كورونا وباءٌ هزمَ العالَم

كورونا وباءٌ هزمَ العالَم

لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬الأسطر‭ ‬مستثناة‭ ‬مما‭ ‬أصاب‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬أعدتُ‭ ‬كتابتها‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬وأدخلت‭ ‬عليها‭ ‬تغييرات‭ ‬متلاحقة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬الحدث‭ ‬العظيم،‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬كان‭ ‬محور‭ ‬الحديث‭ ‬يترصد‭ ‬الصين‭ ‬ومكانتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬والمدخل‭ ‬المحفز‭  ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬ووهان‮»‬‭ ‬عاصمة‭ ‬مقاطعة‭ ‬هوبي،‭ ‬عندها‭ ‬كانت‭ ‬عجلة‭ ‬الحياة‭ ‬تدور‭ ‬وأخبار‭ ‬الصين‭ ‬تعتبر‭ ‬حدثا‭ ‬فرعيًا،‭ ‬ويومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬تضخم‭ ‬الحدث‭ ‬الفرعي‭ ‬ليحتل‭ ‬نشرات‭ ‬أخبار‭ ‬العالم،‭ ‬وتتعدد‭ ‬بؤر‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء،‭ ‬حتى‭ ‬تفوق‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الإصابات‭ ‬والوفيات‭ ‬على‭ ‬بلد‭ ‬المنشأ‭ .‬

في‭ ‬حدث‭ ‬عالمي‭ ‬نادر‭ ‬مُحيت‭ ‬كل‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الخبرين،‭ ‬المحلي‭ ‬والعالمي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬مفرّ‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬أخبار‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬احتجز‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬وأغلقت‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬والدول،‭ ‬وألغيت‭ ‬كل‭ ‬الفعاليات‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها‭ ‬لكبح‭ ‬جماح‭ ‬سرعة‭ ‬انتشار‭ ‬الفايروس‭ ‬الخبيث‭.‬

مَنْ‭ ‬كان‭ ‬ليصدق‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬شلل‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬أصاب‭ ‬أنظمة‭ ‬العالم‭ ‬ودورة‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬الصادم‭ ‬والسريع؟‭ ‬ومَنْ‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬هو‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتوفرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬وباء‭ ‬ينتقل‭ ‬بالمصافحة‭ ‬واللمس؟‭ ‬لقد‭ ‬توالت‭ ‬ضربات‭ ‬اكوروناب‭ ‬لجميع‭ ‬أنشطة‭ ‬البشر‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشغلهم‭ ‬عنه،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬الوباء‭ ‬أمرًا‭ ‬مستحيلًا،‭ ‬وباتت‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬هدفًا‭ ‬سهلًا‭ ‬للوباء‭ ‬الذي‭ ‬افترس‭ ‬الأقوياء‭ ‬قبل‭ ‬الضعفاء،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ساد‭ ‬فيه‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬له‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬طبي‭ ‬كفيل‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة‭ ‬وعدم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الحقب‭ ‬الغابرة،‭ ‬التي‭ ‬حصدت‭ ‬فيها‭ ‬الأوبئة‭ ‬أرواح‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭. ‬

 

وباء‭ ‬أعاد‭ ‬زمن‭ ‬الأوبئة

إن‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬وفر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدوية‭ ‬وطرق‭ ‬العلاج‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬وعدم‭ ‬تقبل‭ ‬فكرة‭ ‬الموت‭ ‬بأعداد‭ ‬مهولة‭ ‬بسبب‭ ‬مرض‭ ‬غير‭ ‬معروف،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬هضم‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬زمن‭ ‬الأوبئة‭ ‬قد‭ ‬عاد‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الانتشار‭. ‬وبالمقارنة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الأوبئة‭ ‬قديمًا‭ ‬تضرب‭ ‬منطقة‭ ‬محددة،‭ ‬وكان‭ ‬أمر‭ ‬تفشيها‭ ‬مرهونًا‭ ‬بالسفر،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتطور‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بعكس‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬تفشى‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬ثم‭ ‬ركب‭ ‬أمواج‭ ‬العولمة‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬قارات‭ ‬العالم‭ ‬المأهولة‭!‬

قضى‭ ‬وباء‭ ‬جستنيان،‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الميلادي‭ ‬بالامبراطورية‭ ‬البيزنطية،‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬تقدر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬25‭ ‬و50‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وكان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتشاره‭ ‬فئران‭ ‬السفن‭ ‬التجارية،‭ ‬وقد‭ ‬تكرر‭ ‬ظهوره‭ ‬حتى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الميلادي،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوتيرة‭ ‬المليونية‭ ‬قضى‭ ‬وباء‭ ‬الموت‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬أوربا‭ ‬والجدري‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬لكل‭ ‬منهما،‭ ‬أما‭ ‬وباء‭ ‬الكوليرا‭ ‬الشهير‭ ‬فقد‭ ‬ظهر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬كلكتا‭ ‬بالهند‭ ‬عام‭ ‬1817م،‭ ‬وانتشر‭ ‬بداية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أجزاء‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬ولاحقًا‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬أوربا،‭ ‬وتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬الآلاف‭ ‬واختلافه‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬ظهوره‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬الحاضر‭.‬

وتعتبر‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬الإسبانية‭ ‬هي‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬الأرقام‭ ‬المليونية‭ ‬في‭ ‬الوفيات،‭ ‬وجاءت‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬1914م‭ ‬ذ‭ ‬1918م،‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬إزهاق‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الخمسين‭ ‬مليون‭ ‬إنسان،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬وفي‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكثافة‭ ‬والتنوع‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬المواصلات‭ ‬الدولية،‭ ‬انتشرت‭ ‬إنفلونزا‭ ‬الخنازير‭ ‬لتصيب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬مليون‭ ‬إنسان‭ ‬وتقتل‭ ‬550‭ ‬ألفًا،‭ ‬أما‭ ‬وباء‭ ‬إيبولا‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬فقد‭ ‬اجتاح‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬إفريقية،‭ ‬هي‭ ‬غينيا‭ ‬وسيراليون‭ ‬وليبيريا،‭ ‬وقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬إنسان‭. ‬

 

صياغة‭ ‬شعارات‭ ‬أممية

لم‭ ‬يفعل‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬بالعالم‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الأوبئة‭ ‬القديمة،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأرقام‭ ‬الوفيات،‭ ‬إلّا‭ ‬أنه‭ ‬بسبب‭ ‬سرعة‭ ‬انتشاره‭ ‬وفورية‭ ‬وصول‭ ‬الأخبار‭ ‬ليد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬هاتفًا‭ ‬ذكيًا،‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬حبس‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬ودفع‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬والجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بالصحة‭ ‬العامة‭ ‬لصياغة‭ ‬شعارات‭ ‬أممية‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬الإجراءات‭ ‬الوقائية،‭ ‬مثل‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬ونظافة‭ ‬اليدين‭ ‬ولبس‭ ‬الكمامات‭ ‬والقفازات‭ ‬وعدم‭ ‬المخالطة‭ ‬والمصافحة،‭ ‬والشراء‭ ‬حسب‭ ‬الحاجة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬اكوروناب‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬وانخفاض‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البضائع،‭ ‬وتسببه‭ ‬في‭ ‬إغلاق‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الوظائف،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬الخسائر‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الطريق،‭ ‬والآمال‭ ‬متوقفة‭ ‬على‭ ‬انتهاء‭ ‬الجائحة‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭. ‬

‭ ‬عودة‭ ‬زمن‭ ‬القراصنة

كانت‭ ‬السمة‭ ‬الغالبة‭ ‬لأغلب‭ ‬الدول‭ - ‬وأولها‭ ‬الصين‭ - ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬هي‭ ‬الارتباك،‭ ‬ثم‭ ‬التكتم،‭ ‬ومع‭ ‬سرعة‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬ماهيته‭ ‬للسيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬قاسية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إخفاؤها،‭ ‬مثل‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬الكامل‭ ‬لسكان‭ ‬مدينة‭ ‬كاملة،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬وتزايد‭ ‬حالات‭ ‬الإصابات‭ ‬وإغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬والمطارات‭ ‬أصبح‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬الجديدة‭ ‬أكثر‭ ‬شفافية‭.‬

السمة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متوقعة‭ ‬هي‭ ‬الأحادية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬فكل‭ ‬دولة‭ ‬منشغلة‭ ‬بحالها‭ ‬ماعدا‭ ‬دول‭ ‬قليلة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬مساعدات‭ ‬طبية‭ ‬لدول‭ ‬أخرى،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬تبريرات‭ ‬بأن‭ ‬الحدث‭ ‬جلل‭ ‬وأصاب‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬انهارت‭ ‬منظوماتها‭ ‬الصحية‭ ‬بشكل‭ ‬مرعب،‭ ‬حتى‭ ‬وصلوا‭ ‬لمرحلة‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬المرضى،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬متوقعًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬المبادرة‭ ‬لمساعدة‭ ‬الدول‭ ‬المحتاجة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬مقبولًا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬مع‭ ‬إيطاليا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬بالتحديد،‭ ‬وسقوط‭ ‬اتفاقية‭ ‬االشنغنب‭ ‬بعد‭ ‬إغلاق‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬حدودها،‭ ‬جعل‭ ‬شعارات‭ ‬الوحدة‭ ‬الأوربية‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬ولعل‭ ‬توقيت‭ ‬اكوروناب‭ ‬السيئ‭ ‬يأتي‭ ‬بمنزلة‭ ‬الضربة‭ ‬الثالثة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬بعد‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لليونان‭ ‬وخروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬عضويته،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬بوادر‭ ‬تذمُّر‭ ‬شعبي‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬تطورت‭ ‬لاحقًا‭ ‬لتخرج‭ ‬إلى‭ ‬العلن‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭.‬

السمة‭ ‬الثالثة،‭ ‬التي‭ ‬أعتبرها‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬هي‭ ‬االتوحشب،‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬والجماعات‭ ‬والأفراد،‭ ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬الدول‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬دولًا‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬معسكر‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬تسطو‭ ‬على‭ ‬سفن‭ ‬تحمل‭ ‬شحنات‭ ‬ومعدات‭ ‬طبية‭ ‬لدولة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقد‭ ‬تكرّر‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬بعودة‭ ‬زمن‭ ‬القراصنة‭ ‬وإطلاق‭ ‬قانون‭ ‬الغاب‭ ‬لمن‭ ‬يملك‭ ‬القوة‭ ‬الأكبر،‭ ‬أما‭ ‬الجماعات‭ ‬والأفراد،‭ ‬فتزايدت‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬صيحات‭ ‬العنصرية‭ ‬بشكل‭ ‬مقزّز،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الدعوات‭ ‬لتجريب‭ ‬لقاحات‭ ‬اكوروناب‭ ‬على‭ ‬ذوي‭ ‬البَشرَة‭ ‬السمراء،‭ ‬وليت‭ ‬الأمر‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬التدافع‭ ‬على‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬فتلك‭ ‬أمور‭ ‬تنتهي‭ ‬بانتهائها،‭ ‬لكن‭ ‬العنصرية‭ ‬ثقافة‭ ‬يصعب‭ ‬تغييرها‭ ‬بين‭ ‬يوم‭ ‬وليلة‭.‬

‭ ‬

للجائحة‭ ‬فوائدٌ‭ ‬ودروس

بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬المتبعة‭ ‬حاليًا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬بقاء‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬وتوقّف‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات‭ ‬كافة‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬تعتبر‭ ‬مؤقتة،‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬انعكست‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانخفاض‭ ‬الملحوظ‭ ‬في‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬المسببة‭ ‬للاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وكأن‭ ‬رئة‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬باتت‭ ‬تتنفس‭ ‬هواءً‭ ‬نقيًا،‭ ‬وعلى‭ ‬ذمّة‭ ‬موقع‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية،‭ ‬تراجعت‭ ‬مستويات‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬الأمريكية‭ ‬بنحو‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬انحسرت‭ ‬الانبعاثات‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬بنسبة‭ ‬25‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭.‬

وتحسنت‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬337‭ ‬مدينة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬بنسبة‭ ‬11.4‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬مقارنة‭ ‬بنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬سلوكيات‭ ‬الناس‭ ‬بما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭. ‬وأشارت‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018م‭ ‬بجامعة‭ ‬زيورخ‭ ‬للعلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬في‭ ‬سويسرا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حثّ‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬عاداتهم‭ ‬لفترة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬يترك‭ ‬أثرًا‭ ‬على‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

الدرس‭ ‬القاسي‭ ‬الذي‭ ‬تتجرّعه‭ ‬أقوى‭ ‬المنظومات‭ ‬الصحية،‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬أصابت‭ ‬أعدادًا‭ ‬تفوق‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية،‭ ‬فإن‭ ‬الدرس‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬ليست‭ ‬سلعة‭ ‬تباع‭ ‬وتشترى،‭ ‬والدولة،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬النظم‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬عدم‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬الجيدة‭ ‬للفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬تدنيًا‭ ‬في‭ ‬مدخولها،‭ ‬لأنها،‭ ‬أي‭ ‬الدولة،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬الحرجة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬تسامحًا‭ ‬معهم‭.‬

وبهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نقدّم‭ ‬تحية‭ ‬كبيرة‭ ‬للطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬المخلصة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬مرضًا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬له‭ ‬دواء،‭ ‬فهم‭ ‬اليوم‭ ‬يتقدّمون‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬ويعملون‭ ‬فوق‭ ‬طاقتهم‭ ‬المعتادة‭ ‬ويتعرّضون‭ ‬لضغوط‭ ‬نفسية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬واصل‭ ‬المهمة‭ ‬حتى‭ ‬قضى‭ ‬نحبه‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬قضية‭ ‬إنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬الآخرين‭. ‬

‭ ‬

رمضان‭ ‬قادم‭ ‬

تفرض‭ ‬وتيرة‭ ‬الصدور‭ ‬الشهري‭ ‬قواعد‭ ‬عمل،‭ ‬أبرزها‭ ‬عدم‭ ‬ملاحقة‭ ‬الخبر‭ ‬اليومي،‭ ‬وفي‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬ليس‭ ‬مطلوبًا‭ ‬متابعة‭ ‬الخبر‭ ‬بقدر‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تحلل‭ ‬أسبابه‭ ‬وتأثيراته‭ ‬المستقبلية،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الأخبار‭ ‬تكتسب‭ ‬خصوصية‭ ‬في‭ ‬كمها‭ ‬ونوعها،‭ ‬فارضةً‭ ‬نفسها‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتنا‭ ‬بصورة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الخيال،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬نحن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬عالمية‭ ‬قياسية‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬أو‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬هو‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نستعد‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدد،‭ ‬وطوال‭ ‬فترة‭ ‬التحضير‭ ‬الاعتيادية‭ ‬تزايد‭ ‬وقع‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلينا،‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬العمل‭ ‬بجميع‭ ‬المواقع‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية،‭ ‬والدراسة،‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل،‭ ‬ومنع‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬المساجد،‭ ‬وتم‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تأدية‭ ‬صلواتهم‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬ومن‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يُقام‭ ‬له‭ ‬العزاء،‭ ‬ويتم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالاتصال‭ ‬الهاتفي‭ ‬أو‭ ‬الرسائل‭ ‬القصيرة،‭ ‬أما‭ ‬الأفراح‭ ‬فتم‭ ‬تأجيلها‭ ‬لأجل‭ ‬غير‭ ‬مسمّى‭.‬

إن‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭ ‬على‭ ‬الأبواب،‭ ‬ولا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬ندعو‭ ‬الله،‭ ‬عزّ‭ ‬وجل،‭ ‬أن‭ ‬يزيح‭ ‬عنّا‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬هذه‭ ‬الغمّة‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت،‭ ‬حتى‭ ‬تُفتح‭ ‬بيوت‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وتعمر‭ ‬بالمصلين‭ ‬الرُّكع‭ ‬السجود‭ ‬