الكوبري وبرهم يرويان لـ «العربي» تجربتهما في عالَم المطابع شهادات حيّة توثق لتاريخ الطباعة في الكويت

الكوبري وبرهم يرويان لـ «العربي» تجربتهما  في عالَم المطابع شهادات حيّة توثق لتاريخ الطباعة  في الكويت

كان الصيف يغسل أوجاعه عندما أتيح لي الذهاب إلى العاصمة الأردنية عمان أواخر شهر سبتمبر 2019، كنت أبحث عن أقدم مقهى ثقافي هناك نستجمع فيه ذاكرة المثقّفين ورواياتهم التي سجّلها هذا المقهى. في تلك الأثناء، دار حديث مع مجموعة من الزملاء الإعلاميين عن تجربتهم في الصحافة الأردنية، وأشار أحدهم إلى عدد من الأسماء الذين لهم باع طويل في دنيا المطابع والطباعة، وعملوا في الكويت، فأيقنت أنّ لي علاقة بهم ومعرفة بتاريخهم المهني. 

كان اللقاء في شركة مطابع الكوبري الحديثة لصاحبها عبدالله الكوبري، والتي تحمل اسمه وفي المنطقة الصناعية غرب عمّان، حيث جمعنا مع السيد عبدالله برهم، وهو أحد المؤسسين الكبار للمطابع التجارية والصحفية في الكويت. 
ودار الحديث عن تجربتيهما اللتين بدأتا منذ الستينيات، وتحديدًا عام 1962، ولكلّ منهما حكاية وتجربة تضيئان على جوانب من تاريخ المطابع، وتوثّقان لمرحلة مهمة من مراحل الطباعة، والروايتان تدخلان ضمن الشهادات الحيّة التي تؤخذ عادة على ألسنة أصحابها في تدوين تاريخ أحداث مضت. 

تاريخ موثّق 
عن البدايات، يروي الكوبري قائلًا: وصلت إلى الكويت يوم 23 مايو 1962 قادمًا من مطار القدس، وتصادف هذا التاريخ مع استبدال الروبية بالدينار، عملت في «مطبعة الخليج» لصاحبها عبدالرحمن الخال، ومعه 3 شخصيات فلسطينية، وكان من أوائل من عملوا في مجال الأختام، بعد شخص هندي يدعى عنتر، حتى 1969، ثم شاركت بتأسيس مطبعة الحريّة مع علي يوسف الرشود وبندر الوزني وحسن العصفور.
بعدها شاركت في تأسيس مطبعة لمالكها يوسف الرشود، وبترخيص حمل اسم مطبعة الجذور، واتّخذت من منطقة الشويخ مكانًا لها بالقرب من مجمّع البنوك، وكانت لنا علاقات وأعمال مع جورج مجاعص وصحيفة الأنباء وشركة نفط الكويت وطيران الكويتية ومع وزارة الداخلية والبنك الأهلي المُصاحب لطباعة الشيكات، كنّا نصنّف درجة ثانية بعد المطابع الكبيرة، واستقدمنا لهذا الغرض ماكينات GTO أربعة ألوان عام 1984، وماكينات هيدلبيرج. 
الخطوة الثانية تمثّلت في إنشاء مصنع الجذور لصناعة محارم الورق سنة 1987، وهذا حصل إثر زيارة قمنا بها إلى تايلاند، ووُلدت الفكرة هناك، وأتذكر أننا قمنا بطباعة عُلب كلينكس باسم «السلام» بعد انتهاء الحرب بين العراق وإيران عام 1989. 
وعندما جاء الغزو العراقي للكويت عام 1990، كنت وقتها في عمّان، وقررت أن أعود إلى الكويت، وهذا ما حصل، وأول عمل أقدمت عليه أنني أخفيت ماكينة الطباعة لحمايتها من سرقات العراقيين، علمًا بأن المحتلين عرضوا عليّ أن أشاركهم بمصنع للكلينكس، وقدموا لي إغراءات بدفع نحو نصف مليون دينار، لكنّني رفضت ذلك تمامًا. 
وأضاف: «عملت على البقاء بالمطبعة طوال فترة وجودي بالكويت، ولم أبارحها، بل كانت لي مساهمات في دعم المقاومة وعمل أختام لتسهيل مهامها، وكنت أعرّض نفسي للخطر. المهم أنني بقيت صامدًا بالكويت حتى شهر أكتوبر 1990، عندما اتخذت قرارًا بالمغادرة، ويومها كانت عيوني تدمع لحظة الوداع، فقد عزّت عليّ الكويت، وبكيت لاضطراري لترك الماكينات التي ربّيتها مثل أولادي». 
ثم يكمل شهادته قائلًا: «عدت إليها بعد فراق طويل عام 2005، وتسلّمت كل تعويضاتي، وأخذت أكثر مما أستحق، وهذه شهادة للتاريخ».
 
مطبعة مقهوي والقبس 
أما الشهادة الثانية فقد جاءت من عبدالله برهم، الذي ابتدأها منذ عام 1962 عندما كان يعمل في مطبعة المقهوي، وهي من أوائل المطابع وأشهرها، وكانت تطبع مجلة غرفة التجارة والصناعة، ومن خلال التعامل مع الأستاذين ماجد جمال الدين وهيثم الملوحي.
ويضيف أنه بعد 10 سنوات من تلك العلاقة، استدعيت إلى مبنى الغرفة لمقابلة العم محمد يوسف النصف وماجد جمال الدين، اللذين أخبراني بحصولهما على ترخيص صحيفة، دون أن يختارا لها اسمًا بعد، وسألاني عن إمكان طباعة جريدة يومية بـ 12 أو 16 صفحة، وأجبتهمــــا بالموافقة، وعليه أخبرت صاحب المطبعة، وهو العم إبراهيم المقهوي، بكل التفاصيل، وأجرينا على الفور تأمين ماكينة صف إنترتيب، وماكينة طبع إضافيتين، وعملنا عقدًا مدّته سنتان. 
هنا أطلقنا حملة للتحضير للعدد «صفر»، وكان في فبراير 1972، واستطعنا أن ننزل إلى السوق قبل صحيفة الرأي العام، بسبب استخدام الرول في الطباعة بدلًا عن الـ SHEET، وكانت «القبس»، بعد أن سمّوها كذلك قبل غيرها من الصحف الزميلة. 
والحقيقة أن هذا النجاح تُرجم إلى تكليفي واختياري بتأسيس مطبعة «القبس»، وهذا ما أبلغني إياه كلّ من عبدالعزيز الشايع والراحل جاسم الصقر، وتم التعاقد لشراء الآلات ووضع البنية التحتية واستقدام الفنيين، ومن بينهم أمين أيوب، الذي كان أوّل مَن تولى مسؤولية طباعة «القبس»، وذلك أواخر عام 1973. 
وبسؤاله عن تاريخ تعيينه مديرًا لمطابع القبس، قال «أنا المؤسس لمطبعتين؛ واحدة للجريدة وأخرى تجارية، كان من شأنها الدخول في مناقصات طباعة كتب مدرسية، وتم ذلك في أول يناير 1974، ومع مرور السنة الأولى أدركنا الحاجة إلى التوسعة وزيادة حجم الماكينات، حيث أضفنا وحدة خامسة.
وانتهت علاقتي بـ «القبس»، لكنني عدت إليها عام 1984، عندما كان الأستاذ محمد جاسم الصقر يتولى رئاسة التحرير، والسيد أحمد النجدي بمنصب المدير العام، وهنا كلّفت باستطلاع طباعة «القبس الدولي» من لندن، وبالفعل تعاقدنا لشراء أجهزة استقبال وإرسال، حيث تحرّر الجريدة وتُخرَج فنيًّا بالكــــويت، وتُرسل إلى لندن لمركز الطبع هناك عند صاحب مطبعة يُدعى مودي حكيم، وبالفعل تمت الطباعة بنجاح عامي 1985 و1986، وصارت «القبس الدولي» تُطبع في لندن ومرسيليا، وجرت محاولة للطباعة في بودابست، غير أنّها فشلت. 
وحول السوق الطباعي بالكويت وآفاق التوسع قال: عملنا دراسة لإضافة معدات ومنتجات جديدة، وكان منها طباعة ورق أجهزة الكمبيوتر لحاجة السوق إليه، وأضفنا كذلك نشاط التجليد الكرتوني الآلي لخدمة طباعة القرطاسية والمصاحف، ومن هنا كان التوجه لإنشاء مطابع صبحان عامي 1985 و1986، أما التشغيل الفعلي فقد بدأ عام 1988 وتوجّهنا إلى السوقين العراقي واليمني.
استمر السيد برهم بالعمل مديرًا لمطابع القبس حتى عام 1989، وتم تحقيق أرباح مالية ساهمت برفع مستوى «القبس». 
وعن المواقع التي شغلها بعد ذلك أجاب: عملت على تأسيس مطبعة تجارية جديدة بالشراكة مع النجدي، واشترينا المعدات، وكنّا في مرحلة التأسيس عندما جاء الغزو العراقي الغاشم، فمحا كل شيء. 
وعن الدروس التي استفاد منها في تجربته بـ «القبس» قال: صرت قادًرا على إدارة مطابع على مستوى دولي، ولله الحمد■

عبد الله الكوبري صاحب مطبعة الجسور في عمان مع الكاتب حمزة عليان