فنزويلا درّة الكاريبي وسحر الطبيعة

فنزويلا درّة الكاريبي وسحر الطبيعة

تعدّ فنزويلا من أغنى دول منطقة الكاريبي لتنوّعها وثراء طبيعتها، وتعدّد ثقافاتها ومعالمها السياحية والحضارية، كما تعتبر من أجمل بلاد العالم، وأكثرها جذبًا للسياح، نظرًا لتنوّع المعالم السياحية من السهول والشواطئ والغابات والجبال.
كانت إلى عهد قريب مقصدًا للحالمين بالثراء، وجذبت إليها الكثير من أبناء الدول الأخرى الذين استقروا وعملوا بها، فقصدها أبناء العديد من الجنسيات كالإسبان والطليان والألمان والبرتغال والعرب، وخاصة من سورية ولبنان، واستطاع بعضهم أن يحقق مراده، لكن الكثيرين ظلّوا يحاولون دون جدوى، وقضى بعضهم دون تحقيق ذلك، وهكذا بقيت تمثّل حلمًا للعديد من الساعين لتحسين ظروف معيشتهم والبحث عن حياة كريمة.

 

توجد‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬جالية‭ ‬عربية‭ ‬قوية‭ ‬فاعلة،‭ ‬والشعب‭ ‬الفنزويلي‭ ‬عمومًا‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬نظرة‭ ‬تقدير‭ ‬واحترام،‭ ‬ويعتبرها‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬الأمة‭ ‬الفنزويلية‭. ‬

كما‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬جالية‭ ‬مسلمة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها،‭ ‬إذ‭ ‬يتراوح‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬بين‭ ‬300‭ ‬و400‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬يتركز‭ ‬معظمهم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬كراكاس،‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬مارغريتا‭ ‬وبعض‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى‭.‬

وفيها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬والمراكز‭ ‬الإسلامية‭ ‬والنوادي‭ ‬العربية‭ ‬والمدارس،‭ ‬وعدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المصليات‭ ‬والمساجد‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬معالمها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والسياحية‭ ‬منتزه‭ ‬كانايما‭ ‬الساحر‭ ‬وشلال‭ ‬اسالتو‭ ‬إنجلب،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬شلال‭ ‬في‭ ‬العالم‭ (‬يبلغ‭ ‬ارتفاعه‭ ‬1000‭ ‬متر‭)‬،‭ ‬اكتشفه‭ ‬عام‭ ‬1937م‭ ‬الطيار‭ ‬جيمي‭ ‬أنجل‭. ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬المنتزه‭ ‬والشلالات‭ ‬من‭ ‬الوجهات‭ ‬السياحية‭ ‬المهمة،‭ ‬لكن‭ ‬يصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إليها،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬فقط‭ ‬بواسطة‭ ‬القوارب‭ ‬أو‭ ‬الطائرات‭ ‬بسبب‭ ‬المنحدرات‭ ‬الشديدة،‭ ‬والغابات‭ ‬الكثيفة‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭. ‬

فنزويلا‭... ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الغني‭ ‬بالموارد‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الجميل‭ ‬بطبيعته‭ ‬الخلابة،‭ ‬‏المتنوع‭ ‬بسكانه‭ ‬وأبناء‭ ‬شعبه‭... ‬نحن‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الشامل‭.‬

قبل‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بهذه‭ ‬الرحلة،‭ ‬ترددت‭ ‬قليلًا،‭ ‬كما‭ ‬يتردد‭ ‬الكثيرون،‭ ‬وذلك‭ ‬لبُعد‭ ‬المسافة‭ ‬وطول‭ ‬مدة‭ ‬السفر‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تستغرق‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬ساعة‭ ‬طيرانًا‭ ‬للوصول‭ ‬إليها،‭ ‬فهي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وتطل‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي‭ ‬بساحل‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬3000‭ ‬كم،‭ ‬وتحدّها‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬البرازيل،‭ ‬وجويانا‭ ‬من‭ ‬الشرق،‭ ‬وكولومبيا‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬والبحر‭ ‬الكاريبي‭ ‬من‭ ‬الشمال،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬912050‭ ‬كيلومترًا‭ ‬مربعًا،‭ ‬وتتكون‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ولاية،‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬جزر‭ ‬الأنتيل‭.‬

 

زرقة‭ ‬وخضار

لعل‭ ‬الزرقة‭ ‬والخضار‭ ‬أبرز‭ ‬معالم‭ ‬فنزويلا،‭ ‬ويمكن‭ ‬للمسافر‭ ‬أن‭ ‬يستجلي‭ ‬هذه‭ ‬المعالم‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬قبل‭ ‬الهبوط‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬البلاد‭ ‬والتجول‭ ‬في‭ ‬أرجائها‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬أركان‭ ‬الجمال‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬الوجه‭ ‬الحَسَن‭ ‬والمعالم‭ ‬الحضارية‭ ‬والتراث‭.‬

ها‭ ‬نحن‭ ‬فوق‭ ‬مطار‭ ‬كاراكاس‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬أشبه‭ ‬بحيّ‭ ‬مدني‭ ‬وسط‭ ‬غابة‭ ‬كثيفة،‭ ‬فالأشجار‭ ‬واللون‭ ‬الأخضر‭ ‬يحيطان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬كما‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬الجبال‭ ‬تتسلقها‭ ‬المنازل‭ ‬والبيوت‭ ‬العشوائية‭ ‬المتواضعة‭ ‬بلونها‭ ‬الخمري،‭ ‬وهو‭ ‬غالبًا‭ ‬لون‭ ‬الطابوق‭ ‬الذي‭ ‬بنيت‭ ‬منه‭.‬

حُسن‭ ‬الاستقبال‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬وطيب‭ ‬المعاملة‭ ‬يُذهبان‭ ‬تعب‭ ‬السفر‭ ‬وعناءه،‭ ‬والشوق‭ ‬لدخول‭ ‬البلاد‭ ‬واستكشافها‭ ‬يعطي‭ ‬شحنة‭ ‬حيوية‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الهمّة‭ ‬والنشاط‭.‬

ساعة‭ ‬وبعض‭ ‬الوقت‭ ‬قضيناها‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬إجراءات‭ ‬الدخول،‭ ‬ثم‭ ‬خرجنا‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬نحثّ‭ ‬السير‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬كاراكاس‭ ‬العاصمة‭ ‬وأكبر‭ ‬مدن‭ ‬فنزويلا،‭ ‬مرافقتي‭ ‬سيدة‭ ‬فنزويلية‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬عربية،‭ ‬ولدت‭ ‬هناك‭ ‬قبل‭ ‬40‭ ‬عامًا،‭ ‬وعاشت‭ ‬ودرست‭ ‬وعملت،‭ ‬والآن‭ ‬تعيش‭ ‬متنقلة‭ ‬بين‭ ‬بلد‭ ‬أجدادها‭ ‬وآبائها‭ ‬سورية،‭ ‬وبلدها‭ ‬فنزويلا‭.‬

أعدت‭ ‬مرافقتي‭ ‬نفسها‭ ‬لعلمها‭ ‬أنّي‭ ‬أريد‭ ‬إجراء‭ ‬استطلاع‭ ‬شامل‭ ‬عن‭ ‬فنزويلا،‭ ‬فحضّرت‭ ‬نفسها‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر‭ ‬وما‭ ‬لبثت،‭ ‬لحظة‭ ‬ركوبنا‭ ‬السيارة‭ ‬من‭ ‬المطار،‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬فنزويلا‭ ‬وعن‭ ‬أبرز‭ ‬المعالم‭ ‬والمدن‭ ‬والأماكن‭ ‬السياحية‭ ‬والحضارية‭ ‬فيها‭. ‬

 

فينسيا‭ ‬الصغرى

بدأت‭ ‬بلمحة‭ ‬صغيرة‭ ‬عن‭ ‬البلد،‭ ‬قائلة‭: ‬تقع‭ ‬جمهورية‭ ‬فنزويلا‭ ‬البوليفارية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وتعرف‭ ‬بدولة‭ ‬البترول،‭ ‬ومعنى‭ ‬اسمها‭ ‬بالإسبانية‭ ‬افنيسيا‭ ‬الصغرىب،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الأكواخ‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حول‭ ‬بحيرة‭ ‬مركايبو‭ ‬عند‭ ‬اكتشافها‭ ‬مع‭ ‬جزر‭ ‬الهند‭ ‬الغربية‭. ‬استعمرها‭ ‬الإسبان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬ضد‭ ‬الحكم‭ ‬الإسباني‭ ‬ثورات‭ ‬عدة‭ ‬بزعامة‭ ‬سيمون‭ ‬بوليفار،‭ ‬ثم‭ ‬استقلت‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1830م‭.‬

اللغة‭ ‬الرسمية‭ ‬هي‭ ‬الإسبانية،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬30‭ ‬لهجة‭ ‬أمرندية‭ (‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر؛‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭). ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬فيها‭ ‬جمهوري‭ ‬رئاسي،‭ ‬ودين‭ ‬الغالبية‭ ‬كاثوليك،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬مسلمون‭ ‬وبروتستانت‭ ‬ويهود،‭ ‬وديانة‭ ‬أوريشا‭.‬

 

موارد‭ ‬وثروات‭ ‬

وتابعت‭: ‬يعتمد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفنزويلي‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬عدة،‭ ‬أهمها‭ ‬البترول‭ ‬الذي‭ ‬يشكّل‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬صادرات‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وهي‭ ‬الدولة‭ ‬الرابعة‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تصدير‭ ‬البترول،‭ ‬وثالث‭ ‬دولة‭ ‬تزود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬به‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬الزراعة‭ ‬حرفة‭ ‬السكان‭ ‬الأساسية،‭ ‬وتشغل‭ ‬75‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬مساحة‭ ‬البلاد،‭ ‬وتتركز‭ ‬في‭ ‬السهول‭ ‬الشمالية‭ ‬وعلى‭ ‬السفوح،‭ ‬وأهم‭ ‬الغلات‭ ‬الذّرة،‭ ‬والأرز،‭ ‬والبن‭ ‬والكاكاو،‭ ‬والموز،‭ ‬وقصب‭ ‬السكر،‭ ‬وتقدّر‭ ‬مساحة‭ ‬المراعي‭ ‬بحوالي‭ ‬ثلث‭ ‬البلاد،‭ ‬وأهم‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأبقار‭ ‬والأغنام‭ ‬والماعز،‭ ‬ولا‭ ‬تتناسب‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬المراعي،‭ ‬وتكثُر‭ ‬فيها‭ ‬الغابات،‭ ‬ولم‭ ‬تستغل‭ ‬كلها،‭ ‬ويستخرج‭ ‬الماس‭ ‬والذهب‭ ‬والحديد‭ ‬والفحم‭ ‬والبوكسايت،‭ ‬وتتمثّل‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬الألومنيوم،‭ ‬وصهر‭ ‬الحديد،‭ ‬وصناعة‭ ‬السيارات،‭ ‬والسفن،‭ ‬وصناعة‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والملابس‭.‬

 

تنوّع‭ ‬ثقافي‭ ‬

وبينت‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬والفن‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬المعاصرة‭ ‬تتنوع‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وتستمد‭ ‬ثقافاتها‭ ‬ومعالمها‭ ‬الفنية‭ ‬من‭ ‬جذور‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭ ‬الأصليين‭ ‬القدماء،‭ ‬ومن‭ ‬الجذور‭ ‬الإسبانية‭ ‬والإفريقية‭ ‬التي‭ ‬اندمجت‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬لتبدأ‭ ‬عملية‭ ‬تغيير‭ ‬ثقافي‭ ‬استغرقت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الهجرة‭ ‬الإسبانية‭ ‬الأندلسية‭ ‬تم‭ ‬تلقّي‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬كالموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬والرقص‭ ‬وغيرها‭... ‬وفيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬المستخدمة‭ ‬التي‭ ‬ترجع‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.‬

‭ ‬

كاراكاس‭... ‬مركز‭ ‬حضاري

وصلنا‭ ‬مدينة‭ ‬كاراكاس‭ ‬في‭ ‬الليل،‭ ‬فبدت‭ ‬كشعلة‭ ‬من‭ ‬نور‭... ‬الأضواء‭ ‬المرسلة‭ ‬من‭ ‬المصابيح‭ ‬الكهربائية‭ ‬تنير‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات‭ ‬كأقمار‭ ‬تتراقص‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وبانت‭ ‬أنوار‭ ‬المباني‭ ‬والأبراج‭ ‬أشبه‭ ‬بنجوم‭ ‬تتلألأ‭ ‬من‭ ‬بعيد‭.‬

عند‭ ‬دخولنا‭ ‬المدينة‭ ‬كان‭ ‬الليل‭ ‬قد‭ ‬أرخى‭ ‬سدوله‭ ‬وحلّ‭ ‬الظلام‭ ‬على‭ ‬المكان،‭ ‬مرسلًا‭ ‬معه‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬تلقّيناها‭ ‬برغبة‭ ‬جامحة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬أخذ‭ ‬منّا‭ ‬التعب‭ ‬والإرهاق‭ ‬مأخذًا‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬الطويلة،‭ ‬فآثرنا‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الفنادق‭ ‬لنمضي‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭.‬

خرجنا‭ ‬باكرًا‭ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬لحظات‭ ‬حتى‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬وسط‭ ‬المدينة،‭ ‬تحيط‭ ‬بنا‭ ‬العمارات‭ ‬الشاهقة‭ ‬وتمتد‭ ‬أمامنا‭ ‬طرقات‭ ‬وشوارع‭ ‬مكتظة‭ ‬بالسيارات‭ ‬والدراجات‭ ‬النارية‭ ‬والمارة‭.‬

بدأت‭ ‬مرافقتي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬كاراكاس‭ ‬عاصمة‭ ‬فزويلا‭ ‬وأكبر‭ ‬مدنها‭ ‬ومركزها‭ ‬التجاري‭ ‬والثقافي،‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬لاغويرا‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬كلم‭ ‬من‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي‭. ‬وقالت‭: ‬كاراكاس‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬مدن‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬5‭.‬657‭.‬821‭ ‬نسمة‭ (‬2006‭)‬،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬1‭.‬930‭ ‬كم‭ ‬مربع‭. ‬

تقع‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬فنزويلا‭ ‬على‭ ‬أعقاب‭ ‬وادي‭ ‬كاراكاس‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬جبال‭ ‬فنزويلا‭ ‬الساحلية،‭ ‬وحرارة‭ ‬الوادي‭ ‬هي‭ ‬حرارة‭ ‬شبه‭ ‬ربيعية‭ ‬والمناطق‭ ‬المناسبة‭ ‬لبناء‭ ‬المباني‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يتراوح‭ ‬ارتفاعها‭ ‬بين‭ ‬760‭ ‬و910م‭ (‬2‭.‬500‭ ‬و3‭.‬000‭ ‬قدم‭) ‬فوق‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭. ‬

الوادي‭ ‬يقع‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي،‭ ‬لكن‭ ‬تفصله‭ ‬عنه‭ ‬سلسلة‭ ‬جبال‭ ‬شديدة‭ ‬الارتفاع‭ ‬تبدو‭ ‬كأنها‭ ‬في‭ ‬عناق‭ ‬دائم‭ ‬مع‭ ‬الغيوم،‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬ارتفاعها‭ ‬إلى‭ ‬2200م‭ (‬7400‭ ‬قدم‭).‬

في‭ ‬وقت‭ ‬تأسيسها،‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬عام،‭ ‬كان‭ ‬أهل‭ ‬وادي‭ ‬كاراكاس‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1562‭ ‬قام‭ ‬إسبانيان‭ ‬بمحاولة‭ ‬اعتداء‭ ‬على‭ ‬الوادي‭ ‬وتأسيس‭ ‬مستعمرة‭ ‬فيه،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬تأسيس‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية‭ ‬الإسبانية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬قريبة‭. ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬هاجم‭ ‬السكان‭ ‬المحليون‭ ‬المستعمرة‭ ‬ودمروها‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬آخر‭ ‬ثورة‭ ‬للسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬في‭ ‬25‭ ‬يوليو‭ ‬1567‭ ‬أسس‭ ‬الكابتن‭ ‬دييغو‭ ‬دي‭ ‬لوسادا‭ ‬مستعمرة‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬كاراكاس،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬مدينة‭ ‬كاراكاس‭.‬

 

سيمون‭ ‬بوليفار

وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬بمبانيه‭ ‬التاريخية،‭ ‬قالت‭ ‬محدثتي‭ ‬إن‭ ‬الجزء‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬يرجع‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬العهد‭ ‬الاستعماري‭ ‬الذي‭ ‬امتد‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬حتى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬المباني‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬بناء‭ ‬الكابيتول‭ ‬ذو‭ ‬القباب‭ ‬الذهبية‭ (‬مبنى‭ ‬برلمان‭ ‬فنزويلا‭) ‬وكنيسة‭ ‬أثرية‭ ‬ومبنى‭ ‬البلدية‭. ‬

في‭ ‬ميدان‭ ‬البوليفار‭ ‬الذي‭ ‬يعدّ‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الحدائق‭ ‬والميادين‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬كاراكاس،‭ ‬لفت‭ ‬نظرنا‭ ‬ذلك‭ ‬التمثال‭ ‬البرونزي‭ ‬للفارس‭ ‬سيمون‭ ‬بوليفار،‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬والثورية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭.‬

وبالقرب‭ ‬من‭ ‬حديقة‭ ‬البلازا،‭ ‬لاحظنا‭ ‬سراي‭ ‬ميرافلوريس،‭ ‬وهي‭ ‬مبنى‭ ‬قديم‭ ‬مزخرف‭ ‬زخرفة‭ ‬جميلة‭ ‬يضمّ‭ ‬مكاتب‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬وكبار‭ ‬مستشاريه‭.‬

وهنا‭ ‬يقطن‭ ‬معظم‭ ‬سكّان‭ ‬المدينة‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬في‭ ‬أبنية‭ ‬حديثة‭ ‬شاهقة،‭ ‬أما‭ ‬العائلات‭ ‬الغنية‭ ‬فتقيم‭ ‬في‭ ‬أبنية‭ ‬فاخرة‭ ‬شيّدت‭ ‬على‭ ‬الطراز‭ ‬الإسباني،‭ ‬أما‭ ‬الفقراء‭ ‬فيعيشون‭ ‬على‭ ‬المرتفعات‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بالمدينة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬أكواخ‭ ‬فقيرة‭ ‬مهلهلة‭.‬

وتابعت‭ ‬محدثتي‭ ‬الشرح،‭ ‬بينما‭ ‬كنا‭ ‬نتجول‭ ‬داخل‭ ‬المدينة،‭ ‬مبينة‭ ‬أن‭ ‬اقتصاد‭ ‬كاراكاس‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الحكومية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬إذ‭ ‬يعمل‭ ‬غالبية‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬الحكومية‭ ‬والمشروعات‭ ‬الإنشائية‭ ‬الحكومية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬تكرير‭ ‬النفط‭ ‬الحكومية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المدينة‭ ‬أهم‭ ‬المراكز‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬فيها‭ ‬وحولها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصناعات،‭ ‬مثل‭ ‬صناعة‭ ‬الإسمنت‭ ‬والورق‭ ‬وتكرير‭ ‬السكر‭ ‬وتكرير‭ ‬النفط‭ ‬وصناعة‭ ‬الأقمشة‭ ‬والجعة‭ ‬وإنتاج‭ ‬الزجاج‭ ‬والسلع‭ ‬المطاطية‭ ‬والمواد‭ ‬الصيدلانية‭. ‬

وزادت‭ ‬أن‭ ‬كاراكاس‭ ‬تشكّل‭ ‬عقدة‭ ‬مواصلات‭ ‬مهمة،‭ ‬حيث‭ ‬ترتبط‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬مدن‭ ‬فنزويلا‭ ‬وأقاليمها‭ ‬بالطرق‭ ‬البرية‭ ‬السريعة‭ ‬والسكك‭ ‬الحديدية‭ ‬والخطوط‭ ‬الجوية،‭ ‬كما‭ ‬ترتبط‭ ‬المراكز‭ ‬السكنية‭ ‬والتجارية‭ ‬الرئيسية‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‭ ‬بشبكة‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬الجيدة‭ ‬وخطوط‭ ‬قطارات‭ ‬الأنفاق،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تحوّلت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬حاضرات‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬بفضل‭ ‬العائدات‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬وظّفتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الفنزويلية‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬

واقع‭ ‬فنزويلا‭ ‬الراهن‭ ‬

أيام‭ ‬عدّة‭ ‬قضيناها‭ ‬في‭ ‬كاراكاس‭ ‬بحثنا‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬مطلعة‭ ‬لتحدثنا‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وتوصلنا‭ ‬إلى‭ ‬النائب‭ ‬‏عادل‭ ‬الصغير‭ ‬عضو‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ (‬البرلمان‭) ‬مدة‭ ‬15‭ ‬عامًا،‭ ‬ورئيس‭ ‬منظمة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والأندية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬افيا‭ ‬أرابب،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬للجالية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭.‬

فكان‭ ‬لنا‭ ‬معه‭ ‬لقاء‭ ‬موسع،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬فنزويلا‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬والسبب‭ ‬فيما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية،‭ ‬وقال‭: ‬‏حتى‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬قد‭ ‬كانت‭ ‬توصلت‭ ‬فنزويلا‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬والتطور‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وذلك‭ ‬بشهادة‭ ‬الجميع‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬بدأت‭ ‬تحصل‭ ‬بعض‭ ‬المشاكل‭ ‬بعد‭ ‬التشريع‭ ‬الخاص‭ ‬بالنفط‭ ‬ورفع‭ ‬نسبة‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬من‭ ‬1‭ ‬إلى‭ ‬33‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬النسبة‭ ‬الطبيعية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬لم‭ ‬ترقَ‭ ‬لشركات‭ ‬النفط‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬فعملت‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬حركات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات،‭ ‬فعمدت‭ ‬بعض‭ ‬المعامل‭ ‬المنتجة‭ ‬للطعام‭ ‬والغذاء‭ ‬إلى‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬الإنتاج‭ ‬بهدف‭ ‬تجويع‭ ‬الشعب‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الحكومة،‭ ‬وقامت‭ ‬عدة‭ ‬شركات؛‭ ‬منها‭ ‬شركة‭ ‬الألبان،‭ ‬‏أكبر‭ ‬منتج‭ ‬للحليب‭ ‬بشراء‭ ‬الحليب‭ ‬من‭ ‬مزارع‭ ‬الأبقار‭ ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصنعه‭ ‬رمته‭ ‬في‭ ‬الأنهار،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تشتري‭ ‬الأرز‭ ‬من‭ ‬المزارعين،‭ ‬وقد‭ ‬حرقته‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تصنيعه‭ ‬وبيعه‭ ‬كغذاء،‭ ‬وهكذا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬الأخرى‭.‬

وبالنسبة‭ ‬للثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬قاموا‭ ‬بتهريبها‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬مثل‭ ‬كولومبيا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬دفع‭ ‬أسعار‭ ‬عالية‭ ‬لاستجرار‭ ‬المنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬المحلية‭ ‬والثروة‭ ‬الحيوانية،ت‏بهدف‭ ‬خلق‭ ‬أزمة‭ ‬وحرمان‭ ‬السوق‭ ‬المحلية‭ ‬منها،‭ ‬حتى‭ ‬الوقود‭ ‬بكل‭ ‬مشتقاته‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬أيضًا‭ ‬تهريبه‭ ‬للخارج‭. ‬

وفي‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬قام‭ ‬العاملون‭ ‬داخل‭ ‬شركة‭ ‬النفط‭ ‬بتخريب‭ ‬مرافق‭ ‬الشركة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬أجهزة‭ ‬المراقبة‭ ‬وقطعوا‭ ‬أسلاك‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وخطفوا‭ ‬ناقلات‭ ‬النفط،‭ ‬واحتجزوها‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر،‭ ‬‏مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬شلل‭ ‬عملية‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭. ‬كما‭ ‬قاموا‭ ‬بإيقاف‭ ‬النفط‭ ‬المنتج‭ ‬وتركه‭ ‬داخل‭ ‬أنابيب‭ ‬النقل،‭ ‬وهكذا‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬الشركة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنفط‭ ‬إلى‭ ‬الصفر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬شركة‭ ‬نفط‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬‏وما‭ ‬زلنا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬نجري‭ ‬عمليات‭ ‬إصلاح‭ ‬الأضرار‭ ‬والتلف‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بالشركة‭ ‬خلال‭ ‬الـ‭ ‬17‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفنزويلي‭ ‬يدفع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إصلاح‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للشركة،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬توقّفها‭ ‬عن‭ ‬الإنتاج‭.‬

 

سوق‭ ‬موازية

ويتابع‭ ‬الصغير‭: ‬اليوم‭ ‬إحدى‭ ‬المشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحكّم‭ ‬بسعر‭ ‬الدولار‭ ‬ومراقبته،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭ ‬كمية‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬الدولار،‭ ‬‏وتبيّن‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الدولة‭ ‬تتضارب‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فنشأت‭ ‬أسواق‭ ‬موازية‭ ‬للسوق‭ ‬الحكومية‭ ‬يتم‭ ‬التحكّم‭ ‬فيها‭ ‬والتأثير‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

وعندما‭ ‬أفرغ‭ ‬مخزون‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬يتصرف‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬يملكها،‭ ‬وهو‭ ‬السوق‭ ‬الموازية‭ (‬السوداء‭)‬،‭ ‬فصارت‭ ‬هي‭ ‬مَن‭ ‬تقرّر‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لم‭ ‬تتعامل‭ ‬بواقعيّة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬السعر،‭ ‬‏وما‭ ‬زالت‭ ‬تضع‭ ‬أسعارًا‭ ‬عدة‭ ‬لصرف‭ ‬الدولار،‭ ‬وظلت‭ ‬توفّر‭ ‬الدعم‭ ‬للاستيراد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬الدولار‭ ‬بسعر‭ ‬مخفّض‭ ‬للمستوردين‭. ‬

ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬أثّرت‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬قلة‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬وانخفاض‭ ‬أسعاره،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المواد،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭.‬

وعن‭ ‬كيفية‭ ‬وسبب‭ ‬وصول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬‏العرب‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬والمراكز‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬قال‭: ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬فالجالية‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭ ‬ركّزت‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائها،‭ ‬وخلقت‭ ‬فيها‭ ‬ثقافة‭ ‬عالية‭ ‬جدًا،‭ ‬مبينًا‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬أيضًا‭ ‬مستويات‭ ‬مادية‭ ‬وقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مؤثرة،‭ ‬فهم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬التجارية‭ ‬والحرفية‭ ‬والإنتاجية‭.‬

 

المساجد‭ ‬والجمعيات‭ ‬الخيرية

‭ ‬توجد‭ ‬جالية‭ ‬مسلمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬تعيش‭ ‬أغلبها‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬كراكاس‭ ‬ومراكيبو‭ ‬وماتورين‭ ‬وبرشلونة،‭ ‬أما‭ ‬الجالية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فأغلبها‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فالينسيا،‭ ‬ولها‭ ‬مركز‭ ‬إسلامي‭ ‬ومسجد‭. ‬

ففي‭ ‬كراكاس‭ ‬العاصمة‭ ‬يوجد‭ ‬مسجد‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الإبراهيم،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أكبر‭ ‬المساجد‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وفي‭ ‬أنحاء‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬ويكفي‭ ‬المسجد‭ ‬لـ‭ ‬3500‭ ‬مصلّ،‭ ‬وتم‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬بنائه‭ ‬وافتتاحه‭ ‬رسميًا‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬أبريل‭ ‬1993م‭.‬

ولأنه‭ ‬المسجد‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬إعطائه‭ ‬طابعًا‭ ‬معماريًا‭ ‬مميزًا‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬وعند‭ ‬افتتاحه‭ ‬خاطب‭ ‬الرئيس‭ ‬الفنزويلي‭ ‬الجماهير‭ ‬المسلمة‭ ‬قائلًا‭: ‬اإن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬فقط‭ ‬مركزًا‭ ‬للعبادة‭ ‬أو‭ ‬اعتكاف‭ ‬المؤمنين،‭ ‬بل‭ ‬سيكون‭ ‬رابطة‭ ‬جديدة‭ ‬للصداقة‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬الفنزويلي‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية‭ ‬المسلمةب،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬تقديره‭ ‬واحترامه‭ ‬للديانة‭ ‬المسلمة،‭ ‬وللمركز‭ ‬نشاطات‭ ‬مهمة‭ ‬ودور‭ ‬مميز‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬قضايا‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭.‬

 

رابطة‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي

كما‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬والمراكز‭ ‬الإسلامية‭ ‬والنوادي‭ ‬العربية‭ ‬والمدارس،‭ ‬وعدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المصليات‭ ‬والمساجد‭. ‬

من‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬رابطة‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬فيها‭ ‬لقاء‭ ‬خاص‭ ‬مع‭ ‬المشرف‭ ‬العام‭ ‬عليها‭ ‬صالح‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬بوقس،‭ ‬حيث‭ ‬تحدّث‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرابطة،‭ ‬قائلًا‭: ‬‏تهدف‭ ‬الرابطة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتعريف‭ ‬المجتمع‭ ‬الفنزويلي‭ ‬بثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتتخذ‭ ‬الرابطة‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬مقرًا‭ ‬لها،‭ ‬مبينًا‭ ‬أن‭ ‬المسجد‭ ‬مفتوح‭ ‬طوال‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬للأديان‭ ‬السماوية؛‭ ‬المسيحية،‭ ‬واليهودية‭ ‬والإسلام،‭ ‬ويتم‭ ‬عقد‭ ‬لقاءات‭ ‬دورية‭ ‬بيننا،‭ ‬وذلك‭ ‬لتبادل‭ ‬الآراء‭ ‬والثقافة‭ ‬والمعلومات،‭ ‬ومناقشة‭ ‬أوضاع‭ ‬‏الجاليات‭ ‬الموجودة‭ ‬هنا،‭ ‬وتأكيد‭  ‬استمرارية‭ ‬الوئام‭ ‬والسلام‭.‬

وأضاف‭: ‬أنشئت‭ ‬الرابطة‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬وهي‭ ‬مؤسسة‭ ‬رسمية‭ ‬غير‭ ‬ربحية‭ ‬مسجّلة‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭. ‬وتتضمن‭ ‬النشاطات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬إقامة‭ ‬الصلوات‭ ‬الخمس‭ ‬وصلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬والعيدين،‭ ‬وإقامة‭ ‬الفعاليات،‭ ‬وإفطار‭ ‬الصائم‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬‏وصلوات‭ ‬التراويح،‭ ‬وأيضًا‭ ‬هناك‭ ‬نشاطات‭ ‬اجتماعية‭ ‬خدمية‭ ‬مثل‭ ‬غسل‭ ‬الموتى‭ ‬وتقديم‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية،‭ ‬لافتًا‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬عيادة‭ ‬واحدة‭ ‬للأسنان‭ ‬وأخرى‭ ‬للعيون،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬حيث‭ ‬توفّر‭ ‬لنا‭ ‬الأطباء،‭ ‬ولدينا‭ ‬التجهيزات‭ ‬كافة،‭ ‬ونقدّم‭ ‬خدماتنا‭ ‬للجميع‭.‬

وزاد‭: ‬لدينا‭ ‬أيضًا‭ ‬أنشطة‭ ‬تعليمية‭ ‬ثقافية،‭ ‬وهي‭ ‬مجانية،‭ ‬ولنا‭ ‬تعاون‭ ‬مع‭ ‬الجامعة‭ ‬المركزية،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وتوفر‭ ‬لنا‭ ‬مدرسًا‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬الرابطة‭ ‬تقيم‭ ‬فصولًا‭ ‬تدريبية‭ ‬تعليمية‭ ‬للنساء،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المهن‭ ‬كالطبخ‭ ‬والتطريز‭ ‬والخياطة‭ ‬وغيرها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬محاضرات‭ ‬وأنشطة‭ ‬رياضية‭ ‬للمدارس‭ ‬وبقية‭ ‬الوزارات‭ ‬ومسابقات‭ ‬ثقافية‭ ‬وعلمية‭ ‬دورية‭ ‬وإقامة‭ ‬المعارض‭ ‬وغيرها‭. ‬

واختتم‭ ‬بأن‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬300‭ ‬و400‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬يتركز‭ ‬معظمهم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬كراكاس،‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬مارجريتا‭ ‬وبعض‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى‭.‬

 

ولاية‭ ‬بوليفار‭... ‬الطبيعة‭ ‬والاقتصاد

أيام‭ ‬ثلاثة‭ ‬مرت،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬معالم‭ ‬كاراكاس،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بُدّ‭ ‬من‭ ‬المغادرة،‭ ‬فقررنا‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬الخيار‭ ‬على‭ ‬ولاية‭ ‬بوليفار‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرقي‭ ‬البلاد‭. ‬تستغرق‭ ‬الرحلة‭ ‬بالطائرة‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬الساعة‭ ‬تقريبًا،‭ ‬أما‭ ‬الرحلة‭ ‬بالبر‭ ‬فتستغرق‭ ‬حوالي‭ ‬8‭ ‬ساعات‭. ‬وقد‭ ‬اخترنا‭ ‬الذهاب‭ ‬بالبر،‭ ‬لكونه‭ ‬يتيح‭ ‬لنا‭ ‬الفرصة‭ ‬للاطلاع‭ ‬والمشاهدة‭ ‬والتعرف‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭.‬

اعتذرت‭ ‬مرافقتي‭ ‬عن‭ ‬الاستمرار‭ ‬معنا،‭ ‬لأن‭ ‬السفر‭ ‬بالبر‭ ‬لا‭ ‬يناسبها،‭ ‬ورشحت‭ ‬قريبًا‭ ‬لها‭ ‬ليقودنا‭ ‬بسيارته‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭.‬

تسمّر‭ ‬عدنان‭ ‬حمد،‭ (‬فنزويلي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬عربي‭)‬،‭ ‬خلف‭ ‬مقود‭ ‬السيارة،‭ ‬وربط‭ ‬حزام‭ ‬الأمان،‭ ‬وأشار‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أفعل‭ ‬أيضًا،‭ ‬فقمت‭ ‬بربط‭ ‬الحزام‭ ‬وإخراج‭ ‬كاميرا‭ ‬التصوير‭ ‬وكرّاس‭ ‬الملاحظات،‭ ‬وانطلقت‭ ‬بنا‭ ‬السيارة‭ ‬تطوي‭ ‬المسافات‭ ‬وتسابق‭ ‬الزمن‭.‬

رغم‭ ‬طول‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬كاراكاس‭ ‬إلى‭ ‬بوليفار،‭ ‬فإن‭ ‬المرء‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالزمن‭ ‬ولا‭ ‬يملّ‭ ‬المسير،‭ ‬وذلك‭ ‬لتنوّع‭ ‬المشاهد‭ ‬وتعدد‭ ‬المناظر‭ ‬وسحرها‭ ‬وجمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬واختلافها،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تنقطع‭ ‬مشاهد‭ ‬الأشجار‭ ‬والخضار‭ ‬التي‭ ‬تنتشر‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬يخترق‭ ‬الغابات‭ ‬ويصعد‭ ‬الجبال‭ ‬ويلتف‭ ‬حولها،‭ ‬ويجتازها‭ ‬ثم‭ ‬يسير‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬بمحاذاة‭ ‬البحر،‭ ‬ويعود‭ ‬ليجتاز‭ ‬الغابات‭ ‬والجبال،‭ ‬ويعبر‭ ‬المدن‭ ‬والبلدات‭ ‬فوق‭ ‬الجسور‭ ‬أحيانًا،‭ ‬وبجانب‭ ‬الأنهار‭ ‬أحيانًا‭ ‬أخرى‭.‬

 

تمازُج‭ ‬خلّاب

إنه‭ ‬تنوّع‭ ‬وتمازج‭ ‬خلاب‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الإثارة‭ ‬والجمال،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬تباغتك‭ ‬الغيوم‭ ‬ويحجز‭ ‬الضباب‭ ‬الرؤية‭ ‬أمامك،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يلبث‭ ‬المطر‭ ‬أن‭ ‬ينهمر‭ ‬سيلًا‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬فيغمر‭ ‬الأرض‭ ‬ويشكل‭ ‬سيولًا‭ ‬ومستنقعات‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الطريق‭ ‬وفي‭ ‬الأماكن‭ ‬المنخفضة‭.‬

علامات‭ ‬المرور‭ ‬واللوحات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الإرشادات‭ ‬وأسماء‭ ‬المدن‭ ‬لا‭ ‬تنقطع‭ ‬طوال‭ ‬الطريق،‭ ‬ونقرأ‭ ‬علامة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬افالنسياب،‭ ‬فنتقدم‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ونظن‭ ‬أننا‭ ‬اقتربنا،‭ ‬ونكاد‭ ‬نصلها،‭ ‬لكننا‭ ‬كلما‭ ‬سرنا‭ ‬شعرنا‭ ‬أنها‭ ‬أبعد،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المسافة‭ ‬طويلة‭ ‬والتعب‭ ‬يكاد‭ ‬يهدّنا‭.‬

بعد‭ ‬مسير‭ ‬طويل‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬مفترق‭ ‬نأخذه‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬باتجاه‭ ‬اأناكوب،‭ ‬التي‭ ‬نعبرها‭ ‬باتجاه‭ ‬االتيغريب،‭ ‬ويقول‭ ‬مرافقي‭ ‬إن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬بويرتو‭ ‬لاكروس،‭ ‬وهو‭ ‬ميناء‭ ‬ومدينة‭ ‬كبيرة‭ ‬ومشهورة،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬مدن‭ ‬فنزويلا‭.‬

بعد‭ ‬مسير‭ ‬طويل‭ ‬بعضه‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬وجلّه‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬التيغري،‭ ‬الاسم‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬االنمرب،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬النمور‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬تسميتها‭. ‬نجتاز‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬باتجاه‭ ‬مدينة‭ ‬بوليفار‭. ‬ابقي‭ ‬لنا‭ ‬حوالي‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬ونصل‭ ‬إليهاب،‭ ‬ينطق‭ ‬مرافقي‭ ‬بعد‭ ‬صمت‭ ‬طويل‭. ‬وتمضي‭ ‬الساعة،‭ ‬ونجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬داخل‭ ‬المدينة،‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬إقامتنا،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬الراحة‭ ‬والنوم‭.‬

 

بوليفار‭... ‬مهد‭ ‬الاستقلال‭ ‬

في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬كنّا‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬للولاية،‭ ‬كمال‭ ‬عابد‭ ‬نعيم،‭ ‬الذي‭ ‬استقبلنا‭ ‬بكل‭ ‬حفاوة،‭ ‬وأخذ‭ ‬يشرح‭ ‬الموقع‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تحتله‭ ‬ولاية‭ ‬بوليفار،‭ ‬ويفسّر‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تشغلها،‭ ‬وقال‭: ‬إن‭ ‬تسمية‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬جاءت‭ ‬تيمنًا‭ ‬سيمون‭ ‬بوليفار،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬ثورة‭ ‬عام‭ ‬1821م‭ ‬على‭ ‬الإسبان‭ ‬الذين‭ ‬استعمروا‭ ‬فنزويلا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬عام‭ ‬1520م،‭ ‬واستطاعت‭ ‬الثورة‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬حقبة‭ ‬الاستعمار‭ ‬هذه‭ ‬وتعلن‭ ‬قيام‭ ‬كولومبيا‭ ‬الكبرى‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬كولومبيا‭ ‬والإكوادور،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬فنزويلا‭ ‬استقلالها‭ ‬وقيامها‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬عام‭ ‬1830م‭.‬

وعن‭ ‬الأهمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للمدينة‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬ولاية‭ ‬بوليفار‭ ‬تشكّل‭ ‬ميناء‭ ‬كبيرًا‭ ‬ومدينة‭ ‬تجارية،‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬أورينوكو‭ ‬في‭ ‬شرقي‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وهو‭ ‬أهم‭ ‬نهر‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬225‭.‬846‭ ‬نسمة،‭ ‬وعدد‭ ‬سكان‭ ‬منطقتها‭ ‬الحضرية‭ ‬247‭.‬593‭ ‬نسمة‭.‬

وكشف‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬مدينة‭ ‬بوليفار‭ ‬حوض‭ ‬عائم‭ ‬كبير،‭ ‬وتمرّ‭ ‬عبر‭ ‬الميناء‭ ‬بضائع‭ ‬مثل‭ ‬جلود‭ ‬الحيوانات‭ ‬وثمار‭ ‬شجرة‭ ‬البلاذر‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭ ‬الغربي‭ ‬والعصارة‭ ‬اللبنية،‭ ‬وألياف‭ ‬النخيل‭ ‬والأخشاب‭. ‬كما‭ ‬تنقل‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬الذهب‭ ‬وألماس‭ ‬من‭ ‬غيابنا‭ ‬هايلاندز‭ ‬في‭ ‬جنوبي‭ ‬فنزويلا‭.‬

وبيّن‭ ‬أن‭ ‬فيها‭ ‬أكبر‭ ‬محمية‭ ‬طبيعية‭ ‬وأضخم‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬والسياحية،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬فيها‭ ‬أهم‭ ‬الأنهار،‭ ‬وهما‭ ‬نهرا‭ ‬أورونوكو‭ ‬وكوروني،‭ ‬اللذان‭ ‬أقيم‭ ‬عليهما‭ ‬4‭ ‬سدود‭ ‬مهمة‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬حيث‭ ‬تولّد‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

‭ ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تضمه‭ ‬هذه‭ ‬الولاية‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬اقتصادية‭ ‬يعد‭ ‬بديلًا‭ ‬‏للنفط،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬المعادن‭ ‬كالحديد‭ ‬والألمنيوم‭ ‬والذهب‭ ‬والألماس‭ ‬والجرانيت‭ ‬والكوبال‭ ‬والأحجار‭ ‬وغيرها‭. ‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬الولاية‭ ‬تضمّ‭ ‬أكبر‭ ‬محمية‭ ‬طبيعية،‭ ‬محمية‭ ‬كانايما،‭ ‬وهي‭ ‬الأقدم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وفيها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأنهار‭ ‬وشلالات‭ ‬الغابات‭ ‬والجبال‭ ‬الصخرية،‭ ‬وتضم‭ ‬أطول‭ ‬شلال‭ ‬بالعالم‭ ‬وهو‭ ‬شلال‭ ‬سانتو‭ ‬أنخل‭. ‬

وعن‭ ‬وجود‭ ‬العرب‭ ‬ودورهم‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬قال‭ ‬نعيم‭: ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬موجودون‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬البلاد‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولنا‭ ‬علاقة‭ ‬طيبة‭ ‬مع‭ ‬الشعب،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬علينا‭ ‬إقامة‭ ‬العلاقات‭ ‬الطيبة‭ ‬مع‭ ‬الجميع،‭ ‬وأغلبها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تجارية‭ ‬واقتصادية‭.‬

 

الجالية‭ ‬العربية

كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬يتنوع‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يشكّلون‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

الدكتور‭ ‬عادل‭ ‬سمارة،‭ ‬طبيب‭ ‬عيون‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬سوري‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بوليفار‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬عامًا‭ ‬تقريبًا،‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬إنه‭ ‬توجد‭ ‬جالية‭ ‬عربية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬لقاءات‭ ‬متواصلة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬هذه‭ ‬الجالية‭. ‬

ويضيف‭ ‬د‭. ‬سمارة‭ ‬أن‭ ‬فنـــزويلا‭ ‬غنيّة‭ ‬بالقدرات‭ ‬البشرية،‭ ‬فقد‭ ‬هاجر‭ ‬إليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كالإسبان‭ ‬والطليان‭ ‬الذين‭ ‬يعملــــون‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬واستخراج‭ ‬المعادن‭ ‬والحجــارة،‭ ‬والبرتغاليون‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الأغذية،‭ ‬والعرب،‭ ‬وعملهم‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬التجارة،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جالية‭ ‬سورية‭ ‬تقدّر‭ ‬بنصف‭ ‬مليون‭ ‬ولبنانية‭ ‬بنحو‭ ‬300‭ ‬ألف،‭ ‬وفلسطينية‭ ‬حوالي‭ ‬1000،‭ ‬وهناك‭ ‬جاليات‭ ‬أخرى‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية،‭ ‬وأنه‭ ‬يوجد‭ ‬ناد‭ ‬للعرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ولاية‭ ‬يلتقون‭ ‬فيه‭ ‬ويقيمون‭ ‬المناسبات‭.‬

أما‭ ‬السكان‭ ‬الأصليون،‭ ‬الهنود،‭ ‬فمازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الغابات‭ ‬ويعتمدون‭ ‬على‭ ‬الصيد‭ ‬وجمع‭ ‬الثمار،‭ ‬ويعيشون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬تجمّعات‭ ‬قبلية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬متفرقة‭ ‬كأقليات‭. ‬وقد‭ ‬أعطاهم‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬هوغو‭ ‬شافيز‭ ‬دعمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬وعيّن‭ ‬قسمًا‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬وفي‭ ‬البرلمان‭ ‬والحكومة‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬لمنطقة‭ ‬الأمازون‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬توجد‭ ‬لديهم‭ ‬أسطورة‭ ‬عن‭ ‬نشأة‭ ‬العالم،‭ ‬تقول‭ ‬الأسطورة‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬البدء‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬سلالات‭ ‬عديدة‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬شجرة‭ ‬الحياة‭ ‬العملاقة،‭ ‬وقد‭ ‬سمحت‭ ‬لهم‭ ‬الآلهة‭ ‬بالاقتراب‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬معيّنة‭ ‬لتلك‭ ‬الشجرة،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬قررت‭ ‬الكائنات‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬قطع‭ ‬الشجرة‭ ‬لتنزل‭ ‬الثمار‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصعدوا‭ ‬هم‭ ‬لجنيها،‭ ‬وعندما‭ ‬هَوَت‭ ‬الشجرة‭ ‬نشأت‭ ‬غابات‭ ‬الأمازون‭ ‬الشاسعة،‭ ‬فتحولت‭ ‬أوراقها‭ ‬إلى‭ ‬أشجار‭ ‬كثيفة،‭ ‬وأغصانها‭ ‬إلى‭ ‬أنهار،‭ ‬وكل‭ ‬ثمرة‭ ‬أصبحت‭ ‬حقلًا،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭ ‬إلا‭ ‬جذعها‭ ‬العملاق،‭ ‬وهو‭ ‬جبل‭ ‬أوتانا‭ ‬المقدس،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬تحوّلت‭ ‬الحيوانات‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬مختلفة‭ ‬تعيش‭ ‬متناثرة‭ ‬في‭ ‬الغابة‭.‬

وتابع‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬مظاهر‭ ‬للتمدن‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع،‭ ‬وكانت‭ ‬وسيلة‭ ‬التنقل‭ ‬الوحيدة‭ ‬هي‭ ‬قوارب‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬وكان‭ ‬التاجر‭ ‬العربي‭ ‬يقطع‭ ‬مسافات‭ ‬طويلة‭ ‬حاملًا‭ ‬حقائبه،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أكواخهم‭ ‬لبيعهم‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬بضائع‭.‬

وأشار‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬جالية‭ ‬عربية‭ ‬قوية‭ ‬وفاعلة،‭ ‬تعتبرهم‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬الأمة‭ ‬الفنزويلية‭. ‬ولها‭ ‬أيد‭ ‬طويلة‭ ‬بتطوير‭ ‬البلاد‭ ‬تجاريًا‭ ‬وحتى‭ ‬ثقافيًا‭ ‬وزراعيًا،‭ ‬إذ‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬مَن‭ ‬أدخلوا‭ ‬البصل‭ ‬والبندورة‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭.‬

 

يوم‭ ‬المقاومة

واستطرد‭: ‬انطلق‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حياتهم‭ ‬كباعة‭ ‬متجولين‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والأسواق،‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬أصبحوا‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬يملكون‭ ‬محالّ‭ ‬تجارية‭ ‬مهمة‭ ‬وشركات‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولهم‭ ‬وزنهم‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬منهم‭ ‬المحامي‭ ‬والقاضي‭ ‬والطبيب‭ ‬والمهندس‭ ‬والمدرس‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬مدّ‭ ‬الجسور‭ ‬وربط‭ ‬خيوط‭ ‬التفاهم‭ ‬معهم‭. ‬

وزاد‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬يقام‭ ‬احتفال‭ ‬بُعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬أمريكا،‭ ‬لكن‭ ‬الرئيس‭ ‬شافيز‭ ‬ألغى‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال،‭ ‬واستبدله‭ ‬بيوم‭ ‬المقاومة،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬الفتح‭ ‬الأوربي‭ ‬كان‭ ‬بمنزلة‭ ‬كارثة‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬وأن‭ ‬مَن‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬إلى‭ ‬القارة‭ ‬الجديدة‭ ‬هم‭ ‬المرتزقة‭ ‬وأصحاب‭ ‬الأحكام‭ ‬والسجلات‭ ‬السيئة‭ ‬والطبقات‭ ‬الدنيا‭. ‬

أطرق‭ ‬الرجل‭ ‬قليلاً،‭ ‬ثم‭ ‬أردف‭: ‬نعيش‭ ‬هنا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لم‭ ‬نشعر‭ ‬بالغربة‭... ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬غريب،‭ ‬ويظل‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬غريبًا‭ ‬فيه،‭ ‬إذ‭ ‬يحيط‭ ‬نفسه‭ ‬بعالمه‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬بلده‭ ‬أبدًا‭.‬

هذا‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬علينا،‭ ‬فنحن‭ ‬نشعر‭ ‬أن‭ ‬هنا‭ ‬بلدنا‭ ‬كما‭ ‬بلدنا‭ ‬الأصلي،‭ ‬نتأقلم‭ ‬مع‭ ‬الحال،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬نؤقلم‭ ‬الحال‭ ‬معنا،‭ ‬اختلطنا‭ ‬وتفاعلنا،‭ ‬ولهذا‭ ‬عندما‭ ‬نقول‭ ‬إننا‭ ‬نعيش‭ ‬فنحن‭ ‬نعني‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معان‭. ‬المشاعر‭ ‬هنا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التجربة‭... ‬أحاسيس‭ ‬جديدة‭ ‬تولّد‭ ‬فينا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حياتنا‭ ‬مثالية،‭ ‬لكننا‭ ‬عشناها‭ ‬ونعيشها‭ ‬حياة‭ ‬حقيقية‭.‬

‭ ‬

التجارة‭ ‬معدومة

‏وللمزيد‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬تجوّلنا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أسواق‭ ‬بوليفار،‭ ‬وتحدثنا‭ ‬إلى‭ ‬التاجر‭ ‬ورجل‭ ‬الأعمال‭ ‬ماريان‭ ‬جيربا‭ ‬الذي‭ ‬اختصر‭ ‬لنا‭ ‬الواقع‭ ‬التجاري‭ ‬بقوله‭: ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬منذ‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا،‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬أن‭ ‬التضخم‭ ‬وارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الدولار‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬لذا‭ ‬توقّفت‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬حتى‭ ‬يستقر‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدولار‭ ‬وانتظام‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فهناك‭ ‬بون‭ ‬شاسع‭ ‬بين‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدولار‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭ ‬وفي‭ ‬السوق‭ ‬السوداء،‭ ‬وأي‭ ‬مخالفة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬العقوبة‭ ‬والسجن،‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬الكثيرين‭ ‬لإغلاق‭ ‬محالّهم‭ ‬والسفر‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬العمل‭ ‬بصدق،‭ ‬‏ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الخداع‭ ‬والغش‭ ‬التجاري،‭ ‬وهذا‭ ‬مؤسف‭.‬

 

بويرتو‭ ‬أورداس

تركنا‭ ‬الناس‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وقررنا‭ ‬متابعة‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬البلدات‭ ‬والمناطق‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬فتوجهنا‭ ‬صباحًا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬بويرتو‭ ‬أورداس،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الحديثة‭ (‬بالإسبانية‭ ‬Puerto‭ ‬Ordaz‭)‬،‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬بوليفار‭ ‬شرق‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬فبراير‭ ‬1952‭. ‬وهي‭ ‬مركز‭ ‬مهمّ‭ ‬للاستيراد‭ ‬والتصدير‭ ‬واستخراج‭ ‬المعادن،‭ ‬وخاصة‭ ‬الحديد‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المعادن‭.‬

تم‭ ‬بناؤها‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬غزير‭ ‬أقيمت‭ ‬عليه‭ ‬منشأة‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬وموانئ‭ ‬نهرية‭ ‬ومنتزهات‭ ‬وحدائق‭ ‬عامة‭. ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬600‭ ‬ألف،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬1930‭ ‬كيلومترًا،‭ ‬وتمتاز‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬بأسواقها‭ ‬ومتاجرها‭ ‬الحديثة‭ ‬والكبيرة‭ ‬وبكثرة‭ ‬روّادها‭ ‬وزوّارها،‭ ‬مما‭ ‬يشكّل‭ ‬فيها‭ ‬زحمة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭.‬

 

منتزه‭ ‬كانايما

لا‭ ‬تكتمل‭ ‬الزيارة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬شرق‭ ‬فنزويلا‭ ‬إلا‭ ‬بزيارة‭ ‬منتزه‭ ‬كانايما‭ ‬الساحر‭ ‬وشلال‭ ‬اسالتو‭ ‬إنجلب‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

بعد‭ ‬تحضير‭ ‬وتجهيز‭ ‬لتحمّل‭ ‬التعب‭ ‬والمشقة،‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬بواسطة‭ ‬طائرات‭ ‬صغيرة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬طرق‭ ‬برية،‭ ‬كانت‭ ‬محطتنا‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬منتزه‭ ‬كانايما‭ ‬الوطني،‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬هكتار‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬فنزويلا،‭ ‬بمحاذاة‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬جوايانا‭ ‬والبرازيل‭. ‬ويشغل‭ ‬نحو‭ ‬65‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬المنتزه‭ ‬جبال‭ ‬مستوية‭ ‬القمم‭ (‬تيبوي‭). ‬وتؤلّف‭ ‬هذه‭ ‬القمم‭ ‬كيانًا‭ ‬جيولوجيًا‭ ‬حيويًا‭ ‬فريدًا،‭ ‬وتتسم‭ ‬بأهمية‭ ‬جيولوجية‭ ‬عظيمة‭.‬

داخل‭ ‬منتزه‭ ‬كانايما‭ ‬شاهدنا‭ ‬أكبر‭ ‬حديقة‭ ‬وطنية‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وفيها‭ ‬الا‭ ‬غران‭ ‬ساباناب،‭ ‬أو‭ ‬السهل‭ ‬الكبير،‭ ‬المعروف‭ ‬أيضًا‭ ‬باسم‭ ‬االعالم‭ ‬المفقودب،‭ ‬وهو‭ ‬مكان‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬فيه‭ ‬مناظر‭ ‬خلابة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬بالعالم،‭ ‬حيث‭ ‬ينمو‭ ‬السافانا‭ ‬البعل،‭ ‬وسط‭ ‬خضار‭ ‬دائم‭ ‬وغابات‭ ‬ممطرة‭ ‬تتشكّل‭ ‬فيها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنهار‭ ‬والشلالات،‭ ‬وصخورها‭ ‬القديمة،‭ ‬المشكّلة‭ ‬من‭ ‬كتل‭ ‬الجرانيت‭. ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬غران‭ ‬سابانا‭ ‬دائمة‭ ‬الخضرة‭ ‬والمطر،‭ ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬االيونسكوب‭ ‬غران‭ ‬سابانا‭ ‬موقعًا‭ ‬تراثيًا‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬لجمالها‭ ‬الخلاب‭. ‬

 

شلال‭ ‬سالتو‭ ‬إنجل

من‭ ‬هذا‭ ‬المنتزه،‭ ‬وعبر‭ ‬البحيرة،‭ ‬قمنا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬بجولة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشلالات‭ ‬ومسارب‭ ‬الأنهار،‭ ‬واتجهنا‭ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬بقوارب‭ ‬خاصة‭ ‬صغيرة‭ ‬إلى‭ ‬شلال‭ ‬سالتو‭ ‬إنجل،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬مجرى‭ ‬نهري‭ ‬طويل‭ ‬تمتدّ‭ ‬على‭ ‬جانبيه‭ ‬الأجراف‭ ‬شديدة‭ ‬الانحدار‭ ‬والشلالات،‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬شلال‭ ‬سالتو‭ ‬إنجل،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬شلال‭ ‬في‭ ‬العالم‭ (‬يرتفع‭ ‬1000‭ ‬متر‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬اكتشفه‭ ‬الطيار‭ ‬جيمي‭ ‬أنجل‭ ‬عام‭ ‬1937م‭ ‬حين‭ ‬حطت‭ ‬طائرته‭ ‬هناك‭. ‬واستغرقت‭ ‬الرحلة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬الـ‭ ‬5‭ ‬ساعات،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تستحق‭ ‬العناء،‭ ‬إذ‭ ‬يشكّل‭ ‬هذا‭ ‬الشلال‭ ‬منظرًا‭ ‬طبيعيًّا‭ ‬مذهلًا‭.‬

 

‮«‬مارغريتا‮»‬‭... ‬لؤلؤة‭ ‬الكاريبي

خلال‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬قضيناها‭ ‬في‭ ‬ضيافة‭ ‬مرافقي‭ ‬في‭ ‬ابوليفارب‭ ‬زرنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأماكن،‭ ‬وكان‭ ‬خلالها‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تداول‭ ‬اسم‭ ‬امارغريتاب‭ ‬الجزيرة‭ ‬الساحرة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الكاريبي‭.‬

فكرنا‭ ‬بزيارتها،‭ ‬وعلمنا‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬إما‭ ‬بالسفينة‭ ‬أو‭ ‬بالطائرة‭... ‬حاولنا‭ ‬الحجز‭ ‬بالطائرة،‭ ‬فلم‭ ‬نوفّق،‭ ‬فقررنا‭ ‬الذهاب‭ ‬بالسفينة‭ ‬والعودة‭ ‬بالطائرة‭.‬

استغرقت‭ ‬الرحلة‭ ‬6‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬السفينة،‭ ‬استمتعنا‭ ‬خلالها‭ ‬بمشاهدة‭ ‬الدلافين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتقافز‭ ‬حول‭ ‬السفينة‭ ‬أسرابًا‭ ‬وفرادى‭.‬

ولدى‭ ‬وصولنا‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬كان‭ ‬سمير‭ ‬هيال‭ ‬في‭ ‬انتظارنا‭ ‬بالميناء،‭ ‬ليتولى‭ ‬مرافقتنا،‭ ‬وقد‭ ‬أقلّنا‭ ‬بسيارته‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬بالجزيرة،‭ ‬وأطلعنا‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬معالمها،‭ ‬وشرح‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬عنها‭ ‬وقال‭: ‬جزيرة‭ ‬مارغريتا‭ ‬هي‭ ‬بحقّ‭ ‬لؤلؤة‭ ‬الكاريبي‭ ‬اكتشفت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1498م،‭ ‬وأطلق‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موجودًا‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭. ‬تقع‭ ‬الجزيرة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬38‭ ‬كلم‭ ‬شمال‭ ‬شواطئ‭ ‬فنزويلا‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي،‭ ‬وهي‭ ‬أكبر‭ ‬ثلاث‭ ‬جزر‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬ولاية‭ ‬Nueva‭ ‬Esparta،‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬الجزيرة‭ ‬21971‭ ‬كلم،‭ ‬وطول‭ ‬سواحلها‭ ‬315‭ ‬كلم،‭ ‬وتمتد‭ ‬شواطئها‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬939‭ ‬كلم‭.‬

تشتهر‭ ‬الجزيرة‭ ‬بأجمل‭ ‬مشهد‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خوان‭ ‬غريغو،‭ ‬أما‭ ‬أهم‭ ‬وأجمل‭ ‬قلعة‭ ‬فهي‭ ‬سانتا‭ ‬روزا،‭ ‬ويوجد‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬الجزيرة‭ ‬منتجع‭ ‬متطور‭ ‬كبير‭ ‬يوفّر‭ ‬تسهيلات‭ ‬لممارسة‭ ‬رياضة‭ ‬الغطس‭ ‬وركوب‭ ‬الأمواج‭.‬

 

كولونيا‭ ‬توبار‭... ‬وصعود‭ ‬الجبال

مسيرة‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬ساعة‭ ‬بالسيارة‭ ‬هو‭ ‬زمن‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬بوليفار‭ ‬إلى‭ ‬كولونيا‭ ‬توبار،‭ ‬وجهتنا‭ ‬التالية،‭ ‬جاء‭ ‬مرافقنا‭ ‬إدواردو‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬حيث‭ ‬كنّا‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬معه،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬لحظات‭ ‬حتى‭ ‬كنّا‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬باتجاه‭ ‬كولونيا‭ ‬توبار‭.‬

االطريق‭ ‬طويل،‭ ‬ولا‭ ‬نريد‭ ‬التوقف‭ ‬كي‭ ‬نصل‭ ‬باكرًا‭ ‬قبل‭ ‬حلول‭ ‬الليل،‭ ‬لأن‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬جبال،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬قممها‭ ‬وأعاليها،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬ينتشر‭ ‬فيها‭ ‬الغيم‭ ‬والضباب،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬السير‭ ‬صعبًا‭ ‬وبطيئًا‭... ‬قال‭ ‬إدواردو،‭ ‬لكنّنا‭ ‬سنحاول‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬وآمنةب‭.‬

في‭ ‬المساء‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬كاراكاس‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬إلى‭ ‬كولونيا‭ ‬توبار،‭ ‬ثم‭ ‬بدأنا‭ ‬بصعود‭ ‬الجبال،‭ ‬وكان‭ ‬الوضع‭ ‬يزداد‭ ‬صعوبة‭ ‬كلما‭ ‬صعدنا‭ ‬أكثر،‭ ‬حيث‭ ‬صعوبة‭ ‬الطريق‭ ‬وتزايد‭ ‬الغيوم‭ ‬والضباب‭ ‬وهطول‭ ‬الأمطار‭ ‬الغزيرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعب‭ ‬والإرهاق‭.‬

وصلنا‭ ‬قصدنا‭ ‬عند‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬وبادرنا‭ ‬إلى‭ ‬النوم‭ ‬حالًا‭ ‬كي‭ ‬نستريح‭ ‬ونستيقظ‭ ‬باكرًا‭ ‬لاستغلال‭ ‬النهار‭ ‬في‭ ‬التجوال‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بها‭ ‬وبمعالمها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والسياحية‭.‬

طلع‭ ‬الصباح‭ ‬مبللاً‭ ‬بالرذاذ‭ ‬وخفيف‭ ‬المطر،‭ ‬وكانت‭ ‬الشمس‭ ‬تظهر‭ ‬ثم‭ ‬تختفي‭ ‬خلف‭ ‬الغيوم،‭ ‬وظل‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬حتى‭ ‬انتصف‭ ‬النهار،‭ ‬وكنا‭ ‬قد‭ ‬قمنا‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أرجاء‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بالطراز‭ ‬الأوربي،‭ ‬وخاصة‭ ‬الألماني،‭ ‬حيث‭ ‬يقطنها‭ ‬غالبية‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬ألماني‭.‬

بيوت‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬جلّها‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬والقرميد،‭ ‬يتدرج‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬سفوح‭ ‬وقمم‭ ‬الجبال،‭ ‬وتنتشر‭ ‬فيها‭ ‬الأشجار‭ ‬والجلال‭ ‬على‭ ‬سفوح‭ ‬الجبال،‭ ‬يخترقها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات‭ ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬وتهبط‭ ‬وفق‭ ‬تضاريس‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬

في‭ ‬مركز‭ ‬المدينة،‭ ‬قمنا‭ ‬بالتسوق‭ ‬وتناولنا‭ ‬وجبة‭ ‬غداء‭ ‬مميزة،‭ ‬ثم‭ ‬قمنا‭ ‬بزيارة‭ ‬إلى‭ ‬الحدائق‭ ‬وأماكن‭ ‬الترفيه‭ ‬واللهو،‭ ‬وعدنا‭ ‬إلى‭ ‬الفندق‭ ‬للنوم‭ ‬والانطلاق‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

 

بعيدًا‭ ‬نحو‭ ‬الغرب

من‭ ‬أقصى‭ ‬شرق‭ ‬فنزويلا‭ ‬إلى‭ ‬غربها،‭ ‬مسافة‭ ‬ليست‭ ‬بالقريبة،‭ ‬رحلة‭ ‬استغرقت‭ ‬أيامًا‭ ‬ثلاثة،‭ ‬قطعنا‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬2000‭ ‬كيلومتر،‭ ‬مرورًا‭ ‬بمدينة‭ ‬فالنسيا،‭ ‬وهي‭ ‬عاصمة‭ ‬ولاية‭ ‬كرابوبو،‭ ‬وثالث‭ ‬أكبر‭ ‬مدينة‭ ‬ومركز‭ ‬اقتصادي‭ ‬وصناعي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬وصناعات‭ ‬الدولة،‭ ‬ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭. ‬بعدها‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬أكاريغوا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬‏بانتظارنا‭ ‬د‭. ‬أميلليو‭ ‬جرالداين،‭ ‬الذي‭ ‬رافقنا‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وشرح‭ ‬لنا‭ ‬أبرز‭ ‬معالمها‭ ‬ومكانتها،‭ ‬وقال‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أراوري‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬أكاريغوا‭ ‬وقعت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬معارك‭ ‬التحرير،‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬بوليفار‭ ‬بنفسه،‭ ‬‏حيث‭ ‬جمع‭ ‬المزارعين‭ ‬والفلاحين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإسبان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للمعركة‭ ‬اسم،‭ ‬واستطاع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬طرد‭ ‬الإسبان‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭.‬

وبيّن‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬أراوري‭ ‬بالذات‭ ‬هي‭ ‬سلّة‭ ‬الرز‭ ‬والذّرة‭ ‬والسكّر‭ ‬والسمسم،‭ ‬وفيها‭ ‬أكبر‭ ‬الحقول‭ ‬والمزارع،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬تخزين‭ ‬للمنتجات،‭ ‬وتعد‭ ‬ثاني‭ ‬‏منطقة‭ ‬بإنتاج‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

ومن‭ ‬خلالها‭ ‬تابعنا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬باريناس‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬التجارية‭ ‬المهمة‭ ‬بمناخها‭ ‬المعتدل‭ ‬المائل‭ ‬إلى‭ ‬البرودة،‭ ‬وبها‭ ‬توقفت‭ ‬جولتنا‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬فنزويلا،‭ ‬لكن‭ ‬محدثي‭ ‬لم‭ ‬يتوقف،‭ ‬بل‭ ‬تابع‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مناطق‭ ‬ومدن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬تستحق‭ ‬الزيارة،‭ ‬أبرزها‭ ‬ماراكايبو،‭ ‬وهي‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مدن‭ ‬فنزويلا،‭ ‬ومن‭ ‬معالمها‭ ‬بحيرة‭ ‬ماراكايبو‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬أكبر‭ ‬بحيرة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬والحديقة‭ ‬الوطنية‭ ‬الرائعة‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الشمالي‭ ‬لفنزويلا‭. ‬

كما‭ ‬حدثنا‭ ‬أيضًــــا‭ ‬عن‭ ‬اميريداب،‭ ‬وهــــي‭ ‬مدينــــة‭ ‬تقـــع‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬ماردة‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬قــــدره‭ ‬1600‭ ‬متــــر‭ ‬فــــوق‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬وادي‭ ‬نهر‭ ‬تشاما،‭ ‬وفيها‭ ‬ثاني‭ ‬أعلى‭ ‬قمـــم‭ ‬فنزويلا‭ - ‬بيكو‭ ‬بوليفار‭. ‬واتاشيراب،‭ ‬وهي‭ ‬واحـــدة‭ ‬من‭ ‬المحافظات‭ ‬الـ‭ ‬23‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬سان‭ ‬كريستوبال،‭ ‬وواحدة‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬محافظات‭ ‬الأنديز‭ ‬الفنزويليـــة‭ (‬الاثنتان‭ ‬الأخريان‭ ‬ميريدا‭ ‬وتروخيو‭ ■

ساحة‭ ‬كاراكاس

سلسلة‭ ‬من‭ ‬الجبال‭ ‬الصخرية‭ ‬والأشجار‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬شلال‭ ‬سالتو‭ ‬انجل

جانب‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬وسط‭ ‬كاراكاس

منازل‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ... ‬بعضها‭ ‬مازال‭ ‬قائما

مجمعات‭ ‬حكومية‭ ‬وسط‭ ‬كاراكاس

جسر‭ ‬أنغوستورا‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬أورونوكو‭ ‬في‭ ‬بوليفار

بائع‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬يعرض‭ ‬فاكهة‭ ‬البلاتينو‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬فنزويلا