مكافحة الالتهاب بالغذاء

مكافحة الالتهاب بالغذاء

على الرغم من عدم وجود حمية غذائية محددة للوقاية من الالتهابات أو الحدّ من شدتها، فإنّ النهج العام يعتمد على اتّباع أنظمة غذائية متوازنة غنية بالأغذية الصحية، لاسيما الطازجة منها، لتعزيز مناعة الجسم. 
ترتكز هذه الأنظمة الغذائية على تناول الكثير من الفواكه والخضراوات الملوّنة والحبوب الكاملة والبقول والسّمك الدهني والشاي (بدلًا من القهوة) وبعض الشوكولاتة الداكنة، مع تجنّب الوجبات السريعة تمامًا.

الالتهاب استجابة طبيعية للجهاز المناعي في الجسم تجاه العوامل الضارة، الحيوية منها كالجراثيم والفيروسات والفطريات، وغير الحيوية منها كالأجسام الغريبة والمواد الكيميائية والإشعاعات. 
وعلى الرّغم من أن بعض الحالات الالتهابية يمكن أن تتطور بصمت، فإنّ معظم الالتهابات الحادة تترافق مع أعراض واضحة في المنطقة المصابة، كارتفاع الحرارة والاحمرار والتورّم والألم وفقدان وظيفة العضو المصاب، كصعوبة تحريك المفصل الملتهب، أو عدم القدرة على شمّ الروائح عند الإصابة بالزكام، أو صعوبة التنفس عند الإصابة بالتهاب الطرق التنفسية.
أما حين يكون الالتهاب الحادّ شديدًا، فإن المريض يصاب غالبًا بالتوعك والحمّى، ويزداد لديه بشكل ملحوظ تعداد الخلايا الالتهابية والأجسام الضدية في الدم.
وقد يتطور الالتهاب الحاد في بعض الحالات النادرة إلى ما يُعرف بتسمّم الدم (أو الخمج الدموي)، والذي يتظاهر بالحمّى الشديدة والقشعريرة وصعوبة التنفس وزيادة ضربات القلب وهبوط ضغط الدم.
يحدث الخمج الدموي عادة حين تكون العوامل الحيوية الممرضة شديدة الضراوة (الفوعة)، أو حين تغزو بأعداد كبيرة جدًا لا يستطيع الجسم التصدي لها، أو حين يكون الجهاز المناعي ضعيفًا جدًا، كما هي الحال عند مرضى السرطان والإيدز واستئصال الطحال.
قد يكون الالتهاب مزمنًا نتيجة التعرّض التدريجي لبعض العوامل الضارة، كما هي الحال في السموم الناجمة عن دخان السجائر، أو عند زيادة عدد الخلايا الدهنية في الجسم (لاسيما في منطقة البطن)، أو حين تتراكم الدهون على جدران الشرايين، والتي يعتبرها الجسم أجسامًا غريبة ينبغي التصدي لها، مما يؤدي إلى تشكّل الجلطات الدموية وحدوث احتشاء القلب أو السكتة الدماغية. 
وعلى الرغم من أن الالتهاب هو ردّ فعل طبيعي ضروري للدفاع عن الجسم وتحفيز عملية الشفاء، فإنه قد يؤدي إلى الإصابة بكثير من الأمراض. 
وقد بيّنت الدراسات أن الالتهاب هو لاعب أساسي في مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة، بما فيها أمراض القلب والسكّري والتهاب المفاصل الرثياني وداءُ الأمعاء الالتِهابِي والنقرس والصَدَفيَّة والربو وأمراض الكلية المزمنة والبدانة. من المفيد أن نعلم بأن تناول بعض الأطعمة قد يزيد من احتمالات الإصابة بالالتهابات، في حين أن تناول بعضها الآخر قد يقي الجسم منها.

أطعمة تزيد من الإصابة بالالتهابات
يعدُّ سكر المائدة أو السّكروز (50 في المئة جلوكوز و50 في المئة فركتوز) وشراب الذّرة عالي الفركتوز (45 في المئة جلوكوز و55 في المئة فركتوز) من السكريات المضافة التي يمكن أن تزيد خطر الإصابة بالالتهابات.
وتُحذّر المجلة الأمريكية للتغذية السريرية من أن السكريات المصنَّعة (السكروز) قد تحرّض إفراز السيتوكينات المسؤولة عن بدء الاستجابات الالتهابية في الجسم، كما تشير بعض الأبحاث إلى أن السكّر المضاف قد يُضعف التأثير المضاد للالتهاب لأحماض أوميغا 3. 
وتظهر دراسة سريرية أن تناول المشروبات الغازية المحلّاة قد يزيد من مستويات حمض البول في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث الالتهاب، كما يمكن أن يزيد مقاومة الجسم للأنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع سكّر الدم. وأكد الباحثون أن الفركتوز تحديدًا قد يُحدث التهابًا في الخلايا البطانية للأوعية الدموية، وهو من عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب. 
يؤكد الباحثون أن إدراج الكربوهيدرات المكررة في النظام الغذائي الحديث يزيد من احتمالات الإصابة بالالتهابات، حيث يمكن لها أن تحرّض نمو الجراثيم المسببة للالتهاب في الأمعاء، والإصابة بداء الأمعاء الالتِهابِي والبدانة، نظرًا لخلوّها من الألياف. 
كما تشير الدراسات إلى أن الكربوهيدرات المكررة ترفع نسبة سكر الدم بسرعة أكبر بكثير بالمقارنة مع الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات غير المعالجة والغنية بالألياف. 
في دراسة مضبوطة شملت مجموعة من الشباب الأصحاء الذين تناولوا 50 غرامًا من الكربوهيدرات المكررة «على شكل خبز أبيض» حدث لديهم ارتفاع ملحوظ في مستويات سكر الدم، إضافة إلى بعض مؤشرات الالتهاب المعروفة. 
وفي دراسة أخرى تبيّن أن كبار السن الذين أبلغوا عن تناول مقادير كبيرة من الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات المكررة كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 2.9 مرة نتيجة الإصابة بالالتهابات، بما فيها مرض الانسداد الرئوي المزمن. 
وتوجد الكربوهيدرات المكررة بكثرة في منتجات الدقيق الأبيض (الخبز والحلويات) وفي الأرز الأبيض والبطاطا البيضاء، وفي العديد من الحبوب المكرّرة، كما توجد في المشروبات الغازية المحلّاة وفي المنتجات الغذائية الجاهزة الحاوية على السكر المضاف أو المحضَّرة باستخدام الدقيق الأبيض (كالمثلجات ومنتجات الحليب المحلّى والصلصات والكورن فليكس ورقائق شيبس الذرة والشوكولاتة والمكسرات المحمصة بالعسل وغيرها كثير).

دهون وزيوت أكثر ضررًا
تُعدُّ الدسم المتحولة المصنَّعة الأكثر ضررًا بين مختلف أنواع الدسم التي يتناولها الإنسان، ويتم إنتاجها بهدرجة الزيوت النباتية السائلة كي تتحول الروابط غير المشبعة فيها إلى روابط مشبعة، مما يزيد من مدة صلاحية هذه الدسم ويحسّن مذاقها ورائحتها. 
على عكس الدسم المتحولة الطبيعية الموجودة في مشتقات الحليب واللحوم، يمكن للدسم المتحولة الاصطناعية أن تسبب الالتهاب، وأن تزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. وتشير الدراسات إلى أن تناول الدسم المتحولة الاصطناعية يرتبط بمستويات عالية من مؤشرات الالتهاب في الجسم، مثل البروتين التفاعلي CRP) C) الذي ينتجه الكبد عند حدوث الالتهاب. 
قد يؤدي تناول هذه الدسم إلى إضعاف وظيفة الخلايا البطانية للشرايين، وهو أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب، إضافة إلى زيادة مستويات الكولسترول الضار وخفض مستويات الكولسترول الجيد في الجسم. 
توجد الدسم المتحولة الاصطناعية في أغلب الحلويات الجاهزة، وفي الوجبات السريعة وفي جميع الأطعمة المقلية، وفي بعض أنواع الفشار المحضَّر بالميكروويف وبعض أنواع السمن النباتي والزيوت النباتية المهدرجة (مثل زيت الذرة وزيت الفستق وزيت بذور القطن).
من الضروري الإشارة هنا إلى أن تناول الدسم المشبعة قد يؤدي أيضًا إلى حدوث التهابات في أنسجة الجسم الدهنية، وهو عامل خطورة أساسي لأمراض القلب، كما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التهاب المفاصل وغيره من الأمراض المزمنة. تكون الدسم المشبعة صلبة في درجة حرارة الغرفة، وتوجد بمقادير كبيرة في الزبدة والسمنة وزيت النخيل وزيت جوز الهند والجبن واللحوم الحمراء.

أدلة وافية
يعتقد العلماء أن بعض الزيوت النباتية، كزيت فول الصويا وزيت جوز الهند، يمكن أن تحرّض على حدوث الالتهاب بسبب محتواها العالي من أحماض أوميغا 6. على الرغم من أن تناول الأغذية الغنية بأوميغا 6 ضروري، إلا أن خبراء التغذية ينصحون بتناول مقادير أكبر من الأغذية الغنية بأوميغا 3 للحفاظ على نسبة أوميغا 6 / أوميغا 3 ضمن الحد الأمثل 1/4. وتشير بعض الدراسات إلى أن تناول مقادير كبيرة من الأغذية الغنية بأحماض أوميغا 6 قد يزيد من حدوث الالتهابات، وهو حال معظم الحميات الغربية التي تتجاوز فيها هذه النسبة الـ 1/15، ومازالت هناك حاجة ملحّة لمزيد من الدراسات لتقديم أدلة وافية بهذا الشأن.
توجد أحماض أوميغا 6 على وجه الخصوص في زيت فول الصويا وزيت الذرة وزيت عباد الشمس ورقائق الشيبس والمايونيز والبيتزا والمعكرونة واللحوم والدواجن والأسماك والبيض والمكسرات (الجوز واللوز والكاجو) وفي الحلويات المصنوعة من الحبوب.
أما أحماض أوميغا 3، فتوجد بكثرة في الأسماك الدهنية، كالسلمون والسردين والماكريل والأنشوجة، والطحالب البحرية والبيض وفول الصويا وزيت بذور الكتان وزيت الكانولا والتوفو والمكسرات. 
يرتبط تناول اللحوم المصنَّعة، كالنقانق والسجق واللحوم المقدَّدة واللحوم المدخّنة واللحوم المعلّبة والمنتجات الغذائية القائمة على اللحوم، بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكّري وسرطان المعدة والقولون والمستقيم. وفقًا للتقديرات القائمة على تحليل البيانات الواردة في 10 دراسات خاصة بهذا الشأن، ويؤدي تناول حصة من اللحوم المصنَّعة بوزن 50 غرامًا يوميًا إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 18 في المئة. كما تشير تقديرات برنامج العبء العالمي للأمراض، وهو منظمة مستقلة للبحوث الأكاديمية، إلى أن 34000 وفاة بالسرطان سنويًا تُعزى إلى تبنّي حميات غذائية غنية باللحوم المصنَّعة. 
وتحتوي اللحوم المصنَّعة على مقادير أعلى من مركبات الـ AGEs التي تضم جزيئات الجلوكوز المرتبطة بالبروتين أو الدسم، وهي تتشكل نتيجة تعرّض اللحوم لدرجات حرارة عالية أثناء التصنيع. ومن المعروف أن المنتجات الغذائية الغنية بمركبات الـ AGEs تسهم في حدوث الالتهابات التي تزيد بدورها من احتمالات الإصابة بالسكّري وأمراض القلب والأوعية الدموية. 

خطوات مكافحة الالتهابات
 ●  الإكثار من تناول الخضراوات والفاكهة الطازجة، بما في ذلك الخضراء الداكنة والحمراء والبرتقالية، وإدراجها ضمن جميع الوجبات (بما يعادل نصف الوجبة الطعامية). ويمكن تناول الخضراوات والفاكهة المجمّدة والمعلّبة والمجففة، شريطة خلوّها من السكّر المضاف، وأن تضم مقادير قليلة جدًا من ملح الطعام.
●  عدم المبالغة في تناول البروتينات، وبما يعادل 0.8 –1 غرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم يوميًا، مع التركيز على تناول السمك الدهني 3 مرات في الأسبوع، واختيار الأغذية الغنية بالبروتينات بعناية لتشمل لحم الدجاج دون جلد (3-2 مرات أسبوعيًا على الأكثر) واللحم الأحمر المفروم الخالي من الدهون (مرّة واحدة أسبوعيًا على الأكثر)، إضافة إلى منتجات الألبان قليلة الدسم أو الخالية من الدسم، مع تجنّب اللحوم المصنَّعة تمامًا.
لا بد هنا من تأكيد ضرورة تناول البروتينات النباتية يوميًا من البقول (الفول والبازلاء والعدس) والمكسرات (مقدار قبضة اليد) ومنتجات الصويا. 
●  اختيار الدسم الصحية (الأحادية غير المشبعة)، بما في ذلك زيت الزيتون وزيت الذرة وزيت عباد الشمس وزيت الكانولا وزيت الفول السوداني وزيت بذور الكتان وزيت الأفوكادو (وفق توصيات جمعية القلب الأمريكية)، وتجنّب الأطعمة المعالجة الغنية بالزيوت المهدرجة والدسم المشبعة والمتحولة، إضافة إلى إدخال بذور الكتان والقنب والشيا إلى الوجبات اليومية، وتناول الأسماك الدهنية مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا، مع حفنة صغيرة من المكسّرات يوميًا.
●  الإكثار من تناول الحبوب الكاملة، كالأرز البني والبرغل والشوفان والكينوا، واستخدام دقيق الحبوب الكاملة في تحضير الخبز والمعجنات، بدلًا من الدقيق المكرر (الدقيق الأبيض). 

عوامل مهمة
أخيرًا، ينبغي تأكيد أن تناول الغذاء الصحي ليس هو العامل الوحيد في أساليب حياتنا اليومية الذي يمكنه أن يقي من الالتهابات، وأن هناك عوامل أخرى مهمة، كالنوم الصحي وممارسة الرياضة بانتظام (30 - 60 دقيقة من النشاط البدني المعتدل يوميًا لمعظم أيام الأسبوع) والمحافظة على الوزن ضمن الحدود المثالية. 
تحتوي الفواكه والخضراوات على مقادير كبيرة من مضادات الأكسدة (بما فيها فيتامين A وC وE والسلينيوم) التي تمنع أو تؤخّر أو تصلح بعض أنواع التلف التي يمكن أن تصيب خلايا وأنسجة الجسم. 
وإضافة إلى الفواكه والخضراوات، هناك طيف واسع من الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة، كالحبوب الكاملة والبقول والمكسرات والبذور والشاي الأخضر وبعض أنواع التوابل كالزنجبيل والكركم.
كما تحتوي الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبقول على بعض المركبات الكيماوية النباتية الطبيعية المعروفة بـ Phytochemicals المسؤولة عن لون ورائحة ونكهة الفواكه والخضراوات المختلفة، والتي تملك تأثيرًا مضادًا للالتهابات لم تحدد آليّة عمله تمامًا. كما ترتكز الأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات على تناول الدسم الأحادية غير المشبعة وأحماض الأوميغا 3، التي يمكنها أن تقلل من حدة الالتهابات وشدة الأعراض■