السمكرة والخطوات الأولى نحو الاختراع

السمكرة والخطوات الأولى نحو الاختراع

قبل بدء الثورة الصناعية، كان على الناس معرفة كيف يقومون بكل شيء بأنفسهم، من التنقل من مكان إلى آخر، إلى حفظ أطعمتهم وتأمين غذائهم عن طريق الصيد أو الزراعة أو تربية المواشي، إلى بناء منازلهم وصناعة ملابسهم ومختلف أمورهم الحياتية الأخرى. ولكن مع التقدم الصناعي أصبحت تلك المعرفة تتراجع شيئًا فشيئًا، حتى وصلنا إلى عصرنا الحالي، حيث أصبح كل شيء يصلنا دون عناء يذكر، لاسيما مع ازدياد خدمات التوصيل إلى المنازل والتجارة عبر الإنترنت. ونتيجة لذلك ازداد انعدام ارتباط جيل اليوم بمصادر المنتجات التي يستهلكها وتقلصت معرفته بالموارد والجهد اللازمين لتأمين حتى احتياجاته الأساسية.

 

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النقص‭ ‬يشكل‭ ‬عقبة‭ ‬حقيقية‭ ‬أمام‭ ‬تنشئة‭ ‬جيل‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬المستقل‭ ‬وصناعة‭ ‬التغيير‭ ‬والثقة‭ ‬بأنه‭ ‬يمكنه‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬الأشياء‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬استهلاكها‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬فعلية‭ ‬تدفعهم‭ ‬نحو‭ ‬المبادرة‭ ‬للابتكار‭. ‬وقد‭ ‬كثر‭ ‬الحديث‭ ‬أخيرًا‭ ‬عن‭ ‬مهارة‭ ‬قديمة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬اختراعات‭ ‬عدة،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬السمكرة،‭ ‬أي‭ ‬العبث‭ ‬في‭ ‬الألعاب‭ ‬ومختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأجهزة‭ ‬وتفكيكها‭ ‬واستكشافها‭ ‬واختبارها،‭ ‬وهي‭ ‬الممارسة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أولى‭ ‬الخطوات‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الاختراع‭.‬

 

في‭ ‬أهمية‭ ‬السمكرة‭ ‬

‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬أصبحت‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والألواح‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬هي‭ ‬ألعاب‭ ‬الأطفال‭ ‬المفضلة،‭ ‬فسيطرت‭ ‬على‭ ‬عقولهم‭ ‬وشغلت‭ ‬أوقاتهم‭ ‬وأصبحت‭ ‬مرافقهم‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬مختلفًا‭ ‬تمامًا،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬فرانك‭ ‬كيل،‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬ييل‭ ‬الأمريكية‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬59‭ ‬عامًا،‭ ‬والذي‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭: ‬انشأنا‭ ‬أنا‭ ‬وأصدقائي‭ ‬ونحن‭ ‬نلعب‭ ‬في‭ ‬المرآب،‭ ‬حيث‭ ‬كنا‭ ‬نقوم‭ ‬بتصليح‭ ‬الأشياء،‭ ‬لكن‭ ‬أطفال‭ ‬اليوم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فقاعة‭ ‬إلكترونية‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬يعمل‭ ‬أي‭ ‬جهاز‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬شكله‭ ‬الخارجيب‭. ‬ويثني‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬ستيفن‭ ‬هوكينج،‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬الذي‭ ‬صرح‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬اإجابات‭ ‬قصيرة‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬كبيرةب،‭ ‬ليقول‭: ‬اعندما‭ ‬كنت‭ ‬فتى‭ ‬صغيرًا‭ ‬كنت‭ ‬مهتمًا‭ ‬بشغف‭ ‬بكيفية‭ ‬عمل‭ ‬الأشياء‭. ‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬كان‭ ‬أمرًا‭ ‬مألوفًا‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬تفكيك‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬ومعرفة‭ ‬الميكانيكا‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭. ‬ومع‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أنجح‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تجميع‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أفككها،‭ ‬لكنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬تعلمت‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فتى‭ ‬أو‭ ‬فتاة‭ ‬اليوم،‭ ‬حاول،‭ ‬هو‭ ‬أو‭ ‬هي،‭ ‬القيام‭ ‬بالشيء‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬إلكتروني‭ ‬مخصص‭ ‬لذلكب‭. ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬سيرة‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬المخترعين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬توماس‭ ‬أديسون،‭ ‬المعروف‭ ‬باعتباره‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المخترعين‭ ‬غزارة‭ ‬بالإنتاج‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬فهو‭ ‬مَن‭ ‬اخترع‭ ‬المصباح‭ ‬الكهربائي‭ ‬الأول‭ ‬ومسجل‭ ‬الاقتراع‭ ‬الآلي‭ ‬والبطارية‭ ‬الكهربائية‭ ‬للسيارة‭ ‬والطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬ومسجل‭ ‬الموسيقى‭ ‬وكاميرا‭ ‬الصور‭ ‬المتحركة،‭ ‬نجد‭ ‬أدلة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬السمكرة‭ ‬في‭ ‬حياته‭. ‬فعندما‭ ‬تم‭ ‬الحكم‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬بأنه‭ ‬تلميذ‭ ‬فاشل‭ ‬وغير‭ ‬مؤهل‭ ‬للتعلم،‭ ‬ولما‭ ‬اختارت‭ ‬والدته‭ ‬تعليم‭ ‬ابنها‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬قام‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العاشرة‭ ‬بإنشاء‭ ‬مختبر‭ ‬كيميائي‭ ‬في‭ ‬قبو‭ ‬البيت،‭ ‬حيث‭ ‬قضى‭ ‬وقته‭ ‬فيه‭ ‬وهو‭ ‬يختبر‭ ‬أشياء‭ ‬مختلفة‭ ‬بنفسه‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بفترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬كان‭ ‬مضطرًا‭ ‬لاتخاذ‭ ‬وظيفة‭ ‬لبيع‭ ‬الحلوى‭ ‬والصحف‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬أحد‭ ‬القطارات‭. ‬وهناك‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬شغفه،‭ ‬رغم‭ ‬عمله‭ ‬لساعات‭ ‬طويلة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أنشأ‭ ‬مختبرًا‭ ‬آخر‭ ‬لنفسه‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الخلفي‭ ‬من‭ ‬القطار،‭ ‬حيث‭ ‬تعلم‭ ‬رمز‭ ‬مورس‭ ‬وأصبح‭ ‬مشغل‭ ‬تلغراف‭ ‬ماهرًا‭. ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬المختبرات‭ ‬البسيطة،‭ ‬حيث‭ ‬انغمس‭ ‬أديسون‭ ‬في‭ ‬اللهو‭ ‬واستكشاف‭ ‬الأشياء‭ ‬بنفسه‭ ‬أوجد‭ ‬مساحة‭ ‬فعلية‭ ‬لاختبار‭ ‬أفكاره،‭ ‬وفيها‭ ‬استطاع‭ ‬استكشاف‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة‭ ‬والتخيل‭ ‬واللعب‭ ‬والحلم‭ ‬حتى‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬الاختراعات‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬العالم‭. ‬ويؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬السمكرة،‭ ‬أيضًا،‭ ‬جون‭ ‬غيرتينر،‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭: ‬امصنع‭ ‬الفكرة‭: ‬مختبرات‭ ‬بل‭ ‬والعصر‭ ‬العظيم‭ ‬للابتكار‭ ‬الأمريكيب‭ ‬الذي‭ ‬يخصص‭ ‬كتابه‭ ‬لاستكشاف‭ ‬مختبرات‭ ‬ابلب‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬معامل‭ ‬خاصة‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬مجالتالأبحاث‭ ‬والتي‭ ‬ينسب‭ ‬إليها‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬ومنها‭ ‬أشعةتالليزرتوالترانزيستور‭ ‬وتطويرتعلم‭ ‬الفلك‭ ‬الراديويت‭ ‬ومنظومةتالأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬وحساس‭ ‬ضوءتالكاميرات‭ ‬الرقميةتونظام‭ ‬تشغيلتيونكستولغات‭ ‬البرمجةتالسيتوالسي‭ ‬بلس‭ ‬بلس،توالتي‭ ‬حصلت‭ ‬إثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬تسع‭ ‬منتجوائز‭ ‬نوبلتتقديرًا‭ ‬لإنجازاتها‭. ‬أما‭ ‬النقطة‭ ‬الأساسية‭ ‬هنا‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬غيرتينز‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفيزيائيين‭ ‬والمساعدين‭ ‬التقنيين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المختبرات‭: ‬اقدرتهم‭ ‬الفريدة‭ ‬على‭ ‬تفكيك‭ ‬محركات‭ ‬السيارات‭ ‬أو‭ ‬أجهزة‭ ‬الراديو‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تركيبها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬القدرة‭ ‬هي‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬أشير‭ ‬إليه‭ ‬عندما‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬السمكرةب‭.‬

 

حركة‭ ‬الصنّاع‭ ‬ومحاولات‭ ‬

استرجاع‭ ‬ممارسة‭ ‬السمكرة

هناك‭ ‬اليوم‭ ‬وعي‭ ‬متزايد‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬افتقده‭ ‬جيل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مهارات‭ ‬وقدرات‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اكتسبها‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬العبث‭ ‬بالأشياء‭ ‬والقيام‭ ‬بتلك‭ ‬التصليحات‭ ‬البسيطة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬انطلقت‭ ‬حركة‭ ‬الصنّاع‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بالظهور‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أهدافها‭ ‬استرجاع‭ ‬مهارات‭ ‬أساسية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬التطبيقي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬النظري،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬تعليمية‭ ‬تكنولوجية‭ ‬وإبداعية‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬وكانت‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬مثيرة‭ ‬وواسعة‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬التعليم‭. ‬تقوم‭ ‬حركة‭ ‬الصناع‭ ‬بإنشاء‭ ‬نماذج‭ ‬أقل‭ ‬كلفة‭ ‬من‭ ‬اختراعات،‭ ‬مثل‭ ‬الطباعة‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‭ ‬والروبوتات‭ ‬والمعالجات‭ ‬الدقيقة‭ ‬والتقنيات‭ ‬القابلة‭ ‬للارتداء‭ ‬والمنسوجات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والمواد‭ ‬االذكيةب‭ ‬ولغات‭ ‬البرمجة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بمشاركة‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬والأفكار‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬لإنشاء‭ ‬مجتمع‭ ‬ابتكاري‭ ‬وتعاوني‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭. ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬الصنّاع‭ ‬أسست‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬النظرية‭ ‬البنائية‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬سيمور‭ ‬بابرت‭ ‬أستاذ‭ ‬الرياضيات‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬التعلم‭ ‬التجريبي،‭ ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬التعلم‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬بفعالية‭ ‬أكبر‭ ‬عندما‭ ‬ينشط‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أشياء‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭. ‬وأكثر‭ ‬مَن‭ ‬أدرك‭ ‬أهمية‭ ‬استرجاع‭ ‬ممارسة‭ ‬السمكرة‭ ‬أساتذة‭ ‬الهندسة‭ ‬الذين‭ ‬وجدوا‭ ‬أن‭ ‬طلاب‭ ‬اليوم‭ ‬أصبحوا‭ ‬يدخلون‭ ‬الكلية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الخبرة‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬قامت‭ ‬جامعة‭ ‬MIT‭ ‬الأميركية،‭ ‬أو‭ ‬معهد‭ ‬ماساتشوستس‭ ‬للتكنولوجيا،‭ ‬بإدخال‭ ‬فصول‭ ‬وأنشطة‭ ‬خارج‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬مكرسة‭ ‬لتفكيك‭ ‬مختلف‭ ‬الآلات‭ ‬والأجهزة‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تركيبها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتعليم‭ ‬الطلاب‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬تعلمها‭ ‬آباؤهم‭ ‬وأجدادهم‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬فراغهم‭.‬

 

هل‭ ‬تجاوز‭ ‬العالم‭ ‬الرقمي‭ ‬أهمية‭ ‬السمكرة؟

لكن‭ ‬ما‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الأمر؟‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭ ‬جعل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬الفنية‭ ‬قديمة‭ ‬وتجاوزها‭ ‬الزمن‭ ‬وإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬الأمر‭ ‬الآن‭ ‬معرفة‭ ‬عمل‭ ‬برامج‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬هي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬تصاميم‭ ‬هندسية‭ ‬ورسومات‭ ‬ومخططات‭ ‬لمختلف‭ ‬الماكينات‭ ‬والأجهزة‭. ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬الطلاب،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬التخصصات‭ ‬المعروفة‭ ‬بالـ‭ ‬STEM‭: ‬science،‭ ‬technology،‭ ‬engineering and mathأو‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والهندسة‭ ‬والرياضيات،‭ ‬مهارة‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬والتعرف‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬والنظم‭ ‬المادية‭ ‬التي‭ ‬يتعاملون‭ ‬معها،‭ ‬كما‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يتحلوا‭ ‬بالمرونة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭. ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬السمكرة‭ ‬تطور‭ ‬هذه‭ ‬المهارات‭ ‬بدقة،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬نشاطًا‭ ‬بدنيًا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬طريقة‭ ‬لتطوير‭ ‬الأفكار‭ ‬وترتيبها،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الخطوة‭ ‬التالية‭ ‬حتى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬التصميم‭ ‬الأولي‭ ‬أو‭ ‬النموذج‭ ‬المبدئي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬الخالص‭.‬

لذلك‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تشجيع‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬الانغماس‭ ‬مع‭ ‬ألعابهم‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬والسماح‭ ‬لهم‭ ‬بالعبث‭ ‬بها‭ ‬ليكون‭ ‬ذلك‭ ‬بمنزلة‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬لما‭ ‬سيواجهونه‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬العليا‭ ‬وفي‭ ‬دراستهم‭ ‬الجامعية‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬العمل‭. ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬تقتصر‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬على‭ ‬الأهل‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬إدخال‭ ‬السمكرة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬نفسه،‭ ‬مع‭ ‬التشديد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعليمات‭ ‬المنظمة‭ ‬والموجهة‭ ‬التي‭ ‬نربطها‭ ‬عادة‭ ‬بكل‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬نهجًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬ونشاطًا‭ ‬لطالما‭ ‬اعتبره‭ ‬المعلمون‭ ‬مضيعة‭ ‬للوقت،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬أساسه‭ ‬على‭ ‬العبث،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬السمكرة‭ ‬تحدث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬فضفاضة‭ ‬لتجربة‭ ‬الأشياء،‭ ‬ورؤية‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬والتأمل‭ ‬والتقييم،‭ ‬والمحاولة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬فهكذا،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة،‭ ‬حسب‭ ‬سيلفيا‭ ‬مارتينيز،‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬يحدث‭ ‬االتعلم‭ ‬الحقيقيب‭ ■