جابر عصفور... مشاهد ودروس

جابر عصفور... مشاهد ودروس

عندما قُبلت بقسم اللغة العربية عام 1995، وفي وقت كنت أحاول الإفادة من تجارب طلاب سابقين بالقسم عن رأيهم فيه وفي أساتذته، أَجمعَ كل من سألتهم على صعوبة مقرر سندرسه في الفرقة الثالثة، اسمه «النقد العربي القديم»؛ لأن من يشارك في تدريسه أستاذ اسمه د. جابر عصفور، وهو «دكتور صعب جدًا، ما بيخلّيش حد يدخل بعده، وكلنا بنخاف منه، وبيسقَّط الطلاب»! كانت هذه الجملة المتداولة هي الشائعة بيننا - طلاب القسم - منذ الفرقة الأولى، لدرجة أننا كنا - ونحن في الفرقة الأولى - نخشى مقرر النقد العربي القديم الذي سندرسه في «الثالثة». 

 

وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬الفرقة‭ ‬الثالثة،‭ ‬وفي‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬للمحاضرة‭ ‬الأولى‭ ‬لأستاذنا‭ ‬د‭. ‬جابر‭ ‬عصفور،‭ ‬إذا‭ ‬بجميع‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬أماكنهم‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬المحاضرة،‭ ‬وإذا‭ ‬بمدرج‭ ‬201‭ ‬بالمبنى‭ ‬الجديد‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالطلاب‭. ‬وفجأة‭ ‬يدخل‭ ‬الأستاذ،‭ ‬بصورة‭ ‬مغايرة‭ ‬تمامًا‭ ‬عمّا‭ ‬حُكي‭ ‬لنا‭ ‬عنه،‭ ‬فقد‭ ‬ملأ‭ ‬الطرقة‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬المدرج‭ ‬ببعض‭ ‬الممازحات‭ ‬مع‭ ‬العمال،‭ ‬ويدخل‭ ‬المدرج،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يُخرجنا‭ ‬عن‭ ‬صمتنا‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬ممازحاته،‭ ‬لكنّنا‭ ‬كنا‭ ‬نبتسم‭ ‬ابتسامات‭ ‬الخوف‭ ‬والترقب‭. ‬

تبدأ‭ ‬المحاضرة،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬ألوم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ألقوا‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬الرعب‭ ‬من‭ ‬د‭. ‬عصفور؛‭ ‬حيث‭ ‬وجدناها‭ ‬محاضرة‭ ‬مختلفة،‭ ‬أكثر‭ ‬علمًا‭ ‬وعقلانية،‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬بالمسلّمات‭ ‬أو‭ ‬القراءة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬الإملاء،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬قلّة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬أساتذة‭ ‬الكلية،‭ ‬محاضرة‭ ‬سهلة‭ ‬وبسيطة‭ ‬في‭ ‬موضوعها‭ ‬التمهيدي،‭ ‬ألقاها‭ ‬بلُغة‭ ‬سهلة‭ ‬وبسيطة،‭ ‬تغاير‭ ‬لغة‭ ‬كتاباته،‭ ‬التي‭ ‬كنّا‭ ‬بدأنا‭ ‬نتعرف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬قراءاتنا‭ ‬المتواضعة؛‭ ‬استعدادًا‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬سنلتقي‭ ‬فيه‭ ‬بالدكتور‭ ‬عصفور‭. ‬

انتهت‭ ‬المحاضرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وانتهت‭ ‬محاضرات‭ ‬هذا‭ ‬المقرر،‭ ‬وأنا‭ ‬كلّي‭ ‬شغف‭ ‬بشخصية‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬في‭ ‬محاضراته،‭ ‬ولقاءاته،‭ ‬وكتبه،‭ ‬فرُحت‭ ‬أتتبّع‭ ‬ندواته،‭ ‬وأتعلّم‭ ‬من‭ ‬دقته،‭ ‬وتنظيمه‭ ‬لنقاط‭ ‬أحاديثه‭ ‬العقلانية‭ ‬المقنعة‭. ‬

وبقدر‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬هذا‭ ‬المقرر‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬بالمسلّمات،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدقّ،‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نظنّها‭ ‬كذلك،‭ ‬ووضعها‭ ‬موضع‭ ‬المساءلة،‭ ‬فإنه‭ - ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ - ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬الصورة‭ ‬المغلوطة‭ - ‬ليس‭ ‬لديَّ‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬زملائي‭- ‬التي‭ ‬يرسمونها‭ ‬لأساتذة‭ ‬الجامعة،‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬جابر‭ ‬عصفور،‭ ‬فجعلت‭ ‬منه‭ ‬أستاذًا‭ ‬صعبًا‭ ‬معقّدًا،‭ ‬يستهويه‭ ‬رسوب‭ ‬الطلاب‭.‬

 

الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬

ارتسمت‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬صورة‭ ‬جابر‭ ‬عصفور‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وتكونت،‭ ‬فصارت‭ ‬نموذجًا‭ ‬لأستاذ‭ ‬الجامعة،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستهويه‭ ‬إرضاء‭ ‬الطلاب،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العلم،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يستهويه‭ ‬دغدغة‭ ‬مشاعرهم،‭ ‬بأن‭ ‬يعلي‭ ‬من‭ ‬نسب‭ ‬النجاح،‭ ‬ومن‭ ‬درجات‭ ‬الطلاب؛‭ ‬تقربًا‭ ‬إليهم‭. ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬دومًا‭ ‬يبحث‭ ‬بين‭ ‬الطلاب‭ ‬العديدين‭ - ‬ربما‭ - ‬عن‭ ‬طالب‭ ‬واحد‭ ‬يرى‭ ‬فيه‭ ‬الأمل‭ ‬الحقيقي‭ ‬للعلم،‭ ‬ومستقبل‭ ‬الجامعة،‭ ‬طالب‭ ‬يقرأ‭ ‬ويفهم‭ ‬ويفكر،‭ ‬وليس‭ ‬طالبًا‭ ‬يحفظ‭ ‬ويستظهر‭ ‬دون‭ ‬فهم‭. ‬

انتهينا‭ - ‬أنا‭ ‬ومعظم‭ ‬طلاب‭ ‬دفعتي‭ - ‬من‭ ‬الفرقتين‭ ‬الثالثة‭ ‬والرابعة‭ ‬بالكلية،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نخشى‭ ‬د‭. ‬عصفور؛‭ ‬لأننا‭ ‬أحببناه،‭ ‬وأحببنا‭ ‬محاضراته‭ ‬ونقاشاته،‭ ‬وتقبّله‭ ‬للآراء‭ ‬المختلفة‭ ‬معه،‭ ‬وحصلنا‭ ‬في‭ ‬مادّتيه‭ ‬على‭ ‬تقديرات‭ ‬عالية،‭ ‬وكانت‭ ‬نسب‭ ‬النجاح‭ ‬مرتفعة‭. ‬فلقد‭ ‬كانت‭ ‬دفعتنا‭ ‬متميزة؛‭ ‬إذ‭ ‬كنا‭ ‬حوالي‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬طالبًا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬تقديرات‭ ‬جيد‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬طالب‭ - ‬وكنت‭ ‬واحدًا‭ ‬منهم‭ - ‬حصل‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬ممتاز‭ ‬في‭ ‬مقرري‭ ‬
د‭. ‬عصفور‭. ‬

كان‭ ‬د‭. ‬جابر‭ ‬يكلفنا‭ ‬بالإعداد‭ ‬للمحاضرات‭ ‬التالية،‭ ‬وكنّا‭ ‬نشرح‭ ‬ونجلس‭ ‬إلى‭ ‬جواره،‭ ‬في‭ ‬مدّرجي‭ ‬201،‭ ‬و78،‭ ‬وكنّا‭ ‬نتناقش‭ ‬ونتفق‭ ‬ونختلف‭. ‬

انتهينا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬بطلابه‭ ‬تُبنى‭ ‬وتقوى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يلمسه‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬جدّ‭ ‬واجتهاد،‭ ‬ورغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬نَيل‭ ‬العلم،‭ ‬يعطيهم‭ ‬من‭ ‬وقته‭ ‬ومكتبته‭ ‬بسخاء‭. ‬أدركنا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطلاب‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يخيفوننا‭ ‬من‭ ‬شخصيته،‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬التعرف‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬يبحثون‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬امتحان،‭ ‬ونسب‭ ‬نجاح،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬مقرره‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مشغولًا‭ ‬بالامتحان،‭ ‬بل‭ ‬ببناء‭ ‬شخص‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إنسانًا‭ ‬عقلانيًا‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأشياء،‭ ‬لا‭ ‬شخصًا‭ ‬استسلاميًا‭.‬

 

جابر‭ ‬عصفور‭ ‬والوفاء‭ ‬لأساتذته

أستحضر‭ ‬الآن،‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬د‭. ‬عصفور،‭ ‬حرصه‭ ‬البالغ‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬المحاضرات‭ ‬التذكارية‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬أساتذته‭ ‬العظام،‭ ‬أمثال،‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الأهواني،‭ ‬وعبدالمحسن‭ ‬طه‭ ‬بدر،‭ ‬تلك‭ ‬المحاضرات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بـ‭ ‬اآداب‭ ‬القاهرةب‭ - ‬حتى‭ ‬فترة‭ ‬قريبة‭ - ‬على‭ ‬تنظيمها‭ ‬إحياء‭ ‬لذكراهم‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انشغال‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬بعمله‭ ‬أمينًا‭ ‬عامًا‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يغب‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المحاضرات‭ ‬التذكارية،‭ ‬وكان‭ ‬دائم‭ ‬الحضور،‭ ‬سواء‭ ‬بالمناقشة‭ ‬أو‭ ‬بإلقاء‭ ‬المحاضرات‭ ‬في‭ ‬بعضها‭. ‬وتتبدى‭ ‬قيمة‭ ‬الوفاء‭ ‬لديه‭ ‬عندما‭ ‬خصص‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬ندوة‭ ‬بالمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ - ‬في‭ ‬مقره‭ ‬القديم‭ ‬بالزمالك‭ - ‬بمناسبة‭ ‬ذكرى‭ ‬رحيل‭ ‬د‭. ‬يوسف‭ ‬خليف‭. ‬

كذلك‭ ‬عندما‭ ‬ترأس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬فصول،‭ ‬خصص‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬ثلاثة‭ ‬مجلدات‭ ‬منها‭ ‬لمناقشة‭ ‬قضايا‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب،‭ ‬وأهداها‭ ‬إلى‭ ‬روح‭ ‬أستاذته‭ ‬سهير‭ ‬القلماوي‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭: ‬اهذا‭ ‬العدد‭ ‬مُهدى‭ ‬إلى‭ ‬سهير‭ ‬القلماوي،‭ ‬رائدة‭ ‬دراسات‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭.‬

ويكفي‭ - ‬هنا‭ - ‬وفاءً،‭ ‬أن‭ ‬يذيل‭ ‬المقدمة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬لهذا‭ ‬العدد‭ ‬بكلمة‭ ‬"تلميذك"‭.‬

‭ ‬فالقلماوي‭ ‬تمثّل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬رمزًا‭ ‬إنسانيًا‭ ‬وعلميًّا‭ ‬مهمًا،‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬عبّر‭ ‬عنه،‭ ‬وعبّرت‭ ‬عنه‭ ‬كتاباته‭.‬

وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تمثّل‭ ‬ذلك‭ ‬التعبير‭ ‬فيما‭ ‬شارك‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ندوات‭ ‬إحياء‭ ‬لذكراها،‭ ‬أو‭ ‬مناقشًا‭ ‬لأفكارها،‭ ‬وموضحًا‭ ‬لدورها،‭ ‬أو‭ ‬ساردًا‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬ذكرياته‭ ‬معها‭. ‬

أما‭ ‬أحاديثه‭ ‬عن‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يملّ‭ ‬منها،‭ ‬والتي‭ ‬تبدّت‭ ‬وتجلت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬بكتابه‭ ‬المهم‭ ‬االمرايا‭ ‬المتجاورةب،‭ ‬الذي‭ ‬يقدّم‭ ‬فيه‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‭ ‬علمية‭ ‬لمنجز‭ ‬طه‭ ‬حسين‭.‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬أحاديثه‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬عن‭ ‬شكري‭ ‬عيّاد‭ ‬ومحمود‭ ‬مكي‭ ‬وحسين‭ ‬نصار،‭ ‬عن‭ ‬ذكرياته‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعلمية‭ ‬معهم،‭ ‬ومع‭ ‬غيرهم‭ ‬ممن‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬العلمي‭. ‬ويتجلى‭ ‬وفاء‭ ‬عصفور‭ ‬عندما‭ ‬تجده‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أساتذته،‭ ‬فترى‭ ‬فيه‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬يُكْبِرهم،‭ ‬ويعظمهم،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬من‭ ‬أستاذية‭ ‬وشهرة‭. 

 

عصفور‭ ‬و«ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬

تتراوح‭ ‬علاقة‭ ‬عصفور‭ ‬بـ‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬بين‭ ‬الانبهار‭ ‬والإعجاب‭ ‬بها،‭ ‬بوصفها‭ ‬نصًّا‭ ‬مؤسسًا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬طفولته،‭ ‬مساهمًا‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬ونشأته‭ ‬الثقافية،‭ ‬وبين‭ ‬كونه‭ ‬نصًّا‭ ‬أدبيًا‭ ‬مليئًا‭ ‬بالرموز‭ ‬المنغلقة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬بعد،‭ ‬والتي‭ ‬تحتاج‭ - ‬دومًا‭ - ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬والتحليل‭ ‬والدرس‭. ‬

وعن‭ ‬ذلك‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬الليالي‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬يعبّر‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬عن‭ ‬لقائه‭ ‬الأول‭ ‬بـ‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب،‭ ‬وتلك‭ ‬الرعشة‭ ‬التي‭ ‬أصابته،‭ ‬قائلًا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬مجلة‭ ‬فصول‭ ‬في‭ ‬المجلد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الأعداد‭ ‬الثلاثة‭ ‬المخصصة‭ ‬لألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬عام‭ ‬1994‭: ‬امَن‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يسترجع‭ ‬تفاصيل‭ ‬الرعشة‭ ‬الأولى‭ ‬للقائه‭ ‬الأول‭ ‬بـ‭ (‬ألف‭ ‬ليلة‭)‬؟‭ ‬إنها‭ ‬ذكرى‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬اللاوعي،‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬المكان،‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬الزمان،‭ ‬مغلّفة‭ ‬بضباب‭ ‬الطفولة،‭ ‬خيالات‭ ‬مطلع‭ ‬الصبا،‭ ‬أحلام‭ ‬أول‭ ‬الشباب،‭ ‬فورة‭ ‬العقل‭ ‬والجنس‭ ‬معًا،‭ ‬وكلاهما‭ ‬يتفتح‭ ‬كالزهرة،‭ ‬أو‭ ‬يتفجّر‭ ‬كالبرعم‭.‬

كنا‭ ‬صغارًا‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬تخلّقت‭ ‬فينا‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى،‭ ‬وتجسدت‭ ‬معرفتها‭ ‬التي‭ ‬خطونا‭ ‬بها‭ ‬خطوتنا‭ ‬الأولى،‭ ‬في‭ ‬سحر‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الوعي،‭ ‬عتبة‭ ‬الإدراك،‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬علّمتنا‭ ‬كيف‭ ‬نكتشف‭ ‬العالم‭ ‬بالقراءةب‭ (‬ص‭ ‬7‭).‬

‭ ‬لقد‭ ‬تربّى‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ - ‬في‭ ‬صباه‭ - ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬على‭ ‬قصص‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬سواء‭ ‬المحكية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬أسرته،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬قراءته‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬عمرية‭ ‬أكبر‭.‬

وتابع‭ ‬الحالة‭ ‬الازدواجية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الليالي‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي،‭ ‬بين‭ ‬واقع‭ ‬شعبي‭ ‬مُغرم‭ ‬ومفتون‭ ‬بقصص‭ ‬الليالي،‭ ‬وبين‭ ‬واقع‭ ‬أكاديمي‭ ‬عربي‭ ‬لا‭ ‬يمنحها‭ ‬قدرها‭ ‬وقيمتها‭ ‬الفنية،‭ ‬بوصفها‭ ‬عملًا‭ ‬أدبيًا‭ ‬ملهمًا‭ ‬للغرب‭.‬

وكذلك‭ ‬لاحظ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تلقّى‭ ‬فيه‭ ‬الإهمال‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الباحثين‭ ‬العرب‭ - ‬مع‭ ‬استثناءات‭ ‬محدودة‭ - ‬فإنها‭ ‬تُقابل‭ ‬بكل‭ ‬اهتمام‭ ‬وحفاوة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬الليالي‭ ‬العربية‭ ‬بوصفها‭ ‬نصًا‭ ‬ملهمًا‭ ‬لهم،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬آفاق‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬أمام‭ ‬الغرب،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬شهية‭ ‬الغرب‭ ‬نحو‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشرقية،‭ ‬وهي‭ - ‬كذلك‭ - ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬فنّ‭ ‬الرواية‭ ‬الغربية‭. ‬

 

جسر‭ ‬للتواصل‭ ‬الثقافي

عاصر‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يشعر‭ ‬بمدى‭ ‬الظلم‭ ‬والتهميش‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬الليالي‭ ‬العربية‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعبّر‭ ‬عنه‭ ‬صراحة‭ - ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬افن‭ ‬القص‭... ‬شعر‭ ‬الدنيا‭ ‬الحديثةب‭ - ‬بقوله‭: ‬اعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬نص‭ ‬الليالي‭ ‬الطاغي‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬والتداول‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬به،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يحتل‭ ‬المكانة‭ ‬اللائقة‭ ‬به‭ ‬التي‭ ‬يسوغها‭ ‬تأثيره‭ ‬الملموس‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬التفكير‭ ‬العربي‭ ‬إبداعًا‭ ‬وموروثًا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ستظل‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬حكايات‭ ‬تشبه‭ ‬نصًا‭ ‬مفتوحًا‭ ‬ولغزًا‭ ‬عميقًا‭ ‬وشفافًا‭ ‬يتشكل‭ ‬معناه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمن‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬عقلب‭ (‬ص13‭). ‬

وشعورًا‭ ‬منه‭ ‬بهذا‭ ‬الغبن‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬الليالي،‭ ‬فإننا‭ ‬نجده‭ ‬لا‭ ‬يدّخر‭ ‬جهدًا‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬هذا‭ ‬الغبن‭ ‬الواقع‭ ‬عليها،‭ ‬وضرورة‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬بوصفها‭ ‬جسرًا‭ ‬مهمًا‭ ‬للتواصل‭ ‬الثقافي‭ ‬الإنساني‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬تمامًا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬جسر‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي،‭ ‬وبين‭ ‬النخبة‭ ‬والعامة‭. ‬فنجده‭ ‬يخصص‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬مجلدات‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬فصول‭ ‬لاستكتاب‭ ‬أهم‭ ‬الدارسين‭ ‬العرب‭ ‬والغربيين‭ ‬حول‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭. ‬وهي‭ ‬مجلدات‭ ‬فتحت‭ ‬آفاقًا‭ ‬كثيرة‭ ‬جديدة،‭ ‬وجعلتنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الليالي‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬نصًا‭ ‬مكتشفًا‭ ‬جديدًا‭. ‬

وكذلك‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬أن‭ ‬يتطرق‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الغبن‭ ‬في‭ ‬الطبعة‭ ‬المستحدثة‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬ازمن‭ ‬الروايةب،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬أخيرًا‭ ‬بعنوان‭ ‬ازمن‭ ‬القص‭... ‬شعر‭ ‬الدنيا‭ ‬الحديثةب‭ (‬2019‭)‬،‭ ‬عن‭ ‬الدار‭ ‬المصرية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالظلم‭ ‬المتعلق‭ ‬بها‭ ‬بوصفها‭ ‬نصًا‭ ‬أدبيًا‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬حقه‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬والنقد،‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬الظلم‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬المرأة‭ ‬فيه،‭ ‬والتي‭ ‬تنمّ‭ ‬قراءات‭ ‬النقاد‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬الدقيقة‭ ‬لصورة‭ ‬المرأة‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬استنتاجاتهم‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬استنتاجات‭ ‬مسبقة،‭ ‬تلتقي‭ ‬وموقفهم‭ ‬الرافض‭ ‬لألف‭ ‬ليلة‭.‬

 

صورة‭ ‬مغايرة‭ ‬للمرأة

وينتهي‭ - ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬التناول‭ ‬السريع،‭ ‬وعبر‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬محاضرته‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬دار‭ ‬العلوم‭ ‬بجامعة‭ ‬الفيوم‭ ‬عام‭ ‬2019‭ - ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬مغايرة‭ ‬للمرأة‭ ‬فيها،‭ ‬فيرى‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬االلياليب‭ ‬نموذجًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬وليس‭ ‬سلبيًا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬خلص‭ ‬سابقوه‭.‬

ويخلص‭ - ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬تلك‭ - ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الظلم‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬االلياليب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬استمرار‭ ‬لموقف‭ ‬نخبوي‭ ‬حادي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الليالي‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شعبي‭. ‬وهو‭ ‬موقف‭ ‬نخبوي‭ ‬متعنّت‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬الشعبي،‭ ‬يعكس‭ ‬موقفًا‭ ‬من‭ ‬العامة،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬موقفًا‭ ‬وليد‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬موغل‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬عرض‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬إقصاء‭ ‬الإبداع‭ ‬السردي‭ ‬الشعبي‭ (‬الليالي،‭ ‬والسّيَر‭ ‬الشعبية،‭ ‬والقصّ‭ ‬الشعبي‭ ‬عامة‭)‬،‭ ‬المتمثّل‭ ‬في‭ ‬الأسباب‭ ‬السياسية‭ ‬والنخبوية،‭ ‬التي‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬إقصاء‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شعبي‭ ‬فنيًا‭ (‬القصّ‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬اجتماعيًا‭ (‬طبقات‭ ‬العامة‭)‬؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لما‭ ‬يمثّلونه‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬النخبوية‭. ‬

فقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬القصّ‭ ‬الشعبي‭ ‬أداة‭ ‬مقاومة‭ ‬شعبية؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬تعد‭ ‬نموذجًا‭ ‬للمقاومة‭ ‬بالقص‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬القديم‭. ‬والحقّ‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬وحدها،‭ ‬وإنما‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬كتابات‭ ‬قصصية‭ ‬تلتقي‭ ‬وألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬التراتب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واللغوي‭ ‬والأدبي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬جوانبه‭ ‬القمعية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تخلق‭ ‬نقيضًا‭ ‬مقاومًا‭ ‬لها،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭. ‬تبدعه‭ ‬الطبقات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تعبّر‭ ‬عما‭ ‬تشعر‭ ‬به،‭ ‬ويناقض‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬بالح‭ ‬يلة‭ ‬والأمثولة‭ ‬والرمز‭. ‬

وقد‭ ‬تبدى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬أخيرًا‭ ‬عن‭ ‬معهد‭ ‬الشارقة‭ ‬للتراث،‭ ‬بعنوان‭: ‬افي‭ ‬محبة‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ (‬2019‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬والمناقشة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬آخر‭. 

وبرغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬د‭. ‬عصفور‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الليالي‭ ‬العربية،‭ ‬فمن‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬ظنّ‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬أو‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تستحق،‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬الفنية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬مقابل‭ ‬مجتمع‭ ‬غربي‭ ‬يدرك‭ ‬جيدًا‭ ‬قيمتها‭. ‬لذلك‭ ‬يقرر‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬شكل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الليالي‭ ‬ضرورة‭ ‬تخصيص‭ ‬كتاب‭ ‬علمي‭ ‬عنها،‭ ‬يكشف‭ ‬أهميتها،‭ ‬ويتناول‭ ‬أهم‭ ‬قضاياها،‭ ‬خاصة‭ ‬توضيح‭ ‬صورة‭ ‬المرأة‭ ‬فيها‭ ‬