المالطية اللهجة العربية الأوربية

المالطية  اللهجة العربية الأوربية

منذ أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، شرعَ بعض اللغويين المالطيِّين في البحث عن جذور لغتهم، المتميزة بانتمائها إلى أُسرة اللغات السامية الحامية، على خلاف كل باقي اللغات الأوربية، الهندوأوروبية الأسرة، وعلى رأسهم الأب آجيوس دي سولدانيس وميكائيل فازالي، اللذان تابع ثانيهما الأولَ في ردِّ اللغة المالطية إلى جذور اللغة القرطاجية البونيقية المنقرضة. غير أن خبير اللغات السامية فِلهلم جيزينيوس لم يرَ أدنى شك في أن المالطية ترجع إلى أصول لغوية عربية محضة، وهو أمر لايزالُ باديًا للعيان في المالطية الحديثة بشكل لا يقبل افتراضَ غيره. وقد سار خلف هذا الاتجاه التأثيلي لغويون كثر من أمثال جيوفاني ليوني، وصمويل كيتشيل، وميكائيل فان بريتين، وألتاناسيوس كيرتشر، ثم شيخ اللغويين العرب أحمد فارس الشدياق. ومن الموافقات أن كيرتشر والشدياق كليهما أقاما بجزيرة مالطا ردحًا من الزمن، مما أتاح لهما أن يخبرا لغتها أعمقَ خبرة.

 

قبل‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬المالطية‭ ‬نفسِها‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬المسح‭ ‬الاعلامي‭ ‬الجغرافي‭ (‬الطوبونيمي‭) ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬أنجزه‭ ‬المؤرخ‭ ‬المالطي‭ ‬جودْفرِي‭ ‬ويتينجر،‭ ‬صاحبُ‭ ‬كتاب‭ ‬اأسماء‭ ‬الأماكن‭ ‬في‭ ‬الجُزر‭ ‬المالطيةب‭ (‬2000‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬أحصى‭ ‬بأرخبيل‭ ‬مالطا‭ ‬وجزرها‭ ‬المجاورة‭ ‬بضعةَ‭ ‬آلاف‭ ‬اسم‭ ‬عربيٍّ‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الأماكن‭ ‬والقرى‭ ‬والتضاريس‭ ‬والأعلام‭ ‬الأخرى،‭ (‬كمدينة‭ ‬Mdina،‭ ‬ورباط‭ ‬Rabat،‭ ‬وناظور‭ ‬Nadur،‭ ‬وقلعة‭ ‬Qalaص،‭ ‬ومَرسى‭ ‬Marsa،‭ ‬وواد‭ ‬العين‭ ‬Wied il-Ghajn،‭ ‬ومصيدة‭ ‬Msida،‭ ‬ومليحة‭ ‬Mellieha،‭ ‬والجنينة‭ ‬il-Gnejna‭...)‬،‭ ‬مع‭ ‬العِلم‭ ‬بأن‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الأرخبيل‭ ‬انتهى‭ ‬منذ‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬13م،‭ ‬حيث‭ ‬امتد‭ ‬من‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬لمالطا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬حكام‭ ‬تونس‭ ‬الأغالبة‭ ‬عام‭ ‬256هـ‭/‬869م،‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬646هـ‭/‬1249م،‭ ‬حين‭ ‬أجْلى‭ ‬النورمانُ‭ ‬المسلمين‭ ‬منها‭ ‬نهائيًا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬أيديهم‭ ‬سنة‭ ‬482هـ‭/‬1090م‭. ‬وما‭ ‬هذه‭ ‬الوفرة‭ ‬المذهلة‭ ‬بالألوف‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الأعلام‭ ‬العربية‭ ‬إلا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬عراقة‭ ‬الانتماء‭ ‬العروبيِّ‭ ‬للمكان‭ ‬وأهلِه‭ ‬ولغتِه‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬وهو‭ ‬المَلمح‭ ‬البارز‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تمْحُه‭ ‬قرونٌ‭ ‬طوالٌ،‭ ‬تعاقب‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬الجزيرة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الفينيقيين‭ ‬والقرطاجيين‭ ‬والرومان،‭ ‬وعمل‭ ‬المسلمون‭ ‬والعرب‭ ‬على‭ ‬تثبيته‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬سيادتهم،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬النورمان‭ ‬ولا‭ ‬افرسان‭ ‬القديس‭ ‬يوحناب‭ ‬الصليبيون‭ ‬بَعدهم‭ ‬محوَه‭ ‬رغم‭ ‬عدائهم‭ ‬الشديد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إسلامي‭ ‬الطابع،‭ ‬ولا‭ ‬الاحتلالُ‭ ‬الأراغوني‭ ‬والفرنسي‭ ‬النابوليوني‭ ‬والإنجليزي‭ ‬بعدهما‭.‬

 

فـرع‭ ‬مـن‭ ‬دوحـة‭ ‬العربيـة

استهلَّ‭ ‬الشدياق‭ ‬فصلَ‭ ‬الغة‭ ‬أهل‭ ‬مالطةب‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬االواسطةُ‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬أهل‭ ‬مالطةب‭ ‬بقوله‭: ‬ااِعلمْ‭ - ‬صانكَ‭ ‬اللهُ‭ ‬عن‭ ‬الزلل،‭ ‬وسدَّدك‭ ‬إلى‭ ‬صواب‭ ‬القول‭ ‬والعمَل‭ ‬ذ‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬المالطية‭ ‬فرْعٌ‭ ‬من‭ ‬دوحة‭ ‬العربية،‭ ‬وشِيصةٌ‭ ‬من‭ ‬تَمرهاب‭. ‬وهكذا‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬الشدياق‭ ‬المالطية‭ ‬لغة‭ ‬مستقلة،‭ ‬ولكنها‭ ‬مجرَّد‭ ‬لهجة‭ ‬عربية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬العاميات‭ ‬العربية‭ ‬مشرقًا‭ ‬ومغربًا‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬سيدرُس‭ ‬المالطية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬النواحي‭ ‬اللغوية‭ ‬درسَ‭ ‬اللسانيِّ‭ ‬المنهجي‭ ‬المتخصص‭ ‬هو‭ ‬أحمد‭ ‬طلعت‭ ‬سليمان،‭ ‬الذي‭ ‬قدَّم‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬االلغة‭ ‬المالطية‭ ‬وأصولها‭ ‬العربية‭: ‬دراسةٌ‭ ‬مقارِنةب‭ ‬وصفًا‭ ‬مستفيضًا‭ ‬شاملًا‭ ‬لجميع‭ ‬المستويات‭ ‬اللغوية،‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬وتشكلاته،‭ ‬إلى‭ ‬الصرف‭ ‬وأوزانه‭ ‬وصيَغه،‭ ‬إلى‭ ‬النحو‭ ‬والنظم‭ ‬وتراكيبهما،‭ ‬إلى‭ ‬الدلالة،‭ ‬خالصًا‭ ‬إلى‭ ‬قوله‭: ‬امن‭ ‬الثابت‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬المالطية‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬فصيلة‭ ‬اللغات‭ ‬السامية‭ ‬إذا‭ ‬اعتبرناها‭ ‬لغة‭ ‬مستقلة‭ ‬بذاتها،‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬لهجة‭ ‬عربية،‭ ‬باعتبار‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬صِلات‭ ‬تشبه‭ ‬الصلات‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ولهجاتها‭ ‬المختلفةب‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬نماذج‭ ‬تمثيلية‭ ‬لهذا‭ ‬الشبه،‭ ‬والمالطية‭ ‬كلها‭ ‬نماذج،‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الخصائص‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬هاته‭ ‬اللهجة،‭ ‬والتي‭ ‬تشبه‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬اللهجات‭ ‬العربية‭ ‬المغاربية‭ ‬المجاورة‭ ‬لمالطا،‭ ‬مع‭ ‬خصوصيات‭ ‬محلية‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬هاته‭ ‬الخصائص‭ ‬الصوتية‭ ‬سقوطُ‭ ‬الهمزة‭ ‬تسهيلًا‭ (‬مثل‭ ‬يأمر‭ = ‬يامر‭ ‬Yàmar‭) ‬أو‭ ‬حذفًا‭ (‬أحَدٌ‭ = ‬حَد‭ ‬Hadd‭)‬،‭ ‬ونطقُ‭ ‬هاء‭ ‬الضمير‭ ‬المذكر‭ ‬المفرد‭ ‬كالواو‭ (‬خَلَقَهُ‭ = ‬خلقو‭ ‬Halqu‭)‬،‭ ‬ونطق‭ ‬الخاء‭ ‬ضعيفة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬قلبها‭ ‬هاء‭ ‬كالمثال‭ ‬السابق،‭ ‬ونطق‭ ‬القاف‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬الهمزة‭ (‬وقت‭ = ‬Waqt‭)‬،‭ ‬ونطق‭ ‬الحاء‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬بين‭ ‬الحاء‭ ‬والهاء،‭ ‬ونطق‭ ‬الضاد‭ ‬دالا،‭ ‬والطاء‭ ‬تاء،‭ ‬وسقوط‭ ‬الأصوات‭ ‬بين‭ ‬الأسنانية‭ ‬كالثاء‭ ‬والذال‭ (‬ثَلج‭ = ‬سِلج‭ ‬Silg،‭ ‬وذئب‭ = ‬دِيب‭ ‬Dib‭)‬،‭ ‬وكسرُ‭ ‬أداة‭ ‬الفعل‭ ‬المضارع‭ ‬دوما‭ (‬أشتاق‭ ‬ونَشتاق‭ = ‬نِشتاق‭ ‬Nixtaq‭)‬،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬المتكلم‭ ‬المفرد‭ ‬بنون‭ ‬المضارعة‭ ‬التي‭ ‬للجماعة،‭ ‬كالمثال‭ ‬السابق،‭ ‬والإمالةُ‭ ‬الشائعة‭ ‬شيوعا‭ ‬واسعا‭ ‬بين‭ ‬المالطيين،‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرها‭ ‬الشدياق‭ ‬امن‭ ‬فظاعة‭ ‬لحنهم‭ ‬الذي‭ ‬يُستعاذ‭ ‬منه،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ ‬للتفاح‭ ‬تُفِّيح،‭ ‬وللرمان‭ ‬رُمِّينب‭!‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الشدياق‭ ‬سجَّل‭ ‬بالمقابل‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بقوله‭ ‬اممَّا‭ ‬بقي‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ ‬فصيح‭ ‬العربيةب،‭ ‬ومنه‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تسميتُهم‭ ‬للمولِّدة‭ ‬اقابِلةب،‭ ‬وللرهان‭ ‬امخاطَرةب،‭ ‬وللعلية‭ ‬اغرفةب،‭ ‬وألفاظٌ‭ ‬أخرى‭ ‬كـ‭ ‬اصديدب‭ ‬وابطحاءب‭ ‬وابداليب‭ ‬بمعنى‭ ‬عنَّ‭ ‬لي،‭ ‬وايُماريب‭ ‬بمعنى‭ ‬لا‭ ‬يَقنع‭ ‬بالحق،‭ ‬واتجالدواب‭ ‬وهو‭ ‬أفصحُ‭ ‬من‭ ‬اتعاركواب،‭ ‬وابوقالب‭ ‬وهي‭ ‬أفصح‭ ‬من‭ ‬اشربةب‭ ‬أو‭ ‬انعارةب،‭ ‬واسفودب‭ ‬وهي‭ ‬أفصح‭ ‬من‭ ‬اسِيخب‭... ‬ومن‭ ‬قواعد‭ ‬المالطية‭ ‬الجارية‭ ‬على‭ ‬القياس‭ ‬الفصيح‭ ‬أيضا‭ ‬ضمُّهم‭ ‬الحرف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬الثلاثية‭ ‬المبدوءة‭ ‬بضم،‭ ‬كـ‭ ‬اشُغُلب‭ ‬واعُمُرب،‭ ‬وكسرُهم‭ ‬ثاني‭ ‬المبدوء‭ ‬بكسر،‭ ‬كـ‭ ‬ارِجِلب‭ ‬واعِجِلب؛‭ ‬وكذا‭ ‬تعبيرهم‭ ‬باسم‭ ‬الفاعل‭ ‬عن‭ ‬المصدر،‭ ‬كقولهم‭: ‬اعملتُه‭ ‬بالواقفة‭ ‬أو‭ ‬بالقاعدةب،‭ ‬أي‭ ‬وقوفا‭ ‬أو‭ ‬قُعودا،‭ ‬وهو‭ ‬فصيح؛‭ ‬وتوسُّعهم‭ ‬في‭ ‬المجاز‭ ‬كقولهم‭ ‬اوَحَلَب‭ ‬بمعنى‭ ‬وقعَ‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬صعبٍ،‭ ‬لأن‭ ‬أصل‭ ‬اوحلب‭ ‬هو‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الوَحَلِ،‭ ‬وكتسميتهم‭ ‬المتسوِّل‭ ‬بـ‭ ‬االطَّلَّابب،‭ ‬وأصلُه‭ ‬من‭ ‬الطلب،‭ ‬والقليلَ‭ ‬بـ‭ ‬االفتيتب،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬فتَّتَ‭ ‬الشيءَ،‭ ‬أي‭ ‬كسَّره‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭... ‬اوأشباهُ‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يُحوِج‭ ‬إلى‭ ‬برهانب‭.‬

وهكذا‭ ‬بقيت‭ ‬أغلب‭ ‬المكونات‭ ‬البنيوية‭ ‬للمالطية‭ ‬عربية،‭ ‬ولم‭ ‬يَظهر‭ ‬التطور‭ ‬الحديث‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬يسيرة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المُعجم‭ ‬الذي‭ ‬استقبل‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬الصٍّقِلية‭ ‬والإيطالية‭ ‬والإنجليزية،‭ ‬ورصَّها‭ ‬بجانب‭ ‬العربية،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬بدعًا‭ ‬من‭ ‬سنن‭ ‬التطور‭ ‬اللغوي،‭ ‬ومما‭ ‬وقع‭ ‬لكافة‭ ‬العاميات‭ ‬العربية‭ ‬نفسِها؛‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬جمعهم‭ ‬مثلًا‭ ‬بين‭ ‬اطيِّبب‭ ‬العربية‭ ‬واكراتسيب‭ (‬أي‭ ‬شكرًا‭) ‬الإيطالية‭ ‬في‭ ‬جوابهم‭ ‬من‭ ‬سألهم‭: ‬كيف‭ ‬أنت؟‭ (‬kif intت‭?) ‬بقولهم‭ ‬اطيِّب،‭ ‬كراتسيب،‭ (‬tajjeb‭, ‬grazzi‭). ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬الشدياق‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بالمالطية‭ ‬من‭ ‬ألفاظ‭ ‬عربية‭ ‬مأنوسة‭ ‬وغير‭ ‬مأنوسة‭ ‬يبلغ‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬اوهو‭ ‬قدْر‭ ‬كافٍ‭ ‬في‭ ‬المحاورات‭ ‬للإفصاح‭ ‬عما‭ ‬في‭ ‬الخاطرب‭. ‬

ومن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬لفظ‭ ‬الجلالة‭ ‬نفسَه‭ ‬االلهب‭ ‬قد‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬المالطية‭ ‬رغم‭ ‬تديُّن‭ ‬كافة‭ ‬أهلها‭ ‬بالنصرانية؛‭ ‬فقد‭ ‬أحصى‭ ‬أحمد‭ ‬سليمان‭ ‬ثلاثًا‭ ‬وسبعين‭ ‬حكمة‭ ‬مالطية‭ (‬أقوال‭ ‬مالطية‭) ‬يُشكِّل‭ ‬اشALLAب‭ ‬بؤرتها‭ ‬الدلالية،‭ ‬كقولهم‭ ‬اGhin runek biex‭ ‬شALLA‭ ‬yghinekب‭ (‬عِينْ‭ ‬روحَك‭ ‬باش‭ ‬الله‭ ‬يعينك،‭ ‬أي‭ ‬أعِنْ‭ ‬نفسَك‭ ‬ليُعينك‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬وقولهم‭ ‬اصALLA yaghlaq bieb u yiftah‭ ‬miya ohraب‭ (‬الله‭ ‬يُغلق‭ ‬بابا‭ ‬ويفتح‭ ‬مئة‭ ‬أخرى‭)... ‬هذا،‭ ‬وقد‭ ‬تُرجمت‭ ‬إلى‭ ‬المالطية‭ ‬معاني‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أخيراً،‭ ‬وذلك‭ ‬تلبية‭ ‬لمن‭ ‬أسلم‭ ‬وجهه‭ ‬لله‭ ‬من‭ ‬المالطيين‭ ‬حديثًا،‭ ‬وكذا‭ ‬للجالية‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلتها‭ ‬ترجمة‭ ‬معنى‭ ‬اإياك‭ ‬نعبد،‭ ‬وإياك‭ ‬نستعينب‭ ‬بـ‭ ‬Lilek biss inqimu‭, ‬u lilek biss‭ ‬nitolbu l-ghajnuna‭ ‬الِيلك‭ ‬بسْ‭ ‬نقيم،‭ ‬وليلك‭ ‬بس‭ ‬نطلب‭ ‬العَيْنونةب،‭ ‬أي‭ ‬لكَ‭ ‬فقط‭ ‬نُقيم‭ ‬االعبادةَب،‭ ‬ومنك‭ ‬وحدك‭ ‬نطلب‭ ‬الإعانة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬المالطيين‭ ‬يستعملون‭ ‬للدلالة‭ ‬عليها‭ ‬لفظ‭ ‬االعيْنونةب‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬االفَعلولةب‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬هاته‭ ‬اللفظة‭ ‬لم‭ ‬ترِد‭ ‬في‭ ‬الفصحى‭ ‬نفسِها،‭ ‬وهذه‭ ‬قرينة‭ ‬من‭ ‬القرائن‭ ‬التي‭ ‬ترجح‭ ‬قول‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬بكون‭ ‬المالطية‭ ‬لغة‭ ‬عُروبية‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وليست‭ ‬وافدة‭ ‬على‭ ‬الجزيرة‭ ‬مع‭ ‬الفتح‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭.‬

 

تقصيـر‭ ‬العـرب‭ ‬والمالطييـن

رغم‭ ‬انقطاع‭ ‬الصلات‭ ‬بين‭ ‬مالطا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬قرونًا‭ ‬ممتدة‭ ‬منذ‭ ‬جلاء‭ ‬العرب‭ ‬عنها،‭ ‬مقابل‭ ‬انفتاحها‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬أوربا،‭ ‬ورغم‭ ‬شفهية‭ ‬المالطية‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬1750م،‭ ‬حين‭ ‬هندس‭ ‬سولدانيس‭ ‬السابق‭ ‬ذِكرُه‭ ‬كتابتَها‭ ‬بالحرف‭ ‬اللاتيني،‭ ‬فقد‭ ‬بقيت‭ ‬البنية‭ ‬اللغوية‭ ‬العربيةُ‭ ‬سِمَتَها‭ ‬البارزة،‭ ‬ونجحت‭ ‬هذه‭ ‬السمة‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬والانتقال‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال؛‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬ومقاومة‭ ‬عناصر‭ ‬الفناء‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يفسِّر‭ ‬شكيب‭ ‬أرسلان‭ ‬بقاءَ‭ ‬عربيةِ‭ ‬المالطية‭ ‬مقابل‭ ‬انقراضها‭ ‬من‭ ‬صقلية‭ ‬القريبةِ‭ ‬منها،‭ ‬وكذا‭ ‬من‭ ‬سردينية‭ ‬والأندلس،‭ ‬بأن‭ ‬أصل‭ ‬هذه‭ ‬الجزائر‭ ‬والبلدان‭ ‬لاتينيٌّ،‭ ‬افلما‭ ‬تقلَّص‭ ‬ظِلُّ‭ ‬العرب‭ ‬عنها‭ ‬رجعتْ‭ ‬إلى‭ ‬لغتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬وانقرض‭ ‬العربيُّ‭ ‬منها‭ ‬بالكلية‭. ‬فأما‭ ‬مالطة‭ ‬فلغتها‭ ‬الأصلية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لاتينية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬فينيقية،‭ ‬وهي‭ ‬أخت‭ ‬العربية،‭ ‬فلما‭ ‬جاءتهم‭ ‬العربية‭... ‬كانت‭ ‬كأنها‭ ‬نزلت‭ ‬في‭ ‬وطنها،‭ ‬وثبتت‭ ‬فيه‭ ‬ثبوتا‭ ‬لم‭ ‬يزلزله‭ ‬خروج‭ ‬المسلمين‭ ‬منهاب‭.‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬هاته‭ ‬القرابة‭ ‬الوثيقة‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬الجزيرة‭ ‬ولغتُها‭ ‬بأي‭ ‬اهتمام‭ ‬رسمي‭ ‬عربي،‭ ‬علمي‭ ‬أو‭ ‬ثقافي،‭ ‬إذ‭ ‬يشكو‭ ‬زوار‭ ‬الجزيرة‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬للمراكز‭ ‬الثقافية‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬يشكون‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الترجمة‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬المالطية،‭ ‬باستثناء‭ ‬إنجازات‭ ‬فردية‭ ‬نادرة،‭ ‬مما‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصلات‭ ‬اللغوية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬ومما‭ ‬يفسِّر‭ ‬بقاء‭ ‬أثر‭ ‬من‭ ‬صليبية‭ ‬افرسان‭ ‬مالطاب‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬بعض‭ ‬المالطيين‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬تمامًا‭ ‬كبقاء‭ ‬رمز‭ ‬الصليب‭ ‬في‭ ‬عَلَم‭ ‬الجزيرة،‭ ‬كما‭ ‬يفسر‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬مطبوعات‭ ‬صحفية‭ ‬عربية‭ ‬فيها،‭ ‬وغياب‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬رسمي‭ ‬بحقبة‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬بخلاف‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمن‭ ‬تداول‭ ‬حُكمَها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬النصرانية‭ ‬الأخرى‭. ‬ولعل‭ ‬البادرة‭ ‬الإيجابية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬مالطا‭ ‬الأسبق‭ ‬دوم‭ ‬مِنتوف‭ ‬إجبارية‭ ‬تعلم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬المالطية‭ ‬لفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬بحكم‭ ‬ضرورتها‭ ‬اللغوية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والثقافية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الحكومات‭ ‬التالية،‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬لغوي‭ ‬وسياسي‭ ‬يشهد‭ ‬صراعًا‭ ‬إيطاليًا‭ ‬بريطانيًا‭ ‬محليًا‭ ‬متقاطبًا‭ ‬

دوم‭ ‬منتوف‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬مالطا‭ ‬الأسبق