السينما والنهـر قصة الصراع في الوادي

السينما والنهـر قصة الصراع في الوادي

تعيش بلادنا العربية فوق مسطح واسع للغاية من الصحراء، مما جعل الغالبية منا يعيشون حيث الجفاف، وتقل علاقة الناس بالمياه المنسابة، وذلك ما عدا بعض المناطق التي عاش فيها الإنسان منذ القدم فأقام الحضارات والمدن، وفي هذه الدول برزت الفنون لتصور العالم الإنساني للحياة في كل من مصر والسودان، ثم العراق بلاد الرافدين، مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب بلادنا تطل على البحار والمحيطات.
وفي السينما العربية عبّرت قصص الأفلام عن علاقة الإنسان بالنهر، خاصة في مصر التي انتعشت فيها صناعة السينما، والغريب أن وطنًا مثل السودان لم يأبه قط بهذا الفن، لكن السينمائيين المصريين أحبّوا النهر، وجريان المياه، فقاموا بتصوير حياتهم على ضفتي النهر في كثير من الأفلام، وهذا ما سنتوقف عنده. 

 

مثلما‭ ‬قالوا‭ ‬قديمًا‭ ‬إن‭ ‬مصر‭ ‬هبة‭ ‬النيل،‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الأفلامتيجب‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬السينما‭ ‬هبة‭ ‬النيل،‭ ‬وإن‭ ‬المصريين‭ ‬يتألقون‭ ‬دومًا‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬جانبيه،‭ ‬ويرتزقون‭ ‬من‭ ‬مياهه،‭ ‬ويقيمون‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بالمقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬النهر‭ ‬للزراعة،‭ ‬وكم‭ ‬غنّى‭ ‬المطربون‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النهر،‭ ‬وطوال‭ ‬تسعين‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬الروائية‭ ‬أقام‭ ‬المصريون‭ ‬المشاريع‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬إنسانية،‭ ‬وعاطفية‭ ‬دارت‭ ‬أحداثها‭ ‬فوق‭ ‬النهر،‭ ‬وحوله‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭. ‬

وسوف‭ ‬نرى‭ ‬مخرجين‭ ‬بأعينهم‭ ‬يشغفون‭ ‬بهذا‭ ‬النهر‭ ‬وقصصه،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الإسكندرية‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬تصوير‭ ‬أفلامه‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر،‭ ‬وظل‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬تدفق‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬الصعيد‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬اابن‭ ‬النيلب‭ ‬عام‭ ‬1951،‭ ‬واصراع‭ ‬في‭ ‬الواديب‭ (‬1953‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬اأنت‭ ‬حبيبيب‭ (‬1957‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬تحول‭ ‬مجرى‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬فيلمين،‭ ‬الأول‭ ‬االنيل‭ ‬والحياةب‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬وهو‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬إنتاجه‭ ‬بالكامل‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬باسم‭ ‬االناس‭ ‬والنيلب،‭ ‬حيث‭ ‬تحوّل‭ ‬النهر‭ ‬بنفسه،‭ ‬وليست‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تحوطه،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬النهر‭ ‬عند‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬منفصلة،‭ ‬فالنهر‭ ‬مكان‭ ‬حميم‭ ‬للتعايش،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الصعيد‭ ‬العالي،‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‭ ‬أسرة‭ ‬يحلم‭ ‬ابنها‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة،‭ ‬ويود‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬صديقه‭ ‬الطالب‭ ‬الأزهري،‭ ‬وهو‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬بالقطار،‭ ‬لكنّه‭ ‬يعود‭ ‬بالسيارة‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬ذات‭ ‬مساء‭ ‬شهدت‭ ‬فيه‭ ‬القرية‭ ‬ارتفاع‭ ‬الفيضان،‭ ‬كادت‭ ‬المياه‭ ‬تبتلع‭ ‬ابنه‭ ‬الوحيد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هدمت‭ ‬البيوت‭. ‬

 

البطل‭ ‬الرئيس

وفي‭ ‬فيلم‭ ‬اأنت‭ ‬حبيبيب‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬عروسين‭ ‬يسافران‭ ‬إلى‭ ‬أسوان‭ ‬لقضاء‭ ‬شهر‭ ‬العسل‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر،‭ ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬المشاهد‭ ‬يعبر‭ ‬الجميع‭ ‬النهر‭ ‬فوق‭ ‬قوارب‭ ‬صغيرة‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬عرس‭ ‬نوبي‭.‬

وإذا‭ ‬رجعنا‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬فإن‭ ‬المطرب‭ ‬محمد‭ ‬أمين‭ ‬هو‭ ‬بالتقريب‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تغنّى‭ ‬للنهر‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬ايوم‭ ‬سعيدب‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬عام‭ ‬1940‭.‬

وقد‭ ‬عاش‭ ‬أبطال‭ ‬أغلب‭ ‬الأفلام‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬النهر،‭ ‬ولعل‭ ‬الرحلة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬أبطال‭ ‬فيلم‭ ‬اصراع‭ ‬في‭ ‬النيلب‭ ‬لعاطف‭ ‬سالم‭ ‬عام‭ ‬1959‭ ‬هي‭ ‬نموذج‭ ‬تسجيلي‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الآونة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المهنة‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬المصريون‭ ‬هي‭ ‬ركوب‭ ‬النهر‭ ‬والارتزاق‭ ‬منه،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬مهنة‭ ‬النقل‭ ‬النهري‭ ‬من‭ ‬الأقصر‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة،‭ ‬وبدا‭ ‬النهر‭ ‬كأنه‭ ‬البطل‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬المصريون‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭.‬

وقد‭ ‬استخدم‭ ‬الناس‭ ‬ضفتي‭ ‬النهر‭ ‬دومًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬بيوتهم‭ ‬والاحتفال‭ ‬بالمناسبات‭ ‬المتراكمة،‭ ‬وأيضًا‭ ‬التردد‭ ‬على‭ ‬آثارهم،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬المخرج‭ ‬عاطف‭ ‬سالم‭ ‬وقع‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬أسر‭ ‬النهر‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬جاذبية‭ ‬خاصة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬سحرًا‭ ‬عن‭ ‬الجاذبية‭ ‬الأرضية،‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬سالم‭ ‬إلى‭ ‬النهر‭ ‬مجددًا‭ ‬كي‭ ‬يصوّر‭ ‬سحر‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬فيلمه‭ ‬التالي‭ ‬اجريمة‭ ‬حبب‭ ‬عام‭ ‬1959،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬الناس‭ ‬فوق‭ ‬صفحة‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬عوامات‭ ‬ثابتة،‭ ‬وحيث‭ ‬بنى‭ ‬المصريون‭ ‬بناياتهم‭ ‬الخشبية‭ ‬لممارسة‭ ‬الهو‭ ‬الحياةب،‭ ‬مثلما‭ ‬سنرى‭ ‬دومًا‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬أخرى،‭ ‬ومنها‭ ‬اثرثرة‭ ‬فوق‭ ‬النيلب‭ ‬لحسين‭ ‬كمال‭ (‬1971‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬قبله‭ ‬فيلم‭ ‬اأيام‭ ‬ولياليب‭ ‬لبركات‭ ‬عام‭ ‬1955،‭ ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬فيلم‭ ‬انهر‭ ‬الحياةب‭ ‬من‭ ‬إخراج‭ ‬حسن‭ ‬رضا‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬زوج‭ ‬يحبس‭ ‬زوجته‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬عوامته،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬الرجال،‭ ‬فتعرف‭ ‬الفارق‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الشباب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الزوجة‭ ‬ترى‭ ‬رجلًا‭ ‬وسيمًا‭ ‬في‭ ‬زورق‭ ‬يمرّ‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬العوامة‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬غرامه،‭ ‬ولا‭ ‬ينجح‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬هذا‭ ‬الإعصار‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬حياته‭.‬

 

النهر‭ ‬حاضر

وفي‭ ‬عام‭ ‬1961،‭ ‬قدّم‭ ‬نيازي‭ ‬مصطفى‭ ‬فيلمه‭ ‬ادماء‭ ‬على‭ ‬النيلب،‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الثأر‭ ‬في‭ ‬الصعيد‭ ‬الأعلى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬امرأة‭ ‬تدعى‭ ‬غالية،‭ ‬تعشق‭ ‬زوجها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬متعدد‭ ‬العلاقات،‭ ‬وأن‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشيقة،‭ ‬ويموت‭ ‬زوجها‭ ‬مقتولًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬عواد‭ ‬أحد‭ ‬خصومه،‭ ‬وكي‭ ‬تنتقم‭ ‬منه‭ ‬تستدرجه‭ ‬في‭ ‬زورق‭ ‬وتأخذه‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬نيلية‭ ‬كي‭ ‬تقتله،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬غرامه‭ ‬وتعرف‭ ‬منه‭ ‬حقيقة‭ ‬زوجها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬يبدو‭ ‬النهر‭ ‬بطلًا‭ ‬حاضرًا‭ ‬دومًا،‭ ‬وبدا‭ ‬انتباه‭ ‬الكاميرا‭ ‬لتصوير‭ ‬حيويته‭ ‬منذ‭ ‬المشهد‭ ‬الأول‭ ‬ونزول‭ ‬العناوين،‭ ‬حيث‭ ‬تتدفق‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬الشطين‭ ‬بكل‭ ‬التدفق،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الخصوبة‭ ‬والخير،‭ ‬فإن‭ ‬الناس‭ ‬منشغلة‭ ‬بنزواتها،‭ ‬وميراثهما‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬بخيرات‭ ‬النهر،‭ ‬ويبدو‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬الحجرية‭ ‬البدائية‭ ‬التي‭ ‬ورثوها‭ ‬من‭ ‬أجدادهم‭ ‬قبل‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭.‬

وقد‭ ‬اهتم‭ ‬المصريون‭ ‬بقوة‭ ‬بالتقرب‭ ‬إلى‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬إبان‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالي،‭ ‬فرأينا‭ ‬أفلامًا‭ ‬عن‭ ‬اعروس‭ ‬النيلب‭ ‬لفطين‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬حيث‭ ‬يمتزج‭ ‬التاريخ‭ ‬بالفنتازيا‭ ‬بالواقع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أسطورة‭ ‬عروس‭ ‬النيل‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الآثار‭ ‬لحماية‭ ‬التراث‭ ‬المصري‭ ‬القديم،‭ ‬ضد‭ ‬محاولات‭ ‬المصريين‭ ‬المعاصرين‭ ‬هدم‭ ‬الآثار‭ ‬القديمة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬حقول‭ ‬البترول‭. ‬

وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬نفسها‭ ‬تم‭ ‬عمل‭ ‬فيلم‭ ‬االحقيقة‭ ‬العاريةب،‭ ‬إخراج‭ ‬عاطف‭ ‬سالم،‭ ‬حول‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬لبناء‭ ‬السد‭ ‬العالي،‭ ‬وبدت‭ ‬رسالة‭ ‬الفيلم‭ ‬واضحة،‭ ‬أنه‭ ‬وسط‭ ‬حرارة‭ ‬أسوان،‭ ‬وقسوة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الجبل،‭ ‬فإن‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬رقيقة‭ ‬تولدت‭ ‬بين‭ ‬مهندس‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬السد،‭ ‬وبين‭ ‬مرشدة‭ ‬سياحية‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬وفد‭ ‬لزيارة‭ ‬المنطقة‭ ‬ومشاهدة‭ ‬آثارها،‭ ‬والسد‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬البناء‭.‬

 

ثرثرة‭ ‬فوق‭ ‬النيل

وفي‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها‭ ‬غيّر‭ ‬المخرج‭ ‬الجديد‭ ‬خليل‭ ‬شوقي‭ ‬أماكن‭ ‬أحداث‭ ‬رواية‭ ‬االجبلب‭ ‬لفتحي‭ ‬غانم،‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الجبل‭ ‬الغربي‭ ‬بأسيوط‭ ‬إلى‭ ‬أسوان،‭ ‬أثناء‭ ‬نقل‭ ‬معبد‭ ‬أبي‭ ‬سمبل‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬وحيث‭ ‬يضطر‭ ‬أهل‭ ‬النوبة‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬ديارهم‭ ‬الملاصقة‭ ‬للنهر‭ ‬ليعيشوا‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬جديدة،‭ ‬وسط‭ ‬معارضة‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬النوبة‭. ‬

وقد‭ ‬قلّ‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالنهر‭ ‬عقب‭ ‬نكسة‭ ‬يونيو،‭ ‬وتم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬النهر‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف،‭ ‬ففي‭ ‬فيلم‭ ‬اثرثرة‭ ‬فوق‭ ‬النيلب‭ ‬كان‭ ‬النهر‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬المجون‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬المدينة‭ ‬إبان‭ ‬الهزيمة،‭ ‬فهناك‭ ‬عوامة‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬يرتادها‭ ‬أشخاص‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬إشباع‭ ‬شهواتهم،‭ ‬منهم‭ ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬تخون‭ ‬زوجها،‭ ‬والطالبة‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬أموال‭ ‬تصرف‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬زوجها،‭ ‬وأنيس‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يدبّر‭ ‬أمور‭ ‬اقعدةب‭ ‬الكيف،‭ ‬كما‭ ‬تأتي‭ ‬الصحفية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬دراسة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬المجتمع،‭ ‬وعندما‭ ‬تخرج‭ ‬المجموعة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النيل‭ ‬فإنهم‭ ‬يدوسون‭ ‬فلّاحة‭ ‬بسيارتهم،‭ ‬ويهربون‭ ‬وقد‭ ‬تركوها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مساعدة‭.‬
وعادت‭ ‬السينما‭ ‬لدخول‭ ‬عالم‭ ‬العوامات‭ ‬الخشبية‭ ‬المقامة‭ ‬فوق‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ ‬االعوامة‭ ‬رقم‭ ‬70ب،‭ ‬إخراج‭ ‬خيري‭ ‬بشارة‭ (‬1982‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬العوامة‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬مكان‭ ‬يسكنه‭ ‬موظف‭ ‬يواجه‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬المحلج‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬به،‭ ‬وقد‭ ‬صار‭ ‬النهر‭ ‬هنا‭ ‬مقبرة‭ ‬ألقى‭ ‬فيها‭ ‬قاتلان‭ ‬قتيلًا‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬المحلج‭. ‬

الغريب‭ ‬أن‭ ‬انهر‭ ‬الحياةب،‭ ‬كما‭ ‬نظرت‭ ‬إليه‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬الستينيات،‭ ‬صار‭ ‬بمنزلة‭ ‬انهر‭ ‬الخوفب‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬أخرجه‭ ‬محمد‭ ‬أبوسيف‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬والأحداث‭ ‬كلها‭ ‬تدور‭ ‬فوق‭ ‬النهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ركاب‭ ‬الأوتوبيس‭ ‬النهري‭ ‬الذي‭ ‬استولى‭ ‬عليه‭ ‬موظف‭ ‬ارتكب‭ ‬جريمة‭ ‬عابرة،‭ ‬فاتّخذ‭ ‬من‭ ‬الركاب‭ ‬رهائن،‭ ‬وراحت‭ ‬الشرطة‭ ‬تطارده،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬محترف‭ ‬جريمة‭ ‬بالمرة‭. ‬

 

مطاردة‭ ‬شرسة

صار‭ ‬النيل‭ ‬مكان‭ ‬مطاردات‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬منها‭ ‬فيلم‭ ‬اليلة‭ ‬لا‭ ‬تنسىب‭ ‬إخراج‭ ‬وبطولة‭ ‬حسن‭ ‬يوسف‭ ‬عام‭ ‬1980،‭ ‬وفيلم‭ ‬االوحلب‭ ‬لعلي‭ ‬عبدالخالق،‭ ‬حيث‭ ‬تدور‭ ‬مطاردة‭ ‬شرسة‭ ‬بين‭ ‬الشرطة‭ ‬ومهرّبي‭ ‬المخدرات،‭ ‬وأيضاً‭ ‬فيلم‭ ‬االنمر‭ ‬والأنثىب‭ ‬إخراج‭ ‬سمير‭ ‬سيف‭ ‬1987‭.‬

النهر‭ ‬هو‭ ‬المسكن،‭ ‬والمشهد‭ ‬الجميل،‭ ‬ومكان‭ ‬اللهو،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬مكان‭ ‬للرزق‭ ‬والجريمة‭. ‬وسنتوقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬عند‭ ‬رؤية‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين،‭ ‬هذا‭ ‬المخرج‭ ‬السكندري،‭ ‬الذي‭ ‬شغف‭ ‬بالنهر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬فيلمه‭ ‬الثاني‭ ‬اابن‭ ‬النيلب‭ ‬عام‭ ‬1951،‭ ‬الذي‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬كان،‭ ‬فالفيلم‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬أسوان‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬الخزان‭ ‬القديم،‭ ‬والمفروض‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬النوبة،‭ ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬الأشخاص‭ ‬بوجوه‭ ‬وملامح‭ ‬أبناء‭ ‬العاصمة،‭ ‬وأهل‭ ‬النيل‭ ‬هنا‭ ‬يسكنون‭ ‬إلى‭ ‬جانبه،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يشعرون‭ ‬بقيمته،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نعرف‭ ‬وظيفة‭ ‬للأخ‭ ‬الأكبر‭ ‬إبراهيم‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬شيخ‭ ‬بلا‭ ‬مشيخة،‭ ‬لا‭ ‬يمارس‭ ‬أي‭ ‬عمل،‭ ‬أما‭ ‬أخوه‭ ‬الأصغر‭ ‬حميدة‭ ‬فإنه‭ ‬يحلم‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬لصديقه‭ ‬الأزهري،‭ ‬ومنذ‭ ‬طفولته،‭ ‬وهو‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬القطار‭ ‬المتجه‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة،‭ ‬وعندما‭ ‬يكبر‭ ‬ويتزوج‭ ‬من‭ ‬زبيدة‭ ‬التي‭ ‬يضيق‭ ‬بها‭ ‬ذرعًا،‭ ‬فإن‭ ‬حلمه‭ ‬لا‭ ‬يتوقف،‭ ‬ويترك‭ ‬زوجته‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أنها‭ ‬حامل،‭ ‬وفي‭ ‬المدينة،‭ ‬فإن‭ ‬الشاب‭ ‬يسكن‭ ‬مع‭ ‬العصابة‭ ‬التي‭ ‬تتاجر‭ ‬بالمخدرات‭ ‬في‭ ‬عوامة‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬النيل،‭ ‬ويمارس‭ ‬أعمالاً‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬القانون،‭ ‬وبعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬السجن،‭ ‬يقرر‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه،‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬بالغة‭ ‬القسوة،‭ ‬حيث‭ ‬يبدو‭ ‬النهر‭ ‬الهائج‭ ‬بالغ‭ ‬القوة،‭ ‬لا‭ ‬يوقف‭ ‬مياهه‭ ‬شيء،‭ ‬يجرف‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أمامه،‭ ‬ويتعرض‭ ‬الابن‭ ‬الصغير‭ ‬لخطر‭ ‬الانجراف‭ ‬حتى‭ ‬ينقذه‭ ‬أبوه‭.‬

 

صراع‭ ‬في‭ ‬الوادي

وفي‭ ‬اصراع‭ ‬في‭ ‬الواديب‭ ‬عام‭ ‬1954،‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬تابعة‭ ‬لمحافظة‭ ‬الأقصر‭ ‬الراقدة‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬النيل،‭ ‬وهناك‭ ‬خصومة‭ ‬حول‭ ‬زراعة‭ ‬قصب‭ ‬السكر،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الشخصي،‭ ‬والثأر‭ ‬ممزوج‭ ‬بحكاية‭ ‬عاطفية‭ ‬تنمو‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬بين‭ ‬ابن‭ ‬ناظر‭ ‬العزبة‭ ‬وابنة‭ ‬الباشا‭ ‬مالك‭ ‬الأرض‭. ‬الوادي‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬وادي‭ ‬النيل،‭ ‬وتبدو‭ ‬الوجوه‭ ‬أيضًا‭ ‬ذوات‭ ‬بشرة‭ ‬بيضاء،‭ ‬وليست‭ ‬لها‭ ‬ملامح‭ ‬الصعيد،‭ ‬وتدور‭ ‬المعارك‭ ‬بين‭ ‬القرية،‭ ‬وآثار‭ ‬الأقصر‭. ‬

أما‭ ‬الفيلم‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬رأينا‭ ‬فيه‭ ‬النهر‭ ‬فهو‭ ‬اأنت‭ ‬حبيبيب‭ ‬عام‭ ‬1957،‭ ‬حيث‭ ‬ينزل‭ ‬عروسان،‭ ‬هما‭ ‬فريد‭ ‬وياسمينة،‭ ‬إلى‭ ‬أسوان‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬كتراكت،‭ ‬لقضاء‭ ‬شهر‭ ‬العسل،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬يصل‭ ‬القطار‭ ‬حتى‭ ‬يصور‭ ‬لنا‭ ‬الفيلم‭ ‬خزان‭ ‬أسوان،‭ ‬والمياه‭ ‬تتدفق‭ ‬منه‭ ‬بقوة‭ ‬رمزًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المدينة‭ ‬هبة‭ ‬الخزان،‭ ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬المشاهد‭ ‬فإن‭ ‬العروسين‭ ‬يركبان‭ ‬المركب‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الطفل‭ ‬النوبي‭ ‬بدعوتهما‭ ‬لحضور‭ ‬زفاف‭ ‬أخته‭ ‬زينة،‭ ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬يقابلان‭ ‬قارئة‭ ‬الودع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فريد‭ ‬يغني‭ ‬في‭ ‬فرح‭ ‬نوبي،‭ ‬وفي‭ ‬أرض‭ ‬النوبة‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬النهر‭ ‬مباشرة‭ ‬ربما‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬شاهين‭ ‬أن‭ ‬يستمتع‭ ‬بتصوير‭ ‬الطبيعة‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالأفق،‭ ‬وعاد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للتصوير‭ ‬بين‭ ‬الآثار،‭ ‬وفوق‭ ‬صفحة‭ ‬النهر،‭ ‬ولم‭ ‬تبتعد‭ ‬القصة‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬الذين‭ ‬يذهبون‭ ‬لقضاء‭ ‬رحلة‭ ‬سياحية‭ ‬عند‭ ‬أسوان‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬السد‭ ‬العالي‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬حياة‭ ‬المصريين،‭ ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات‭ ‬صار‭ ‬على‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬أن‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬لتصوير‭ ‬تحويل‭ ‬مجرى‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬بحضور‭ ‬قيادات‭ ‬سياسية‭ ‬بارزة‭.‬

 

النيل‭ ‬والحياة

من‭ ‬المشاهد‭ ‬التسجيلية‭ ‬التي‭ ‬التقطها،‭ ‬بدأ‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬فيلم‭ ‬روائي‭ ‬طويل،‭ ‬يصوّر‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬ومصر‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬السد،‭ ‬وعند‭ ‬موقع‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬دارت‭ ‬قصص‭ ‬حب‭ ‬وصداقة‭ ‬بين‭ ‬السوفييت‭ ‬والمصريين،‭ ‬هناك‭ ‬مهندس‭ ‬روسي‭ ‬يترك‭ ‬حبيبته‭ ‬في‭ ‬موسكو،‭ ‬ويأتي‭ ‬كي‭ ‬تتولد‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬شاب‭ ‬نوبي‭ ‬صداقة‭ ‬عميقة،‭ ‬وهناك‭ ‬مهندس‭ ‬آخر‭ ‬يحضر‭ ‬معه‭ ‬حبيبته،‭ ‬وقد‭ ‬صوّر‭ ‬الفيلم‭ ‬كل‭ ‬طبقات‭ ‬الشعب‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬السد،‭ ‬وحمل‭ ‬الفيلم‭ ‬اسم‭ ‬االنيل‭ ‬والحياةب،‭ ‬وعرض‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬التكلفة‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬الجانبان‭ ‬المصري‭ ‬والسوفييتي‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬فإن‭ ‬الفيلم‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬قبولًا،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬جاءت‭ ‬التعليمات‭ ‬بتطوير‭ ‬الفيلم،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة‭ ‬رصدت‭ ‬له،‭ ‬فتم‭ ‬إسناده‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬سيناريو،‭ ‬وبعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬ظهر‭ ‬فيلم‭ ‬جديد‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا،‭ ‬بأبطال‭ ‬جدد،‭ ‬باسم‭ ‬االناس‭ ‬والنيلب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬سابقه،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬بطلاته،‭ ‬ومنهن‭ ‬مديحة‭ ‬سالم‭ ‬إلى‭ ‬سعاد‭ ‬حسني‭.‬

وهكذا‭ ‬قدّم‭ ‬شاهين‭ ‬فيلمين‭ ‬عن‭ ‬السد‭ ‬بتنويعتين‭ ‬مختلفتين،‭ ‬وتم‭ ‬إخفاء‭ ‬الفيلم‭ ‬الأول‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬الإفراج‭ ‬عنه‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬تسعة‭ ‬أعوام،‭ ‬وصرنا‭ ‬نشاهده‭ ‬على‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬بكثرة‭ ‬ثم‭ ‬اختفى،‭ ‬لكنه‭ ‬تاريخ‭ ‬تم‭ ‬تسجيله،‭ ‬والفيلم‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬الوجه‭ ‬البحري،‭ ‬خاصة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬تضطرهم‭ ‬الظروف‭ ‬للسفر‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬أسوان‭ ‬أثناء‭ ‬بناء‭ ‬السد،‭ ‬منهم‭ ‬فنانة‭ ‬تشكيلية‭ ‬أحبت‭ ‬مهندسًا‭ ‬شابًا،‭ ‬وأيضًا‭ ‬مهندس‭ ‬قديم‭ ‬غادر‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬أسوان‭ ‬وشارك‭ ‬مهندسًا‭ ‬سوفييتيًا‭ ‬تركيب‭ ‬التوربينات‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬السد،‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬حاولت‭ ‬تمجيد‭ ‬السد‭ ‬العالي،‭ ‬لكن‭ ‬الحماس‭ ‬كان‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الواقع‭. ‬

لم‭ ‬يبتعد‭ ‬المخرج‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬أفلامه‭ ‬التالية‭ ‬عن‭ ‬نهره‭ ‬المفضل،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬تتبع‭ ‬رحلة‭ ‬أسرة‭ ‬سكندرية‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬شباب‭ ‬ووالديهم‭ ‬اضطرت‭ ‬للنزوح‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االوداع‭ ‬يا‭ ‬بونابرتب‭ ‬الذي‭ ‬تناول،‭ ‬حملة‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬وأقامت‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬النهر‭ ‬عند‭ ‬منطقة‭ ‬بولاق‭ ‬وأيضًا‭ ‬امبابة،‭ ‬حيث‭ ‬بدا‭ ‬النهر‭ ‬بسطحه‭ ‬مكانًا‭ ‬للمعايشة،‭ ‬والمواجهة‭ ‬بين‭ ‬الجيوش‭. ‬

 

اليوم‭ ‬السادس

أما‭ ‬فيلم‭ ‬االيوم‭ ‬السادسب‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬المأخوذ‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬فرنسية‭ ‬لأندريه‭ ‬شديد،‭ ‬فإن‭ ‬القاهرة‭ ‬تصاب‭ ‬بوباء‭ ‬الكوليرا،‭ ‬ويصبح‭ ‬على‭ ‬الجدة‭ ‬وصيفة‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬حفيدها‭ ‬الصغير،‭ ‬وتهرب‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مركب‭ ‬فوق‭ ‬النهر،‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬إنقاذه،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬أمواج‭ ‬البحر‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬وباء‭ ‬الكوليرا،‭ ‬وتدور‭ ‬أحداث‭ ‬الفيلم‭ ‬فوق‭ ‬المركب،‭ ‬والجدة‭ ‬تحاول‭ ‬إخفاء‭ ‬حقيقة‭ ‬مرض‭ ‬حفيدها‭ ‬عن‭ ‬البحارة،‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الأرق‭ ‬وانتظار‭ ‬الموت‭ ‬الحتمي،‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬شاهين‭ ‬يتتبّع‭ ‬مسيرة‭ ‬النهر‭ ‬مجددًا‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االمهاجرب‭ ‬الذي‭ ‬تدور‭ ‬أحداثه‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الفراعنة‭ ‬على‭ ‬ضفتي‭ ‬النهر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الخلود،‭ ‬فالناس‭ ‬لديها‭ ‬مهن‭ ‬رئيسة‭ ‬هي‭ ‬التحنيط،‭ ‬والزراعة،‭ ‬وعندما‭ ‬يجف‭ ‬النهر‭ ‬فإن‭ ‬رام‭ ‬يصطحب‭ ‬زوجته‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬كي‭ ‬يمارس‭ ‬الزراعة‭ ‬إبان‭ ‬السنوات‭ ‬العجاف‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬النهر،‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬ملحوظ‭ ‬بين‭ ‬النهر‭ ‬الفيّاض‭ ‬الذي‭ ‬أغرق‭ ‬القرى‭ ‬وسبب‭ ‬الكوارث‭ ‬في‭ ‬اابن‭ ‬النيلب،‭ ‬وبين‭ ‬النهر‭ ‬العجوز‭ ‬الكهل‭ ‬الذي‭ ‬ضن‭ ‬بمياهه‭ ‬وخيراته‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬فعاشوا‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الظروف‭.‬

توبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬قد‭ ‬صور‭ ‬النهر‭ ‬بطول‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬أسوان،‭ ‬إلى‭ ‬الأقصر‭ ‬وحتى‭ ‬القاهرة،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الدلتا،‭ ‬حيث‭ ‬فرع‭ ‬دمياط‭ ‬ملتقى‭ ‬البرزخ‭ ‬بين‭ ‬النهر‭ ‬والبحر‭. ‬

وقد‭ ‬ظل‭ ‬شاهين‭ ‬متعلقًا‭ ‬بنهر‭ ‬النيل‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬حتى‭ ‬فيلمه‭ ‬الأخير‭ ‬اهي‭ ‬فوضىب،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬أمين‭ ‬الشرطة‭ ‬أن‭ ‬يغتصب‭ ‬جارته،‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬صعبة‭ ‬المنال،‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬نيلية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اصطحبها‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬النهر‭ ‬شاهدًا‭ ‬وحيدًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعل‭.‬

في‭ ‬السينما‭ ‬العراقية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬التجارب‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬باسم‭ ‬االنهرب،‭ ‬كتبه‭ ‬وأخرجه‭ ‬فيصل‭ ‬الياسري‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬للكاتب‭ ‬محمد‭ ‬باكر‭ ‬السبع،‭ ‬وهي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬الصيادين،‭ ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الحياتي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬المواطنون‭ ‬في‭ ‬الصيد‭ ‬من‭ ‬البحيرات،‭ ‬أو‭ ‬البحار،‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬أحداثها‭ ‬عند‭ ‬البحر،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لم‭ ‬تتناول‭ ‬أبدًا‭ ‬موضوع‭ ‬أن‭ ‬الصيد‭ ‬مهنة‭ ‬أساسية‭ ‬لمن‭ ‬يقيمون‭ ‬على‭ ‬ضفتيه،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مآرب‭ ‬أخرى‭ ‬للنهر‭■