الكتب‭ ‬الأقلام‭ ‬اللغة‭ ‬تعاني‭ ‬الوحشة‭ ‬

خلف‭ ‬حصار،‭ ‬هولاكو‭ ‬مسكون‭ ‬بالأوهام

النهر‭ ‬ينادي‭ ‬الجبل‭ ‬الوديان

طير‭ ‬الفينيق‭ ‬على‭ ‬الآهات‭ ‬

يلملم‭ ‬ريش‭ ‬الآلام،‭ ‬كالسهم‭ ‬يشق‭ ‬تراب‭ ‬الصمت‭ ‬

لتعبر‭ ‬أسراب‭ ‬الصحراء‭ ‬عباب‭ ‬النيل‭ ‬إلى‭ ‬بردى‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬محفور‭ ‬

في‭ ‬لوح‭ ‬الأهرام‭ 

تلك‭ ‬بعض‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬عكاش‭ ‬الواضحة‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬الغلو،‭ ‬قصائد‭ ‬من‭ ‬الصميم‭ ‬مزيّنة‭ ‬بصور‭ ‬جمالية‭ ‬حيّة‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الشاعر‭ ‬ونضاله‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬وحدة‭ ‬أمته‭ ‬العربية‭.‬

قال‭ ‬فيه‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬عمر‭ ‬أبو‭ ‬ريشة‭: ‬اتتميز‭ ‬ثقافة‭ ‬الشاعر‭ ‬عكاش‭ ‬بلغتها‭ ‬الآخذة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ونهج‭ ‬البلاغة‭ ‬وشاعرية‭ ‬أبي‭ ‬تمام‭ ‬والمتنبي،‭ ‬وهذا‭ ‬النهج‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الإكبار‭ ‬لهذه‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أدقّ‭ ‬مكنونات‭ ‬النفس‭ ‬
الإنسانية‭ ‬

خليل‭ ‬عكاش