فيلم «ولولة الروح» للمخرج المغربي عبدالإله الجوهري قبضة حديدية وجرائم غامضة وأغانٍ شجية

فيلم «ولولة الروح»  للمخرج المغربي عبدالإله الجوهري قبضة حديدية وجرائم غامضة وأغانٍ شجية

فيلم «ولولة الروح» الحائز على جائزة السيناريو بمهرجان الإسكندرية السينمائي لسنة 2018، هو عمل من توقيع المخرج والإعلامي المغربي عبدالإله الجوهري. الفيلم يعلن منذ البداية عن ارتباط حكايته وبنائه بالموسيقى وبأغاني «فن العيطة» المغربي الشعبي، وهي الأغاني التي شكلت خيطًا ناظمًا لوقائعه وعلامات يستهدي بها المتلقي، فأصبح الخطاب الموسيقي، بذلك، خطابًا واصفًا ومكونًا في الآن نفسه من مكونات العالم التخييلي المقترح علينا.

 

لذا،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬فرقة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الشعبيين،‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬امرأتين‭ ‬ورجلين،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬انطلاقة‭ ‬كل‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬وتمنحه‭ ‬عنوانًا‭ ‬محددًا،‭ ‬له‭ ‬ارتباط‭ ‬بما‭ ‬سيقع‭ ‬من‭ ‬أحداث،‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬مقاطع‭ ‬غنائية‭ ‬فواصل‭ ‬ومعالم‭ ‬في‭ ‬فسحة‭ ‬الحكي،‭ ‬مما‭ ‬يقرب‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬جوانبه،‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الغجر‭.‬

وقد‭ ‬اختار‭ ‬فيلم‭ ‬اولولة‭ ‬الروحب‭ ‬أن‭ ‬يستعير‭ ‬بنية‭ ‬أغاني‭ ‬االعيطةب،‭ ‬فتوزعت‭ ‬حكايته‭ ‬على‭   ‬ثلاث‭ ‬احطاتب،‭ ‬بتعبير‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬الشعبي،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬فصول‭ ‬مترابطة‭ ‬ومتسلسلة،‭ ‬توجه‭ ‬عناوينها‭ ‬طبيعة‭ ‬تلقينا‭ ‬نحن‭ ‬وتجعلنا‭ ‬نمنحها‭ ‬تأويلًا‭ ‬مسبقًا،‭ ‬فيما‭ ‬تتطور‭ ‬الوقائع‭ ‬عبرها‭ ‬بشكل‭ ‬خطي‭ ‬ومتسلسل‭.‬

يعود‭ ‬بنا‭ ‬الفيلم‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‭ ‬قريبة‭ ‬منا،‭ ‬هي‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬باحتقان‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والقوى‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬المؤطر‭ ‬لوقائعه‭ ‬هو‭ ‬فضاء‭ ‬مدينة‭ ‬مغربية‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬الهامش،‭ ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬خريبكة‭ ‬التي‭ ‬يرتبط‭ ‬اسمها‭ ‬بمناجم‭ ‬الفوسفاط‭ ‬الموجودة‭ ‬بها‭.‬

‭ ‬وإلى‭ ‬هذه‭ ‬المدينة،‭ ‬وفي‭ ‬حافلة‭ ‬متهالكة‭ ‬تعبر‭ ‬فضاءات‭ ‬قاحلة‭ ‬وجرداء،‭ ‬تجعل‭ ‬القلوب‭ ‬تنقبض،‭ ‬سيصل‭ ‬شاب‭ ‬وسيم‭ ‬تبدو‭ ‬عليه‭ ‬أمارات‭ ‬الانشغال‭ ‬وجدية‭ ‬من‭ ‬يترقب‭ ‬أمرا‭ ‬جللا‭.‬

وعند‭ ‬نزول‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬بالمحطة،‭ ‬حدق‭ ‬فيه‭ ‬مليًا‭ ‬متشرد‭ ‬ذو‭ ‬نظرات‭ ‬حادة‭ ‬وذكية‭ ‬تشي‭ ‬بأن‭ ‬حضوره‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬عابرًا،‭ ‬وبأنه‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭. ‬وسوف‭ ‬نعلم‭ ‬نحن‭ ‬أن‭ ‬الشاب‭ ‬الوسيم‭ ‬هو‭ ‬ضابط‭ ‬شرطة‭ ‬حديث‭ ‬العهد‭ ‬بالتخرج‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬درس‭ ‬بشعبة‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭ ‬بنقابة‭ ‬طلابية‭ ‬ذات‭ ‬توجه‭ ‬يساري‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬العميد‭ ‬فؤاد‭ ‬يسخر‭ ‬منه‭ ‬ويخبره‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬اختاره،‭ ‬عن‭ ‬قصد،‭ ‬ليكون‭ ‬مسؤولًا‭ ‬عن‭ ‬أمن‭ ‬دائرة‭ ‬سكانية‭ ‬اجماهيرية‭ ‬شعبيةب‭. ‬وبعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬تسلمه‭ ‬لمهمته،‭ ‬باشر‭ ‬الضابط‭ ‬إدريس‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬غامضة،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬جثة‭ ‬امرأة‭ ‬شقراء‭ ‬مقتولة‭ ‬خنقًا‭ ‬بحافة‭ ‬خارج‭ ‬المدينة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هنالك‭ ‬أي‭ ‬خيط‭ ‬قد‭ ‬يوصل‭ ‬إلى‭ ‬الجاني‭ ‬أو‭ ‬الجناة‭. ‬وبرغم‭ ‬ذلك،‭ ‬تم‭ ‬الاشتباه‭ ‬في‭ ‬المتشرد‭ ‬خربوش‭ ‬الذي‭ ‬تعرفنا‭ ‬عليه‭ ‬بالمحطة،‭ ‬واعتقل‭ ‬دون‭ ‬قرائن‭ ‬تبرر‭ ‬ذلك‭. ‬وحين‭ ‬التحقيق‭ ‬معه‭ ‬سئل‭ ‬من‭ ‬تكون‭ ‬الشقراء‭ ‬القتيلة،‭ ‬فأجاب‭ ‬بأنها‭ ‬اواحدة‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬العلوة،‭ ‬بنات‭ ‬باب‭ ‬اللهب،‭ ‬وكأنه‭ ‬بذلك‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬لهذه‭ ‬الجريمة‭ ‬بعدًا‭ ‬روحانيًا‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬اختفاء‭ ‬جسد‭ ‬الفتاة،‭ ‬جسم‭ ‬الجريمة،‭ ‬ليستخلص‭ ‬الضابط‭ ‬الشاب‭ ‬بأن‭ ‬االجريمة‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بأحد،‭ ‬ولها‭ ‬علاقة‭ ‬بالجميعب‭. ‬وبعد‭  ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬جثة‭ ‬ثانية‭ ‬هي‭ ‬جثة‭ ‬المتشرد‭ ‬خربوش،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬انتحر‭ ‬بزنزانته،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬لذلك،‭ ‬أو‭ ‬قتل‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬شاهدًا‭ ‬مزعجًا‭. ‬فعمت‭ ‬الحيرة‭ ‬وساد‭ ‬الترقب،‭ ‬وكأن‭ ‬الجميع‭ ‬يردد‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الأغنية‭ ‬الشعبية‭ ‬المؤطرة‭ ‬للفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭: ‬اأشهيبة‭ ‬بنت‭ ‬الفاسي‭/ ‬دوختيلي‭ ‬راسيب،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬معناه‭ ‬اأيتها‭ ‬الشقراء‭ ‬بنت‭ ‬الفاسي‭/ ‬لقد‭ ‬جعلتني‭ ‬أشعر‭ ‬بالدوارب‭.‬

فما‭ ‬المقصود‭ ‬بالعلوة‭ ‬التي‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬الفيلم‭ ‬عنوانًا‭ ‬لعتبته،‭ ‬وذكرها‭ ‬المتشرد‭ ‬القتيل‭ ‬في‭ ‬شهادته؟‭ ‬هي‭ ‬أغنية‭ ‬شعبية‭ ‬تناقلتها‭ ‬الأجيال‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية،‭ ‬وهي‭ ‬تعبير‭ ‬فني‭ ‬يتغنى‭ ‬بالأولياء‭ ‬الذين‭ ‬هجروا‭ ‬متع‭ ‬الدنيا‭ ‬الفانية‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبحت‭ ‬العلوة‭ ‬تعني‭ ‬الربوة‭ ‬المرتفعة‭ ‬العالية‭ ‬المقام‭ ‬مستقر‭ ‬أولياء‭ ‬بعينهم،‭ ‬وقصد‭ ‬بها‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬صدر‭ ‬الأم‭ ‬الحنون‭ ‬وكذا‭ ‬مسقط‭ ‬الرأس‭ ‬والقلب‭. ‬وهي‭ ‬بالطبع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬فن‭ ‬العيطة‭ (‬أي‭ ‬فن‭ ‬النداء‭) ‬الذائع‭ ‬الصيت،‭ ‬الفن‭ ‬الشفهي‭ ‬والعفوي‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والموسيقى‭ ‬والفرجة،‭ ‬والذي‭ ‬تعرض‭ ‬للإهمال‭ ‬وللتشويه،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانبه‭ ‬فنًا‭ ‬مقاومًا‭ ‬ومناهضًا‭ ‬للظلم‭ ‬وللانتهاكات‭. ‬

ومن‭ ‬الشخصيات‭ ‬الرئيسة‭ ‬بالفيلم‭ ‬السيدة‭ ‬زهرة،‭ ‬فنانة‭ ‬العيطة‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬ملامحها‭  ‬بملاحة‭ ‬بهية‭ ‬وآثار‭ ‬أسرار‭ ‬أكيدة،‭ ‬وزوجها‭ ‬الشيخ‭ ‬البشير‭ ‬الزاهد‭ ‬المعتكف‭ ‬بمنزله،‭ ‬الذي‭  ‬يحصي‭  ‬كل‭ ‬ليــلة‭ ‬النــجـوم‭ ‬المـــبثوثة‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ليلة‭ ‬موعودة‭ ‬وفرج‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه‭. ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الزوجين‭ ‬تربطهما‭ ‬علاقة‭ ‬محبة‭ ‬وتواطؤ‭ ‬واضحين،‭ ‬وتربطهما‭ ‬وشائج‭ ‬عميقة‭ ‬بفن‭ ‬الغناء‭ ‬وشطحاته‭. ‬وحينما‭  ‬يزورهما‭ ‬الأستاذ‭ ‬الشاب‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬الذي‭ ‬ينجز‭ ‬بحثًا،‭ ‬تحديدًا‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬العيطة‭ ‬ومبدعيه،‭ ‬تنفرج‭ ‬أساريرهما،‭ ‬وتحكي‭ ‬زهرة‭ ‬نتفًا‭ ‬من‭ ‬سيرتها‭ ‬وسيرة‭ ‬جمالها‭ ‬وغناها‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬مضرب‭ ‬الأمثال‭. ‬وعبدالفتاح‭ ‬المولع‭ ‬بالغناء‭ ‬الشعبي‭ ‬يؤطر‭ ‬كذلك‭ ‬ناديًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬بالثانوية‭ ‬التي‭ ‬يدرس‭ ‬فيها،‭ ‬فيقدم‭ ‬لتلامذته‭ ‬عروضًا‭ ‬طلائعية،‭ ‬مثل‭ ‬فيلم‭ ‬اإزنشتاينب‭ ‬الشهير‭ ‬واالمدرعة‭ ‬بوتمكينب،‭ ‬ويقدم‭ ‬لهؤلاء‭ ‬التلاميذ‭ ‬المتعطشين‭ ‬للمعرفة‭ ‬والتغيير‭ ‬مفاتيح‭ ‬أولية‭ ‬لقراءة‭ ‬الأفلام‭ ‬وفك‭ ‬شفرة‭ ‬رسائلها،‭ ‬اقتناعًا‭ ‬منه‭ ‬بأن‭ ‬االسينما‭ ‬هي‭ ‬الوسيلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للنضالب،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يزاوج‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬والتأطير‭ ‬الثقافي‭ ‬رفقة‭ ‬خطيبته‭ ‬منانة،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬عنوانًا‭ ‬للفصل‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الفيلم،‭ ‬وهي‭ ‬الغادة‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬قتيلة‭ ‬الحافة،‭ ‬والقادمة‭ ‬من‭ ‬الرباط‭ ‬لتختفي‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬الشرطة،‭ ‬وكأن‭ ‬عبدالفتاح،‭ ‬بوعي‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬يربط‭  ‬بين‭ ‬البعد‭ ‬المقاوم‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬العيطة‭ ‬ونضاله‭ ‬السياسي‭ ‬الراهن‭. ‬

وينقلنا‭ ‬الفيلم‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬فضاء‭ ‬انادي‭ ‬الرمايةب،‭ ‬حيث‭ ‬تبرم‭ ‬الصفقات‭ ‬المشبوهة‭ ‬وتتقوى‭ ‬االعلاقات‭ ‬الخطرةب‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والسلطة‭. ‬وعلى‭ ‬عتبة‭ ‬هذا‭ ‬النادي،‭ ‬يوجد‭ ‬كائن‭ ‬طيب‭ ‬وصياد‭ ‬ماهر‭ ‬اعتزل‭ ‬الرماية‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬هو‭ ‬عبدالوارث‭ ‬الحارس‭ ‬الخدوم‭. ‬وحدثت‭ ‬حالة‭ ‬استنفار‭  ‬حينما‭ ‬شاع‭ ‬خبر‭ ‬مفاده‭ ‬بأن‭ ‬شخصية‭ ‬أمنية‭ ‬نافذة‭ ‬سوف‭ ‬تأتي‭  ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬خصيصًا‭ ‬لصيد‭ ‬حمام‭ ‬النادي،‭ ‬فتملك‭ ‬المدير‭ ‬توتر‭ ‬شديد،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬لمسؤول‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬التصويب‭ ‬أن‭ ‬قام‭  ‬بزيارتهم،‭ ‬وظل‭ ‬يشتم‭ ‬الجميع‭ ‬لأنه‭ ‬اكتشف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬الرماية‭. ‬ولتجنب‭ ‬وضع‭ ‬مماثل،‭ ‬طلب‭ ‬المدير‭ ‬من‭ ‬عبدالوارث‭ ‬الصياد‭ ‬أن‭ ‬يقوم
‭ ‬بالرماية‭ ‬والتسديد‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬النافذ‭ ‬بالطبع‭ ‬دون‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬يتفطن‭ ‬للمسألة‭. ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬الموعود،‭ ‬اتخذت‭ ‬كل‭ ‬الترتيبات‭ ‬لكي‭ ‬يقوم‭ ‬عبدالوارث‭ ‬بالدور‭ ‬المسنود‭ ‬إليه،‭ ‬لكن‭ ‬السيناريو‭ ‬باء‭ ‬بالفشل،‭ ‬وغادر‭ ‬المسؤول‭ ‬النادي‭ ‬ليعود‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬مستاء‭ ‬أيما‭ ‬استياء‭. ‬وبالعاصمة‭ ‬أيضًا‭ ‬احتدت‭ ‬حملة‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬وتحركت‭ ‬عناصر‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لضبط‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مدن،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مدينة‭ ‬خريبكة،‭ ‬واعتقل‭ ‬المدرس‭ ‬عبدالفتاح‭. ‬وعند‭ ‬التحقيق‭ ‬معه،‭ ‬سيؤكد‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬الشقراء‭ ‬القتيلة‭ ‬هي‭ ‬اعيطة‭ ‬مرساويةب،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لمقتلها‭ ‬علاقة‭ ‬بالجانب‭ ‬الخفي‭ ‬والروحاني‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬العيطة،‭ ‬وأنها‭ ‬لبت‭ ‬برحيلها‭ ‬نداء‭ ‬خفيًا‭ ‬ما‭. ‬وتراكمت‭ ‬الملفات‭ ‬فوق‭ ‬مكتب‭ ‬الضابط‭ ‬إدريس‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬حلًا،‭ ‬وأصبح‭ ‬أسير‭ ‬قلق‭ ‬دفين،‭ ‬وتملكه‭ ‬وعي‭ ‬شقي‭ ‬لينفجر‭ ‬باكيًا،‭ ‬ليزداد‭ ‬اختناقًا،‭ ‬بين‭ ‬الصخور‭ ‬الصماء‭. ‬ثم‭ ‬قدم‭ ‬استقالته،‭ ‬واستقل‭ ‬حافلة‭ ‬ليعود‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتى‭. ‬ورافقته‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬العودة‭ ‬تلك‭ ‬امرأة‭ ‬تشبه‭ ‬الشقراء‭ ‬القتيلة‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬الشقراء‭ ‬نفسها،‭ ‬مما‭ ‬سيجعلنا،‭ ‬كمتلقين،‭ ‬نرتبك‭ ‬ونشكك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬معطيات،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬أن‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬المتشرد‭ ‬خربوش‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬مازال‭ ‬حيًا‭ ‬يرزق‭. ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬به‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مواصفات‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬االفيلم‭ ‬الأسودب،‭ ‬فهو‭ ‬فيلم‭ ‬تحريات‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬دومًا‭ ‬إلى‭ ‬مبتغاها،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬قتلة‭ ‬لا‭ ‬تتحدد‭ ‬ملامحهم‭ ‬لأن‭ ‬الرهانات‭ ‬أكبر‭ ‬منهم‭ ‬فتتخذ‭ ‬الجرائم‭ ‬بذلك‭ ‬طابعًا‭ ‬رمزيًا،‭ ‬إذ‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬محدد‭ ‬لتدين‭ ‬وضعًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬مختلًا‭. ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬بهارات‭ ‬هذا‭ ‬السجل‭ ‬السينمائي‭ ‬نجد‭ ‬التشويق‭ ‬الذي‭ ‬يشد‭ ‬بخناق‭ ‬المتلقي،‭ ‬والحضور‭ ‬الطاغي‭ ‬لامرأة‭ ‬فاتنة‭ ‬تجلب‭ ‬معها‭ ‬دومًا‭ ‬المشاكل‭ ‬والفجائع،‭ ‬ورائحة‭ ‬خيانة‭ ‬ما‭ ‬توجه‭ ‬الوقائع‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬مصدرها،‭ ‬واستشعار‭ ‬قدرية‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭. ‬وهذه‭ ‬السمات‭ ‬والملامح‭ ‬نجدها‭ ‬بيسر‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستخلص‭ ‬بأنه‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬موضوعات‭ ‬مترابطة،‭ ‬هي‭ ‬الفن‭ ‬وضرورته‭ ‬وانغراسه‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬الشعبي،‭ ‬والسياسة‭ ‬بفجائعها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬المصائر‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتاريخ‭ ‬حينما‭ ‬يتم‭ ‬اللجوء‭ ‬إليه‭ ‬لفهم‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ولتجنب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المطبات‭. ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ذاكرة‭ ‬فن‭ ‬العيطة‭ ‬باعتباره‭ ‬رصيدًا‭ ‬ثقافيًا‭ ‬غنيًا‭ ‬توجب‭ ‬التوقف‭ ‬عنده‭ ‬للتعريف‭ ‬به‭ ‬وترويجه‭ ‬واستثماره،‭ ‬وذاكرة‭ ‬جيل‭ ‬هو‭ ‬جيل‭ ‬السبعينيات‭ ‬الذي‭ ‬تأثر‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬بأدبيات‭ ‬وأحلام‭ ‬حركة‭ ‬ماي‭ ‬68‭ ‬بفرنسا،‭ ‬وعرف‭ ‬عنه‭ ‬حيويته‭ ‬السياسية‭ ‬والفنية‭ ‬والفكرية‭ ‬وتقديمه‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬القرابين،‭ ‬مما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقر‭ ‬دومًا‭ ‬بأن‭ ‬الثقافة‭ ‬المغربية‭ ‬الحديثة‭ ‬مدينة‭ ‬له‭ ‬بالشيء‭ ‬الكثير‭■‬

عبدالإله‭ ‬الجوهري‭ ‬مخرج‭ ‬الفيلم