«ملافظ» بهيجة

 «ملافظ» بهيجة

السيدة بهيجة، امرأة كبيرة في السن، قاربت الـ 70 من عمرها، إلا أن الجميع في الحي سواء كانوا صغارًا أو كبارًا، ذكورًا أو إناثًا في العائلة، اتفقوا على حبّها وحُب وجودها في أيّ جمعة، إنها صديقة كل العوائل، فهي الجارة الأنيسة، الودودة.
ولأنها كبقيّة البشر، كنّا نعلم جيدًا أنها عانت بعض الصعاب والعثرات الاقتصادية والصحية، لكنّها لا تُظهر أيًا من ذلك لا بالذِّكر ولا بالفعل، حتى أنني لا أذكر أنها تناولت قرص دواء أمامنا.
السيدة بهيجة تحافظ دومًا على مظهرها الجميل المُهندم، حيث لا يفارق اللون الأحمر، بدرجاته، شفتيها، والأسود لا يغيب عن شعرها المصفّف دومًا بأناقة باهرة، حتى أنني كثيرًا ما كنت أحاول جاهدة أن أتخيّلها غير ذلك، لكن ذلك يصعب عليّ، ببساطة لأنها تفرض الجمال والبهجة لا في شكلها فقط، بل حتى في أحاديثها وكلماتها، إنّها الجارة السعيدة كما تردد «جاور السعيد تسعَد» فكيف وأنا البهيجة؟
وما إن تحطّ بهيجة قدميها في مجلس، إلا وبعثت فيه الضحك والابتسامات، جعبتها دومًا ممتلئة بالمواقف الطريفة والحكايات المضحكة، وكلّما بدأت في إحداها انطلق تساؤل لديّ وقلت لها مندهشة: معقول، هل فعلًا حدث ذلك؟ ولا أحصل منها إلا على إيماءة برأسها وتدفّق أكثر بالأحداث، التي تُطلق في رأسي سيلًا عارمًا من الأسئلة الأخرى، متى حدث لها هذا؟ إنها لا تخرج من منزلها كثيرًا، ولا تخالط إلا أسرتها وجيرانها.  في العام الماضي، وتحديدًا في ذكرى الاحتفالات الوطنية، سردت لنا السيدة بهيجة كيف تلقّت خبر تحرير الكويت في 26 فبراير 1991، وأنها لم تصدّق الخبر حتى خرجت إلى الشارع حاملةً عَلَم الكويت، ومتغنيّة بالنشيد الوطني كاملًا وبما آتاها الله من قوة.
 كانت تسرد الأحداث وهي تضحك بشدة الفرح الذي اعترى قلبها ذلك اليوم، وتصف الأحداث بدقّة بالغة تشعرك بأن الحدث كان بالأمس القريب، كانت ذاكرة لكل التفاصيل التي حدثت ذلك اليوم من ردود أفعال أبنائها، تعابير وجوههم المتفاجئة، لقد كانت تعيد خلق فرحة الحريّة والنصر والحياة. 
ضحكنا مع السيدة بهيجة، لكنّها غادرتنا بسرعة ذلك اليوم، غادرتنا بلا عودة، ولم تُعلّمنا أنه في فجر ذلك اليوم تحديدًا، فقدت ابنها البِكر الشاب بطلقة رصاص طائشة من قوات العدو، لكنّ السيدة بهيجة علّمتنا درسًا مهمًا في الفرح والبهجة عنوانه «الملافظ سعد»■