الروائي اليمني علي المقري: الترجمة وهمٌ يصيب الكثيرين من الأدباء العرب

الروائي اليمني علي المقري:  الترجمة وهمٌ يصيب الكثيرين من الأدباء العرب

روائي يمني بارز، معروف على الصعيدين العربي والعالمي، يقيم في باريس، ولد في 30 أغسطس (1966)، بدأ حياته الأدبية بكتابة الشعر، حيث أصدر: «نافذة للجسد» (1987)، و«ترميمات» (1999)، و«يحدث في النسيان» (2003). قالت له والدته يومًا: «ابتعد وتأمل»، فاتجه إلى الرواية، فأبدع، وأجاد، وتفرد، وترك بصمته الخاصة على منتجه وعلى إبداعه. من رواياته: «طعم أسود... رائحة سوداء» (2008)، «اليهودي الحالي» (2009)، «حرمة» (2012)، «بخور عدني» (2014)، وقد ترجمت إلى لغات مختلفة، وحصلت على جوائز شهيرة ومهمة. أحدث رواياته هي رواية «بلاد القائد»، صدرت في شهر يوليو الماضي، تأثر كثيرًا بالسير الشعبية المتداولة، مثل سيرة سيف بن ذي يزن، وأيضا كتب الحوليات في التاريخ العربي، ككتب الجاحظ، وابن الأثير، فضلًا عن اقترابه الشديد من فنون أخرى غير الأدب، كالفن التشكيلي، إذ ربطته علاقة قوية جداً بالفنان اليمني الكبير هاشم علي، الذي تعرف في بيته على كل الفنون في العالم، وذلك من خلال الكتالوجات والمخطوطات والكتب النادرة التي كانت موجودة في مكتبته.

 

‭●  ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬روائيًا،‭ ‬كتبت‭ ‬الشعر،‭ ‬حدثنا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬وتلك‭ ‬النقلة؟

‭- ‬حقيقة،‭ ‬لم‭ ‬أبحث‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وما‭ ‬سألتُ‭ ‬نفسي،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬التحوّل‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭. ‬ما‭ ‬أعرفه،‭ ‬أن‭ ‬السرد‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬قربًا‭ ‬إليّ،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬الشعر،‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حياتي‭ ‬الأدبية‭ ‬كتبتُ‭ ‬سردًا،‭ ‬وكنت‭ ‬أنوي‭ ‬أن‭ ‬أنشر‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬قبل‭ ‬نشري‭ ‬للشعر،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قراءتي‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السرد،‭ ‬وبالذات‭ ‬الحكايات‭ ‬والسير‭ ‬الشعبية‭. ‬لهذا،‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬السرد،‭ ‬أو‭ ‬الرواية‭ ‬بالذات،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بعيدة‭ ‬عني‭ ‬حتى‭ ‬أذهب‭ ‬إليها‭. ‬وبالتأكيد،‭ ‬فإن‭ ‬اشتغالي‭ ‬بها‭ ‬كتابة‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬جاء‭ ‬تلبية‭ ‬لهواجسي‭ ‬الخاصة،‭ ‬وقراءاتي‭ ‬لما‭ ‬حولي‭ ‬من‭ ‬عوالم‭ ‬وأشياء،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التعامل‭ ‬معها،‭ ‬كما‭ ‬بدا‭ ‬لي،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرواية‭.‬

‭●  ‬روايتك‭ ‬الأولى‭ ‬‮«‬طعم‭ ‬أسود‭... ‬رائحة‭ ‬سوداء‮»‬،‭ ‬تقدم‭ ‬صورًا‭ ‬اجتماعية‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬المنبوذين‭ ‬والمهمشين‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬وعن‭ ‬واقع‭ ‬مأساوي‭ ‬يعج‭ ‬بالفقر‭ ‬والظلم‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والقسوة،‭ ‬ما‭ ‬أهم‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬أردت‭ ‬توصيلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العمل؟

ــ‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أنني‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أوصل‭ ‬أو‭ ‬أوجه‭ ‬رسالة‭ ‬ما،‭ ‬في‭ ‬تناولي‭ ‬لعالم‭ ‬االأخدامب،‭ ‬كما‭ ‬يسمّون،‭ ‬وهم‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬ما‭ ‬أردته‭ ‬هو‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬همّشت‭ ‬طويلًا،‭ ‬وتكاد‭ ‬أن‭ ‬تنقرض‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬بسبب‭ ‬الممارسات‭ ‬العنصرية‭ ‬ضدها‭. ‬فهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬العبودية،‭ ‬فالعبد‭ ‬له‭ ‬حقوق‭ ‬بموجب‭ ‬عقود‭ ‬بيع‭ ‬وشراء،‭ ‬أمّا‭ ‬هؤلاء‭ ‬فليس‭ ‬لهم‭ ‬أية‭ ‬حقوق،‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهم‭ ‬كمواطنين‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يستغلون‭ ‬أصواتهم‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الانتخابية‭. ‬أردتُ‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬أن‭ ‬أقترب‭ ‬من‭ ‬جماليات‭ ‬عيشهم،‭ ‬وتمرّدهم،‭ ‬وفنونهم،‭ ‬رغم‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية‭ ‬القاهرة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬لا‭ ‬حدودي،‭ ‬كعالمهم‭ ‬العصي‭ ‬على‭ ‬التدجين‭ ‬والقولبة‭.‬

‭●  ‬كنتَ‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬الصحافة‭ ‬اليسارية‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬برأيك،‭ ‬هل‭ ‬أثرى‭ ‬المجال‭ ‬الصحفي‭ ‬ذائقتك‭ ‬كمبدع؟

‭- ‬بالتأكيد،‭ ‬فالعمل‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الثقافية‭ ‬يتطلب‭ ‬المتابعة‭ ‬الدائمة‭ ‬للنشاطات‭ ‬الثقافية‭ ‬الجديدة،‭ ‬فتقرأ‭ ‬الكتاب‭ ‬وتشاهد‭ ‬الفيلم‭ ‬والمعرض‭ ‬التشكيلي‭ ‬وتسمع‭ ‬الموسيقى،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬الذائقة‭. ‬ومن‭ ‬الصحافة‭ ‬عمومًا،‭ ‬تتعلّم‭ ‬كيف‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬القصّة‭ ‬الإخبارية،‭ ‬وكيف‭ ‬تركِّز‭ ‬على‭ ‬المهم‭ ‬فيها‭. ‬وفي‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬والتحقيقات‭ ‬الصحافية‭ ‬تفتح‭ ‬عينيك‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬المشهد،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تراه،‭ ‬وتنقل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلاحظه‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭. ‬الكتابة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها،‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬مجال،‭ ‬عمل‭ ‬تدريبي‭ ‬مستمر‭ ‬والتوقف‭ ‬عنها‭ ‬يصيب‭ ‬الكاتب‭ ‬بالترهل،‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬جُملة‭ ‬أو‭ ‬فقرة‭.‬

 

محنة‭ ‬الكتَّاب‭ ‬العرب

‭●  ‬في‭ ‬روايتك‭ ‬‮«‬حرمة‮»‬،‭ ‬تناولت‭ ‬إشكاليات‭ ‬عديدة‭ ‬تخص‭ ‬المرأة،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إليها‭ ‬أحد‭ ‬مثلك‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬بهذه‭ ‬الجرأة،‭ ‬لماذا‭ ‬الحرية‭ ‬تبدو‭ ‬مهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكاتب؟

‭- ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬ينجز‭ ‬عمله‭ ‬الإبداعي‭ ‬بالشكل‭ ‬المتميز‭ ‬وهو‭ ‬محاصر‭ ‬بالقيود‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المنع‭ ‬والمصادرة‭. ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فكل‭ ‬كاتب‭ ‬صار‭ ‬بداخله‭ ‬رقيب‭ ‬برتبة‭ ‬عقيد‭ ‬أو‭ ‬أكبر،‭ ‬بسبب‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬الحرّيات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فهناك‭ ‬عشرات‭ ‬القنوات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بموجبها‭ ‬مراقبة‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬عادة‭ ‬الاحتفاء‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬سوى‭ ‬بالكتب‭ ‬الطيّعة،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تدجين‭ ‬أصحابها،‭ ‬ضمن‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدعاية‭ ‬الرسمية‭. ‬أنا‭ ‬لستُ‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬معظم‭ ‬الكُتّاب‭ ‬العرب،‭ ‬وإن‭ ‬صرت‭ ‬أعيش‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬فما‭ ‬زلت‭ ‬أكتب‭ ‬بلغة‭ ‬عربية،‭ ‬إلى‭ ‬قارئ‭ ‬عربي‭.‬

‭●  ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬وأنت‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬تتكيف‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬العريقة،‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬أضافته‭ ‬لك،‭ ‬ولماذا‭ ‬اخترت‭ ‬باريس‭ ‬بالتحديد؟‭ ‬

‭- ‬لا‭ ‬يعيش‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مدينة،‭ ‬حسب‭ ‬المفهوم‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬للمدينة،‭  ‬فالحياة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬بمثابة‭ ‬حياة‭ ‬مضاعفة،‭ ‬أو‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬لكاتب‭ ‬مثلي‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬يوم‭ ‬أنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مدينة‭. ‬ما‭ ‬زلتُ‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬أشعر‭ ‬بأنني‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬كأنني‭ ‬أعيش‭ ‬لأوّل‭ ‬مرة‭. ‬مع‭ ‬أن‭ ‬هواجسي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مرتبطة‭ ‬باليمن،‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬دمّرها‭ ‬المتحاربون‭.‬

‭●  ‬أعمالك‭ ‬الروائية،‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬قوبلت‭ ‬نقديًا‭ ‬بما‭ ‬تستحقه؟

‭- ‬نعم،‭ ‬أظن‭ ‬ذلك‭. ‬فهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬والدراسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬التي‭ ‬تناولتها،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مستوياتها‭ ‬ووجهاتها‭.‬

 

‭●  ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك،‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يحتاجه‭ ‬اليمن‭ ‬كي‭ ‬ينهض‭ ‬ثقافياً‭ ‬وفكرياً؟

‭- ‬ما‭ ‬كنّا‭ ‬نقوله‭ ‬عن‭ ‬احتياجات‭ ‬اليمن‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بالإمكان‭ ‬قوله‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬الحرب،‭ ‬فما‭ ‬يحتاجه‭ ‬اليمن‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬وتنتهي‭ ‬المغامرات‭ ‬الانقلابية،‭ ‬والرغبات‭ ‬الأحادية‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬ومع‭ ‬استقرار‭ ‬البلد‭ ‬وأمنها،‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬بعدها‭ ‬عن‭ ‬احتياجات‭ ‬أخرى‭.‬

         

قراءة‭ ‬الإرث‭ ‬التاريخي

‭●  ‬رواية‭ ‬‮«‬بخور‭ ‬عدني‮»‬‭ ‬تناولت‭ ‬تعدد‭ ‬الثقافات‭ ‬وتنوع‭ ‬المذاهب‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬قديمًا،‭ ‬ترى،‭ ‬ما‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬افتقاد‭ ‬التجاور‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء؟

‭- ‬التعدد‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬حفلت‭ ‬به‭ ‬عدن‭ ‬في‭ ‬أربعينيات‭ ‬وخمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬أيضًا‭ ‬نزعات‭ ‬قومية‭ ‬ودينية‭ ‬تدعو‭ ‬للانغلاق‭ ‬وعدم‭ ‬الانفتاح،‭ ‬وهذه‭ ‬النزعات‭ ‬صار‭ ‬لها‭ ‬أثرها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬السلطات‭ ‬الاستبدادية‭ ‬التي‭ ‬تعاقبت‭ ‬على‭ ‬الحكم‭. ‬فبدون‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬التاريخي،‭ ‬بكل‭ ‬تنوعه‭ ‬وإشكالياته،‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬ستعود‭ ‬مجددا‭ ‬إلى‭ ‬عدن‭ ‬واليمن‭ ‬عموما‭. ‬كانت‭ ‬عدن‭ ‬بمنزلة‭ ‬حلم،‭ ‬ولكنه‭ ‬يجيء‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬اليمنيين‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الحلم،‭ ‬لينجوا‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭.‬

‭●  ‬أحداث‭ ‬روايتك‭ ‬‮«‬اليهودي‭ ‬الحالي‮»‬،‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬اليمن،‭ ‬عندما‭ ‬تقوم‭ ‬‮«‬فاطمة‮»‬‭ ‬الفتاة‭ ‬المراهقة،‭ ‬ابنة‭ ‬الإمام‭ ‬المسلم،‭ ‬بتعليم‭ ‬‮«‬سالم‮»‬‭ ‬الشاب‭ ‬اليهودي‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬بالعربية،‭ ‬ويعلمها‭ ‬هو‭ ‬اللغة‭ ‬العبرية،‭ ‬فيقعان‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬بعضهما،‭ ‬حيث‭ ‬هربا‭ ‬معًا‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬صنعاء،‭ ‬غير‭ ‬مكترثين‭ ‬بالأصوات‭ ‬المعترضة،‭ ‬فبدأت‭ ‬رحلتهما‭ ‬الشاقة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬قرارهما‭... ‬كيف‭ ‬توغلت‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الراوية،‭ ‬فأصاب‭ ‬السرد‭ ‬هدفه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬وعالجت‭ ‬موضوع‭ ‬‮«‬الأنا‭- ‬الآخر‮»‬‭ ‬بهذا‭ ‬التشويق‭ ‬وتلك‭ ‬الإثارة؟

‭- ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يا‭ ‬أحمد،‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬زاوية‭ ‬تراها‭ ‬مناسبة،‭ ‬أو‭ ‬تحبّها،‭ ‬فقد‭ ‬حاولتُ‭ ‬أن‭ ‬أختبر‭ ‬محنة‭ ‬إنسانية،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تؤرق‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الآخر،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬نحن‭.‬

 

وهم‭ ‬الروايات‭ ‬المترجمة

‭●  ‬ترجمت‭ ‬رواياتك‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬كثيرة،‭ ‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي؟

‭- ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬رواياتي‭ ‬ضمن‭ ‬روايات‭ ‬عربية‭ ‬قليلة‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن،‭ ‬بالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬وهم‭ ‬يصيب‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬العرب،‭ ‬وهو‭ ‬وهم‭ ‬الترجمة‭. ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬العربية‭ ‬المترجمة‭ ‬إلى‭ ‬اللغات‭ ‬المنتشرة‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬المخازن،‭ ‬وتكاد‭ ‬مبيعاتها‭ ‬لا‭ ‬تذكر؛‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬ومن‭ ‬مترجمين‭ ‬كثر‭. ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬هل‭ ‬يتعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بمستوى‭ ‬ما‭ ‬ينجزه‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬معاملة‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬لهذه‭ ‬الكتابات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الترويج‭ ‬أو‭ ‬الدعاية‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭.‬

‭●  ‬الآن،‭ ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الروائي‭ ‬في‭ ‬اليمن؟

‭- ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬عامة،‭ ‬هناك‭ ‬كتابات‭ ‬متميزة‭ ‬تقدّم‭ ‬نفسها‭ ‬باستمرار،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬نجد‭ ‬حال‭ ‬اليمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي،‭ ‬يعكس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬منجزه‭ ‬الأدبي‭.‬

‭●  ‬هلا‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬روايتك‭ ‬الجديدة‭ ‬‮«‬بلاد‭ ‬القائد‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬أخيرًا؟

‭- ‬أكتفي‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬الناشر‭ ‬على‭ ‬الغلاف،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬يقول‭: ‬افي‭ ‬بلاد‭ ‬وصفت‭ ‬ببلاد‭ ‬الثورة،‭ ‬وصارت‭ ‬تعرف‭ ‬ببلاد‭ ‬القائد،‭ ‬يضطر‭ ‬روائي‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬سيرة‭ ‬رئيسها،‭ ‬مع‭ ‬لجنة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬وكتابة‭ ‬حياة‭ ‬القائد‭ ‬الملهم‭ ‬التي‭ ‬الا‭ ‬تشبه‭ ‬أي‭ ‬سيرة‭ ‬مكتوبة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬معاشة‭ ‬من‭ ‬قبلب،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬بمفكر‭ ‬أو‭ ‬عبقري،‭ ‬وإنما‭ ‬الملهم‭ ‬للفكر‭ ‬والعبقريةب‭. ‬هكذا‭ ‬يعيش‭ ‬السارد‭ / ‬الروائي‭ ‬صراعًا‭ ‬داخليًا‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬عائد‭ ‬مالي‭ ‬يساعده‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬زوجته‭ ‬المريضة‭ ‬سماح،‭ ‬وما‭ ‬اعتبره‭ ‬فضيحة‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬الأدبية‭ ‬والشخصية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬لقائه‭ ‬بابنة‭ ‬الرئيس‭ ‬الشيماء،‭ ‬صاحبة‭ ‬تجارب‭ ‬زواج‭ ‬سابقة،‭ ‬والمعجبة‭ ‬بروايته‭ ‬التي‭ ‬تصور‭ ‬الحرمان‭ ‬واللوعة‭ ‬والتمرد‭ ‬الجنسي،‭ ‬لتطلب‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬لقاءات‭ ‬أن‭ ‬يتزوجها‭ ‬سرًا‭. ‬تتسارع‭ ‬الأحداث‭ ‬وتنقلب‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬حين‭ ‬تقوم‭ ‬الثورة‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬الكل‭ ‬ضد‭ ‬الكل،‭ ‬وهنا‭ ‬يرصد‭ ‬الكاتب‭ ‬تحولات‭ ‬الأشخاص‭ ‬وكشفهم‭ ‬عن‭ ‬هوياتهم‭ ‬الحقيقية،‭ ‬إذ‭ ‬بدت‭ ‬لهم‭ ‬الثورة‭ ‬وكأنها‭ ‬تعني‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬الموت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬