الدراما... بين الإبداع والضوابط الرقابية

الدراما... بين الإبداع والضوابط الرقابية

بدأت الأعمال الدرامية منذ زمن سحيق، وكان الإغريق من أوائل الذين أبدعوا في إنتاج المسرحيات التراجيدية والرومانسية، وفعل الرومان مثلهم.
وفي الزمن المعاصر، قدّمت المسارح في نيويورك ولندن وباريس، وغيرها من مدن رئيسية أعمالًا مسرحية متميزة تنوعت في سماتها، وإن كانت الدراما غالبة فيها. 
وانتقلت الدراما على مرّ الزمن من المسرح إلى السينما، ثم الأعمال التلفزيونية. شهدت الجماهير في مختلف دول العالم إنتاجات فيلمية أو مسلسلات تلفزيونية، وأصبح البعض منها من الأعمال الخالدة، حيث يتذكر الناس أعمالًا سينمائية أو تلفزيونية متميزة ربما أنتجت في ثلاثينيات القرن الماضي أو أربعينياته، ناهيك بالستينيات وما تلاها، من هذه الأعمال  «سيتزن كين» أو «ذهب مع الريح» أو «العرّاب» أو «الدكتور زيفاغو» وغيرها.

 

تمكّن‭ ‬العرب،‭ ‬أيضًا،‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬مسرحيات‭ ‬وأفلام‭ ‬وأعمال‭ ‬تلفزيونية‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متميز‭ ‬ونتاج‭ ‬أعمال‭ ‬إبداعية‭. ‬كانت‭ ‬البدايات‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ولبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬وانتقلت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬تونس‭ ‬والمغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬ثم‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬النشاط‭ ‬الفني،‭ ‬المسرحي‭ ‬بشكل‭ ‬مبدئي،‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ثم‭ ‬تسارعت‭ ‬وتيرته‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬وستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بعد‭ ‬بداية‭ ‬عصر‭ ‬النفط‭.‬

وانخرط‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكويتيين‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬المسرح‭ ‬والتلفزيون‭ ‬وإلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما‭ ‬السينما‭. ‬وبرز‭ ‬سعد‭ ‬الفرج‭ ‬وخالد‭ ‬النفيسي‭ ‬وعبدالحسين‭ ‬عبدالرضا‭ ‬وحياة‭ ‬الفهد‭ ‬وسعاد‭ ‬العبدالله‭ ‬وعائشة‭ ‬إبراهيم‭ ‬وغانم‭ ‬الصالح‭ ‬ومريم‭ ‬الغضبان‭ ‬ومريم‭ ‬الصالح،‭ ‬ولحق‭ ‬بهم‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬المسرح‭ ‬والفنون‭ ‬التلفزيونية‭.‬

 

الكويت‭ ‬والدراما

لكن،‭ ‬هل‭ ‬تطورت‭ ‬الدراما‭ ‬الكويتية‭ ‬بشكل‭ ‬مقنع،‭ ‬وبموازاة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬وبريطانيا؟‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شوطًا‭ ‬طويلًا‭ ‬أمام‭ ‬الكويتيين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬الرفيع‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬قد‭ ‬ازداد‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬كما‭ ‬تدفّق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والشابات‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بالمسرح‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬وبعض‭ ‬المحاولات‭ ‬السينمائية‭ ‬الجادة‭.‬

وكما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬العربية،‭ ‬فإن‭ ‬القصور‭ ‬البيّن‭ ‬والأساسي‭ ‬هو‭ ‬بالسيناريو‭ ‬وبالقدرة‭ ‬على‭ ‬تطويع‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬سينمائية‭ ‬أو‭ ‬تلفزيونية‭.‬

وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬تزايدت‭ ‬أعداد‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬ومحطات‭ ‬البث‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬مما‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬والكوميدية‭ ‬والحوارية‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬المتلقين‭ ‬قد‭ ‬تبدلت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬المتلقون‭ ‬يتمثلون‭ ‬بالمشاهدين‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬أو‭ ‬السينما‭ ‬أو‭ ‬المنازل‭ ‬أمام‭ ‬أجهزة‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬التلفزيون‭ ‬الحكومي‭ ‬الذي‭ ‬يحتكر‭ ‬البث‭ ‬والعرض‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬وقت‭ ‬المتابعين،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الإذاعة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تبثّ‭ ‬أعمالًا‭ ‬تمثيلية،‭ ‬فإن‭ ‬الأوضاع‭ ‬تبدلت‭ ‬كثيرًا‭ ‬منذ‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬الفضاء‭ ‬مفتوحًا‭ ‬أمام‭ ‬مختلف‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬المشاهدين‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالبث‭ ‬والالتقاط،‭ ‬وأصبح‭ ‬العرض‭ ‬واسعًا‭ ‬وكثيفًا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الطلب‭.‬

 

تحديات‭ ‬مهمة

أمام‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬ذات‭ ‬الأبعاد‭ ‬التقنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬فإن‭ ‬التحديات‭ ‬أصبحت‭ ‬مرعبة‭ ‬أمام‭ ‬المنتجين،‭ ‬وغنيّ‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬المشاهدين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬أصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬ذكاء‭ ‬وفطنة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬الفرز‭ ‬بين‭ ‬الجيّد‭ ‬والغثيث‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يُعرض‭ ‬من‭ ‬أعمال‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التكاليف‭ ‬المرتفعة‭ ‬لإنتاج‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬درامي‭ ‬أو‭ ‬كوميدي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬المعوقات‭ ‬أمام‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المنتجين‭. ‬

وشهدت‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬تراجعًا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وتعطّل‭ ‬قدرة‭ ‬شركات‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬أعمال‭ ‬درامية‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفائت‭.‬

لكن‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج،‭ ‬والكويت‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬مازالت‭ ‬تنتج‭ ‬أعمالًا‭ ‬تلقى‭ ‬قبولًا‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬البث‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬وتحصد‭ ‬إيرادات‭ ‬جيدة‭. ‬وهذه‭ ‬الأعمال‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬عدد‭ ‬منها‭ ‬تعاني‭ ‬الرتابة‭ ‬وفقر‭ ‬السيناريو‭ ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تتصل‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المنصرم‭ ‬مسلسل‭ ‬ادفعة‭ ‬القاهرةب‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬تجارب‭ ‬الطلبة‭ ‬والطالبات‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬الذين‭ ‬بعثوا‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬المصرية،‭ ‬كجامعتي‭ ‬القاهرة‭ ‬وعين‭ ‬شمس‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

هذه‭ ‬التجربة‭ ‬تستحق‭ ‬التوثيق‭ ‬سينمائيًّا‭ ‬وتلفزيونيًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية،‭ ‬لكنّ‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬للمراجعة‭ ‬والتدقيق‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬والتطورات‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬التلفزيون‭ ‬موجودًا‭ ‬بمصر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬معروفة‭ ‬آنذاك،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السيارات‭ ‬كانت‭ ‬أحدث‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬التي‭ ‬عُرضت،‭ ‬والتي‭ ‬يعود‭ ‬إنتاجها‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬المسلسل‭ ‬الرمضاني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متميزًا،‭ ‬لو‭ ‬ركّز‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬المصرية‭ ‬آنذاك‭ ‬والتحولات‭ ‬السياسية‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬الطلبة‭ ‬والطالبات‭ ‬القادمون‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬يتفاعلون‭ ‬معها،‭ ‬أخذًا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬التعاطف‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬والافتتان‭ ‬بشخصية‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬مبررات‭ ‬للمبالغات‭ ‬في‭ ‬افتعال‭ ‬علاقات‭ ‬غرامية‭ ‬أو‭ ‬تطرّف‭ ‬سياسي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أعمار‭ ‬الممثلين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مناسبة‭ ‬لطلبة‭ ‬التحقوا‭ ‬حديثًا‭ ‬بالجامعات‭ ‬لم‭ ‬تزد‭ ‬أعمارهم‭ ‬على‭ ‬العشرين‭ ‬عامًا‭.‬

 

نقلة‭ ‬نوعية

تعتمد‭ ‬الدراما‭ ‬الكويتية‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬محاور‭ ‬معلومة،‭ ‬مثل‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النفط،‭ ‬والظروف‭ ‬المعيشية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬عاناها‭ ‬المواطنون‭ ‬آنذاك‭. ‬

كذلك‭ ‬تطرقت‭ ‬إلى‭ ‬التحولات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مَنّ‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬بالثروة‭ ‬النفطية‭ ‬وعائدات‭ ‬مبيعات‭ ‬النفط‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1946‭. ‬كما‭ ‬ظلّت‭ ‬الدراما‭ ‬الكويتية‭ ‬تتطرق‭ ‬للمعضلات‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬الكويتيين‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬مصاهرة‭ ‬بسبب‭ ‬المواقف‭ ‬بشأن‭ ‬الأصول‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬والمستويات‭ ‬الطبقية‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أعمالًا‭ ‬ناقشت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الكويتيين‭ ‬والوافدين‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الأربعينيات‭ ‬وبداية‭ ‬الخمسينيات‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مهنية‭ ‬وحرفية‭ ‬عديدة‭. ‬

وهناك‭ ‬أعمال‭ ‬مسرحية‭ ‬وتلفزيونية‭ ‬وسينمائية‭ ‬أنتجت‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المتميزة،‭ ‬ومنها‭ ‬اعلى‭ ‬هامان‭ ‬يا‭ ‬فرعونب‭ ‬وادرب‭ ‬الزلقب‭ ‬واالكويت‭ ‬سنة‭ ‬ألفينب‭ ‬وأوبريت‭ ‬ابساط‭ ‬الفقرب‭ ‬ومسرحية‭ ‬اباي‭ ‬باي‭ ‬لندنب‭ ‬وفيلم‭ ‬ابس‭ ‬يا‭ ‬بحرب‭. ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬مثّلت‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الفنية‭ ‬والثقافية‭ ‬بالكويت،‭ ‬وتلقّت‭ ‬قبولًا‭ ‬واندهاشًا‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬الفنية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬مثل‭ ‬الراحلين‭ ‬زكي‭ ‬طليمات‭ ‬وحمدي‭ ‬فريد‭ ‬وغيرهما‭ ‬أدت‭ ‬أدوارًا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الحركتين‭ ‬المسرحية‭ ‬والفنية،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

كان‭ ‬المسرح‭ ‬طاغيًا‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬أوائل‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬البث‭ ‬التلفزيوني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬برعاية‭ ‬حكومية‭ ‬واهتمام‭ ‬لافت،‭ ‬أصبح‭ ‬المنتج‭ ‬الدرامي‭ ‬للتلفزيون‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الاهتمامات‭ ‬لدى‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭. ‬

وقد‭ ‬بدأت‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإنتاج‭ ‬المباشر‭ ‬لجهاز‭ ‬التلفزيون‭ ‬ذاته،‭ ‬وشارك‭ ‬فيها‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين،‭ ‬مثل‭ ‬عبدالحسين‭ ‬عبدالرضا‭ ‬وسعد‭ ‬الفرج‭ ‬وخالد‭ ‬النفيسي‭ ‬ومريم‭ ‬الغضبان‭ ‬ومريم‭ ‬الصالح‭ ‬وسعاد‭ ‬العبدالله‭ ‬وعائشة‭ ‬إبراهيم‭ ‬ومحمد‭ ‬المنصور‭ ‬ومنصور‭ ‬المنصور‭ ‬وغانم‭ ‬الصالح‭ ‬وعلي‭ ‬المفيدي‭ ‬وغيرهم‭. ‬

وقد‭ ‬استمر‭ ‬نمط‭ ‬الإنتاج‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الآليات‭ ‬لزمن‭ ‬طويل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبتكر‭ ‬المنتجون‭ ‬أساليب‭ ‬وآليات‭ ‬أخرى‭ ‬تحررهم‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬للأجهزة‭ ‬الحكومية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬توفّر‭ ‬الإمكانات‭ ‬للتعاقد‭ ‬مع‭ ‬التلفزيون‭ ‬لبثّ‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬مقابل‭ ‬تعويضات‭ ‬مالية‭ ‬جزيلة‭.‬

وكما‭ ‬سبق‭ ‬الإشارة،‭ ‬فإن‭ ‬الدراما‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬وتميّز‭ ‬المرحوم‭ ‬صقر‭ ‬الرشود‭ ‬ومسرحه،‭ ‬مسرح‭ ‬الخليج،‭ ‬بتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية‭.‬

وقدّمت‭ ‬مسرحيات‭ ‬مثل‭ ‬احفلة‭ ‬على‭ ‬الخازوقب‭ ‬واأبو‭ ‬جناح‭ ‬التبريزي‭ ‬وتابعه‭ ‬قفةب،‭ ‬التي‭ ‬شوهدت‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬وبلدان‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭. ‬وانتقل‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬التلفزيون،‭ ‬حديث‭ ‬العهد،‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بما‭ ‬دفع‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬مسلسلات‭ ‬وتمثيليات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬شدت‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬إلى‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬قنوات‭ ‬أخرى‭ ‬تنافس‭ ‬التلفزيون‭ ‬الحكومي‭. ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬مكّنت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والمخرجين‭ ‬من‭ ‬البروز‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الفنية‭ ‬واكتساب‭ ‬الشهرة‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬وخارجها،‭ ‬ودفعت‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬تلفزيونية‭ ‬خليجية‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬لاحقة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقدّم‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬المسرحي‭ ‬والتلفزيوني،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬السينمائي،‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

هذا‭ ‬التلاقح‭ ‬بين‭ ‬الأعمال‭ ‬الكويتية‭ ‬والخليجية‭ ‬أوجد‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬للأعمال‭ ‬الفنية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬حيث‭ ‬نلاحظ‭ ‬حضورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬للممثلين‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وعمان‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإنتاجات‭ ‬الكويتية،‭ ‬ويحصل‭ ‬العكس‭ ‬عندما‭ ‬نشاهد‭ ‬كويتيين‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬خليجية‭ ‬أخرى‭.‬

وربما‭ ‬ساعد‭ ‬تقارب‭ ‬اللهجات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬هذه‭ ‬المساحات،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬تشوهات‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المذكورة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تتطابق‭ ‬اللهجات،‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الإنتاج‭ ‬متعلقًا‭ ‬بحقب‭ ‬زمنية‭ ‬عتيقة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بالكويت‭ ‬أو‭ ‬ببلدان‭ ‬خليجية‭ ‬أخرى‭.‬

 

التسويق

هناك‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالدراما‭ ‬الكويتية‭ ‬والخليجية‭ ‬والعربية‭ ‬تتمثل‭ ‬بموضوع‭ ‬التسويق،‭ ‬حيث‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬الأعمال‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬إنتاجات‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مردّ‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬المشاهدين‭ ‬بمتابعة‭ ‬التلفزيون‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬وقضاء‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬أمام‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭.‬

بدأت‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬البث‭ ‬التلفزيوني‭ ‬تفي‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولذلك‭ ‬يبذل‭ ‬المنتجون‭ ‬جهدًا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقديم‭ ‬أعمال‭ ‬درامية‭ ‬خلال‭ ‬رمضان‭.‬

وتمكّنت‭ ‬مؤسسات‭ ‬إنتاجية‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الحكومية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصة‭ ‬بعد‭ ‬التزاحم‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وحجزت‭ ‬أوقاتاً‭ ‬لبثّ‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭.‬

هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬جنى‭ ‬منتجوها‭ ‬أموالًا‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬التعاقدات‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الأجهزة‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬جندت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬والفنيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬العلاقة،‭ ‬ومكّنتهم‭ ‬من‭ ‬جني‭ ‬ثمار‭ ‬مشاركاتهم‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬شابها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التشوهات،‭ ‬حيث‭ ‬تتكرر‭ ‬المواضيع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬وتتشابه‭ ‬أنماطها‭ ‬وحواراتها،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬محاولات‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬البث‭ ‬دفعت‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬أعمال‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬جودة‭ ‬درامية‭ ‬مفيدة،‭ ‬ولذلك‭ ‬تبرز‭ ‬ملاحظات‭ ‬مهمة‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الناقدين‭ ‬الجادين‭.‬

ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬هي‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحيط‭ ‬العربي،‭ ‬وعندما‭ ‬يتراجع‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وتتراجع‭ ‬الجودة‭ ‬في‭ ‬الأعمال،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬المهتمين‭ ‬بتطوير‭ ‬النشاط‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭.‬

وقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الدولة‭ ‬للسينما‭ ‬والأعمال‭ ‬التلفزيونية‭ ‬وحتى‭ ‬المسرح،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للديمومة‭. ‬وبذل‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬جهدًا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬قبل‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬وبعد‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لكنّ‭ ‬محاولات‭ ‬جني‭ ‬الأرباح‭ ‬سريعًا‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬نوعية‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الخمسين‭ ‬الماضية‭. ‬

ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أجور‭ ‬الممثلين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬وتكاليف‭ ‬الإنتاج‭ ‬دفعا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬التوقّف‭ ‬أو‭ ‬تقنين‭ ‬الأعمال،‭ ‬لذلك‭ ‬تراجعت‭ ‬الأعمال‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬مسلسلًا‭ ‬رمضانيًا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬40‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬السابق‭. ‬إذًا‭ ‬هناك‭ ‬تحدّ‭ ‬واضح‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬إنتاجية‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬وتطوير‭ ‬التسويق،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬نتائج‭ ‬مالية‭ ‬جيدة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬التقنية‭ ‬المتسارعة،‭ ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬ترشيد‭ ‬المنافسة‭ ‬وتطوير‭ ‬علاقات‭ ‬أفضل‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المنتجين‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الخليجية‭ ‬ومصر‭ ‬وسورية‭ ‬ولبنان،‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تناغم؟

كذلك‭ ‬تبقى‭ ‬مسألة‭ ‬اختيار‭ ‬المواضيع‭ ‬والقضايا‭ ‬المطروحة‭ ‬للمعالجة‭ ‬الدرامية‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬التحديات،‭ ‬ولذلك‭ ‬يتعيّن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬كتّاب‭ ‬سيناريو‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬تطويع‭ ‬الروايات‭ ‬وإنجاز‭ ‬حوارات‭ ‬لائقة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬المشاهدين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

 

‮«‬رمضان‮»‬‭ ‬والدراما

يمكن‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬قد‭ ‬خلق‭ ‬أوضاعًا‭ ‬غير‭ ‬اعتيادية،‭ ‬وكرّس‭ ‬إنتاج‭ ‬ثلاثين‭ ‬حلقة‭ ‬لتغطية‭ ‬أيام‭ ‬الشهر،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تطويل‭ ‬المسلسلات‭ ‬بلا‭ ‬مبررات‭ ‬مقنعة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬ألا‭ ‬يتجاوز‭ ‬العمل‭ ‬عشر‭ ‬حلقات‭ ‬أو‭ ‬بحدّ‭ ‬أقصى‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬حلقة‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القضايا‭ ‬والمواضيع‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬أصبحت‭ ‬معلومة‭ ‬لدى‭ ‬أغلبية‭ ‬المشاهدين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬طريقة‭ ‬العرض‭ ‬باتت‭ ‬مكررة‭. ‬ويطغى‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬الدرامي‭ ‬افتعال‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬شخصيات‭ ‬العمل،‭ ‬ومنها‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬والأبناء،‭ ‬أو‭ ‬خلافات‭ ‬الأم‭ ‬مع‭ ‬البنات،‭ ‬ومشاكل‭ ‬الإرث،‭ ‬أو‭ ‬الخلافات‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الزواج،‭ ‬وهذه‭ ‬أمور‭ ‬تكررت‭ ‬في‭ ‬مسلسلات‭ ‬رمضانية‭ ‬كويتية‭ ‬وخليجية‭.‬

وهنا‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬الحبكة‭ ‬أو‭ ‬السيناريو‭ ‬وضعف‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعزّز‭ ‬جودة‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬عندما‭ ‬تحوّل‭ ‬تلك‭ ‬الإنتاجات‭ ‬الأدبية،‭ ‬مثل‭ ‬الروايات،‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تلفزيونية‭ ‬أو‭ ‬سينمائية‭. ‬

ربما‭ ‬تطرق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬إلى‭ ‬قضايا‭ ‬سياسية‭ ‬وأمنية،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬بها‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬ومنها‭ ‬تزايد‭ ‬النشاط‭ ‬الإرهابي‭ ‬والتطرف‭ ‬الديني،‭ ‬أو‭ ‬قضايا‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية،‭ ‬ناهيك‭ ‬بمشكلات‭ ‬الفساد‭ ‬الإداري‭ ‬والسياسي‭.‬

هذه‭ ‬قضايا‭ ‬مهمة،‭ ‬وتستحق‭ ‬الطرح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيصال‭ ‬رسائل‭ ‬إيجابية‭ ‬بأهمية‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتعزيز‭ ‬السلام‭ ‬الأهلي‭ ‬وتكريس‭ ‬مفاهيم‭ ‬التسامح‭ ‬والديمقراطية‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عانت‭ ‬الشمولية‭ ‬والتشدد‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬الدينية‭ ‬والقومية‭ ‬وعدم‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

 

الرقابة

من‭ ‬أهم‭ ‬المعوقات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكالها‭ ‬وتنوّع‭ ‬آلياتها‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬الرقابة‭ ‬التي‭ ‬تتعرّض‭ ‬لها‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والإبداعية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭. ‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬هناك‭ ‬تابوهات‭ ‬أو‭ ‬محرّمات،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالدين‭ ‬أو‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭. ‬وقد‭ ‬تخطت‭ ‬الرقابة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬هذه‭ ‬المحرمات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حددت‭ ‬فئات‭ ‬عمرية‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الأعمال‭ ‬السينمائية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬إنتاجات‭ ‬فنية‭. ‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقرّ‭ ‬بأهمية‭ ‬الرقابة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يمكن‭ ‬للمتلقين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمار‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الأفلام‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنظمة‭ ‬الإنترنت‭ ‬والفضاء‭ ‬الإلكتروني؟‭ ‬ويمكن‭ ‬للمسؤولين‭ ‬المهتمين‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والبُعد‭ ‬عن‭ ‬الانحرافات‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬ضوابط‭ ‬معقولة‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬بمجمله‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬مساراته،‭ ‬بما‭ ‬يشوّه‭ ‬الحبكة‭ ‬الدرامية‭. ‬ويتعرّض‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمال‭ ‬لرقابة‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭ ‬يتحكّم‭ ‬بها‭ ‬المزاج‭ ‬الشخصي‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية،‭ ‬ولذلك‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لحماية‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التسلّط‭ ‬العشوائي‭.‬

 

خاتمة

مهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر،‭ ‬فإن‭ ‬الدراما‭ ‬العربية،‭ ‬ومنها‭ ‬الخليجية‭ ‬والكويتية،‭ ‬قطعت‭ ‬شوطًا‭ ‬طويلًا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وتكرّست‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أنشطة‭ ‬مهمة‭ ‬وإنتاجات‭ ‬من‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬وتزايدت‭ ‬أعداد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬من‭ ‬ممثلين‭ ‬ومخرجين‭ ‬ومنتجين‭ ‬وكتّاب‭ ‬سيناريو‭ ‬ومصورين،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬المهنية‭ ‬اللائقة‭ ‬لهم،‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدراتهم‭ ‬الإبداعية‭. ‬

ولن‭ ‬تسنح‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الإمكانات‭ ‬للارتقاء‭ ‬بأعمالهم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬الملائمة‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬أنشطتهم‭ ‬وتحفزهم‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬يوفّر‭ ‬المناخات‭ ‬المواتية‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬أهمية‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬التعسّف‭ ‬الرقابي،‭ ‬وتأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬التطرق‭ ‬لمختلف‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحياتية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوعية‭ ‬التي‭ ‬تستحقها‭ ‬مختلف‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمنتمية‭ ‬لمختلف‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ■