«الصورة والمعنى» السينما والتفكير بالفعل

«الصورة والمعنى» السينما والتفكير بالفعل

أنهى المفكر نورالدين أفاية كتابه، الذي أكاد أصفه بالموسوعي، «الصورة والمعنى... السينما والتفكير بالفعل»، (الصادر في 406 صفحات عن المركز الثقافي للكتاب، البيضاء، 2019، الطبعة الأولى)، مسجلًا خلاصة تقول: «إذا كانت هناك من مشكلة ثقافية عربية في العلاقة بالسينما، فإنها، في نظري، تتمثل في بُعدين اثنين، أوّلهما يتعلّق بمسألة التعامل مع جهاز من أجهزة الحداثة، وما يفترض ذلك من التباسات وتعقيدات في التعامل مع الذات والتاريخ والمجتمع والسياسة والفن، وثانيهما يهمّ المكانة الهامشية جدًا للإبداع السينمائي في الإنتاج الفكري العربي» (ص 406).

 

في‭ ‬هذه‭ ‬الخلاصة‭ ‬نجد‭ ‬كلمات‭/ ‬مفاتيح‭ ‬يخترق‭ ‬التأمل‭ ‬فيها‭ ‬وتحليلها‭ ‬وتأزيمها‭ ‬مجموع‭ ‬الكتاب‭ ‬المذكور‭: ‬الحداثة،‭ ‬والذات،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والمجتمع،‭ ‬والسياسة،‭ ‬وهامشية‭ ‬الإبداع‭ ‬السينمائي‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السينما‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بالخفة‭ ‬والتسلية‭ ‬وتزجية‭ ‬الوقت‭ ‬باستهلاك‭ ‬حكايات‭ ‬وصور‭ ‬تتراءى‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مغامرات‭ ‬النجوم‭ ‬ونزواتهم،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬أفاية‭ ‬يستعين،‭ ‬وهو‭ ‬يتأمل‭ ‬الفعل‭ ‬السينمائي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬تمظُهراته،‭ ‬بعتاد‭ ‬نظري‭ ‬قويّ‭ ‬ومتقدم‭ ‬يجعل‭ ‬المتشككين‭ ‬يقتنعون‭ ‬بأن‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬مجال‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الجدية،‭ ‬جديّة‭ ‬مغلّفة‭ ‬في‭ ‬قفازات‭ ‬ناعمة،‭ ‬فأن‭ ‬يفرض‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬نفسه‭ ‬أمر‭ ‬يستدعي‭ ‬الاقتناع‭ ‬بإنجازات‭ ‬الحداثة‭ ‬الفكرية‭ ‬والتقنية‭ ‬والتغلّب‭ ‬على‭ ‬الممانعة‭ ‬النفسية،‭ ‬واستحضار‭ ‬التراكم‭ ‬التاريخي‭ ‬لكل‭ ‬مجتمع،‭ ‬والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬السياسيين‭ ‬وتجهّمهم‭ ‬ومواجهة‭ ‬تعنّت‭ ‬المناهضين‭ ‬لرحابة‭ ‬الفنون،‭ ‬وجعل‭ ‬العامة‭ ‬كما‭ ‬الخاصة‭ ‬يقرّون‭ ‬بجدواها،‭ ‬رغم‭ ‬هامشيتها‭ ‬وهشاشتها‭. ‬

والخلاصة‭ ‬المركّبة‭ ‬المثبتة‭ ‬أعلاه‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬الحارق‭ ‬الذي‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬والذي‭ ‬صاغه‭ ‬المؤلف‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬ايبدو‭ ‬أنه‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ (...) ‬للوقوف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬االانحسارب‭ ‬الإبداعي‭ ‬والتواصلي‭ ‬الذي‭ ‬ميّز‭ ‬صيرورة‭ ‬هذه‭ ‬السينما‭ ‬العربية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬التماس‭ ‬جواب‭ ‬ممكن‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭: ‬اهل‭ ‬يتعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بمشكلة‭ ‬إنتاج‭ ‬أم‭ ‬بقضية‭ ‬إبداع؟ب‭ (‬ص‭ ‬11‭ ‬و12‭).‬

 

تأطير‭ ‬حضور‭ ‬السينما

الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬للسينما‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬يدعو‭ ‬إذن‭ ‬إلى‭ ‬القلق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬يتقاطع‭ ‬فيه‭ ‬الرمزي‭ ‬بالمادي،‭ ‬ولا‭ ‬يحتمل‭ ‬كبير‭ ‬تخطيط،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬والتخييل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإشكال،‭ ‬في‭ ‬عمقه،‭ ‬هو‭ ‬إشكال‭ ‬ثقافي،‭ ‬والثقافة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يبقى‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬نسيان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

إن‭ ‬كتاب‭ ‬االصورة‭ ‬والمعنىب‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬أهدافه‭ ‬ومراميه،‭ ‬وهو‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تأطير‭ ‬حضور‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬وقضاياها‭ ‬الفكرية‭ ‬والجمالية‭ ‬ضمن‭ ‬الاجتهادات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكونية،‭ ‬مع‭ ‬سعي‭ ‬إلى‭ ‬تبيين‭ ‬خصوصياتها‭ ‬وتقديم‭ ‬قراءات‭ ‬نقدية‭ ‬لبعض‭ ‬منجزها،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬فعالية‭ ‬أساسية‭ ‬لا‭ ‬لاحقة،‭ ‬وباعتباره‭ ‬مسؤولية‭ ‬فكرية‭ (‬ص‭ ‬107‭). ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الناقد‭ ‬العربي‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬محاصرًا‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬والمثبطات،‭ ‬ويشعر‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬مرحّب‭ ‬به‭ ‬وايجد‭ (...) ‬خصوصًا‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تبنّي‭ ‬هويته‭ ‬الثقافية‭ ‬كناقد،‭ ‬وتراه‭ ‬يبحث‭ ‬دائمًا‭ ‬عن‭ ‬تسمية‭ ‬عائمة‭ ‬لكيلا‭ ‬ينعت‭ ‬بصفة‭ ‬يعرف‭ ‬مسبقًا‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيها‭ ‬دائمًا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬ثقافيًاب‭ (‬ص121‭). ‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬هو‭ ‬خطاب‭ ‬واصف‭ ‬وموضوعه‭ ‬هو‭ ‬وصف‭ ‬وتحليل‭ ‬الظاهرة‭ ‬السينمائية‭ ‬ومنتوجها‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الفيلم،‭ ‬فعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العربي‭ ‬ينبغي‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬النقد‭ ‬السينمائي‭ ‬بكل‭ ‬مستوياته‭ ‬الا‭ ‬يمكن‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نقدًا‭ ‬امشتتًاب،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬نقد‭ ‬غير‭ ‬منتظم،‭ ‬بسبب‭ ‬لا‭ ‬انتظامية‭ ‬الإنتاجب‭ (‬ص‭ ‬124‭).‬

 

دعوة‭ ‬صريحة

إن‭ ‬المؤلف‭ ‬واعٍ‭ ‬إذن‭ ‬بأنه‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬محفوف‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬المنهجية‭ ‬والممانعة‭ ‬النفسية،‭ ‬وهو‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬االفكر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬لم‭ ‬يدمج‭ ‬بعد‭ ‬حقل‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬اهتماماته‭ ‬كحقل‭ ‬للإبداع‭ ‬الثقافي‭ ‬أو‭ ‬كمجال‭ ‬خصوصي‭ ‬للتذوق‭ ‬الجمالي‭ ‬ولإنتاج‭ ‬الأيديولوجياب‭ (‬ص‭ ‬96‭).‬

ولا‭ ‬يملك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يوجّه‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬وملحّة‭ ‬لكي‭ ‬تتصالح‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬ويتصالح‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬منتوج‭ ‬جذاب‭ ‬ومركّب‭ ‬هو‭ ‬المنتوج‭ ‬السينمائي‭. ‬

إن‭ ‬المنطلق‭ ‬المنهجي‭ ‬والإجرائي‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬منه‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬هو‭ ‬اعتباره‭ ‬أن‭ ‬االجماليات‭ ‬هي‭ ‬المبحث‭ ‬الذي‭ ‬يسائل‭ ‬تجليات‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬الفنون،‭ ‬ويتخذ‭ ‬مما‭ ‬يولده‭ ‬من‭ ‬أحاسيس‭ ‬وما‭ ‬ينتجه‭ ‬من‭ ‬أذواق‭ ‬ومن‭ ‬مواقف‭ ‬موضوعات‭ ‬للتفكير‭ ‬والحكم‭ ‬والنقدب‭ (‬ص‭ ‬36‭).‬

أما‭ ‬المقاربة‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها،‭ ‬فهي‭ ‬مقاربة‭ ‬موضوعاتية‭ ‬تضيء‭ ‬التعابير‭ ‬السينمائية‭ ‬بوصفها‭ ‬تعابير‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬بمختلف‭ ‬أبعادها‭ ‬وتجلياتها،‭ ‬وتستحضر‭ ‬مفهومي‭ ‬المتعة‭ ‬والاستمتاع،‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الجميل‭ ‬اهو‭ ‬ما‭ ‬يشدّ‭ ‬الانتباهب‭ (‬ص‭ ‬28‭).‬

وهكذا‭ ‬يتبين‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬بجديّة‭ ‬ومسؤولية‭ ‬مع‭ ‬الأفلام،‭ ‬لأنها‭ ‬مواد‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والذهنيات‭ ‬وأنماط‭ ‬السلوك،‭ ‬ووجب‭ ‬أن‭ ‬نختار‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جيّد‭ ‬وطازج،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬نتغذى‭ ‬بها‭. ‬

 

بُعد‭ ‬تربوي

يبرز‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬بُعد‭ ‬تربوي‭ ‬يقدم‭ ‬الأسس‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬يشتغل‭ ‬عليها‭ ‬الباحث‭ ‬ويعرض‭ ‬تطوّرها‭ ‬قبل‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬التطبيقي‭. ‬وهكذا‭ ‬سيتبيّن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬لا‭ ‬يتبنى‭ ‬نقدًا‭ ‬تقنيًا‭ ‬تشريحيًّا‭ ‬باردًا،‭ ‬بل‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬ا‭(...) ‬مقاربة‭ ‬السينما‭ ‬كظاهرة‭ ‬ثقافية‭ ‬مركّبة‭ ‬الأبعاد‭ (...) ‬تحتمل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬والإظهارب‭ (‬ص‭ ‬57‭).‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتبنى‭ ‬منهجًا‭ ‬تتساوى‭ ‬في‭ ‬ضوئه‭ ‬جميع‭ ‬الكتابات‭ ‬أو‭ ‬الإبداعات‭ ‬الفنية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يقوم‭ ‬بعملية‭ ‬موازنة‭ ‬وتقويم،‭ ‬ويستشهد‭ ‬بالباحث‭ ‬الفرنسي‭ ‬أندري‭ ‬بازان‭ ‬حينما‭ ‬قال‭: ‬اإن‭ ‬النقد‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يغيّر‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الفيلم‭ ‬لتربية‭ ‬ذوق‭ ‬الجمهور،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬قيمة‭ ‬الفيلم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بهذه‭ ‬التربيةب‭ (‬ص‭ ‬133‭). ‬إن‭ ‬كل‭ ‬فيلم،‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬ينتصر‭ ‬لقيم‭ ‬فكرية‭ ‬وجمالية‭ ‬معيّنة‭ ‬ويروّج‭ ‬لها‭. ‬

وقد‭ ‬عمد‭ ‬المؤلف،‭ ‬في‭ ‬الشق‭ ‬التطبيقي‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬باقتراح‭ ‬قراءات‭ ‬هي‭ ‬بمنزلة‭ ‬تمارين‭ ‬لإبراز‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬ومرونة‭ ‬بعض‭ ‬الطروحات‭ ‬النقدية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تماسّها‭ ‬مع‭ ‬الأفلام‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬المغربية،‭ ‬وتوقّف‭ ‬عند‭ ‬مكانة‭ ‬بعض‭ ‬الموضوعات‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬العربية،‭ ‬مثل‭ ‬موضوعات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬والحداثة‭ ‬وأوضاع‭ ‬المرأة،‭ ‬ساعيًا‭ ‬بذلك‭ ‬إلى‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬اشروط‭ ‬إمكان‭ ‬استدعاء‭ ‬السينما‭ ‬لاحتلال‭ ‬المكانة‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬المناقشة‭ ‬الفكرية‭ ‬والجمالية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬أسئلة‭ ‬الحداثة‭ ‬الفنية‭ ‬وما‭ ‬تفترضه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬تهمّ‭ ‬الوجود‭ ‬والسياسة‭ ‬والثقافة‭ ‬والجسد‭ ‬والحريةب‭ (‬ص‭ ‬22‭).‬

 

قراءة‭ ‬أخرى

هكذا‭ ‬نجد‭ ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الإيطالي‭ ‬االشرفةب‭ ‬للإيتوريسكولا،‭ ‬وقراءة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬برازيلية‭ ‬منتمية‭ ‬إلى‭ ‬تيار‭ ‬السينما‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬وقّعها‭ ‬مخرجون‭ ‬عرب‭ ‬مثل‭ ‬صلاح‭ ‬أبو‭ ‬سيف‭ ‬أو‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين،‭ ‬أو‭ ‬مخرجون‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬ومن‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭. ‬وسجل‭ ‬أفاية‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬االدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬استثمرت،‭ ‬بقوة،‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬السينما‭ ‬لإبراز‭ ‬فترات‭ ‬ومظاهر‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬سلكها‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬لانتزاع‭ ‬تحرره‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬استعمارية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتوقع‭ ‬أنها‭ ‬دخلت‭ ‬الجزائر‭ ‬لكي‭ ‬تخرج‭ ‬منهاب‭ (‬ص‭ ‬335‭)‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬خاصية‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬اسينما‭ ‬مؤلفينب‭ (‬ص‭ ‬388‭). ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للسينما‭ ‬المغربية،‭ ‬فقد‭ ‬اعتبر‭ ‬أنها‭ ‬اهتمت‭ ‬بالأساس‭ ‬بالذاكرة‭ ‬وإدانة‭ ‬تجارب‭ ‬فيها‭ ‬عرفت‭ ‬عسفًا‭ ‬واحتقانًا،‭ ‬أو‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬علاقة‭ ‬الرجل‭ ‬بالمرأة‭ ‬وحالات‭ ‬التوتر‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬في‭ ‬ارتباط‭ ‬بسياقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬متحولة‭.‬

إن‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬مردّها‭ ‬إلى‭ ‬إحساس‭ ‬المؤلف‭ ‬بمسؤولية‭ ‬فكرية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬بضرورة‭ ‬التنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمع‭ ‬حديث،‭ ‬أو‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إدراجها‭ ‬ضمن‭ ‬خانة‭ ‬الترفيه‭ ‬أو‭ ‬الترف،‭ ‬وهي‭ ‬أهمية‭ ‬تنبُع‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬التأصيل‭ ‬النظري‭ ‬والتحليل‭ ‬الدقيق‭ ‬والرصين‭ ‬لمَتن‭ ‬فيلمي‭ ‬عريض‭ ‬ومتنوع،‭ ‬واعتمد‭ ‬على‭ ‬مقارنة‭ ‬ضمنية‭ ‬بين‭ ‬أفلام‭ ‬غربية‭ ‬وعربية‭ ‬ومغربية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬المقارنة‭ ‬من‭ ‬تنسيب‭ ‬وإضاءة‭ ‬جوانب‭ ‬الضعف‭ ‬ومكامن‭ ‬الغنى،‭ ‬وتخليص‭ ‬السينما‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬التقييمات‭ ‬المحلية‭ ‬وإدراجها‭ ‬ضمن‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬العالمي‭ ‬الرحب‭.‬

وذلك‭ ‬لن‭ ‬يتأتى‭ ‬إلا‭ ‬باقتناع‭ ‬السينمائيين‭ ‬والمتدخلين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬اأنه‭ ‬يتعيّن،‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬وقضايا‭ ‬إنسانية،‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬اللهجة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة،‭ ‬ومن‭ ‬الارتجال‭ ‬المتحمّس‭ ‬إلى‭ ‬النحو‭ ‬المنظم،‭ ‬ومن‭ ‬التخصص‭ ‬الضيق‭ ‬إلى‭ ‬شمول‭ ‬الفكر‭ ‬بمختلف‭ ‬أبعاده‭ ‬وتجلياتهب‭ (‬ص‭ ‬307‭)‬،‭ ‬فالفن‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالانتماءات‭ ‬الضيقة،‭ ‬وهو‭ ‬كالشجرة‭ ‬الوارفة،‭ ‬أغصانها‭ ‬منغرسة‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬محددة،‭ ‬لكنها‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬الكون‭ ‬وتتغذى‭ ‬بضيائه‭ ‬

أفاية‭ ‬يوقع‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الصورة‭ ‬والمعنى‮»‬